نقد المفهوم الحقوقي السلطوي عن العدالة الانتقالية في ظل الثورة المضادة - مقال


اليسار الثوري في مصر
2015 / 1 / 31 - 01:15     

علي أحمد شريف

مازال يقابلنا في دوائر الفكر، والسياسة، والقانون ذلك الاتجاه الذي لا يرى أن المفاهيم والأفكار، والمقولات لها أساس في العلاقات الاجتماعية، ومضمون طبقي يعكسها، ولا أن أطر الصراع، وموازين القوى بين الطبقات هي التي تحدد طابع تلك المفاهيم والأفكار والمقولات المجردة وتعينها في سياقات تاريخية. ويقود طرح المفاهيم والمقولات مجردة بعيدة عن حاملها الطبقي الاجتماعي، وخارج مشكل الصراع الطبقي إجمالاً إلى الاعتقاد الخاطئ بأن الممثل السياسي الطبقي لسلطة ما، أو شرائح واتجاهات داخل الطبقة المعنية يمكن أن تتبنى أي مفهوم أو أي سياسة في أي وقت بغض النظر عن أعمق مصالحها، ويمكن لها بالتالي أن تغيره، وتبدله حسب مزاجها، وإرادتها، ناقض مصالحها، أو لم يناقضها في لحظة تاريخية معينة. ويتكرر على مدار تاريخنا السياسي المعاصر – وخاصة في الأعوام الأربع الماضية منذ اندلاع ثورة 25 يناير لدى الكتاب والمفكرين والسياسيين والحقوقيين – هذا النمط من الوعي رغم أن أفلاطون في “جمهوريته” منذ ما قبل الميلاد قد طرح في إحدى محاوراته على لسان أحد المجادلين رأياً مفاده “أن العدالة إنما هي فائدة الأقوى“. مما يعنى بالضرورة تعدد مفهوم العدالة بتعدد الطبقات والشرائح الاجتماعية “القوية والضعيفة“.

وإذا كان لمفهوم العدالة سواء كانت انتقالية أم تقليدية أطره الطبقية التاريخية، والاجتماعية، وحقيقة انغراسه في معارك الصراع الطبقي، فمؤدى ذلك أنه لا يمكن تسويد مفهوم على آخر من خلال نداءات حقوقية مناشدة للسلطة، ولا من خلال دعاوى ترفع في المحاكم قد تنتهي بأحكام “رائعة” تظل حبراُ على ورق، ولا بدعاوي مصالحة زائفة تنتهي إلى لا شيء، ولا بإنشاء وزارة يتناقض مضمونها مع اسمها، وإنما من خلال تغيير موازين القوى الفعلية لصالح طبقة أو فئة أو اتجاه في لحظة معينة. لذا انتقد ماركس في تعليقه على برنامج جوتا هؤلاء الذين طالبوا بأشياء لا معنى لها إلا في ظل جمهورية ديموقراطية من دولة ليست سوى استبداد عسكري، مصنوع بطريقة بيروقراطية ومحافظ عليه بطريقة بوليسية، مزين بأشكال برلمانية، وخاصة أنهم أملوا في الحصول على هذه الأشياء كلها بـ”وسائل شرعية“.

يجرى تعريف العدالة الانتقالية[1] بأنها “مفهوم يشير إلى مجموعة التدابير القضائية وغير القضائية التي قامت بتطبيقها دول مختلفة من أجل معالجة ما ورثته من انتهاكات جسيمة لحقوق المواطنين، وتتضمن هذه التدابير الملاحقات القضائية، ولجان تقصى الحقائق، وبرامج جبر الأضرار وأشكال متنوعة من إصلاح المؤسسات“. ويفترض أن يتحقق هذا النوع من العدالة خلال فترات الانتقال التي تعقب التحرر من الاحتلال الأجنبي، أو الصراعات الأهلية الداخلية، أو عقب سقوط نظام قمعي لمن عانوا من ضحاياه.

وهيمنت دعاوي أعطت الأولوية في البداية إلى “الكشف عن الحقيقة، وعدم الإفلات من العقاب“. وتبلورت أهدافها في:

“1. الملاحقات القضائية، لاسيما تلك التي تطال مرتكبي الانتهاكات الذين يعتبرون أكثر من يتحمل المسؤولية.
2. جبر الأضرار، الذي تعترف الحكومات عبره بالأضرار الواقعة وتتخذ خطوات لمعالجتها. وغالباً ما تتضمن هذه المبادرات عناصر مادية (كالتعويضات، أو الخدمات الصحية على سبيل المثال) فضلاً عن نواح رمزية (كالاعتذار العلني، أو إحياء يوم الذكرى).
3. إصلاح المؤسسات ويشمل مؤسسات الدولة القمعية على غرار القوات المسلحة، والشرطة والمحاكم، بغية تفكيك … آلية الانتهاكات البنيوية وتفادى تكرار الانتهاكات الخطيرة لحقوق المواطنين والإفلات من العقاب.
4. لجان تقصى الحقائق، أو أية وسائل أخرى للتحقيق في أنماط الانتهاكات المنتظمة والتبليغ عنها، وللتوصية بإجراء تعديلات وللمساعدة على فهم الأسباب الكامنة وراء الانتهاكات الخطيرة لحقوق المواطنين“.

يروج حقوقيونا لهذه العدالة الانتقالية، التي أنشئت لها وزارة خاصة في “حكومتنا” ويستشهد بتجاربها على وجه الخصوص في جنوب أفريقيا التي شهدت واحداً من “أعظم الدساتير” أيضاً!! فأين انتهت هذه العدالة الانتقالية في هذا البلد الأخير؟ فلنقرأ ما ورد في أحد التقارير عن ذلك: “… معظم الجهود التي بذلت لتحقيق المحاسبة عن الجرائم المرتكبة باءت بالفشل. أجاز قانون لجنة الحقيقة والمصالحة عرضاً مثيراً للجدل وهو “العفو من أجل الحقيقة” لمرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان الذين رغبوا بالاعتراف… (وجرت محاكمات سرية بغياب الضحايا)… وتضمنت سياسة الملاحقة القضائية الخاصة بسلطة المتابعة القضائية الوطنية تعديلات من أجل “عفو عام غير نزيه” مكنت مرتكبي الجرائم في زمن التمييز العنصري، ممن لم يتقدموا بطلبات للحصول على عفو لجنة الحقيقة والمصالحة، من الإفلات من العقاب“. لم يقف الأمر عند هذا الحد حيث تم الاكتفاء بالاعتراف بما تم من انتهاكات دون ملاحقات قضائية للسياسيين العنصريين، بل لم تسفر مقاضاة 23 شركة متعددة الجنسيات (من ضمنها شركة فورد موتورز، وجنرال موتورز، وآي بي إم) ممن أسهمت في الانتهاكات عن إدانتها أو إجبارها على تعويض الضحايا بحجة أن القانون العرفي الدولي لا ينص على مسؤوليتها في انتهاكات حقوق الإنسان الدولي .

وقد كشفت الأحداث التي تلت إضراب عمال منجم ماريكانا في أغسطس 2012، التي قتلت الشرطة فيها ثلاثين عاملاً من عمال المنجم أضربوا سلمياً احتجاجاً على ظروفهم المعيشية عن أن الاستغلال الرأسمالي والقمع البوليسي لا تنهيهما أية “عدالة انتقالية” رغم إنهاء نظام الفصل العنصري .

طرحت فكرة تطبيق العدالة الانتقالية في مصر عقب ثورة 25 يناير 2011 . وتضمنت عقد محاكمات، وإقامة دعاوى جنائية ضد المسئولين عن الجرائم والانتهاكات المرتكبة، وتشكيل لجان تقصى الحقائق، وتعويض أهالي الشهداء والمعاقين، وجبر الأضرار، وإصلاح الأجهزة الأمنية بإعادة هيكلتها، وتخليد رموز الثورة ممن دفعوا حياتهم ثمناً للحرية الخ… وعقد مؤتمر العدالة الانتقالية في العالم العربي بالقاهرة في فبراير 2012. وصيغت “مشاريع قانونية وهيكلية” لتطبيق مفهوم العدالة الانتقالية في البلدان العربية فيما بعد ثورات الربيع العربي .

ولكن هل كان من الممكن تطبيق مفهوم “شعبي” للعدالة الانتقالية في ظل هيمنة الثورة المضادة على السلطة بجناحيها البيروقراطي العسكري ثم الإخواني، وبعد صعود الرئيس البونابرتي؟ لابد من أن نؤكد هنا على أن كل الإجراءات المتخذة ضد مبارك ومعاونيه – بمحاكمتهم وسجنهم، وتوجيه الاتهام لكبار رجال الشرطة بقتل المتظاهرين، واتهام بطانة محاسيب مبارك من الرأسماليين بالفساد، ومحاولات استرداد الأموال المنهوبة من الخارج، وتشكيل لجان لتقصى الحقائق وتعويض الشهداء وغيرها، رغم الالتفاف على كل ذلك فيما بعد – قد أكرهت عليها سلطة الثورة المضادة تحت قوة الضغط الجماهيري، ولم تكن لتقدم على شيء منها طوعاً. وقد تبين أن كل الأجهزة القمعية، وما تسمى بالسيادية قد توطأت على إعدام الأدلة، أو تزييفها، أو إخفاءها إن وجدت، وأدلى كبار المسئولين بإفادات تخالف الوقائع حنثوا فيها بيمين الشهادة ، بل وما سبق أن صرحوا به، واستغلت كل الثغرات الشكلية في القانون لتبرئة مرتكبي الجرائم، خاصة وأن القانون مثله مثل القضاء لا يقف فوق منازعات الصراع الطبقي وقد سنته الطبقة السائدة لصالحها أساساً، ورفضت كل الأفكار التي طرحت عن تشكيل محاكم ثورية، وإصدار قوانين استثنائية خاصة، وحين تطلب الأمر إدانة البعض تنفيسا للسخط تم ذلك في جرائم صغرى لا تقاس بما ارتكبوه فعلاً. كان النظام يحاكم نفسه تحت الضغط الشعبي لذا وجهت تهم لبعض المتنفذين لا تتعلق بالسياسات الكلية للنظام وإنما بانتهاكات وسرقات واختلاسات وتجاوزات تافهة وما شابه. وحين انتهت فترة الصراع الثوري المكشوف، وانحسرت الحركة الجماهيرية تحت أثر دعايات الحرب على الإرهاب وتحقيق الأمن والاستقرار وإدعاء وجود مؤامرات إقليمية وعالمية، أفرج عن جميع ضباط الشرطة ممن قتلوا المتظاهرين وجرت بالتالي تبرئة مبارك، وتبين فجأة عدم إمكان استرداد أية أموال منهوبة … الخ، وكان قد سبقه في التبرئة طاقمه من المحاسيب. إن تحقيق هذا النمط من العدالة يبدأ بعملية جمع الاستدلالات، وتوثيق الأدلة والقرائن التي نفذتها هيئات تابعة لذات النظام، ولم يكن من الممكن أن ينتهي إلا لما انتهى إليه. فكيف يمكن أن تكون النتيجة مختلفة إذا كانت أدوات النظام هي التي تجمع الأدلة التي تقدم لنيابتها ثم تعرض على محاكمها التي تحاكم بمقتضى قوانين وضعتها وتملك أن تخفى أو تعدم كل ما يناقضها؟ !

لقد خصصت وزارة للعدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، وفى 16 يوليو 2013 تولاها المستشار محمد أمين المهدي، عقب الإطاحة بالرئيس الإخواني في ظل رئاسة عدلي منصور للجمهورية وحازم الببلاوي للوزارة، أي عقب الموجة الثورية الثانية، ومع وجود عناصر معروفة بتوجهها الليبرالي داخل الحكومة، تخديراً للشعب في فترة لم يكن فيها المد الجماهيري قد انحسر بعد .

وعقب أقل من عام يصرح أمين المهدي (وزير العدالة الانتقالية في حكومتي الببلاوي ومحلب) في حوار مع جريدة المصري اليوم (في 19 ابريل 2014) رداً على سؤال: “وهل ترى المناخ أو البيئة أصبحت موجودة لتأسيس عدالة انتقالية في مصر، أقصد بعد ثورة 30 يونيو؟” فيجيب الرجل باستقامة يحمد عليها إذا ما قارناه بالمراوغين المضللين : “سأكون صريحاً للغاية، وأخبرك بأنه شبه مستحيل تطبيق العدالة الانتقالية في مصر حالياً، حتى بعد ثورة 30 يونيو، ولا مفاجأة في ذلك، لأنه ببساطة هناك أشياء كثيرة تم تجريفها في المجتمع المصري بسبب الفساد الشديد الذي عاناه لسنوات، والانتهاكات التي قامت بسببها ثورتان عظيمتان كانت بسبب أجهزة دولة ونظام حكم وليس شخصاً بمفرده…“.

فالمسألة إذن ليست في إنشاء وزارة جديدة، ولا حتى مفوضية للعدالة الانتقالية ينص عليها في الدستور كما اقترح، وإنما تكمن في النظام الطبقي السياسي ككل وأجهزة الدولة التي بقيت على حالها، والتي لا مصلحة لها في “عدالة انتقالية” وهي امتداد للقديم وليس قطعاً معه، وبمفاهيمنا نحن تكمن في هيمنة أحد أجنحة الثورة المضادة على السلطة السياسية في ظل موازين قوى معينة، وحين يجرى الحديث عن وجود أو انعدام الإرادة السياسية فمعناه الإرادة الطبقية، بينما تغيب قوى الإكراه الثوري الضاغطة .

كما يصرح السيد ياسين وهو باحث اجتماعي رجعى وسلطوي بأن العدالة الانتقالية ليست سوى وهم غير قابل للتطبيق في بلادنا، وينطبق هذا حتى على أدنى أشكالها من الاعتراف العلني بالخطأ، والاعتذار العلني عنه تمهيداً للمصالحة بين الأطراف، فذلك يقتضى رسوخ تقاليد النقد الذاتي في المجتمع…[2]

وكيفما كان الأمر وتحت شعار النظام الدعائي بأن هذه العدالة “ليست انتقامية ولا انتقائية” لم يجرِ أي نوع من أنواع الإصلاح المؤسسي في جهاز الشرطة (لا تراودنا أوهام حول ذلك)، وأفرج عن كل رموز النظام السابق من سياسيين وغيرهم، وعلى رأسهم مبارك وابنيه، ولم يحكم على أي من الضباط في اغتيال المتظاهرين، وحفظت تقارير لجان تقصى الحقائق، وجرت مماطلة ضحايا الفساد والاستبداد والعنف والتعذيب بشأن تعويضهم مادياً ومعنويا الخ. وتبين أن العدالة الانتقالية التي تقصدها السلطة هي عدالة تقتصر على فئات داخل البورجوازية، وخاصة تلك التي اضطهدتها زمرة مبارك الضيقة أيام “رأسمالية المحاسيب“، وأنه يمكن إجراء مصالحة داخلية بين فئاتها فتستعيد بعض التلاحم الضروري في مواجهة خصومها. وتشكلت لجنة للإصلاح التشريعي كان همها الأول إصدار قوانين تفتح الطريق أمام الاستثمار والاستغلال الرأسمالي، فصدر تعديل لقانون العقود الذي تباع وفقه شركات القطاع العام يحظر على غير طرفيه الطعن فيها فبرر بذلك الصفقات المشبوهة، وصدر قانون التصالح مع “رجال الأعمال” الرأسماليين الذي يلزمهم برد ما نهبوه بقيمته وقت النهب حتى وإن جنوا منه مليارات، قوانين متتالية بزيادة معاشات ومرتبات وأجور رجال القوات المسلحة والشرطة والقضاء، والالتفاف على ما سمي بالحد الأقصى للأجر بامتناع الهيئات المختلفة كالداخلية والقضاء عن الإفصاح عن جداول أجورها وإهداره عملياً، ورفض تحديد حد أدنى للأجر، وأي مطالب اقتصادية للكادحين والمستغلين بحجة إنها فئوية. وكشفت التشريعات السياسية الصادرة في ظل المستشار عدلي منصور ثم خلفه السيسي عن طبيعتها بوصفها معادية جذرياً للحقوق والحريات التي كسبتها قوى الثورة في السنوات الثلاث الأولى من صراعها المكشوف. بدءً من قانون التظاهر وصولاً إلى قانون الكيانات الإرهابية، فضلاً عن تغول كل أجهزة القمع العسكري – البوليسي التي لا يردعها رادع ، مما يناقض أية عدالة انتقالية أو غير انتقالية من منظور قوى الثورة بمصالحها وأهدافها. الأمر الذي يعنى أن ما يجري هو تعزيز لسلطة البورجوازية بقيادة البيروقراطية العسكرية وتثبيت لدعائم الثورة المضادة. وهو ما تعنيه من الناحية الفعلية هذه “العدالة” “الانتقالية“.

وقد أعلنت جريدة الشروق في عددها الصادر بتاريخ 19 يناير 2015 نقلاً عن وزارة العدالة الانتقالية ووزيرها الحالي المستشار إبراهيم الهنيدي أن “مشروع قانون العدالة الانتقالية الذي تقوم بإعداده يتضمن أربعة بدائل لتحقيق ركن المحاسبة، ….. بما يناسب ظروف وأوضاع البلاد وقت وضع القانون” فما هي هذه البدائل؟ “البدائل المقترحة هي: تحقيق المحاسبة من خلال الجرائم المنصوص عليها بالفعل والمحاكم الجنائية العادية وفقاً للإجراءات المعتادة في القوانين العقابية، أو تحقيق المحاسبة من خلال آليات قانون إفساد الحياة السياسية القائم والمعمول به عن طريق محاكم الجنايات، أو تحقيق المحاسبة عن طريق آليات قانون إفساد الحياة السياسية ولكن من خلال إنشاء دوائر متخصصة مع تعديل العقوبات لتصبح عقوبات سياسية محضة، أو تحقيق المحاسبة عن طريق تنظيم لجان العفو مقابل الاعتراف الكامل” وتابع “الدستور المصري الصادر في 18 يناير 2014 تضمن في المادة 241 منه التزام الدولة بإصدار قانون للعدالة الانتقالية في أول دور انعقاد لمجلس النواب بعد نفاذ الدستور، وأن المختص دستورياً بإصدار هذا القانون هو مجلس النواب، وهذه ضمانة تعكس فهماً واضحاً من واضعي الدستور لطبيعة هذا القانون الذي لا يضمن نجاح تطبيقه إلا أن يكون قد تم وضعه من ممثلي الشعب، وبالتالي لا صحة للنية في إصداره أو إمكانية قيام الوزارة أو الحكومة بذلك قبل انعقاد البرلمان.” وتابع “أركان العدالة الانتقالية وفقاً للمعايير الدولية واضحة ومستقرة، وهي كشف الحقيقة، والمحاسبة، وتعويض الضحايا، والمصالحة الوطنية…“

النصوص القانونية والدستورية ليست نصوصاً محايدة، وهي لا تطبق نفسها بنفسها، وقوة الإلزام والإكراه فيها تقع خارجها، وتتحدد قيمتها وتتعين بموازين القوى المتغيرة بين الطبقات الاجتماعية المتصارعة، وقد شاهدنا كيف تحولت “الرومانسيات الدستورية” إلى وقائع قمع مفزعة، ولم يبق من دستور يناير 2014 غير القسمة التي جرت للامتيازات بين أجهزة الدولة القمعية والأيديولوجية، التي قننت فيها كل جهة مصالحها. وليس من المتوقع مع كل التاريخ السابق خلال السنوات الأربع الماضية أن يتحقق في فترة الانحسار الثوري ما لم يتحقق في فترات المد، ومجلس النواب المقبل هو برلمان الثورة المضادة من الناحية الأساسية حتى لو نجح في التسلل إليه بعض المتعاطفين مع الثورة. ولن ينخدع الكادحين بكلمات وجمل لا تعني سوى التحايل والمراوغة والالتفاف على مطالب الثورة المعروفة. وفى مواجهة المشاريع التضليلية حول العدالة الانتقالية تتوجه جريدتنا للجماهير بضرورة النضال من أجل حقوق الشعب الكادح والمستغل التي يلخصها شعارها: “عيش، حرية، كرامة إنسانية، عدالة اجتماعية” فقوة الجماهير وحدها هي التي تمكنها من تحقيق ما تريد، لا انتظار عدالة من أعداءها الطبقيين لن تأتى أبداً .

-

[1] اعتمد المقال في تحديده لمفهوم العدالة الانتقالية على ما ورد تحت عنوان العدالة الانتقالية في موقع: http://www.Marefa.org

-

[2] العدالة الانتقالية بين الوهم والحقيقة – 29 سبتمبر 2013 – جريدة الحياة اللندنية.