اليونان: انتصار “سيريزا” والمستقبل - حوار مع الناشطة الاشتراكية كاترينا ثويدو


أشرف عمر
2015 / 1 / 27 - 08:46     

حوار مع الناشطة الاشتراكية كاترينا ثويدو

اليونان: انتصار “سيريزا” والمستقبل

ترجمة أشرف عمر الناشر وحدة الترجمة – مركز الدراسات الاشتراكية



كاترينا ثويدو هي عضو في حزب العمال الاشتراكي اليوناني، ومرشحة في الانتخابات البرلمانية في اليونان عن أنترازيا (تحالف سياسي مناهض للرأسمالية). هي أيضاً عضو باللجنة المركزية لكييفرا (حركة مناهضة العنصرية والتهديد الفاشي)، وهي منظمة تنظم الحملات ضد حزب الفجر الذهبي الفاشي في اليونان، تناضل من أجل حقوق العمال المهاجرين. في شهر يوليو من العام الماضي، كان حزب الفجر الذهبي قد قدم دعوى قضائية ضدها، إلى جانب ثلاثة صحفيين آخرين من جريدة حزب العمال الاشتراكي “تضامن العمال”، لكن المحكمة قد أسقطت جميع التهم عنهم.

في هذا الحوار، المنشور بتاريخ 29 يناير 2015 تتحدث ثويدو مع جيمي يان عن الموقف السياسي الراهن في اليونان، واحتمالات قيام حكومة يسارية.

صفي لنا الوضع الراهن في اليونان. ما السياق الأوسع الذي تجري فيه الانتخابات المبكرة في 25 يناير الجاري؟
منذ أن ضربت الأزمة الاقتصادية اليونان، شن الآلاف من الناس العاديين النضال ضد الحكومة، ضد التقشف وضد الفاشية. لقد هزمنا ثلاثة حكومات، والآن نحن على وشك إلحاق الهزيمة بالرابعة.

أُجبِرَ أنطونيوس ساماراس على الدعوة لانتخابات مبكرة إذ لم يعد بمقدوره تولي رئاسة الوزراء بعد الآن. لقد تمكن من التصويت في البرلمان لصالح إجراءات التقشف التي طالبت الترويكا الحكومة بها، لكن في النهاية كان من المستحيل بالنسبة له تطبيقها. لم يعد من الممكن تطبيق إجراءات التقشف الجديدة تلك بسبب المقاومة العمالية المستمرة منذ سنوات.

كيف تصفين المزاج الجماهيري على الأرض، في الشوارع وعلى مستوى مواقع العمل، تجاه احتمالية قيام حكومة يسارية؟ ما هي آمال الناس وتوقعاتهم من سيريزا؟
لقد حاول حزبا الباسوك والديمقراطية الجديدة، جاهدَين، لترهيب الناس بالقول أن اليونان إذا غادرت الاتحاد الأوروبي أو إذا شكل حزب سيريزا الحكومة، فلن يبقى هناك أموال في البنوك، وسيهجم الفقر على الناس، ولن يكون هناك ما يكفي من المال لتمويل المدارس العامة والمستشفيات. لقد تلاعبوا بكارت الخوف، لكن الناس لم يعدوا يهتمون بهذه الدعاية بعد الآن. إنهم لا يصدقون الحكومة.

يستمر حزب الديمقراطية الجديدة في الهبوط إلى أسفل، أما الباسوك فيعاني الانقسام. نرى الآن مرشحين قياديين تمتد أصولهم السياسية إلى الباسوك – الرئيس الحالي للحزب إيفانجلوس فينيزيلوس، والرئيس السابق جورج بابانداريو، الذي شكل مؤخراً حزباً جديداً. منذ بضع سنين، جنى الحزبان 70% من الأصوات، لكنهم اليوم جنوا سوياً ما بين 20 إلى 25% فقط من الأصوات.

يتحرك الناس نحو اليسار، ومن المهم هنا أن نذكر أن هذا التحول إلى اليسار هو نتاج للإضرابات والنضالات التي شهدناها خلال كل الأعوام الماضية. لقد أدرك الناس، عبر سنوات من المسيرات في الشوارع وتنظيم الإضرابات والاعتصامات، أن الطريق الوحيد للدفاع عن مستويات المعيشة هو المقاومة. وهذه المقاومة أدت، بطبيعة الحال، إلى نمو اليسار بشكل كبير.

لذا، يأمل الجميع أن إذا تمكنا من بناء يسار أكبر وأقوى، سنناضل من أجل حياة أفضل. سيريزا هو أول حزب يتمكن من الاستفادة من هذه المد في النضال الجماهيري إلى اليسار.

كيف يمكن لحكومة يسارية أن تبني ثقة الحركة ضد التقشف؟
منذ سنوات عديدة، عام 1981 بالتحديد، كنا نشهد تغيراً سياسياً شبيهاً في الظروف السياسية في اليونان. كان لدينا حزب الباسوك الذي تولى السلطة للمرة الأولى بـ 45% من الأصوات. لقد صوّتت الجماهير للباسوك لأنهم لا يريدون اليمين.

في العقد التالي، استمرت الجماهير في شن النضال، في ظل حكومة الباسوك، حتى وإن كانوا قد صوّتوا له من قبل. أعتقد أن هذا ما سيجري الآن. يبدو واضحاً أن الناس الذي صوّتوا لسيريزا لن يبقوا يشاهدون ما يحدث في سكون. إنهم يصوّتون لتسيبراس لكنهم أيضاً قادرين على النضال ولانتزاع كل ما سُلِبَ منهم خلال السنوات الماضية – وظائفهم وأجورهم، إلخ.

لقد وعد حزب سيريزا بأنه سيتخذ الإجراءات الضرورية لإنهاء التقشف وتحسين أحوال الناس المعيشية. لكن برغم ذلك، أعتقد أن ما من حكومة ستتمكن من استعادة حياة لائقة للناس دون نضال من أسفل. بمقدور الجماهير أن تناضل، وستموج الفترة المقبلة بعد الانتخابات بالتطورات السياسية.

هل يمكن أن تتحدثي عن قضية الديون؟
يقول حزب سيريزا أن على اليونان أن تظل عضواً في الاتحاد الأوروبي. وحينما هددت أحزاب اليمين بأن الاتحاد الأوروبي سوف يطرد اليونان من عضويته إذا شكل سيريزا الحكومة، رد تسيبراس وقيادة سيريزا بالتأكيد على أن ذلك لن يحدث خوفاً على أصوات المترددين من الجمهور.

نحن نجادل في أنتارسيا بأن العمال لديهم القدرة على النضال ضد رأس المال من أجل خلق بديل آخر، ولهذا فنحن نخوض ونطلق الحملات ضد الرأسمالية. نحن نقول أن علينا تغيير الأمور حتى في ظل حكومة يسارية، ليس فقط تغيير الحكومة لتقوم هي بتغيير حياتنا برمتها.

نحاول تقديم إجابات فاعلة في الحرب الأيديولوجية وحملات الترهيب التي تطلقها أحزاب اليمين. نقول أن لدينا حل آخر؛ حل مناهض للرأسمالية. نقول أننا لا ينبغي أن نسدد الديون، بل أن نؤمم البنوك تحت سيطرة العمال. علينا أن نغادر الاتحاد الأوروبي، كما ينبغي وضع المصانع المُغلَقة تحت السيطرة العمالية. العمال أنفسهم يجب عليهم أن يسيطروا على المصانع والشركات ويفتحوا أبوابها. هذا هو الطريق الوحيد لمواجهة البطالة.

ما هو الوضع الحالي بالنسبة للنضال الطبقي في اليونان؟
هناك الكثير من النضالات طويلة النفس. هناك نضال عمال النظافة الذين اعتصموا أمام وزارة المالية لمدة ثمانية أشهر، وهناك نضال حرّاس المدارس المفصولين. هذه النضالات طالبت بالعودة إلى العمل بعد حملة واسعة من الطرد وتقليص الوظائف.

عمال مصنع كوكاكولا في ثيسالونيكي، على سبيل المثال، مضى على إضرابهم عامٌ كامل. هناك أيضاً إضرابات العاملين بالمستشفيات والمدرسين. وبالطبع كانت هناك اعتصامات كبيرة في الجامعات والمدارس في كل أرجاء اليونان في نوفمبر وديسمبر الماضيين ضد القوانين الجديدة التي تؤهل الخصخصة والتقشف لغزو النظام التعليمي.

تقول الحكومة أنها ستطرد 6 آلاف عامل في القطاع العام. لقد أرادت الوزارة ذلك خلال الصيف، لكن المقاومة الجماهيرية حالت دون ذلك، وفي النهاية فشلت خطة الوزارة. لقد كان ذلك إنجازاً كبيراً جداً.

هناك أيضاً إضراب جديد للعمال المهاجرين في مصنع لإعادة التدوير في أثينا. هؤلاء العمال ليس لديهم خبرات سابقة بالإضرابات والنقابات. لكن بمساعدة كييفرا، والدوائر الباكستانية، تمكنوا من إنشاء نقابة وانتخاب لجنة تمثلهم. بعد ذلك، دعوا إلى اجتماع عام أقروا خلاله خوض الإضراب. وحتى حينما أرسل المديرون الشرطة لتضعهم في السجن، أُطلق سراحهم ونجحوا في انتزاع أجورهم.

كناشطة مناهضة للفاشية، ماذا عن اليمين المتطرف؟ وهل حزب الفجر الذهبي في تدهور؟
نعم، ثمانية من نوّاب الفجر الذهبي في البرلمان يقبعون الآن في السجن، وهذا يعد إنجازاً كبيراً لحركة مناهضة الفاشية في اليونان. كان هذا بسبب بناء حركة ضخمة لمناهضة الفاشية والتصدي لها عبر أرجاء اليونان بعد مقتل المناضل المناهض للفاشية بافلوس فيساس. في الذكرى الأولى لمقتله، في سبتمبر الماضي، شبت تحركات ضخمة مناهضة للفاشية تطالب بمحاكمة الفجر الذهبي.

الآن، يعاني الفجر الذهبي من العزلة بشكل متزايد، وقد أُجبروا على إغلاق مكاتبهم في عدة مدن، واحدة تلو الأخرى، وقد توقفوا عن مهاجمة وقتل المهاجرين وغيرهم. وبرغم أنهم يقدمون أنفسهم الآن للناخبين باعتبارهم حزب سياسي وليس منظمة إجرامية، إلا أنني أعتقد أنه سيستمر في التراجع والتدهور في الانتخابات وبعدها.

كيف تتفاعل أنتراسيا في فترة الانتخابات؟
لعبت أنتراسيا دوراً محورياً في المقاومة العمالية، وأعضاؤها انخرطوا بنشاط في التضامن مع كافة الإضرابات في اليونان في ظل التقشف. على سبيل المثال، كانت أنتراسيا المجموعة السياسية الأكثر أهمية في معركة العاملين بالإذاعة اليونانية، كما تُعد جزءاً هاماً من حركة مناهضة الفاشية، وتعمل جنباً إلى جنب مع كييرفا. الكثير من الناس يشعرون أن أنتراسيا تمثل قوة يسارية تمنحهم الأمل بتدعيم معاركهم في الفترة المقبلة.

يرغب الكثيرون في رؤية أنتراسيا في البرلمان، على أساس كل ما أنجزوه خلال السنوات الماضية في التحركات المختلفة. سيصوّت الناس لسيريزا ضد ساماراس، لكني أعتقد أن من المهم لأنتراسيا أن تكسب حجماً كبيراً من الأصوات، لأننا بحاجة إلى تنظيم المزيد من الإضرابات وتعميق مقاومة التقشف فيما بعد الانتخابات.

ما هي مهام اليسار بعد الانتخابات؟
بعد الانتخابات، سنخوض في حملات من أجل خمسة مطالب رئيسية، كجزء من خطة ذات خمس نقاط. الحملة الأولى ستكون من أجل الإلغاء الكامل للديون. والثانية ستكون ضد البطالة، لمساعدة الناس على استعادة وظائفهم.

ثالثاً، سنبني حملة لمناهضة العنصرية. لابد من إغلاق معسكرات الاعتقال، وأن نمنح المهاجرين التصاريح والأوراق، ونفتح الحدود أمام اللاجئين. أما الحملة الرابعة فستكون ضد الفجر الذهبي لوضعهم في السجن إلى الأبد.

الحملة الأخيرة هي الحملة ضد الحرب، فنحن لا نريد أن تكون الحكومة اليونانية طرفاً متحالفاً مع حكومة إسرائيل، أو أن تؤيد حروب حلف الناتو في الشرق الأوسط.

ستواجه الحكومة اليسارية معارضة شديدة من جانب الحكومات الأوروبية. كيف يمكن بناء تضامن أممي مع الشعب اليوناني؟
التضامن الأممي في منتهى الأهمية. أولاً، وقبل أي شيء، سنحتاج تضامناً أممياً في 21 مارس، وهو اليوم العالمي ضد الفجر الذهبي. نتوقع في هذا اليوم أن تدعم الحركة العالمية المناهشة للفاشية النضال في اليونان، لكن أيضاً أن تقف ضد الإسلاموفوبيا والعنصرية في كل مكان آخر في أوروبا. سيكون من المهم للغاية أن يُظهر اليسار عبر أوروبا أننا لا نريد أن تُقسّم الحكومات بين المسلمين وغير المسلمين. نريد أن نناضل سوياً ضد التقشف.

إلى جانب ذلك، فإن أفضل شكل للتضامن مع النضال في اليونان هو بناء المقاومة وتنظيم الإضرابات عبر أرجاء أوروبا ضد إجراءات تقشف الاتحاد الأوروبي. من الجيد أن نرى العمال يضربون في بلدان مثل بلجيكا أو إسبانيا أو إيطاليا. وهذه إجابة فعلية عن سؤال ما إذا كانت اليونان ستبقى وحيدة إذا غادرت الاتحاد الأوروبي. حينما نرى الجماهير تتحدى إجراءات التقشف عبر أوروبا، فإن ذلك يعطينا القوة والثقة للمضي قدماً في معركتنا ضد هذه الإجراءات.

التحدي الأكبر أمام الجماهير الأوروبية هو بناء أحزاب جديدة مناهضة للرأسمالية من أجل إرسال رسالة مفادها أن هناك حل آخر بدون تقشف، وبدون عنصرية، وبدون فاشية. من المهم للغاية أن نخرج من هذه الأزمة الاقتصادية ببناء شيء جديد وقوي. نحن بحاجة إلى مجتمع من نوع جديد. لا نريد فقط إسقاط هذه الحكومة، نريد إسقاط الرأسمالية وتدميرها. الرسالة التي يريد أنتراسيا وحزب العمال الاشتراكي اليوناني إرسالها للجماهير العاملة في كل مكان في أوروبا هي أن هناك طريق آخر، وأن الطبقة العاملة وحدها هي التي ستقاتل من أجله.

* المقال منشور باللغة الإنجليزية في 29 يناير 2015