نقد الأصول الأولية للإرهاب


ثائر الناشف
2015 / 1 / 25 - 15:28     

تذهب جميع الدراسات والأبحاث التي وضعت يدها على معالجة الجذور الأولية لظاهرة الإرهاب في الإسلام ، إلى ربطها بالأسباب الموجبة للفعل الإرهابي ، سواء كان منبعها من النصوص والأحاديث الواردة في الكتاب والسنة ، أو كان حصيلة الأمراض الاجتماعية التي تعاني منها المجتمعات الشرقية .
ربط الظاهرة الإرهابية بأسبابها الموجبة كدلالة للتأكيد عليها وبالتالي إدانتها وتفنيدها ، دون أن يكون دلالة لتبريرها، لا خلاف أنه ربط منطقي استوفى كل شروط البحث العلمي ، ولا جدال حوله حتى الآن .
لكن ترك هذه الأسباب على ما هي عليه ، دون إجراء المزيد من المراجعات الفكرية ، يدفعنا لنقدها بوضعها الراهن، في ظل تنامي موجة الفعل الإرهابي، واعتماده على وسائل وأدوات جديدة في عملية الجذب والاستقطاب للاتباع وحتى لجمهور المتعاطفين معه، تختلف عن تلك الأدوات التي استخدمها في الماضي وأصبحت الآن أدوات قديمة .
فالأسباب الموجبة للفعل الإرهابي ، التي وردت في النصوص ، وطريقة تأويلها وتفسيرها واستخدامها من الجماعات الإسلامية ، أصبحت معروفة للجميع ، ولن نقف عندها الآن ، لأننا سبق وأشرنا إليها قبل بضع سنوات في أبحاث أخرى .
وقوفنا اليوم هو عند الأمراض السياسية الموجبة للفعل الإرهابي كأصول أولية إضافة للأصول الدينية ، فعرض الباحثين للأمراض الاجتماعية التي تبعث على الإرهاب ، ظل مقتصرا على تقديم أسبابها المتمثلة بالجهل والتخلف والفقر ، دون التطرق للأمراض السياسية التي أصبحت اليوم هي الدافع وراء الفعل الإرهابي .
وقد غاب عن الكثير من الباحثين، الوقوف عند الأمراض السياسية المتمثلة بالظلم والقهر السياسي ، وهي أمراض شائعة في منطقة الشرق الأوسط ، بسبب الجمود السياسي الذي عبرت عنه أنظمة الاستبداد والديكتاتورية ، واستخدامها للعنف المفرط في مواجهة عملية التغيير السلمي .
فالمفكر الفرنسي جان بوديار تطرق لمثل هذه الأمراض السياسية في إطارها العام، وذلك في معرض تفسيره لظاهرة الإرهاب التي استهدفت برجي التجارة العالميين في نيويورك قبل بضع سنوات ، لكن من دون أن يقف عنده تفاصيلها المتمثلة بالظلم والقهر السياسي ، حيث يقول : إن الإرهاب كالفيروس في كل مكان ، هناك انتشار عالمي للإرهاب الذي بات شأن الظل الملازم لكل نظام هيمنة، وهو مستعد في كل مكان لأن يستيقظ كعميل مزدوج ، لم يعد هناك أية حدود فاصلة تسمح بمحاصرته فهو في قلب هذه الثقافة التي تحاربه ، والكسر المرئي والكراهية الذي يضع على الصعيد العالمي المتسغلين والمتخلفين في مواجهة العالم الغربي ينضم سريا إلى الكسر الداخلي ضمن النظام المهيمن .
ويذهب بوديار إلى دمج الأمراض السياسية بالأمراض الاجتماعية التي أدت إلى استهداف برجي التجارة العالميين، دون أن يفصل بين المرض السياسي المتمثل بالقهر ونظيره الاجتماعي الذي يختصره هنا في حالة الغنى والفقر كسبب أدى لهذا الفعل الإرهابي حيث يقول : كان الإرهاب الانتحاري إرهاب الفقراء ، أما هذا الإرهاب فهو إرهاب الأغنياء ، وهذا ما يخيفنا على وجه الخصوص ، ذلك أنهم أصبحوا أغنياء فلديهم كل الوسائل دون أن يكفوا عن إرداة القضاء علينا .
كما يذهب بعض الباحثين إلى ربط الأمراض السياسية للفعل الإرهابي ، بالصراعات التاريخية بين التيارات الإسلامية ، وهي صراعات متجددة بين الحين والآخر ، لا يمكن إغفالها ، وهي أيضا صراعات مشبعة بالفعل الإرهابي الذي يعبر عن نفسه اليوم في سوريا والعراق ولبنان واليمن ، أي في مناطق التماس بين التيارات الإسلامية السنية- الشيعية.
وهناك من الباحثين ، من يذهب إلى ربط الأسباب السياسية للتطرف والإرهاب بالجذور التاريخية للصراع بين الشرق المتمثل بالعالم الإسلامي والغرب بالعالم المسيحي ، دون التطرق والإشارة إلى الأسباب السياسية المعاصرة التي أدت إليه ، فالمفكر الإنكليزي فريد هاليداي يقول في معرض حديثه عن العلاقة بين الإسلام والغرب : إن تاريخ النزاع بين عالم الغرب المسيحي وعالم الإسلام ، يمتد عبر ألف عام ، وقد استحكم هذا النزاع منذ غزوات أيبيريا في القرن السابع ، وعبر الحروب الصليبية التي بدأت في القرن الحادي عشر ، ثم عبر النزاعات مع الأمبراطورية العثمانية التي استمرت من القرن الخامس عشر حتى الانهيار النهائي لهذا التحدي الإسلامي عام 1981.
هاليداي يعتقد أن هذه الأسباب السياسية بجذروها التاريخية هي التي تبقي على الصراع بين الشرق والغرب ، وإن كان هذا الصراع يعبر عن نفسه اليوم بعمليات عسكرية محدودة أو بعمليات إرهابية منظمة وعشوائية .
جميع هذه الأسباب السياسية ، رغم أنها تقارب المشكلة، لكنها لا تستطيع أن تدعي حصرها للأسباب النهائية لأصول الإرهاب في قالب واحد ، لأنها ظاهرة الإرهاب متحولة متغيرة و ليست ثابتة يمكن حصرها في دراسة واحدة ، تتعدد أسبابها وتتشعب في كل مرحلة من مراحل الصراع الإنساني .
أصل الإرهاب اليوم ، يتمثل بالأمراض السياسية التي أفرزتها الأنظمة الديكتاتورية العربية التي جرفها ربيع الثورات العربية ، لكنه لم يستطع أن يجرف الإرهاب حتى الآن ، بسبب تنامي الشعور بالظلم والقهر السياسي، كعامل نفسي زاد من مستويات الإحباط والاكتئاب وقذف بأصحابها إلى أحضان الجماعات المتشددة التي استطاعت أن تعيد خلق بيئتها الحاضنة اعتمادا على الأمراض السياسية السائدة التي لا زالت بدون علاج حتى اليوم .