تيار الأماميين الثوريين والبديل الجذري بين الذاتوية والإطاروية


الحسين الزروالي
2015 / 1 / 25 - 14:03     

تيار الأماميين الثوريين والبديل الجذري بين الذاتوية والإطاروية
تعيش الحركة الماركسية اللينينية المغربية منذ فشل التجارب السبعينية تناقضات صارخة تجعلها خارج الخط الثوري الماركسي اللينيني الذي يمكن إجماله في المقولة اللينينية المأثورة "لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية"، فأصبح السائد من داخل الحركة سريان التذبذب الفكري الذي يقود إلى قلب مضمون السياسة الثورية واختزالها في المقولة الإنتهازية "الحركة كل شيء والهدف لا شيء"، مما تولد عن ذلك طغيان الفكر الفوضوي الذي يعتبر الذات كل شيء والواقع الموضوعي لا شيء في انفصال دائم بينهما نحو تبني مقولة "الأرض المحروقة"، بالتركيز على تضخيم الذات ومركز الحركة حولها من أجل خلق أقطاب وهمية في صراع وهمي داخل الحركة الماركسية اللينينية المغربية.

لقد تولد عن تناقضات الحركة الماركسية اللينينية المغربية في ظل الفراغ التنظيمي السائد بعد حل المنظمات الثلاث (منظمة "إلى الأمام" تم حلها عمليا بعد تأسيس قياداتها لحزب النهج الديمقراطي) بروز تيارات تعتمد أساسا على تجارب تناقضات الحركة الماركسية اللينينية داخل الحركة الطلابية، وشكلت الساحة الطلابية مجالا رحبا لبلورة الفكر الماركسي اللينيني في أوساط الشبيبة بمعزل عن التنظيم السياسي الثوري (يشكل النهج الديمقراطي القاعدي شكلا للتنظيم الثوري الطلابي منذ 1979)، ولم يسلم الخط الثوري داخل الحركة الطلابية من تعدد التيارات بتعدد إصدار الأوراق التي تطغى عليها الذات بعيدا عن الموضوع في انفصال دائم بينهما نحو التشرذم (أوراق 84، 86، 94، 96 وما تفرع عنها من تيارات ترفض مسألة التنظيم).

ومنذ 2005 بدأت تبرز اتجاهات نحو بلورة الممارسة السياسية خارج الجامعة بمضمون تنظيمي أرقى من التيارات الطلابية القاعدية بعد انطلاق موجة من الإنتقادات للتحريفية عبر الكتابات التحليلية النقدية للخط التحريفي داخل الحركة الماركسية اللينينية، مما فتح الأفق نحو بلورة نقاشات حول مسألة أهمية الأداة الثورية من خلال انطلاق فكرة توحيد الماركسيين اللينينيين المغاربة، وكان لمخلفات "التجميع" خلال بداية التسعينات من القرن 20 أثر كبير في عرقلة هذا المسار (نتج عن نقاشات التجميع بروز ثلاثة أحزاب : النهج الديمقراطي، اليسار الإشتراكي، الحركة من أجل الديمقراطية وكلها أحزاب تحريفية)، كان الخوف من إعادة نفس التجربة طاغيا على النقاشات الدائرة داخل الحركة الماركسية اللينينية المغربية إلى جانب بروز الأقطاب داخلها ذات البعد الفكري المنبثق من التجارب العالمية البلشفية والماوية والتجربة الألبانية.

لقد نتج عن بروز الصراعات الأيديولوجية والسياسية داخل الحركة الماركسية اللينينية المغربية بروز تيار الماوية الذي أعلن عن نفسه بعد اعتفالات الطلبة بمراكش ونهاية أشغال المؤتمر الثاني لحزب النهج الديمقراطي الذي عرف انسحابات، مما نتج عنه توجيه انتقادات لهذا التيار من طرف الماركسيين اللينينيين ارتكزت أساسا حول الأخطاء النظرية للأيديولوجية التي يتبناها، مما نتج عن ذلك بروز تيار ماركسي لينيني قومي بالريف في مواجهة التيارين الماوي وبعده تيار الأماميين الثوريين.

وكان للمنسحبين من حزب النهج الديمقراطي منذ 2006 دور كبير في بلورة صراع أيديولوجي وسياسي مع الخط التحريفي الذي يقوده هذا الحزب وعرف تطورا كبير مع إعلان الأماميين الثوريين في الذكرى الأربعين لتأسيس منظمة "إلى الأمام"، وقد أكد هذا الإعلان، بعد المقدمات السياسية والأيديولوجية للخط الثوري للمنظمة، على نقطتين أساسيتين وهما :

1 ـ العمل على توحيد الماركسيين اللينينيين المغاربة.
2 ـ المساهمة في تأسيس منظمة الثوريين المحترفين.

وقد ساهم بروز هذا الإعلان في توسيع النقاش حول المسائل الأيديولوجية والسياسية للخطين الثوري والتحريفي في الحركة الماركسية اللينينية خاصة أن بروزه تزامن مع حدثين :

1 ـ دوليا : الإنتفاضات العربية بتونس ومصر وليبيا.
2 ـ وطنيا : بروز حركة 20 فبراير ونجاح المؤتمر العاشرة لحركة المعطلين.

لقد أثار هذا الإعلان ردود فعل متباينة في أوساط الماركسيين اللينينيين بين المرحبين والمتبنين لخلاصاته وبين المنتقدين والرافضين له، مما ساهم في التدقيق في مسألة الأداة الثورية للثوريين المحترفين وزاد في توسيع النقاش حول مسألة توحيد الماركسيين اللينينيين.

وكان لنجاح المؤتمر العاشر للجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب وبروز حركة 20 فبراير دور كبير في بلورة أهمية التنظيم داخل الحركة الماركسية اللينينية وبلورة نقاش واسع حول هذه المسألة، لكن سرعان ما برزت عراقيل مسار النقاش حول توحيد الماركسيين اللينينيين نتيجة بروز اختلافات حول التيار الماوي وعلاقته بتيار الأماميين الثوريين، بين من يرفض مناقشة هذا التيار باعتباره خطا تحريفيا في الحركة الماركسية اللينينية وبين من يستبعد إدماجه في نقاشات توحيد الماركسيين اللينينيين لإعلانه عن نفسه كتنظيم، وبين هذا الإتجاه وذاك برز منظور الذاتوية وتمركز النقاش حول الذات بعيدا عن الواقع الموضوعي الذي يحتاج إلى التحليل السياسي المادي التاريخي الدقيق لبلورة البناء النظري للثورة المغربية.

كان أسلوب الذاتوية الذي طغى على بعض المنخرطين في نقاش توحيد الماركسيين اللينينيين دور كبير في إفشال مهمة وحدة الماركسيين اللينينيين المغاربة داخل منظمة ثورية للثوريين المحترفين، مما ساهم في تمحور النقاشات حول الذات بعيدا عن الواقع الموضوعي وبروز الزعاماتية المفرطة إلى حد إعلان تيار البديل الجذري باسم زعيمه علانية، في ضرب تام للعلاقة بين السرية والعلنية في الممارسة الثورية، الشيء الذي ساهم في مزيد من تعميق الإختلافات، بعد بروز هذا التيار الجديد الذي لم يأت بالجديد بقدر ما ساهم في توسيع دائرة الإختلافات أيديولوجيا وسياسيا وتنظيميا مما جعل مهمة توحيد الماركسيين اللينينيين في منظمة ثورية واحدة بعيد المنال، الشيء الذي يعيد إلى الأذهان إخفاقات تجربة نقاشات ما كان يسمى "التجميع" ومخلفاته على الحركة الماركسية اللينينية المغربية.

لقد برز داخل تيار الأماميين الثوريين، نتيجة إخفاقات مهمة توحيد الماركسيين اللينينيين التي دعا إليها إعلان الذكرى 40 لتأسيس منظمة "إلى الأمام"، من يعمل على تحويل مواقف هذا الإعلان عن مسارها الحقيقي وذلك نتيجة بروز الذاتوية والإطاروية بعد محاولة الإنفراد بالتحكم في البناء النظري لأيديولوجية الحركة الماركسية اللينينية المغربية، عبر الإسهاب في قراءات أوراق منظمة "إلى الأمام" والعمل على إفشال نقاشات توحيد المركسيين اللينينيين للتفرغ إلى التمركز حول الذات بعيدا عن الواقع الموضوعي، والتخلي عن التزامات الإعلان حول فضح الخط التحريفي خلال مرحلة الثمانينات، مما يوحي بأن هذا الموقف من التحريفية يدل على وجود علاقة مبهمة بين من يدعو إلى الذاتوية والتوجه نحو الإطاروية وبين الخط التحريفي لحزب النهج الديمقراطي، وكان لتداعيات إفشال توحيد الماركسيين اللينينيين التي ساهم فيها بعض مناضلي تيار الأماميين الثوريين دور كبير في بروز تيار البديل الجذري المرتكز على الذات بعيدا عن الواقع الموضوعي للبناء النظري للثورة المغربية.

وشكل هذان التياران قطبي الرحى الغارقين في الذاتوية والإطاروية داخل الحركة الماركسية اللينينية بالتركيز على إنتاج الأوراق بشكل مجرد عن الممارسة العملية لتغيير الواقع الموضوعي، وقد ساهم هذين التيارين في عرقلة عجلة تطور البناء النظري والممارسة العملية داخل الحركة الماركسية اللينينية عبر إسهامهما في خلق أصنام فكرية تعرقل تطور المنظور الدياليكتيكي للحركة الثورية.