حرب سنية شيعية أم حرب إقليمية ؟


ثائر الناشف
2015 / 1 / 21 - 14:01     

يدأب المسلمون على تسمية أي نزاع أو اقتتال بينهم بالفتنة ، ولكن يفوت الكثيرين ، أن نطاق الفتنة لا يتسع لكل صنوف المسلمين وتياراتهم ومذاهبهم ، بل تنحصر داخل تجويفات المذهب أو التيار نفسه ، دون أن يتعداه للتيارات والمذاهب الأخرى التي تحتفظ بهويتها ومرجعيتها بل وتراثها الفقهي .
وهذا ما يدفعنا للتساؤل عما يجري اليوم في الدول العربية كالعراق وسوريا واليمن ، هل هو فتنة أطلت برأسها ، أم أنها حرب سنية شيعية بالوكالة عن الحرب الأقليمية الشاملة؟ .
ليست هناك فتنة بين التيارين السني والشيعي ، فشقة الخلاف بينهما ، أبعد من أن تنحصر داخل ما يسمى بالفتنة، كمصطلح إسلامي يشيع استخدامه في الخطاب الشعبي ، فيمكن أن نسمي أي خلاف في الرأي أو في المنهج، بين أنصار التيار السني سواء كانوا من المتصوفة أو من السلفيين بالفتنة، التي تؤدي إلى اشتعال جدل ،قد يحتدم في إحدى مراحله المتقدمة حول قضية بعينها، وقد ينتهي هذا الاحتدام الطاحن بتكفير كل فريق للآخر ، كتعبير عن حالة السقم التي تصاحب كل جدل لا تتفق أطرافه على حسمه بالتراضي والتوافق .
أما الحرب بين السنة والشيعة فهي حرب مشتعلة منذ اندلاع الأزمة السياسية العاصفة بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان قبل أكثر من 1300 عام ، وهي حرب سياسية على السلطة في المقام الأول ، وليست حربا فقهية أو دينية ، فكلا الفريقين علي ومعاوية لم يكن ينقصهما من معرفة الدين الإسلامي شيء، ولم يختلفا على قضية فقهية واحدة، بل حظيا بقطف ثمار الإسلام الأولى ، وفهماه بشكل مباشر بعيدا عن التفرعات والاجتهادات الفقهية، التي تلعب دورها الكبير هذه الأيام في تكوين العقل الإسلامي و طريقة فهمه للدين .
لن نخوض بمدى صوابية تلك الحرب السياسية على السلطة بين علي ومعاوية ، وأي فريق منهما أحق في السلطة من الفريق الآخر ، لكن ما يهمنا اليوم ، أن تلك الحرب لا زالت تلقي بظلالها على الصراع السياسي الذي تشهده منطقة الشرق الأوسط بين الكيانات السياسية التي لازالت تستنشق دخان تلك الحرب ، كأوكسجين يمدها بكل أسباب الحياة والبقاء ، وأحيانا يمدها بأسباب القوة كما يبدو جليا على إيران اليوم .
ولطالما حظي معاوية بحسم الحرب السياسية القديمة لصالح توطيد سلطته السياسية ، فإن فريق علي لازال حتى اليوم لا يقبل بنتيجة تلك الحرب التي أصبحت من الماضي ، بل ولازال يعمل بمنطق استمرار الحرب لتعديل نتيجتها من جهة ، والثأر من فريق معاوية من جهة أخرى ، رغم أن علي لم يطلب من أحد الثأر لنفسه، ورغم أن مُلك معاوية " الدولة الأموية " اندثر مع الماضي وأصبح في دفاتر التاريخ .
ولابد من ملاحظة مهمة، أن الحرب الدائرة اليوم بين الفريقين الشيعي والسني ، لا تشمل كل أنصار الفريق السني، بل تنحضر فقط في التيار السلفي وتقل شيئا فشيئا لدى التيارات الأخرى ، في حين أنها تشمل كل فرق وملل ونحل الفريق الشيعي ، وتكاد تنعدم لدى الصفوة الثقافية التي نأت بنفسها عن هذه الحرب الرجعية .
دوافع الحرب بالنسبة للتيار الشيعي ، تبدو كما لو كانت حرب استرداد للماضي المثقل بكل الرواسب ، استرداد السلطة بأي ثمن ، وبغض النظر عن صوابية أو خطأ هذا الدافع والمرامي التي يسعى من ورائها ، أما دوافع الحرب بالنسبة للتيار السني المنحصر في فريقه السلفي ، فهي لرد الاعتبار والدفاع عن أي تطاول يمس رموزه التاريخية "السلف الصالح" التي قبلت بالأمر الواقع عندما آلت السلطة لمعاوية من دون أن تبدي معارضتها السياسية .
إذن بهذا التوصيف الموضوعي للأحداث ، تبدو دوافع الحرب بالنسبة للتيار الشيعي هجومية أكثر من كونها دفاعية ، رغم التباين الشاسع في التعداد البشري بين أنصار التيارين الشيعي والسني ، لصالح أكثرية التيار السني عالميا ، في حين تبدو دوافع الحرب بالنسبة للتيار السني ، دفاعية أكثر من كونها هجومية ، وهذا هو منطق الحروب عبر التاريخ ، فلا يمكن لأي حرب أن يتفق طرفاها على نفس الدافع ، وإلا لما كانت هناك حرب في الأصل .
وبإلقاء بقعة من الضوء على ما يجري اليوم في المنطقة العربية الممتدة من العراق وسوريا إلى اليمن ، نستطيع ان نتبين آثار تلك الحرب السياسية بين التيارين الشيعي والسني في السيطرة على السلطة في البلدان المذكورة ، فأساس تلك الحرب هو السلطة ، وبسط النفوذ على المنطقة ، وكما كنا قد بينا دوافع الحرب ، فإن دوافع الحرب لم تتغير بين التيارين السني والشيعي ، فالهجوم الشيعي بات واضحا على سوريا ، ويقابله هجوم آخر على اليمن ، وإن كان يتم بشكل غير مباشر و عبر الوكلاء .
لكن هل حقا ، أن التيار الشيعي الذي يخوض "حرب الاسترداد" بزعامة إيران، يرمي من وراء حربه تلك ، إلى تعديل نتيجة الحرب التاريخية بين علي ومعاوية ، التي أصبحت من الماضي أو الثأر لعلي وآل بيته ، أم أنها حرب توسيعة إقليمية مغلفة بأهداف قومية إيرانية ، ظاهرها شعارات دينية مذهبية براقة ، تنتصر للإسلام من جهة ، ولأنصار التيار الشيعي من جهة أخرى ، ولكنها في العمق تحقق أهداف التوسع الإقليمي الإيراني، في ظل الفراغ السياسي الذي تعشيه المنطقة العربية بعيد ثورات الربيع العربي ، وبذات الوقت يستغل حالة الضعف العربي الذي عبر نفسه بوضوح في مشهد تفكك النظام الرسمي العربي ؟!.
فالنظام الذي يدير السلطة في إيران ، باعتباره نظاما دينيا ثيوقراطيا ، ينتمي للتيار الشيعي ، ويرفع شعاراته التي يعتبرها من أدبيات النظام ، هو طرف أساسي في الحرب الدائرة اليوم ، ولا يستطيع أحد أن ينكر هذه الحقيقة ، لكنه يسعى لتحقيق أهدافه الإقليمية التي توفرها تلك الحرب، والتي يخوضها بالنيابة عنه أو بمشاركته أنصار التيار الشيعي في العراق وسوريا ولبنان واليمن .
فما يهم أنصار التيار الشيعي ، أن يأخذوا ما يرونه "الحق" لأنفسهم في استرداد السلطة من السنة ، وهو ما تقدمه إيران لهم ، مقابل الاعتماد عليهم، وتوظيفهم ليكونوا رأس الحربة في تحقيق الأهداف الإيرانية البعيدة، والتي تتجاوز بكثير قضية استرداد السلطة من السنة.
يفوت الكثيرين من أنصار التيار الشيعي التقليدي، حقيقة أن إيران التي تعتمد عليهم اليوم أشد الاعتماد في حربها الإقليمية التوسعية، لم تكن دولة يحكمها التيار الشيعي قبل خمسة قرون ، بل كانت دولة يحكمها التيار السني الذي ينتمي إليه إسماعيل حيدر الأول مؤسس الدولة الصفوية، ولم يكن يهم الدولة الصفوية عبر التاريخ مساعدة التيار الشيعي على استرداد السلطة من السنة ، قدر اهتمامها بالحفاظ على الجغرافية السياسية لبلاد فارس من التآكل والقضم التدريجي .
فالنظام الإيراني القائم الذي يتنبى نظرية ولاية الفقيه التي تعتبر مدماك التيار الشيعي الذي يحصر الولاية بعلي، يشكل امتدادا طبيعيا وسياسيا للدولة الصفوية ، التي طالمت رفعت شعارات الدفاع عن "مظلومية" الشيعة لأهداف سياسية وأخرى قومية .