هل فقدت روسيا أخلاقها السياسية ؟


ثائر الناشف
2015 / 1 / 13 - 20:53     

إذا كانت الأخلاق سمة ملازمة للأفراد والجماعات ، فيمكن أن ترتبط منظومتها القيمية بالدول والحكومات والأوطان والأمم ، حديثنا عن الأخلاق يقودنا إلى روسيا معقل القياصرة ومهد الحركة الشيوعية .
قد يحاجج البعض من منطلق فلسفي بحت ، أن السياسة التي هي ديدن النظم والحكومات منفصلة تماما عن الأخلاق ، وألا رابط بين السياسة والأخلاق . قد يبدو هذا المنطق صحيحا ، عندما تكون المصلحة والمنفعة هي الأساس ، حينها تسقط كل القيم والمبادئ التي تحكم السياسة نفسها ، بحيث تبدو سياسية بلا قيم أو مبادئ ، فأين سيكون موقع الأخلاق فيها ، حتماً لن يكون للأخلاق أي موقع فيها .
روسيا وريثة الاتحاد السوفيتي ، بأنساقه الفكرية المتمركزة حول مثل أخلاقية ، تمثلت بالمبدأ الشيوعي القائل، بعدم استغلالية الإنسان للإنسان ، وطروحاته المغرقة لفكرة العدالة الاجتماعية، كتعبير أخلاقي عن المساواة بين الأفراد في الثروة ووسائل الإنتاج .
بهذا المراكمة الفكرية ، تبدو روسيا اليوم أكثر اقترانا بماضيها الشيوعي ، ذي النزعة الإنسانية الأخلاقية في مقابل النزعة المضادة التي كانت تصفها موسكو بالنزعة الاستغلالية الانتهازية لآدمية الإنسان وحقوقه في العمل والعيش الكريم .
لكن السؤال الذي يقفز إلى الذهن ، هل ما زالت روسيا اليوم متمسكة بتلك القيم الأخلاقية ، لماضيها الشيوعي الغابر؟ أم أنها أزماتها الاقتصادية المتلاحقة منذ تفكك الاتحاد السوفيتي عقب انتهاء الحرب الباردة ، جعلها تلتف نحو مصالحها أولا ، بعيدا عن نظرتها الشمولية التي ترى فيها ما لدى الآخر من هموم وأزمات قبل أن تبدأ بالنظر ما لديها من هموم .
الأساس الذي طرحنا فيه تساؤلنا السابق ، يرتكز على استجلاء الموقف الروسي من الثورة في سوريا ، بما أنها ثورة تحرير وتغيير من ربقة الاستبداد والفساد ، الذي جسده وكرسه نظام الأسد طوال أربعة عقود ، قبل أن تنحصر دائرة الموقف الروسي من الحرب المندلعة في سوريا إلى جانب نظام الأسد بذريعة الحرب على الإرهاب والحفاظ على كيان الدولة .
لنا أن نسأل ، ماذا كسبت روسيا من انحيازها الأعمى إلى جانب نظام الاستبداد ، في مراحل الثورة الأولى ؟ فحجة انحيازها آنذاك كانت ضعيفة وغير مبررة أخلاقيا ولا حتى سياسيا ، خاصة وأنها عطلت الشرعية الدولية في مجلس الأمن لأربعة مرات متتالية، لتذود عن نظام بدا عليه الغرق منذ اليوم الأول للثورة .
وفي المراحل المتتالية لتطور الصراع في سوريا ، لنا أن نسأل أيضا ، أي فائدة ستجنيها روسيا من اصطفافها إلى جانب نظام الأسد بحجة الحفاظ على كيانه السياسي والعسكري والأمني والاقتصادي ، وهي تلمس عن كثب أكثر من غيرها من القوى الدولية ، بحكم انخراطها المباشر في الحرب ، حجم الاستنزاف الكبير الذي تكبده نظام الأسد ووصلت حدوده هذه الاستنزاف إليها مع أول أزمة اقتصادية عصفت بعملتها المحلية على خلفية انخفاض أسعار النفط العالمية ؟.
قد تملك روسيا كل المبررات والذرائع التي يمكن أن تحاجج بها الشارع الروسي بكثير من الإقناع ، في حال واجهتها بعض التساؤلات والانتقادات جراء استغراقها في الحرب السورية لطرف بعينه ، بشكل فاقع ، وبعيدا عن كل اعتبارات السياسة وحسابات الربح والخسارة .
لكنها وبكل تأكيد ، لن تستطيع أن تملك أي حجة أو مبرر لإقناع الرأي العام العالمي الذي استفزه انحيازها الأعمى ، لنظام بلغ في إجرامه ، كل حدود الوصف والتصور التي يعجز العقل عن تحملها .
هكذا تتأكد سقطتها الأخلاقية القادمة ، وهي سقطة لا تعادلها ولا توازيها أي سقطة أخرى سواء في السياسة أو في الاقتصاد ، فالسقطات السياسية والاقتصادية يمكن تجاوزها ، بل ويمكن تبريرها بألف سبب وحجة ، لكن السقطة الأخلاقية ، لا يمكن حجبها بغربال ، ولا يمكن دفنها في بحر الدماء المستباحة .