الجزء الأخير: حول “الوصية السياسية” للينين - نقد لكتاب “الوصية السياسية” للينين، حقائق التاريخ واساطير السياسة، ف. ا. ساخاروف


ا. ف. ساخنين
2015 / 1 / 2 - 03:26     

بقلم: ا. ف. ساخنين - دكتوراه في التاريخ - جامعة الدولة الأكاديمية للعلوم الإنسانية، مرشح علوم التاريخ

ترجمة: آسو گرمياني

الجزء الثالث والأخير

ساخاروف، وكاستثناء، يحاول ربط دور مؤلف احدي الوثائق اللينينية - ما يسمى بـ “رسالة حول السكرتارية” (املاء 4 يناير) - ليس بتروتسكي بل بزينوفييف. ساخاروف يؤسس تخمينه هذا فقط علي حجة أن مقترحات زينوفييف وبوخارين بشأن إعادة تنظيم السكرتارية ومكتب التنظيم التابع للجنة المركزية تتماثل إلى حد كبير مع طروحات "رسائل حول السكرتارية”. ولكن هذه المقترحات مؤرخة بـ يوليو 1923، عندما كان محتوى النص اللينيني، وفقا لبحوث ساخاروف نفسه، قد اصبح معروفا لأعضاء المكتب السياسي، بمن فيهم زينوفييف. اكثر منطقيا إذن أن نفترض أسبقية نص لينين علي أفكار زينوفييف وبوخارين.
ساخاروف يعلق أهمية كبيرة جدا علي العلاقات الجيدة لـ زينوفييف بـ كروبسكايا، التي يمنحها دور المنفذ الفني لجميع ”المواد التشهيرية” وتكريسها لتعزيز سلطته. ونتيجة لذلك، "هناك معني - يعتبر ساخاروف - لتفحص شخصية زينوفييف بعناية أكبر، كشخص ذي الأكثر مصلحة في إعادة تكتل قوى داخل قيادة الحزب، الذي كان مخططا له من قبل مؤلف الرسالة" (ص 565). كل هذا، وفقا لساخاروف، لا ينتقص من دور تروتسكي في تزوير بقية الوثائق، التي لا يقتنع المؤرخ بتأليفها من قبل لينين.
وبعبارة أخرى، فإن مؤلف الكتاب يسعى إلى جعل القراء أن يصدقوا بوجود مؤامرة متشعبة (التي شارك فيها تروتسكي وكروبسكايا، وسكرتاريي-ات- لينين، وقسم من معارضين تروتسكي من "أكثرية للجنة المركزية") بهدف الاساءة غير المباشرة للسمعة السياسية لستالين عن طريق افتعال عدد من النصوص اللينينية المزورة، أو انتهاز الفرص للانخراط في الاحتيال السياسي لمصلحة أي كان، باستثناء، طبعا، ستالين نفسه. والمثير للدهشة (اذا ما تم، بالطبع، تصديق نظرية ساخاروف الرائعة) هو تواضع زينوفييف، تروتسكي ومؤيديهم: لماذا اقتصروا علي هذه الكمية القليلة من النصوص، بل ذات المحتوى مزدوجة المعاني، وحذر ة، وبالتالي الغير فعالة؟ وعلاوة على ذلك، وعدا عن التواضع الممدوح لأولئك الذين يعطيهم ساخاروف دور المزورين، كان عليهم ايضا التحلي بشجاعة متميزة، لتقديم تأليفاتهم علي أنها نصوص لينينية، الذي يعد، والقائد مازال حيا، مغامرة واضحة. في حالة انتعاش لينين كان يمكن أن يكلفهم ذلك حياتهم السياسية، ناهيك عن التخلي عن جميع تلميحاتهم. ولكن في صيف عام 1923، لم يستطع أحد ان يضمن بعد أن لينين سوف لن يتعافى من المرض. لو احتكمنا الي "المجلة الأوروبية لعلم الأعصاب" المرموقة (رقم 1 لعام 2004)، فانه في عام 1923، كان يمكن للينين أن يتعافى تماما، وجميع رفاقه كانوا يعولون على ذلك حتى يناير 1924. وعلاوة على ذلك، فان لينين في هذه الفترة عاد جزئيا الي الكلام، وفي الخريف، كما هو معروف، فقد جاء الي الكرملين. حتى في يناير كانون الثاني عام 1924، كان لينين لا يزال يحتفظ بالقدرة على إدراك المعلومات السياسية: من المعلوم أنه في هذه الفترة كانت كروبسكايا تقرأ له بروتوكولات المؤتمر الثالث عشر للحزب. علاوة على ذلك، وكما برهن ساخاروف نفسه بشكل مقنع، فأن عدد من النصوص "المزيفة" قد حصلت علي حياة سياسية في فصلي الربيع والصيف من عام 1923. بقي فقط الاعجاب بمغامرة الـ ”المتامرين”! ما الذي غذى ثقتهم بإفلاتهم من العقاب؟ أو ربما، أنهم بما فيهم كروبسكايا، متورطون في وفاة لينين ايضا؟

مستنتجين من كل ما سبق، نؤكد مرة أخرى، بأن الخلافات التي نشأت في عام 1922 والنصف الأول من عام 1923، في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي لروسيا (البلاشفة) كانت بشكل رئيسي ذي طابع تكتيكي وعملي ولم تؤثر على المواقف الأيديولوجية العميقة التي شكلت الثقافة السياسية للبلشفية. وهذا ينطبق بدرجة متساوية، كما على مناقشات تروتسكي ولينين، كذلك على خلافات لينين وستالين. نصوص مقالات ورسائل لينين الأخيرة (بما فيها تلك، التي لا يطعن ساخاروف بكونها من تأليف لينين) تشهد، ومع ذلك، علي أن زعيم البلاشفة، بعد تفاقم المرض واضطراره لمغادرة الاعمال الجارية، تعرضت وجهات نظره الخاصة لتعديل جدي سمح له حتى الحديث عن "تغيير نظرتنا كلها حول الاشتراكية". العناصر الهامة للتجديد في العمل النظري للينين المرتبط بشتاء 1922 - 1923 سنة، توضح عدد من الاختلافات بين وجهة نظره الجديدة ومواقف رفاق القائد، الذين لم يصلوا بعد لفهم تطور الفكر اللينيني. بهذا ينبغي فهم، أنه وهو يدخل في جدال مع رأي معين لتروتسكي أو لستالين، فان لينين كان في نفس الوقت يجادل ايضا آراءه الأخيرة الخاصة بشأن القضايا ذات الصلة.
وأخيرا، فإن الغرض الحقيقي من تبديل الكوادر المقترح من قبل القائد، وكذلك تلك التوصيفات غير المريحة التي اعطاها لرفاقه، لا تؤدي إطلاقا إلى اختيار "الوريث" وتبرير سعي أي كان إلى السلطة، كما يعتقد تروتسكي وساخاروف. الاستنتاج الأكثر تأسيسا، قد ورد في كتابة التاريخ الوطني: لم يكن لينين علي وشك الموت عندما أملى ملاحظاته الأخيرة (انظر على سبيل المثال: ن. فالنتينوف- السياسة الاقتصادية الجديدة وأزمة الحزب بعد وفاة لينين، 1991، ص 80، وكذلك ا. ف. شوبين. قادة ومتآمرون: الصراع السياسي في الاتحاد السوفياتي في سنوات 1920 - 1930، 2004، ص 38). سعى لينين للتأكيد على دوره القيادي في الحزب، وعلي حقه في تحديد استراتيجية البلشفية. أما التقريع الحذر وبشكل معتدل وبـ "جرعات”، تقريبا لجميع رفاقه الأكثر بروزا، فلم يكن له أن يؤكد إلا على الوضعية الاستثنائية للينين وسط جميع افراد “الفرقة الحديدية للثورة”.

في الختام، أود أن أذكر ساخاروف كلماته حول انه يجب أن يكون هناك “تمييز واع وقدر الامكان واضح للاستنتاجات السياسية والعلمية عن التحيز السياسي" (ص 16). وللأسف، فإن مؤلف الكتاب قيد المراجعة فشل في البقاء ضمن حدود هذا النموذج المنهجي. مؤلف الكتاب ينظر غالبا الي الواقع التاريخي خلال منظور انتماءاته السياسية. ومع ذلك، فان لعمله عددا من المزايا حقا: استخدم مجموعة واسعة من المصادر الأرشيفية، انتقد بعض الصور النمطية في كتابة التاريخ، وضع عدد من المشاكل المتعلقة بالمصادر. ومع ذلك، لا يزال حلها من شأن المستقبل. انتهي
————
(أتقدم بالشكر للزميل عبد المطلب العلمي لتنبيهي الي السطر العشرين من ترجمة الجزء الأول، والصحيح هو: كان تروتسكي في شتاء عام 1920 قد قدم اقتراح باستبدال نظام الـ برودرازفيرستكا بنظام الضرائب. (آ. گ.))
-------

الجزء الاول

على الرغم من المزايا العديدة التي تمتع بها تاليف كتاب ف. ا. ساخاروف، وخاصة وفرة المصادر الأرشيفية المستخدمة فيه والدقة، التي ابداها المؤلف عند بحثه في سلسلة من الاحداث غير المدروسة بشكل كافي من قبل، فانه هناك أساس للشك في صحة غالبية استنتاجاته. ويبدو أن السبب في ذلك يكمن في أوجه القصور المتأصلة في نظام المحاججة عند المؤلف نفسه، وكذلك في أن ساخاروف تجاهل جملة حقائق، ناطقة ليس في صالح المفاهيم المعروضة في كتابه.

عائدا إلى تقاليد علم التأريخ السوفياتي في العهد الستاليني، يعاين ساخاروف الصراع بين تروتسكي وأنصاره من جهة، ولينين، ستالين، و"غالبية اللجنة المركزية" من جهة أخرى، بصفته المحور الرئيسي للحياة الداخلية للحزب الشيوعي لروسيا (البلاشفة)، في النصف الأول من عشرينيات القرن الماضي. من وجهة النظر هذه، فان محاولة لينين لتوجيه ضربة لحليفه الرئيسي - ستالين تبدو غير منطقية للغاية، الأمر الذي يعطي مؤلف الكتاب الأساس لأثارة الشكوك في تأليف لينين لعدد من نصوص "الوصايا".

أول وأكبر جزء من الكتاب مكرس للصراع الأيديو- سياسي في الحزب البلشفي في سنوات 1921 - 1922. فيه يسعى ساخاروف إلى إثبات وجود استراتيجيين متعارضتين مبدئيا (واكثر من ذلك - معاديتين لبعضهما البعض) لتطور الثورة ولتنظيم بناء الاشتراكية، منتميتين على التوالي الي لينين وتروتسكي. وهو يبرز بهذا عددا من القضايا زاعما أن المواجهة بين زعيمي البلاشفة حولها كانت الأكثر حدة ومبداية. أولها كانت مسألة الانتقال إلى (السياسة الاقتصادية الجديدة - نيب). وكما هو معروف، كان تروتسكي في شتاء عام 1920 قد قدم اقتراح باستبدال نظام الـ برودرازفيرستكا بنظام الضرائب، ولكن تم رفض ذلك، فيما تم تبني (السياسة الاقتصادية الجديدة - نيب) بعد عام تحديدا، بعد أعلانها من ابتكار لينين. وفقا لساخاروف، فان النمودجين اللينيني والتروتسكي للـ (نيب) كانتا مختلفتين جوهريا: "... إذا كانت الـ (نيب) اللينينية تستهدف توسيع القاعدة الاجتماعية للثورة الاشتراكية، فان مقترحات تروتسكي كانت تريد تضييقها" (ص 86). لكن هذا التاكيد يبدو غير مقنع، لأن مؤلف الكتاب لا يورد حجج ملموسة تثبت وجود استراتيجيتين متناقضتين للـ (نيب).

في البداية يقول ساخاروف إنه “لم يكن لتروتسكي أي تلميح الي السوق" (المرجع نفسه)، لكنه بعد فقرة يخلص إلى أن كل ””ابتكار" تروتسكي يفضي إلى استخدام الضريبة من أجل توفير الحوافز الاقتصادية ... للكولاك”، حيث أنه يقترح تحفيز زيادة الحرث وإنتاجية العمل. ولكن هل يمكن "تحفيز الكولاك" دون “التلميح الي السوق"؟ ومن المعروف أن تروتسكي نفسه اعتبر مقترحاته في عام 1920 بمثابة خطة انتقال إلى علاقات السوق (ل. د. تروتسكي - حياتي- طبعة 1990، المجلد الثاني، ص 199). يمكن القول أنه في عام 1920، لم يكن تروتسكي مستعدا تماما لاستبدال تخطيط السوق، اخذا بنظر الاعتبار “تزويد الفلاحين بالمنتجات الصناعية" (اخبار (ايزفيستيا) اللجنة المركزية للحزب الشيوعي للاتحاد السوفييتي، لسنة 1990، عدد 10، ص 174). ولكن لينين في عام 1921 لم يكن ينوي تسليم “سلطة الاوامر” وإلغاء هيئة تخطيط الدولة. وعلاوة على ذلك، فان دعم مقترحات لينين من قبل تروتسكي للانتقال إلى الـ (نيب) في المؤتمر العاشر للحزب الشيوعي لروسيا (البلاشفة) قد أجبر ساخاروف نفسه بأن يستنتج فجأة وبشكل صحيح ما لا يتوافق مع جميع نصوصه السابقة (واللاحقة): "تروتسكي أيد وصوت لصالح اقتراحات لينين. وهذا أمر مفهوم: اقتراحات لينين ذهبت في نفس الاتجاه، ونحو هدف واحد - تمتين المواقع السياسية والاقتصادية للسلطة السوفيتية، والتغلب على المعارضة السياسية لسلطة ديكتاتورية البروليتاريا والفلاحين "(ص 87). بينما، قبل قليل من هذا، كان المؤلف يؤكد أن استراتيجية تروتسكي ولينين تتعارضان، وأن مقترحات الأول تفضي الي دعم “الكولاك - عدو السلطة السوفياتية - على حساب الطبقات الفقيرة والمتوسطة من الفلاحين، والتي لا يمكنها أن لا تعقّد علاقتها مع ديكتاتورية البروليتاريا". لذلك، أية من هاتين العبارتين لساخاروف ينبغي اعتبارها صحيحة؟

ولكن سرعان ما عاد ساخاروف لاتهاماته ضد تروتسكي: "بين وجهات نظر لينين وتروتسكي حول جوهر الـ (نيب) لا يوجد عمليا شيء مشترك... فبينما عند لينين تعبّر بوضوح عن "فلاحية“ اتجاه الـ (نيب)، فانه عند تروتسكي "مدنية"" (هل لم يتهم المؤلف لينين بهذا بـ ”الانحراف الكولاكي”؟ بالتقارب مع وجهات نظر الاشتراكيين-الثوريين؟ - ا. ف. ساخنين). ولكن دعونا ان لا ننسى أنه تحديدا مؤيد "مدنية" الـ (نيب) تروتسكي يدافع في المؤتمر الثاني عشر للحزب الشيوعي لروسيا (البلاشفة) عن الفلاحين، عن الـ (نيب)، وعن تحالف الطبقة العاملة والفلاحين (أرشيف تروتسكي الجزء الاول اصدار 1991 ص 38). ورغم ان هذه الحقيقة مؤكدة لمرات عديدة في علم التأريخ (ايستوريوغرافيا) الوطني، فانها تفلت من انتباه ساخاروف. وبهذا فان انعدام الترابط في طروحاته يثير الدهشة. في الوقت الذي يلوم فيه تروتسكي بـ “دعم الكولاك"، فانه ينتقد على الفور رئيس المجلس العسكري الثوري للجمهورية علي ما يزعمه بان هذا لم يفهم الفكرة اللينينية للشراكة الاجتماعية مع الفلاحين، بل رأى في الـ (نيب) فقط "تقوية للعناصر والعلاقات البرجوازية في المجتمع، وتهديد بانحطاط الثورة" (ص 89). في المحصلة، يبقى من غير الواضح فيما إذا كان تروتسكي مدافعا عن الكولاك أو انطلق من موقف متطرف ضد أي تنازلات للعناصر البرجوازية؟ وبالإضافة إلى ذلك، نذكر أن لينين قد اعترف بحقيقة تقوية البرجوازية كنتيجة لـ ”بريست الفلاحية”، كما سمي بنفسه الـ (نيب).

وهكذا، فان انتقادات مؤلف الكتاب لمواقف تروتسكي في مجال السياسة الاقتصادية تبدو غير مقنعة بما فيها الكفاية. لإثبات وجود خلافات مستعصية عن الحل بين لينين وتروتسكي، فانه يستخدم نفس الأسلوب الذي انتهجه مؤلفي ستينيات السوفييت لاثبات تناقضات وجهات النظر بين لينين وستالين، بمنح الخلافات التكتيكية والمتعلقة بالاعمال وأخراج النصوص من السياق، أصولا نظرية عامة. مؤلف الكتاب أخطأ هنا للأسف بالافراط كثيرا في الاثارة علي حساب العلمية.
يتبع ……
--------

الجزء الثاني

مساحة واسعة في كتاب ساخاروف خصصت لتحليل خلافات تروتسكي من جهة، ولينين وستالين من جهة أخري، بشأن مسألة إعادة تنظيم نظام الإدارة الاقتصادية. يحاول المؤلف إثبات أن تروتسكي خطب من أجل سحب القضايا الاقتصادية من تحت سيطرة اللجنة المركزية والمكتب السياسي، ولكنه تعثر في ذلك بسبب المقاومة الراسخة للينين، ستالين و"غالبية اللجنة المركزية”. ساخاروف يقصد هنا اقتراح تروتسكي لتوسيع صلاحيات هيئة تخطيط الدولة، الذي كان من شأنه أن يزيد من كفاءة النشاطات الاقتصادية، وفي الوقت نفسه أن يرتب عمل أجهزة الحزب العليا. يتفق ساخاروف مع تروتسكي: "وبالطبع أن عمل المكتب السياسي لو تم تحريره من القضايا الاقتصادية لأصبح أسهل ومنهجي”. ولكن من ناحية أخرى يقول: "مع فقدان القضايا الاقتصادية كان المكتب السياسي سيفقد جزءا كبيرا من السلطة الحقيقية في البلاد، منتقلة الي الهيئة، التي كان سيتركز في أيديها توجيه الاقتصاد" (ص 478).
علينا أن نذكـّر مؤلف الكتاب، اقرار تروتسكي نفسه، بأنه "لم يكن سيفرض إطلاقا منح هيئة تخطيط الدولة أية حقوق واسعة مباشرة"، وأكثر من ذلك، عدم جعلها خارج نطاق سيطرة اللجنة المركزية. ووفقا لتروتسكي "الحق الوحيد وغير قابل للتصرف لهيئة تخطيط الدولة هو أن لا تمر أية مسألة اقتصادية مركزية الا من خلالها " (أرشيف الدولة الروسية للتاريخ الاجتماعي - السياسي، الصندوق 5، توصيف 2، عمل 305، ص 1- 5)*. بالإضافة إلى ذلك، وكما هو معلوم، فان لينين في مقاله “حول الوظائف التشريعية الممنوحة لهيئة تخطيط الدولة" (الذي لا يطعن ساخاروف في تأليفه من قبل لينين) استنتج أنه "في هذا الصدد، يمكن بل يجب الاتفاق مع الرفيق تروتسكي" (الأعمال الكاملة للينين، المجلد 45، ص 349-350) ⁑-;---;-- ، بل ان لينين اتخذ الخطوة اللازمة لتنفيذ مبادرة تروتسكي. محاولة ساخاروف لاثبات أن عبارة لينين هذه حول تروتسكي بانها ليست سوى صيغة بلاغية (بل مع عناصر من السخرية)، لا تصمد أمام اي نقد. لقد قال لينين بوضوح ما اراد قوله.
وأخيرا، فإن الخاتمة في “اثبات” سعي تروتسكي لانتشال القضايا الاقتصادية من تحت سيطرة الحزب، وبالتالي تقويض "النظام السياسي لديكتاتورية البروليتاريا" هي الادعاء بأن هذه المقترحات كانت مجرد تمويه لطموحه، ورغبته في أن يصبح "دكتاتورا اقتصاديا”.
"أما من الناحية السياسية، - يكتب ساخاروف - فالسؤال كان يودي الى: من سيحدد المسار السياسي والسياسية الاقتصادية للثورة الاشتراكية، لينين والمتفقون معه فكريا- البلاشفة، أو اللا بلاشفة تروتسكي وأنصاره" (ص 478) . ومع ذلك، فإن المؤلف لا يقدم أي دليل يفيد بأن تروتسكي اقترح سحب قيادة هيئة تخطيط الدولة من تحت سيطرة المكتب السياسي أو كان قد سمح بأن تقاد هذه الهيئة من قبل غير حزبي. وإذا افترضنا أنه كان يعول علي أن يتخذ موقع القائد في إدارة الاقتصاد، فإن الأطروحة حول محاولة تروتسكي لسحب العمل الاقتصادي من اجواء سيطرة الحزب لا يصمد أمام النقد: كان واضحا لجميع أعضاء الحزب في اعوام 1922 - 1923 بأن تروتسكي بلشفي رفيع المستوى، وحتى لو كان يطمح لادارة الحياة الاقتصادية للدولة، فإن ذلك لا يهدد احتكار الحزب الشيوعي لروسيا (البلاشفة) للسلطة.
نستلخص، بأن تروتسكي لم يكن الي جانب اضعاف ديكتاتورية الحزب البلشفي في المجتمع، ولم يعمل من أجل تحرير الاقتصاد من سيطرة الحزب أو من أجل استقلالية الإدارات الاقتصادية عن اللجنة المركزية. على العكس من ذلك، انه كان يرى في رئيس هيئة تخطيط الدولة المعادة تنظيمها، ممثل للجنة المركزية للحزب (وربما لنفسه). وبعبارة أخرى، اقترح تروتسكي اجراء الإصلاح، الذي تم اختباره سابقا بنجاح في الجيش الاحمر؛ زيادة فرص مؤسسات (هيئة تخطيط الدولة) وموظفيها الفنيين (الاختصاصيين)، وابقائهم تحت السيطرة الأيديولوجية والسياسية الصارمة للحزب. في حينه (وبخلاف ستالين) دعم لينين فكرة استخدام الخبراء العسكريين في الجيش. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل ان لينين أيضا عمل انذاك من موقع "تقويض النظام السياسي للديكتاتورية البروليتاريا"؟

لا تبدو لي حجج ساخاروف مقنعة لصالح اعتبار تروتسكي المؤلف الحقيقي لملاحظات “حول مسألة القوميات أو عن “الحكم الذاتي"" والذي رأى فيها (روسوفۆ-;---;--بيا- الرهاب الروسي) غير معهود تماما لدي لينين وخروجا على مبدأ الفيدرالية في مسألة توحيد الجمهوريات السوفيتية في الاتحاد السوفياتي. حقيقة أنه من الصعب جدا تصور تروتسكي المركزي الصلب، والذي في عام 1922 لم يسبق له ان انتقد فكرة الاتحاد، الكونفدرالية أو الفيدرالية مع مركز ضعيف، الذي في نظر ساخاروف هو مؤلف الأجزاء المحددة من “الوصية” في صيغها المقررة.
“مزورة” تظهر في احكام الكتاب ايضا رسالة لينين إلى تروتسكي، المتضمنة طلبه منه الدفاع عن “المنحرفين القوميين” الجورجيين، والتي حسب زعم المؤلف احتاج تروتسكي اليها فقط من أجل إستعراض قربه من لينين وتوجيه ضربة أخرى الي ستالين، المعادي للمعارضة المناهضة لموسكو في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي (البلاشفة) لجورجيا، برئاسة مديفاني. ولكن أطروحة ساخاروف هذه بقيت، كما اري، ايضا بدون اثبات.

كما لا توجد براهين مقنعة على أنه كانت هناك لدي سكرتاريي لينين، كما يبدو لساخاروف، أسباب لارتكاب جرائم وظيفية جدية (التلاعب غير المصرح به بنصوص “وصية” لينين) باسم المصالح السياسية غير المؤكدة لتروتسكي. نعم، حتي مؤلف الكتاب قيد الاستعراض نفسه اعترف بأن "مسألة الدافع، كما هو واضح، يبقي بلا جواب. من الواضح، وربما، امر واحد: علي اساس قوي، يمكننا أن نفترض أنه بهذا الفعل خدمت فوتييفا (واحدة من سكرتيرات لينين - كاتب المقال) المصلحة السياسية لشخص ما. والأكثر ترجيحا، خلف فوتييفا وقف تروتسكي" (ص 510). بنفس هذا النجاح يمكن افتراض أن الذي وقف خلف فوتييفا أي شخص آخر باستثناء تروتسكي. في كل الاحوال، بدون الجواب على هذا السؤال تبقي استنتاجات ساخاروف لا أساس لها من الصحة. وجود علاقات وثيقة وخاصة لتروتسكي مع موظفي-ات- سكرتارية لينين مازال بشكل عام بدون اثبات. وكما هو معروف، في الأدب رويت وجهة نظر معاكسة تماما حول وجود علاقات لفوتييفا مع ستالين. وإذا افترضنا أن تروتسكي قد زور الملاحظات "حول مسألة القوميات ..."، مدخلا وجهات نظره الخاصة في المسائل المبدئية لغرض الهجوم على ستالين، في هذه الحالة فان سلوكه في المؤتمر الثاني عشر، عندما لم يحرك ساكنا من أجل استخدام هذه “الورقة الرابحة” بنفس الجهود ضد ستالين، يثير الدهشة بشكل اكثر.
ساخاروف يصل أيضا إلى استنتاج مفاده أن "رسالة إلى المؤتمر” الشهيرة خدمت المصلحة السياسية لتروتسكي" (ص 385). بيد أن هناك سبب اساسي للشك في هذا الاستنتاج. نذكـّر أن ما ينقله مؤلف الكتاب من خطاب ستالين في البلينيوم المشترك للجنة المركزية ولجنة الرقابة المركزية في يونيو (1926)، بأنه في حين كان تروتسكي، كامينيف وزينوفييف هم المقصودين بما ورد في “الوصية” من انه "كانت لهم أخطاء مبدأية، التي هي ليست بالصدفة”، فأنه "حول أخطاء مبدأية لستالين في"الوصية" لا توجد أية كلمة، ولا حتى تلميح بأنه لدي ستالين كانت أخطاء مبدأية" (ص 598). ووجهة النظر هذه ثبتت ايضا في التأريخ. ومن المعروف أيضا بأن مؤلف "الوصية“ نفسه ذكر "لا بلشفية" تروتسكي و كذلك "نضاله ضد اللجنة المركزية" (قاصدا، كما هو واضح، ما سمي بالنقاش حول النقابات المهنية). وبطبيعة الحال، هو المح الي أن كل هذا لا يمكن أن يضع اللوم علي تروتسكي شخصيا، ولكن هكذا اتهامات خطيرة لا تذكر بلا غرض. ان لينين نفسه كتب في حينه أن "دون ضرورة خاصة، ليس من الصحيح ذكر الأخطاء، التي قد تم تصحيحها بالكامل" (لينين ف. ا.، الأعمال الكاملة، مجلد 41، ص 417).
وإذا يفترض ساخاروف أن مؤلف "الوصية” حاول لإعادة تأهيل تروتسكي، فان مضمون هذه الوثيقة يقنعنا خلاف ذلك. فمن المثير للاهتمام، أن الاتهامات ضد زينوفييف وكامينيف، التي بنيت وفق نفس المخطط تبدو لساخاروف خطرة، بينما الضربة السياسية في “الوصية" ضد تروتسكي بقيت دون ملاحظته. لهذا من الواضح لماذا لم يكن تروتسكي مهتما بظهور نص "الوصية"، لأنه كان ضده بقوة لا تقل عن تلك ضد ستالين. محاولة إثبات وجود دوافع سياسية لدي تروتسكي لتأليف ملاحظات حول مسألة القوميات او "رسالة إلى المؤتمر” لا تصمد، في رأيي، امام النقد.
يتبع ….

*
http://www.rgaspi.org

⁑-;-
http://vilenin.eu