المثقف صنو الحاكم !


شامل عبد العزيز
2014 / 12 / 27 - 12:45     

لم يكن أفلاطون صاحب أوّل نظريّة فلسفيّة حول الطغيان السياسيّ فحسب بل كان كذلك أوّل فيلسوف يلتقي بالطاغيّة وجهاً لوجه ويختبره بنفسه قبل أن يضع فيه نظريته الفلسفيّة .. نص مقتبس - .
في عام 1969 صعد الشيخ عبد العزيز البدريّ على منبر أحد جوامع مدينة بغداد وكعادة كل خطيب لا بدّ أن يستفتح خطبة الجمعة ببعض ما جاء في خطبة الحاجة المنسوبة للنبيّ محمّد والتي منها :
" ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا " ..
فماذا قال الشيخ البدريّ الذي كان أحد أعضاء حزب التحرير الإسلاميّ , أسسه الفلسطينيّ – الأردنيّ الشيخ تقي الدين النبهاني في نهاية خمسينات القرن الماضي والذي يدعو إلى إقامة الحلافة الإسلاميّة وينشط هذا الحزب في الأردن ولبنان .
قال البدري " ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات حكامنا " وعندما نزل من على المنبر تمّ اعتقاله وتحذيره من أن يكرر هكذا عبارات وأن يلتزم بالخطبة كما تصدر من وزارة الأوقاف وفي الجمعة الثانيّة صعد المنبر وهو يحمل كفنه وكرر نفس العبارة " ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات حكامنا " ثمّ إلى سجن قصر النهاية مباشرة في زمن حكم البعث . تعذيب لا مثيل له والذي تمارسه كالعادة الأنظمة الراديكاليّة - الشموليّة - الشرقيّة والحزب الحاكم الواحد وقاموا بتقطيع أجزاء من جسده وأخيراً قطعوا لسانه وهو لم يتجاوز الأربعين من عمره ..
وأنا اليوم أحب أن أقول :
" ونعوذ بالله من شرور مثقفينا ومن سيئات حكامنا " ..
بالرغم من عدم قناعتي بمصطلح المثقف العربيّ فهناك الكثير من التحفظات مع الأخذ بنظر الاعتبار عدم وجود اتفاق تام وعام حول المصطلح ولكنّي سأتماشى مع هذه المفردة من أجل طرح فكرتي ..
الأمثلة تضرب :
هل هناك مثقف واحد يستطيع أن يتجرأ على كلب الوزير وليس الحاكم في عالمنا العربيّ البائس هذا اليوم ؟
الذين يكتبون عن ماركس ويدعون الماركسيّة ينسون أو يجهلون بأن ماركس قال "السعادة في النضال والتعاسة في الخضوع".
هل هناك خضوع أكثر وأكبر من خضوع المثقف العربيّ حسب قول ماركس ؟
في إسرائيل الدولة الصهيونيّة التي تحكم بالتوراة – شر البليّة أغربها – رئيس الجمهوريّة في السجن بتهمة التحرش الجنسيّ ورئيس الوزراء في السجن بتهمة الرشوة فمتى سنقدم كلب الوزير في بلادنا من أجل محاكمته لأنّه عضّ أحد .... ؟
ضعوا الكلمة المناسبة مكان النقاط !!!
من هو هذا المثقف العربيّ وأين نجده وفي أي بلد وما اسمه وماذا قدم ولمن تصدى وما هي كتبه التي يقارع بها السلطة الغاشمة من الذين يتواصلون على كافة وسائل التواصل الاجتماعيّ ويكتبون في الصحف الالكترونيّة ؟
مثقفنا هذا اليوم مثقف اللغو فقط .. هناك فرق بين اللغو وبين الثقافة ...
كتابات مثقفينا وتعليقات الغالبيّة تصلح للتداول والنقاش على أرصفة المقاهيّ الشعبيّة وبصوت خافت خشية أن تخدش الحياء العام أو تجرح شعور المارة ..
المثقف العربيّ اليوم مع الحاكم الطاغيّة لكونه جبان – رعديد ,, لا يستطيع أن يفتح فمه أو ان يكتب حرفاً واحداً ضد الطاغيّة والحكم والفساد في بلاده لأن من واجب المثقف كشف عورات المجتمع الذي يعيش فيه – قد يفتحه فمه في مكان أخر – ويهذي في أماكن أخرى ..
المثقف العربيّ يعيش على أكوام من الصفيح ومن حوله القمامة ويكتب لنّا عن الثورة في جزر الواق واق !
من أولويات المثقف مقارعة النظام الاستبداديّ ولكن مثقفنا أبعد ما يكون عن ذلك .
الحاكم الطاغيّة الذي هو أس البلاء على يقين من أنّ المثقف العربيّ لا يستطيع أن يحرك أيّ شئ قيد أنملة فهو مطمئن في حكمه ومن هنا فإن المثقف العربيّ مع الحاكم العربيّ ,, قد يدعي أنه ضدّ الطاغيّة والاستبداد الدينيّ والسياسيّ ولكنه يكذب والدليل على كذبه أنه يتحاشى الطغاة ويثرثر في أشياء أخرى .
يترك اللب ويتمسك بالقشور ,, يترك الطغاة يسرحون ويمرحون ويتوارثون العرش وهو يكتب لنا : هل البيضة من الدجاجة أم الدجاجة من البيضة ناسياً أو متناسياً الدمار الهائل الذي خلفه الحكام منذ عصر الاستعمار وإلى حد الآن ..
المثقف العربي في واد والحاكم في واد – المثقف العربي لا يقرأ الواقع ولا ينعكس عليه بل يكتب من خياله الرحب .. يكتب عن أشياء لا علاقة لها بواقعنا ولا تلامسه .
المثقف العربيّ عندما يقرأ عبارة أو جملة لا تعجبه ولا تتفق مع مزاجه العام لا يكتفي بالرد وقول رأيه بل يبدأ بالاتهامات والشتائم والتي لا تنتهي وهي أطول من نهر المسيسبي باعتباره مثقف لامع ولذلك نكرر لا يوجد في عالمنا الرأي الأخر فهذه خرافة تشبه الكثير من الخرافات ,, في عالمنا يوجد الرأي الواحد الأوحد ..
هناك من يحاول فرض وصاياه علينا وكيف نكتب وما هي الطريقة ومن أين نبدأ وكيف .. هل هذه حماقة أم وقاحة ؟
نلوم داعش والمفروض أن نلوم أنفسنا فكلنا داعش وفي كل منا شئ من القذافي كما قال علي حرب .
الشيوعيّ يريد أن يكون الجميع على هواه – الاشتراكيّ – اليساريّ – الليبراليّ – الإسلاميّ – القوميّ – المتدّين – الملحد – العلمانيّ – الديمقراطيّ ,, الخ .. يجب أن يكونوا على ما يقول هو وبعكسه فكل شئ جاهز للرد في عالمنا العربيّ والذي هو خارج التاريخ .. الجميع سواسية ..
أنا على خلاف تام مع كافة التيارات الدّينيّة ومن المستحيل أن نلتقي لأنّ الأحزاب الدينية على منهج الأحزاب الراديكاليّة الشموليّة الأخرى .. لا فرق .. حيث الحاكم البائس الواحد والحزب الجامد الوحيد الذي يجتر ويلوك ما يؤمن به منذ عقود خلت ولا يتماشى مع تطوّرات العصر ..
الأحزاب الدّينيّة تستمد تعاليمها حسب زعمها من السماء والأحزاب الأخرى تتلقى تعاليمها من أنبياء الأرض وفي بعض الأحيان من الآلهة الأرضية ..
حتى لا نظلم أحد ما فهناك بعض الكتابات التي تتعرض للحاكم ولكن ليس في موقعنا - الحوار المتمدن - حسب علمي بل في مواقع أخرى وهي قليلة جدًا إذا ما قورنت بغيرها من الكتابات لا بل تكاد تكون معدومة ..
على سبيل المثال يقول أسعد أبو خليل - بتصرف - :
{ يجثم فوق صدور العرب طغاة ، ويجثم فوق صدورهم أبناء الطغاة . الطغاة يولّدون ، لكن ليس إلى ما لا نهاية . الإنتفاضات العربيّة — إن دلّت على شيء — دلّت على أن أجل الطغاة محدود . سوريا عانت من حكم الطاغيّة ، وتعاني من حكم ابن الطاغيّة. ليس بشّار وحده ابن الطاغيّة بين الحكّام العرب :
هناك الملك محمد السادس في المغرب وعبد الله الثاني في الأردن والملك عبدالله السعودي وحاكم الإمارات وسلطان عمان وأمير قطر وملك البحرين : كل هؤلاء أولاد لطغاة . يحبو إبن الطاغيّة بين جدران القصر العاليّة ، ويهرع إليه أفراد الحاشية المدجّجون كلّما بدرت عنه إشارة ضيق ، وهو يقتات باكراً على الكافيار والذهب : لا يذوق إبن الطاغيّة الأكل "البلدي". إنهم يتبعون نفس النمط المعيشيّ : يأكلون في نفس المطاعم الأوروبيّة والأميركيّة ويتزلّجون في نفس المنتجعات الجبليّة السويسريّة ، وينزلون في نفس الفنادق الفاخرة في الغرب . يقامرون في نفس النوادي ويرتادون نفس الحانات الليليّة ولديهم نفس مستشاري اللذّات أثناء إقامتهم في الغرب . إبن الطاغية يظنّ أن النساء يتجاوزن العذريّة عند ظهوره على الملأ ، وأن المواطن والمواطنة تنتشي من ذكر إسمه .الحاشيّة أقنعت إبن الطاغيّة أن ولادته لم تكن صدفة : أنه ذات صفة إلهيّة . لا يجد ملك المغرب حرجاً في عرض نعليْه أمام رؤوس الناس المنحنية أمامه . ولا يجد بشّار حرجاً في الوقوف أمام مجلسه (غير) المُنتخب ليرى الأعضاء يصفّقون بتكرار كالبطاريق . ولا يجد حكّام الخليج حرجاً في تدبير أمور التغيير في سوريا واليمن وهم الذين عصوا على التغيير لعقود طويلة ، وهم نتاج نظام حكم يعود لما قبل القرون الوسطى } . انتهى .
ما قيمة المثقف - الثقافة والرؤوس منحنية لجلالة الملك تحت النعلين ؟ أين هو المثقف العربيّ من كل هذا ؟ بماذا يثرثر وبماذا يهذي ؟ هل يستطيع أن يعترض ومن المحتمل أن يكون راسه من ضمن الرؤوس المنحنية لجلالة الملك ويدعي النضال والثوريّة والماركسيّة ..
كل الناس مثقفون , وهكذا باستطاعة المرء أن يقول ولكن ليس لكل إنسان وظيفة المثقف في المجتمع ( أنطونيو غرامشي ) .
هل تعلمون ماذا ينقصنا نحن العرب ؟ ينقصنا الأبطال والعمالقة الذين كانوا في عصر النهضة ..
اعجبني نصّ منشور على العم غوغل يقتبس صاحبه من – جدل الطبيعة – انجلز ولنقرأ سوية هذا النص الرائع :
في معرض حديثه عن أبطال عصر النهضة الأوربيّ ,, ترك إنجلز العنان لقلمه لكي ينساب مع هذا الوصف الملحمي فيقول :
{ لقد كان ذلك العصر في حاجة إلى عمالقة ، ولقد أنجب عمالقته عمالقة في الفكر، وعمالقة في العواطف المتأججة وقوة الشخصيّة ، وعمالقة في الاطلاع الواسع والشمول الثقافيّ .
إن الرجال الذين أسسوا السيطرة الحديثة للبورجوازيّة ، كانوا كل شيء باستثناء أنهم لم يكونوا سجناء للأفق البورجوازي الضيق . بالعكس ، إن روح المغامرة للعصر، قد مستهم جميعا ، إلى هذا القدر أو ذاك ، برياحها . ومن الصعب أن نجد في ذلك الوقت ، رجلا ذا أهمية ، لم يقم بأسفار كثيرة ، ويتكلم أربع أو خمس لغات، ويلمع في عدة اختصاصات.
إن ليونارد دوفانشي ، لم يكن رساما كبيرا وحسب ، ولكن أيضا عالما رياضيا ، وميكانيكيا ومهندسا عظيما ، تدين له عدة فروع متنوعة في العلوم الفيزيائية ، بالعديد من الاختراعات الهامة. كما أن ماكيافيلي ، كان في نفس الوقت ، رجل دولة ، ومؤرخا، وشاعرا، وأول كاتب عسكري في العصور الحديثة يستحق الاستشهاد بمؤلفاته. ولوثر لم يعمل فقط على تنظيف اسطبلات "الاوجياس" من مزبلة الكنيسة ، بل وأيضا إسطبلات اللغة الألمانية ، ذلك أنه هو الذي يرجع إليه الفضل في خلق النثر الألماني الحديث ، وهو الذي أباع نص ولحن ذلك النشيد ، المليء بالإيمان بحتمية النصر، والذي أصبح بمثابة نشيد « المارساييز » للقرن السادس عشر. يبدأ ذلك النشيد الكفاحي بهذا البيت:
Ein feste Burg ist unser Goot
(( إن قلعتنا المحصنة هي إلهنا )) ...
إن أبطال ذلك العصر، لم يصبحوا بعد عبيدا لقسمة العمل ، وكلنا يدرك مدى قصور الفكر وضيق الأفق ، الذي أحدثته قسمة العمل في أولئك الذين جاؤوا بعد الأبطال الأوائل . أما ما كان يميز هؤلاء الأبطال بصفة خاصة ، فهو أنهم جيعا تقريبا ، كانوا منخرطين بكل جوارحهم في حركة عصرهم ، وفي الصراع العملي المباشر . فقد كانت لهم مواقف ، وكانوا متحزبين ويشاركون في المعارك : فمن منهم من كان يتصارع بلسانه وقلمه ، ومن كان يتصارع بسيفه ، وهناك في الغالب من كان يتصارع بهما معا . إن هذا الغنى في قوة الشخصية ، قد جعل منهم رجالا كاملين . أما علماء المكاتب فكانوا يمثلون حالة استثنائية : إما أنهم كانوا أشخاصا من الدرجة الثانية أو الثالثة ، وإما أنهم كانوا ضيقي الأفق وحذرين ، لا يريدون أن يعرضوا أنفسهم للهلاك .} . انتهى .
إذا تغاضينا عن دافنشي وميكافيلي ولوثر وغيرهم فإن السطور الأخيرة هي التي تعنيني وهي فكرتي مع العلم لا يوجد في عالمنا لا علماء ولا هم يحزنون ولكن من أجل اكتمال السياق مع الأخذ بنظر الاعتبار الفارق الكبير بيننا وبينهم وفي كل شئ .. أكرر النص :
(( أما علماء المكاتب فكانوا يمثلون حالة استثنائية : إما أنهم كانوا أشخاصا من الدرجة الثانية أو الثالثة " ومن المحتمل من الدرجة العاشرة " ، وإما أنهم كانوا ضيقي الأفق وحذرين ، لا يريدون أن يعرضوا أنفسهم للهلاك " لأنّهم جبناء " .)) .
مع الاعتزاز والتقدير لجميع المناضلين الذين كانوا يقارعون الطاغية ويتصدون له فهؤلاء هم من يستحقون كل تقدير وتعظيم مهما كانت أفكارهم ..
من كانت له أذنان فليسمع " قول شائع " وأنا أقول ومن كانت له عينان فليقرأ ..
المشكلة أنّ الغالبيّة تستخدم أذن واحدة وعين واحدة .
هذا الموضوع له تكملة ورؤية من زاوية أخرى ستكون في المقال القادم .
/ ألقاكم على خير / .