تقرير التعذيب الأمريكي :(نعوم تشومسكي وديك - الجانب المظلم- تشيني)


فضيلة يوسف
2014 / 12 / 23 - 21:59     

نشكر الله على وجود نعوم تشومسكي. ليس لأنه أمضى حياته في كشف النفاق السياسي في الغرب، ولكن لعلم اللغويات. قبل أن أعرفه بفترة طويلة ، كدح الطالب فيسك بجهد في دراسة اللغويات في الجامعة بالطبع، حيث نبّهتني أعمال تشومسكي للاستخدام الخبيث للغة. ومن ثم فأنا أُدين الدلالات الحقيرة من البنتاغون ووكالة الاستخبارات المركزية. ليس فقط العبارة القديمة، الذئبية، الفاحشة :"الأضرار الجانبية"، ولكن لغة التعذيب ،أو كما يطلق الغلمان الذين يمارسون التعذيب نيابة عنا عليها "تقنيات الاستجواب المحسنّة ". دعونا نلقي نظرة فاحصة على ذلك. "التحسين" وهي كلمة تُشير إلى التطوير، وتقترح شيئاً أفضل وأكثر فائدة ، وحتى أقل تكلفة. على سبيل المثال، "تحسين الدواء" يفترض أشياء جديدة لتحسين صحتك ،تماماً كما أن " تحسين التعليم " يفترض تعليماً أفضل للأطفال. ما هو "الاستجواب" ؟ طرح الأسئلة والحصول على - أو عدم الحصول على - الرد. ولكن "التقنيات" تتفوق على ذلك بكثير. التقنية هي المهارة الفنية، أليس كذلك؟ هكذا يخبرني القاموس عنها ، عمل خلّاق.
وبالتالي فإن "المحققين" لديهم مهارات خاصة – تتطلب ضمناً التدريب، التعلم ، والتطبيق، والمخرجات - والتي أفترض، بشكل ما أنها ليست مجرد الطريقة التي توصف فيها عادة عملية تعليق الناس على الجدران، وإغراقهم في الماء.
ولكن الآن وفي حالة تصويرية أيضاً، تحايل فتيان الصحافة الأميركية عليها وبطريقة مألوفة. تسمى هذه العملية برمتها "تقنيات الاستجواب المحسنة " "EIT". مثل أسلحة الدمار الشامل WMD – تُختصر الأعمال القذرة كلها في ثلاثة حروف ،عمل هائل آخر في مفرداتنا السياسية .
ثم نحن نعلم أن هذا هو جزء من "البرنامج". يعرّف قاموسي الأمريكي القديم الموثوق في الكلية "البرنامج" بأنه شيء مخطط له بعناية، قابل للفهم ، له منهج، وله أداء، موافق عليه، وحتى مثالي. وليس "الترفيه بالإشارة إلى الأشلاء، أو الأرقام"، وأعتقد أن الساديين في وكالة الاستخبارات المركزية استمتعوا عندما طبقوه على ضحاياهم ، تقييد أيديهم وأرجلهم ، تغطية وجوههم بالقماش، صب الماء عليهم ، والصراخ ، كفى من فضلك. آه حسناً، اشبحه على الجدار مرة أخرى، برنامج واقعي.
استخدم ديك " المظلم" تشيني مصطلح "برنامج" عندما أدان تقرير مجلس الشيوخ الأمريكي عن التعذيب الذي تمارسه وكالة الاستخبارات المركزية. الغريب على كل حال ، وصفه لهذه الوثيقة بأنها "مليئة بالحماقة" وتحتوي على الآثار الجانبية غير المقصودة في العملية التي كان يصفق لها. مثل التبول والتبرز، و- كما نعرف من أولئك الذين عانوا من هذه "البرامج" - تعرية الضحايا وتلويثهم.
يرغب منا تشيني أن نصدّق، بطبيعة الحال، أن هؤلاء الرجال المساكين قدّموا معلومات هامة إلى المخلوقات الحقيرة التي عذّبتهم. هذا هو بالضبط ما اكتشفته محاكم التفتيش في القرون الوسطى عندما اتهمت بريئاً بالسحر. اعترف كل رجل أو امرأة من الضحايا تقريباً أنهم قد طاروا في الهواء. ولعل هذا ما اعترف به خالد الشيخ محمد، بعد إيهامه بالغرق 183 مرة،. وقال لمعذّبيه من الاستخبارات الأمريكية أنه يمكن أن يطير في الهواء ، طائرة بشرية إرهابية. أفترض أن هذه هي "المعلومات الحيوية" التي يدّعي تشيني أن الضحايا قدّمتها لوكالة الاستخبارات المركزية. وبطبيعة الحال، وربما لم يبق لمدير وكالة الاستخبارات المركزية القوطي الوجه، John Brennan إلّا أن يشعر بالحرارة من تنفس بعض محامي حقوق الإنسان أسفل رقبته، ليقول :أن بعض "التقنيات" ، نعم، هذه هي الكلمة التي استخدمها - كانت غير مصرح بها - و"البغيضة". وبالتالي قدّم بشكل حاذق نسخة جديدة من جرائم وكالة الاستخبارات المركزية . (التعذيب البغيض) ( AIT ) ، "يجب أن يرفضه كل الشعب" - ولكن ليس كما يبدو، القديم الجيد EIT. كما قال تشيني، كان التعذيب "شيئاً يمكننا تجنبه بعناية فائقة". وأنوّه هنا إلى عبارة "بعناية فائقة"، وأرتجف.
أخبرنا السيد المحترم Brennan ،" لم يرُق لنا تقديم بعض الضباط [كذا] للمساءلة". ولكن من الواضح تماماً أن الجلادين أو - "الضباط" - لن يتم محاسبتهم. ولا السيد Brennan. ولا ديك تشيني. ولا أجرؤ على ذكر هذا، إنها الأنظمة العربية التي سلّمتها وكالة الاستخبارات الأمريكية هؤلاء الضحايا للتعامل معهم بحقارة أكثر مما يمكن أن يتلقوا في سجونها السرية. وأحد هؤلاء المساكين ، ماهر عرار، وهو مواطن كندي ، وسائق شاحنة استولت عليها وكالة الاستخبارات المركزية في مطار جون كنيدي في نيويورك وأرسلته إلى سوريا قبل الحرب الأهلية فيها لبعض (AIT – وليس EIT)، وُضع ماهر بطلب من الأميركيين ، في حفرة أكبر قليلاً من التابوت، وكانت مقدمته لAIT)) جلده بالأسلاك الكهربائية.
هكذا فعل تشيني وفتيانه المنغمسين في السادية ، توكيل - الدولة ذاتها التي تُغضب الغرب "تقنياتها في الاستجواب" الآن كثيراً بحيث يدعو للإطاحة النظام السوري (جنباً إلى جنب مع الإطاحة بداعش وجبهة النصرة)، لصالح المسلحين "المعتدلين" حديثاً ، الذين من المفترض، أن ينخرطوا فقط في EIT وليس في AIT.
ولكن كما أشار زميلي الصحافي رامي خوري ، تضم قائمة البلدان التي تم الترحيل السري إليها في "برنامج "وكالة الاستخبارات الأمريكية 54 دولة منها الجزائر، مصر، إيران، العراق، الأردن، المغرب، المملكة العربية السعودية، سوريا، تركيا، والإمارات العربية المتحدة واليمن. ويمكنك إضافة ليبيا القذافي لتلك القائمة. والواقع أنه حتى الشرطة السرية الإيطالية ساعدت وكالة الاستخبارات المركزية لخطف إمام من شوارع ميلانو ونقله إلى القاهرة للقليل من (AIT) على أيدي محققي السيد مبارك. وربما يُفسر ذلك هدوء العالم العربي والإسلامي أكثر من أي وقت مضى منذ تقرير مجلس الشيوخ الأمريكي الذي نُشر الأسبوع الماضي رغم الرقابة المشددة عليه.
وكان الصحفي المصري محمد حسنين هيكل أوّل من كتب عن تعميم وكالة الاستخبارات المركزية فيلماً يظهر فيه تعذيب امرأة ايرانية على يد الشرطة السرية للشاه بحيث تتعلم الدول الأخرى كيفية إجبار السجينات على الاعتراف. ليس مثل وكالة الاستخبارات المركزية الجديدة والمحسنة اليوم ، التي دمّرت شرائط الفيديو الخاصة بها قبل أن تصل لها لجنة مجلس الشيوخ الأمريكي. ولكن بطبيعة الحال تدرس الأنظمة العربية في هذا الوقت ذلك ،لأنهم قاموا بالتعذيب أيضاً - نيابة عنا. وتساءل خوري الأسبوع الماضي، "هل نتكلم، أو نحاول إصلاح جرائمنا وتواطئنا مع الامبريالية بشكل علني تقريباً كما تفعل الولايات المتحدة نفسها؟" لا يكلف المرء نفسه عناء انتظار الجواب.
حظر النزاعات، والسماح ب المحادثات فقط
حول موضوع تشومسكي والكلمات، اشتريت سترة شتوية جديدة قبل ان أغادر كندا لبيروت. مصنوعة في الصين، بطبيعة الحال. يؤكد الضمان أنها على مستوى عال في "مقاومة الماء ". تنضم هذه الكلمات الآن إلى التعبير الرهيب الذي تستخدمه الحكومات والشركات الآن في النزاع .
إنهم لا يقولوا لنا أنهم في نزاع مع شخص ما. إنهم " يتحدثون " حول "قضية". أوه نعم ، وإذا وجدت طبيباً آخراً يتحدث عن "العافية"، سوف أطبّق (AIT) على الجاني فوراً.
مترجم
Robert Fisk