حول “الوصايا السياسية” للينين - نقد لكتاب “الوصية السياسية” للينين، حقائق التاريخ واساطير السياسة، ل ف. ا. ساخاروف


ا. ف. ساخنين
2014 / 12 / 23 - 01:47     

بقلم: ا. ف. ساخنين - دكتوراه في التاريخ - جامعة الدولة الأكاديمية للعلوم الإنسانية، مرشح علوم التاريخ
ترجمة: اسو گرمياني

الجزء الاول

على الرغم من المزايا العديدة التي تمتع بها تاليف كتاب ف. ا. ساخاروف، وخاصة وفرة المصادر الأرشيفية المستخدمة فيه والدقة، التي ابداها المؤلف عند بحثه في سلسلة من الاحداث غير المدروسة بشكل كافي من قبل، فانه هناك أساس للشك في صحة غالبية استنتاجاته. ويبدو أن السبب في ذلك يكمن في أوجه القصور المتأصلة في نظام المحاججة عند المؤلف نفسه، وكذلك في أن ساخاروف تجاهل جملة حقائق، ناطقة ليس في صالح المفاهيم المعروضة في كتابه.

عائدا إلى تقاليد علم التأريخ السوفياتي في العهد الستاليني، يعاين ساخاروف الصراع بين تروتسكي وأنصاره من جهة، ولينين، ستالين، و"غالبية اللجنة المركزية" من جهة أخرى، بصفته المحور الرئيسي للحياة الداخلية للحزب الشيوعي لروسيا (البلاشفة)، في النصف الأول من عشرينيات القرن الماضي. من وجهة النظر هذه، فان محاولة لينين لتوجيه ضربة لحليفه الرئيسي - ستالين تبدو غير منطقية للغاية، الأمر الذي يعطي مؤلف الكتاب الأساس لأثارة الشكوك في تأليف لينين لعدد من نصوص "الوصايا".

أول وأكبر جزء من الكتاب مكرس للصراع الأيديو- سياسي في الحزب البلشفي في سنوات 1921 - 1922. فيه يسعى ساخاروف إلى إثبات وجود استراتيجيين متعارضتين مبدئيا (واكثر من ذلك - معاديتين لبعضهما البعض) لتطور الثورة ولتنظيم بناء الاشتراكية، منتميتين على التوالي الي لينين وتروتسكي. وهو يبرز بهذا عددا من القضايا زاعما أن المواجهة بين زعيمي البلاشفة حولها كانت الأكثر حدة ومبداية. أولها كانت مسألة الانتقال إلى (السياسة الاقتصادية الجديدة - نيب). وكما هو معروف، كان تروتسكي في شتاء عام 1920 قد قدم اقتراح باستبدالها بضريبة فائض المداخيل، ولكن تم رفض ذلك، فيما تم تبني (السياسة الاقتصادية الجديدة - نيب) بعد عام تحديدا، بعد أعلانها من ابتكار لينين. وفقا لساخاروف، فان النمودجين اللينيني والتروتسكي للـ (نيب) كانتا مختلفتين جوهريا: "... إذا كانت الـ (نيب) اللينينية تستهدف توسيع القاعدة الاجتماعية للثورة الاشتراكية، فان مقترحات تروتسكي كانت تريد تضييقها" (ص 86). لكن هذا التاكيد يبدو غير مقنع، لأن مؤلف الكتاب لا يورد حجج ملموسة تثبت وجود استراتيجيتين متناقضتين للـ (نيب).

في البداية يقول ساخاروف إنه “لم يكن لتروتسكي أي تلميح الي السوق" (المرجع نفسه)، لكنه بعد فقرة يخلص إلى أن كل ””ابتكار" تروتسكي يفضي إلى استخدام الضريبة من أجل توفير الحوافز الاقتصادية ... للكولاك”، حيث أنه يقترح تحفيز زيادة الحرث وإنتاجية العمل. ولكن هل يمكن "تحفيز الكولاك" دون “التلميح الي السوق"؟ ومن المعروف أن تروتسكي نفسه اعتبر مقترحاته في عام 1920 بمثابة خطة انتقال إلى علاقات السوق (ل. د. تروتسكي - حياتي- طبعة 1990، المجلد الثاني، ص 199). يمكن القول أنه في عام 1920، لم يكن تروتسكي مستعدا تماما لاستبدال تخطيط السوق، اخذا بنظر الاعتبار “تزويد الفلاحين بالمنتجات الصناعية" (اخبار (ايزفيستيا) اللجنة المركزية للحزب الشيوعي للاتحاد السوفييتي، لسنة 1990، عدد 10، ص 174). ولكن لينين في عام 1921 لم يكن ينوي تسليم “سلطة الاوامر” وإلغاء هيئة تخطيط الدولة. وعلاوة على ذلك، فان دعم مقترحات لينين من قبل تروتسكي للانتقال إلى الـ (نيب) في المؤتمر العاشر للحزب الشيوعي لروسيا (البلاشفة) قد أجبر ساخاروف نفسه بأن يستنتج فجأة وبشكل صحيح ما لا يتوافق مع جميع نصوصه السابقة (واللاحقة): "تروتسكي أيد وصوت لصالح اقتراحات لينين. وهذا أمر مفهوم: اقتراحات لينين ذهبت في نفس الاتجاه، ونحو هدف واحد - تمتين المواقع السياسية والاقتصادية للسلطة السوفيتية، والتغلب على المعارضة السياسية لسلطة ديكتاتورية البروليتاريا والفلاحين "(ص 87). بينما، قبل قليل من هذا، كان المؤلف يؤكد أن استراتيجية تروتسكي ولينين تتعارضان، وأن مقترحات الأول تفضي الي دعم “الكولاك - عدو السلطة السوفياتية - على حساب الطبقات الفقيرة والمتوسطة من الفلاحين، والتي لا يمكنها أن لا تعقّد علاقتها مع ديكتاتورية البروليتاريا". لذلك، أية من هاتين العبارتين لساخاروف ينبغي اعتبارها صحيحة؟

ولكن سرعان ما عاد ساخاروف لاتهاماته ضد تروتسكي: "بين وجهات نظر لينين وتروتسكي حول جوهر الـ (نيب) لا يوجد عمليا شيء مشترك... فبينما عند لينين تعبّر بوضوح عن "فلاحية“ اتجاه الـ (نيب)، فانه عند تروتسكي "مدنية"" (هل لم يتهم المؤلف لينين بهذا بـ ”الانحراف الكولاكي”؟ بالتقارب مع وجهات نظر الاشتراكيين-الثوريين؟ - ا. ف. ساخنين). ولكن دعونا ان لا ننسى أنه تحديدا مؤيد "مدنية" الـ (نيب) تروتسكي يدافع في المؤتمر الثاني عشر للحزب الشيوعي لروسيا (البلاشفة) عن الفلاحين، عن الـ (نيب)، وعن تحالف الطبقة العاملة والفلاحين (أرشيف تروتسكي الجزء الاول اصدار 1991 ص 38). ورغم ان هذه الحقيقة مؤكدة لمرات عديدة في علم التأريخ (ايستوريوغرافيا) الوطني، فانها تفلت من انتباه ساخاروف. وبهذا فان انعدام الترابط في طروحاته يثير الدهشة. في الوقت الذي يلوم فيه تروتسكي بـ “دعم الكولاك"، فانه ينتقد على الفور رئيس المجلس العسكري الثوري للجمهورية علي ما يزعمه بان هذا لم يفهم الفكرة اللينينية للشراكة الاجتماعية مع الفلاحين، بل رأى في الـ (نيب) فقط "تقوية للعناصر والعلاقات البرجوازية في المجتمع، وتهديد بانحطاط الثورة" (ص 89). في المحصلة، يبقى من غير الواضح فيما إذا كان تروتسكي مدافعا عن الكولاك أو انطلق من موقف متطرف ضد أي تنازلات للعناصر البرجوازية؟ وبالإضافة إلى ذلك، نذكر أن لينين قد اعترف بحقيقة تقوية البرجوازية كنتيجة لـ ”بريست الفلاحية”، كما سمي بنفسه الـ (نيب).

وهكذا، فان انتقادات مؤلف الكتاب لمواقف تروتسكي في مجال السياسة الاقتصادية تبدو غير مقنعة بما فيها الكفاية. لإثبات وجود خلافات مستعصية عن الحل بين لينين وتروتسكي، فانه يستخدم نفس الأسلوب الذي انتهجه مؤلفي ستينيات السوفييت لاثبات تناقضات وجهات النظر بين لينين وستالين، بمنح الخلافات التكتيكية والمتعلقة بالاعمال وأخراج النصوص من السياق، أصولا نظرية عامة. مؤلف الكتاب أخطأ هنا للأسف بالافراط كثيرا في الاثارة علي حساب العلمية.
يتبع ……