تونس: أربع سنوات على شعلة البوعزيزي


عديد نصار
2014 / 12 / 19 - 00:03     

بعد اربع سنوات كاملة على إضرام محمد البوعزيزي الشعلة في جسده، الشعلة التي غيرت مسار المنطقة والعالم، والتي دفعت قوى السيطرة المحلية والإقليمية والدولية الى تغيير مسارات صراعاتها ومجمل أجنداتها، فاحتشد لها الشرق والغرب وعصابات الإقليم المافيوية لإخمادها وإجهاض ثوراتها، ها هي فتاة في منطقة العلا التونسية المهمشة تشنق نفسها حتى الموت انتحارا في سلسلة من سبعة حالات انتحار في نفس المنطقة وبنفس الطريقة، قام بها أطفال وشباب نتيجة تفاقم البؤس والحرمان!
ففي رسالة بخط يدها كتبتها قبل إقدامها على الانتحار، كتبت ابنة الاثنَي عشرَ ربيعا تعتذر من والديها طالبة منهما أن يسامحاها على ما ستقوم به بسبب العذاب التي تعانيه والذي يتسبب بمعاناة لوالديها ترفض أن يعيشانه.
أربع سنوات شهدت سلسلة متواصلة من الاحتيال على ثورة الشعب التونسي والانقلاب عليها، حطمت آمالا وأزهقت أحلاما كثيرة، بعد أن ظن الناس أنهم استطاعوا إسقاط النظام الذي أغلق الآفاق أمامهم، وأنهم في قاب قوسين من الامساك بمصيرهم وصياغة مستقبل اجيالهم.
ليس شعرا، ولكن المعطيات، وبالأرقام، تؤشر إلى مدى الاحباط الذي أصاب الشباب التونسي الذي شكل عصب الثورة ووقودها. فحين نعرف أن من امتنعوا عن تسجيل أسمائهم في قوائم الانتخابات زادوا عن مليون وسبعماية ألف ممن يحق لهم التصويت، غالبيتهم من الشباب، وحين نعرف أن أكثر من سبعة وثلاثين بالماية ممن تسجلوا فعلا لم يمارسوا حقهم الانتخابي، ندرك حجم الابتعاد عن الفعل السياسي عند غالبية ملموسة من التونسيين وبالأخص الشباب، نتيجة الاحباط الذي نالهم من سياسات القوى السياسية التي ركبت موجة الثورة بجميع أطيافها، ثم دخلت في بازار المنافسة على السلطة وتقاسم المغانم بدل العمل الحقيقي على إنجاز ما قامت الثورة من أجله، أو على الأقل، وضع تصورات وخطط ومشاريع من شأنها السير في تحقيق أهداف الثورة.
أربع سنوات، أعادت قوى النظام القديم تشكيل نفسها في أحزاب وتجمعات سياسية وقدمت وجوها جديدة وقديمة تدعي العمل لتحقيق أهداف الثورة ولكنها تمارس النقيض الكامل، في سياسة التنافس على السلطة والتقرب من المؤسسات المالية الدولية وغض الطرف عن مجمل معاناة الشعب التونسي وبالأخص المناطق والفئات المهمشة التي تضاعفت معاناتها خلال هذه السنوات.
اليوم، يتنافس كل من محمد منصف المرزوقي والباجي قائد السبسي في الدورة الثانية على منصب رئيس الجمهورية. يقال أن حركة النهضة تدعم الأول، في حين يدعم حزب نداء تونس الرجل الثاني الذي هو رئيسه، إلى جانب تشكيلات حزبية أخرى. وكان السبسي قد تقدم على منافسه في الدور الأول بنسبة تؤشر الى فوزه الأكيد في الدور الثاني. في حين عرفت المدة التي تلت انتخابات الدور الأول في الانتخابات الرئاسية تنسيقا وتوافقات بين القوى السياسية على انتخاب رئيس مجلس النواب ونائبيه بين حركة النهضة ونداء تونس والاتحاد الوطني الحر، في حين تم عزل الجبهة الشعبية التي تشكلت من قوى وأحزاب يسارية وقومية، من خلال إسقاط مرشحتها الى نيابة رئاسة المجلس.
ورغم كل ذلك، تعتبر الجبهة الشعبية أن انتخاب من هو أقل سوءا ( السبسي، باعتبار أن المرزوقي كان قد جُرّب خلال السنوات الأخيرة التي شهدت تنامي ظاهرة الارهاب واغتيال كل من الابراهيمي وبلعيد) سيجنب تونس الكثير من المتاعب. الحقيقة أن من هو الأسوأ هو الذي سيفوز في الانتخابات سواء كان المنصف المرزوقي أو الباجي قائد السبسي، لسبب بسيط، أن أيا منهما في حال فوزه سيكون مضطرا أو مختارا، خاضعا لأولويات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي على حساب مصالح التونسيين في العدالة الاجتماعية والعيش الكريم.
ويستغرق الاعلام التونسي في استعراض الحملات الانتخابية والمناظرات التلفزيونية وعرض المواقف السياسية، في حين يرزح ملايين التونسيين تحت وطأة القهر والتهميش والإفقار دون أن يتحدث في قضيتهم أحد.
وهكذا تعيد الطبقة ذاتها تشكيل سلطتها وبناء سيطرتها وتعميم ثقافتها، في وقت تتفاقم الضغوط الاجتماعية بانتظار لحظة الانفجار الجديد.
وحيث تحتشد القوى في المنافسة الرئاسية، كي تستحوذ على موقع لها في الحكومة القادمة، أعلنت الجبهة الشعبية عن سياستها التي تدعو المواطنين الى تكثيف المشاركة في الانتخابات، لقطع الطريق على المرزوقي. هذا المنزلق الذي يجعل من التشكيل الرئيس في اليسار التونسي منشغلا في أمور السلطة، ويمنع عليه النظر في واقع وتطورات القاع الاجتماعي، وتنامي الضغوط داخله، سوف يحرمه من أن يكون على تماس مباشر مع تلك التطورات التي سوف تؤدي حكما الى انتفاضة جديدة أشد من انتفاضة 17 ديسمبر 2010، والتي هي قادمة بقدر ما ستكون السلطة التي تتشكل اليوم عاجزة عن تلبية المتطلبات المادية الضرورية لتغيير أحوال الناس بشكل واثق نحو التخلص من الفقر والتهميش، وهي ستكون عاجزة بالفعل كونها سترضخ حكما، وستعطي دائما الأولوية، لشروط المؤسسات المالية الدولية ولمتطلبات النظامين الاقليمي والدولي والتي هي النقيض الحقيقي لمطالب عامة الشعب.
كان على الجبهة الشعبية أن تنسحب من السباق الرئاسي وأن تعود الى قواعدها الشعبية، الى تلك الملايين التي امتنعت عن تسجيل اسمائها في لوائح الانتخابات والتي امتنعت بعد أن سجلت أسماءها، عن المشاركة، نتيجة الاحباط، لاستنهاضها وإعادتها الى دائرة الفعل، فكانت بذلك قادرة على التأسيس لمعارضة شعبية قوية واسعة يمكنها أن تؤثر في مجريات الأحداث بما فيها اي انتفاضة شعبية قادمة.
الانتفاضة القادمة قادمة، والقوى اليسارية منشغلة بالسياسة والسلطة والتحالفات المُعلنة منها والخفية، فمَن سوف يُرشّد ويُجذّر ويقود انتفاضة الشعب التونسي القادمة نحو النهايات التي "هرِم" التونسيون في انتظارها؟