ابراهيم صادق رائد في الحركة الوطنية اليمنية وتجديد الشعر


أحمد القصير
2014 / 12 / 18 - 12:52     


نهضة ثقافية:

تدين ثقافة اليمن الحديثة، ثقافة التحرر والمساواة، إلى مجموعة من الشخصيات المبدعة. وسوف يحفظ التاريخ لهؤلاء بعض صفحاته. وتحتاج الأجيال الحالية إلى أن تتعرف على ما أحدثه إبداع تلك الشخصيات من تغيير في الحياة الثقافية بل وفي تصورات الناس عن الحياة والمجتمع وعن قضايا التحرر والخلاص من الاستبداد. وقد تطورالإبداع الأدبي في اليمن على نحو جديد مع مطلع خمسينات القرن العشرين. وأسهم ذلك في حدوث نهضة ثقافية. وجاءت هذه النهضة ارتباطا بتطورات حدثت على مستوى المجتمع في عدن بوجه خاص وعلى مستوى الحركة الوطنية اليمنية ككل. وشملت عملية التطور الأدبي كلا من القصة والشعر.

ففي مجال القصة ظهر في عدن في خمسينات القرن العشرين كتاب للقصة في مقدمتهم على باذيب وصالح الدحان. وتطورت كتابة القصة فيما بعد بواسطة مجموعة من الأدباء كان أبرزهم محمد أحمد عبدالولي صاحب "صنعاء مدينة مفتوحة" ورواية "يموتون غرباء". وشاركه في ذلك التطوير مجموعة من الكتاب هم علي باذيب وزيد مطيع دماج وعلي محمد عبده ومحفوظ أحمد عمر ومحمد الزرقة. أما في مجال الشعر وتجديده فكانت الريادة لابراهيم صادق الذي تعود أول قصائده المنشورة إلى عام 1948.

تطوير الحركة الوطنية وتجديد الشعر اليمني:

عبر شعر الصديق ابراهيم صادق عن تطورات جديدة، وكان له السبق والريادة في تجديد الشعر اليمني. وقد ولد الشاعر في مدينة الحديدة عام 1932. ولم يكن شعره تجديدا في الشكل فحسب وإنما عبر هذا الشعر أيضا عن مضمون اجتماعي يتطلع إلى التحرر والمساواة وإلى تغيير المجتمع. وشمل ديوانه "عودة بلقيس" قصائد قام بنظمها في 1948 و1950 و1951 و1952 و1955 والسنوات ما بين 1972- 1979.. وبدءا من عام 1951 أخذت تظهر قصائد الشاعر محمد أنعم غالب. وتم نشرها في ديوانه "غريب على الطريق". وقد صدر مع انعقاد المؤتمر الأول لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين في فبراير 1974.

كان شعر محمد أنعم غالب هو الآخر إسهاما في عملية تجديد الشعر اليمني. كما انضم إليهما في هذا الأمر زميلهما في النضال الشاعر عبده عثمان محمد. وتجدر الإشارة إلى أن محمد أنعم غالب شخصية تربوية هامة. وقد عمل مديرا لكلية بلقيس في عدن.. وتولى بعد ثورة سبتمبر 1962 أكثر من وزارة من بينها وزارتي الاقتصاد والتعليم العالي، وكانت وزارة التربية والتعليم هى أول وزارة يتولاها. وقد احتجت على ذلك قوى إسلامية وقبلية وأخذت إلى باب الوزارة ثورا لذبحه.

لم يكن ابراهيم صادق مجرد شاعر مجدد وإنما أسهم بمواقفه السياسية وشعره في تطوير الحركة الوطنية اليمنية. فمن جانب اشترك ابراهيم صادق في بداية خمسينات العشرين في نشاط سياسي أدى إلى انتقال الحركة الوطنية اليمنية إلى مرحلة نوعية جديدة. ومن جانب آخر قام بالدور الرائد في تطوير الشعر اليمني الحديث. وكان لهذا الشعر دورا أساسيا في صياغة ثقافة اليمن الحديث.. وهي ثقافة دعت إلى التحرر والمساواة وإحداث تغييرات جذرية في المجتمع وتخليصه من التخلف وحياة القرون الوسطى.

كان ذلك عملا طليعيا في وقت كانت تسيطر فيه ثقافة تقليدية محافظة خاصة في صنعاء. ولعب عدد من الشخصيات اليمنية أدوارا أساسية في تلك التطورات وفي تشكيل ملامح تلك الثقافة. وينبغي التنويه بأن ابراهيم صادق بدأ يقوم بتلك الأدوار وعمره لم يتجاوز 18 عاما. ومع كل ذلك لا يلقى ما يستحق من جانب المؤرخين المعنيين بتاريح اليمن الحديث. كما يلقى تجاهل النقاد خاصة المعنيين بنشأة ثقافة اليمن المعاصر. كان ابراهيم صادق يكتب الشعر ولا يهتم بالمحافظة عليه من الضياع. ويبدو أن النقاد لم يهتموا جيدا بدورهم بما أبدعه ودوره في تجديد الشعر اليمني.

إثراء الأغنية اليمنية:

ينبغي أن نتذكر أيضا أن ابراهيم صادق من الشعراء الغنائيين الذين أغنوا الأغنية اليمنية. ويبدو أن دوره في مجال الشعر الغنائي وإثراء الأغنية اليمنية لا يلقى هو الآخر ما يستحق من ضوء. فهو صاحب نشيد "أنا يمني". كما تغني بشعره كبار الفنانين اليمنيين. ونعني بذلك محمد مرشد ناجي الذي غنى "يا طير كم أحسدك حريتك في يدك". كما غنى له أحمد فتحي، ابن مدينة الحديدة هو الآخر، عدة أغاني من بينها أغنية "ليلتين".

لقد اشترك مع ابراهيم صادق في إثراء الأغنية اليمنية زملاء آخرون مناضلون أيضا ومن رفاق دربه. ونعني هنا الصديق الدكتور سعيد الشيباني الخبير الاقتصادي. وهو صاحب أكبر مجموعة من الأعمال الغنائية والأناشيد الوطنية. وغنى له مرشد ناجي "يا طير يا رمادي افرد جناح وردني بلادي"، وأغنية "يا نجم يا سامر فوق المصلى". كما غنى له فرسان خليفة "ريح الشروق بالله إجزعي ع الأعروق"، وتغنى له أحمد قاسم بأغنية "حقول البن في خديك". كما أسهم الصديق السفير والوزير السابق الشاعر عبده عثمان محمد هو الآخر في هذا المجال. فهو على سبيل المثال مؤلف أغنية أحمد قاسم "يا حلو يا أخضر اللون". وكان الشعراء الثلاثة من قيادات الحركة الطلابية اليمنية بمصر.

حول ريادة ابراهيم صادق
كانت الأعوام 1950- 1955 هى التي شهدت ميلاد معظم قصائد ابراهيم صادق. ويتضح ذلك من ديوانه "عودة بلقيس". فإن معظم قصائد الديوان تنتمي إلى تلك السنوات. غير أننا نجد د.عبدالعزيز المقالح يقول أنه لا يتذكر لابراهيم صادق من بين قصائد الخمسينات سوى قصيدتين هما "عودة بلقيس" و"عودة ذي نواس". وهذا القول غير صحيح. ونود أولا قبل تناول هذا الأمر أن نشير إلى ان العنوان الصحيح للقصيدة الثانية هو "في انتظار ذي نواس" وليس "عودة ذي نواس". ومن أبياتها:

من هول ما أصابنا يا بحر من هوان
بعد ذي نواس
تهنا تمزقنا طويلا عطلت فينا الحواس
مثل النعام ندس رأسنا في الرمل خوف الافتراس
من هول ما أصابنا نمارس التفكير بالتخدير بالنعاس
مقيلنا قات .. ليالينا
تواشيح وكاس

ونود ثانيا أن نشير إلى أن تسع قصائد من بين 16 قصيدة ضمها ديوان "عودة بلقيس" تعود على وجه التحديد إلى السنوات 1950- 1955 من بينها خمس قصائد أبدعها في عام 1952 وحده. ويعني ذلك أن قصائد ابراهيم صادق في تلك الخمسينات لا تقتصر على قصيدتين.

في عام 1950 نظم ابراهيم صادق قصيدة "وسنمضي إلى الوراء" أدان فيها الطائفية المناطقية ثم المذهبية قائلا:

"مات زيد والشافعي وعشنا نصطلي نار هذه البغضاء".

وفي 1951 أبدع قصيدة "أنا يمني إسأل التاريخ عني".

وفي عام 1955 نظم ملحمته "عودة بلقيس" التي تحدث فيها عن تخلف مدينة صنعاء. فهو من أبناء مدينة الحديدة حسبما أشرنا من قبل، وزار مدينة صنعاء لأول مرة عام 1955. وهاله ما تعيش فيه المدينة من تخلف وظلام. وقد عاش قبل زيارته صنعاء فترة في لبنان وعدة سنوات في القاهرة. وكان مطلع القصيدة:

في ليل مطموس الأنجم
ضاعت صنعاء
كرضيع يستبكي أمه

وأشارت القصيدة إلى أشكال عديدة من الظلام والتخلف التي تسود المدينة من بينها الأبيات التالية:

هذي الصنعاء ذئب يعوي
فأس في أشجار يهوي
زهر في أكمام يذوي
كتب صفْر سمّا تحوي
أنهار عفونات تروي

وتعبر قصيدة "أنا يمني" التي نظمها الشاعر في وقت مبكر وهو في القاهرة عام 1951 عن رؤية شاملة لأوضاع اليمن بكافة مناطقه. كما استشرف فيها المستقبل. فقد قال في هذه القصيدة:

وطني جهل وأمراض وفقر
ومشانيق وسجان وقبر
وطني تحتله انجلترا
صابرا مستسلما مستعمرا
وطني شعب عراه
وسلاطين طغاة
كل سلطان إله
لا يرى ربا سواه
وسابني موطنا
وسأبني من جديد
صائحا يا أيها التاريخ .. سجل
أنا يمني

تم التعبير في هذه الأبيات عن حال الوطن. فمن جانب عبرت عن واقع يمكن أن نسميه "يمن الإمامة" وما فيه من جهل وفقر ومشانيق وسجان وقبر. ومن جانب آخر عبرت عن يمن تحتله انجلترا، وعن جزء ثالث من شعب عراه وسلاطين طغاة وكل سلطان إله لا يرى ربا سواه. وينبغي أن نوضح هنا أن القصائد الثلاث التي تعرضنا لها آنفا تشير إلى أن شعر ابراهيم صادق يعبر عن فهم عميق للتاريخ الاجتماعي اليمني.

شجاعة ابراهيم صادق في انتقاد الإمامة:

ينبغي التنويه أن شعر ابراهيم صادق عبر عن جرأة وشجاعة فائقة في مواجهة بطش الإمامة وشهرتها في قطع الرقاب. ففي عام 1952 ألقى قصيدة تنتقد الإمامة وهددها بالزوال. وجرى ذلك في احتفال بدار بعثة الطلاب اليمنيين بشارع رستم بمدينة حلوان بضواحي القاهرة حضره الشخص الثاني في نظام الإمامة آنذاك وهو الأمير الحسن شقيق الإمام أحمد بن يحى حميد الدين. وأعلن ابراهيم صادق في قصيدته بشجاعة نادرة وفي تحد أنه سيتم تدمير أسرة الإمام التي قادت البلاد إلى التخلف والقبور قائلا:

والموت منا للألي لم يفهموا أن البلاد تريد أن تتحررا
سندمر البيت الذي قادنا ستين عاما للقبور وللورا
وسيشهد الشهداء أنٍٍا أمة قامت لتأخذ حقها ولتثأرا

عبر شعر ابراهيم صادق عن فكر طليعي لم تكن تعرفه الحركة الوطنية اليمنية آنذاك. وهو فكر روجت له وعملت على نشره الحركة الطلابية اليمنية بالقاهرة والتي كان الأكثر نشاطا فيها الطلاب الذين ارتبطوا عضويا بمنظمة "الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني" الشيوعية بمصر المعروفة باسم "حدتو".

تنافس مزعوم بين ابراهيم صادق ومحمد أنعم غالب:

يقول د.عبدالعزيز المقالح في "قراءة في ديوان ابراهيم صادق" أن قدرا من التنافس على أولوية الاستجابة لكتابة القصيدة الجديدة بشروط الرواد وعلى منوالها قد ثار بين محمد أنعم غالب وابراهيم صادق. ولم يكتف د.عبدالعزيز المقالح بذلك الكلام بل أضاف قائلا: "وما زال النقاش مثلا يدور بين الشاعرين محمد أنعم غالب وابرهيم صادق عن أيهما كان الأسبق إلى اتخاذ الأسلوب الجديد في الشعر أسلوبا لكتابة القصيدة".

ينبغي التذكير بأن قصائد ابراهيم صادق ظهرت قبل قصائد محمد أنعم غالب حسبما أوضحنا آنفا. فإن بعض قصائده المنشورة في ديوانه "عودة بلقيس" تم كتابتها عام 1948، وهي قصيدة "مملكة عزرائيل" التي قال فيها "لا شئ يحيا في بلادي غير عزرائيل المخيف"، وقصيدة "يوم العيد"، وقصيدة "أشعب أنت". وجاءت بعدها قصائد خمسينات القرن العشرين. أما بالنسبة لمحمد أنعم غالب فإن ديوانه "غريب على الطريق" يوضح أن إحدى قصائد الديوان تم نظمها عام 1951. وهي قصيدة "عند الغسق". أما بقية القصائد فتعود إلى فترة لاحقة ومن بينها رائعته "الغريب" التي جرى نظمها عام 1956.

إن القول بوجود تنافس وجدال بين الشاعرين حول الريادة بعيد عن الواقع.. وقد جمعت بينهما صداقة خاصة. والأهم من كل ذلك هو أن ابراهيم صادق ومحمد أنعم غالب كانا رفاق نضال وأسهما بدور فعال ورائد في تحديد توجهات الحركة الوطنية بما في ذلك التوجهات بشأن قضايا الوحدة اليمنية وطبيعة نظام الحكم، وناضلا سويا من أجل ذلك ومن أجل نشر ثقافة حديثة معنية بالتحرر والمساواة بين المواطنين. وعبر شعرهما بشكل فريد عن فهم للواقع اليمني وتاريخ اليمن وقضاياه الشائكة. كما أسهما في إبداع ثقافة اليمن الجديدة. وقد شاركهما في تجديد الشعر اليمني وفي ذلك النضال زميلهما الشاعر عبده عثمان محمد صاحب مجموعة "الجدار والمشنقة" ومجموعة "فلسطين في السجن".

ربما لا تتوفر للبعض معرفة جيدة بالفترة التي شهدت تلك التطورات. كما أن البعض يكتب عنها دون اهتمام بالتعرف على النشاط الذي صاغ ملامح تلك المرحلة. كما لم تتوفر لهؤلاء فرصة لأن يكون قريبا من الشخصيات الفاعلة التي أحدث نشاطها التطورات النوعية لتلك المرحلة بما في ذلك توجهاتها الفكرية وثقافتها وأدبها. فقد أسهمت بدور رائد في تلك التطورات شخصيات عديدة من رفاق ابراهيم صادق ومحمد أنعم غالب. ولا يزال على قيد الحياة من هؤلاء المناضلين المفكر والناقد الأدبي أبوبكر السقاف، والخبير الاقتصادي الشاعر سعيد الشيباني، وطاهر رجب المدير السابق للبنك اليمني للإنشاء والتعمير، وعبدالله حسن العالم الخبير السابق بالأمم المتحدة، والوزير السابق الشاعر عبده عثمان محمد، والخبير القانوني محمد باسلامة، ومحمد جعفر زين السقاف أول رئيس لجامعة عدن.
وفضلا عن ذلك فإن الراحل عمر الجاوي أمين عام اتحاد الكتاب والأدباء اليمنيين ورفيق نضال ابراهيم صادق ومحمد أنعم هو الذي قام بكتابة مقدمة ديوان عودة بلقيس" لابراهيم صادق ومقدمة ديوان محمد أنعم غالب "غريب على الطريق". كما كتب مقدمة "يموتون غرباء" رائعة الروائي محمد أحمد عبدالولي الذي ينتمي أيضا إلى المناضلين الذين تحدثنا عنهم آنفا. كما ينبغي التنويه بأن عمر الجاوي هو الذي قام منذ إعادة إصدار مجلة الحكمة في آوائل سبعينات القرن العشرين بتتبع تطور الثقافة اليمنية والصراع بين الجديد والقديم. كما احتفت كتاباته بالكتاب الجدد وبالأعمال الأدبية الجديدة وأصحابها ومن بينهم عبدالعزيز المقالح. وتحتاج هذه الكتابات للجاوي إلى إعادة نشر. فهي عبارة عن ذاكرة ثقافية.

وعلاوة على ذلك كان عمر الجاوي ومعه المفكر والناقد الأدبي أبوبكر السقاف أكثر الناس قربا من ابراهيم صادق ومحمد أنعم غالب ومن إبداعهما. ولم يشر أي منهما إلى حدوث تنافس ونقاش بين الشاعرين حول الريادة في الشعر. بل إن د.أبوبكر السقاف يستنكر أي زعم بوجود تنافس بين الشاعرين بشأن الريادة.

رواد في الثقافة والحركة الوطنية:

إن دور ابراهيم صادق ورفاقه فيما يتعلق بثقافة الوطن ومستفبله كان يصب في المجرى العام للحركة الوطنية. وهو مجرى كان يشق طريقه نحو التحرر وتأسيس دولة ديمقراطية حديثة قائمة على المواطنة المتساوية. وقد ساهمت في تعبيده شخصيات ومنظمات وصحف في عدن بوجه خاص. فقد كانت عدن وما يسود فيها سندا للشاعر ورفاقه، كما أن صحفها كانت من الوسائل التي ساعدت على نشر فكرهم. ولاجدال في أن توجهات المفكر الكبير عبدالله باذيب قد أسهمت بدور رئيسي في تحديد هوية ثقافة اليمن الحديثة من جانب وفي تحديد آفاق الحركة الوطنية اليمنية في خمسينات القرن العشرين من جانب آخر. وقد ساهم في ذلك مجموعة من الشخصيات أسست معه في 22 أكتوبر 1961 حزب "الاتحاد الشعبي الديمقراطي".

وكانت هذه المجموعة تضم أبوبكر باذيب، أحمد سعيد باخبيرة، شيخ سميع (نقابي)، عبدالله السلفي (نقابي)، علي باذيب، علي باسنيد، ومحمد عبدالقادر بامطرف. إن عدم وضع هذه الأمور في الاعتبار أو تجاهل هذا التاريخ يجعل من الصعب أن نتناول على نحو صائب تلك الفترة وما حدث فيها من إبداع وتطورات فكرية. لقد أسهمت هذه المجموعة بجهد واضح في تأسيس ثقافة اليمن العصرية. ويحتاج دور هذه المجموعة إلى أن تتم دراسته. ويمكن الاهتمام بشكل خاص بأعمال علي باذيب ومحمد عبدالقادر بامطرف وما أسهما به في ثقافة اليمن الحديثة. وقد حظيت بإجراء حوارات ثقافية وفكرية معهما. وعلى سبيل المثال حرصت عام 1982على الانتقال إلى مدينة المكلا لمقابلة محمد عبدالقادر بامطرف، واطلعت على مكتبته الخاصة الفريدة، وأجريت معه حوارا حول قضايا مختلفة يتعلق بعضها بالتطور الاجتماعي لليمن.


خاتمة:

لم يكن لا محمد أنعم غالب ولا ابراهيم صادق معنيا بحكاية التنافس على الريادة في مجال الشعر بل كان أهم ما يشغلهم، حسبما أوضحنا، هو قضايا الحركة الوطنية اليمنية. وأسهما بالكثير في هذا المجال مع بقية رفاقهم أصحاب المواقف النضالية الطليعية. فقد كانا ضمن قيادة الحركة الطلابية اليمنية في مصر. وأسهمت هذه الحركة ومؤتمرها الدائم ولجنته التنفيذية في صياغة توجهات الحركة الوطنية اليمنية والوصول بها إلى منعطف جديد. وضمت تلك اللجنة التنفيذية أبوبكر السقاف سكرتيرا عاما وعضوية ابراهيم صادق وسعيد الشيباني وعبده عثمان محمد ومحمد أنعم غالب ومحمد عبدالله العصار ومحمد عمر اسكندر.

وينبغي التنويه بأن الريادة لا تنحصر في مسألة كتابة "القصيدة الجديدة بشروط الرواد وعلى منوالهم". فإن الريادة تتمثل أيضا في المضمون الوطني والاجتماعي الثوري الذي عبرت عنه قصائد ابراهيم صادق ومحمد أنعم غالب وعبده عثمان محمد. ويحتاج هؤلاء الرواد أن نفرد لهم صفحات من تاريخ الوطن لتتعرف الأجيال على إنجازاتهم وتتغذي بإبداعهم. وهو إبداع يلعن الظلام والتخلف، ويثري العقل والوجدان، ويروي نزعة الحرية والمواطنة والروح الإنسانية.

القاهرة في 22 يناير 2010

د.أحمد القصـير- كاتب من مصر