في مفهوم الطبقة الوسطى والبرجوازية الوضيعة


سعيد حسن السعيد
2014 / 12 / 6 - 04:17     

كثيرا ما نسمع هذه الأيام عن مصطلح الطبقة الوسطى أو البرجوازية الوضيعة أو البرجوازية الصغيرة, وغالبا ما يكون مُرفقا مع هذه الكلمة شيء من قبيل "ثقافة الطبقة الوسطى" أو "وعي الطبقة الوسطى" وغيرها من هذه الأوصاف والتي غالبا ما يستخدمها الأشخاص الرافضين والمنفصلين عن المجتمع, يستخدمونها في معرض الإزدراء أو التهكم من ثقافة ووعي العامة, وعندما تسأل أحدهم عن ماذا يقصد بالضبط بكلمة "الطبقة الوسطى" فلا تجد هذا المفهوم واضحا في ذهنه بطريقة سليمة, أو أنه لا يستطيع شرحه بطريقة علمية, أو أنه لا يستطيع رسم الحدود الفاصلة بين الطبقة الوسطى وغيرها من الطبقات.

فمن أجل اضافة النزعة العلمية على هذا المصطلح والعمل على رسم الفواصل, فإني سأحاول إستخلاص ورسم الحدود الفاصلة وتوضيح وابراز هذا المفهوم حتى يتمكن القاريء العام أو المهتم الخاص بالطبقة الوسطى على بلورة معنى ومفهوم هذه الطبقة في ذهنه فيعلم ما هو منها وما هو ليس منها .. والجدير بالذكر أنني لم آتي بجديد في هذه المقالة ولم أضيف شيئا جديدا من عندي, فهذه المقالة هي خلاصة ما قرأته وفهمته واستوعبته في معنى "الطبقة الوسطى", وليس لي من الأمر شيء غير إعادة صياغة هذا المفهوم أو تسهيلة للراغبين أو المهتمين.

فلتفترض معي أن هناك دائرتان متداخلتان, دائرة للطبقة الوسطى والأخرى للبرجوازية الوضيعة, وهذه الرسمة منقسمة إلى ثلاثة أقسام .. 1. المساحة المشتركة بين الدائرتين تمثّل ما يمكن وصفه بكلا الوصفين, طبقة وسطى وبرجوازية وضيعة, 2. الجزء الغير متداخل (من دائرة الطبقة الوسطى) هو ما من الطبقة الوسطى وليس من البرجوازية, 3. الجزء الغير متداخل (من دائرة البرجوازية الوضيعة) هو من البرجوازية وليس من الطبقة الوسطى, بوضوح هذا التصور المبدأي يمكن توضيح هذه الأقسام بسهولة.

1. المساحة المشتركة, وهو الجزء الذي يمكن وصفه بكلا الوصفين, طبقة وسطى أو برجوازية وضيعة, وهو جزء يمتلك رأس المال وأدوات الإنتاج, وتتمثل هذه الفئة في الحرفيين المنتجين الذين يمتلكون ويعتمدون على الأدوات (الأداة غير الآلة, حيث ان الآلة هي ما تعمل بالماكينة, أما الأداة فهي للإستخدام اليدوي (منشار, منجل, مطرقة) .. والمالك المنتج لأداة الإنتاج التي تعمل بالماكينة ولكن بشكل فردي, لا الآلات الموجودة في المصانع والتي تستلزم شكلا جماعيا للإنتاج .. وهي بإختصار فئة تعمل وفي نفس الوقت تمتلك أدوات إنتاجها, ولكن تتميز هذه الفئة بعدم تطور القوى المنتجة, حيث تظل في الإنتاج الفردي, ولم تتطور الآلة لدرجة تستلزم معها العمل الجماعي كما في المصانع الكبيرة.

2. ما هو من الطبقة الوسطى وليس من البرجوازية الوضيعة .. وهي فئة من المجتمع تعمل ولا تملك, فهي لا تمتلك إلا ساعات عملها لتبيعها, ولكن تتميز هذه الفئة بكونها فئة غير منتجة وإنما تتركز في مجال إنتاج الخدمات بكافة أشكاله, الممثل, المغني, لاعب الكرة, العاملين في قطاع البنوك, العاملين في قطاعات التسويق,المعلمين, الصيادلة, الكتاب, الصحفيين, المتشارين, المحاميين, القضاة, وغيرهم من العاملين في مجال تقديم الخدمات, فهي فئة عاملة غير مالكة وغير منتجة (مقدمة للخدمات), ورأس حربة هذه الفئة بلا نزاع هم رجال الجيش والشرطة, فرجال الجيش والشرطة غير مالكين لكنهم غير منتجين أيضا, ويقدمون خدمة الأمن للمجتمع.

3. ما هو من البرجوازية الوضيعة وليس من الطبقة الوسطى .. وهي الفئة المالكة لرؤوس الأموال الضخمة في المجتمع ولكنها مع ذلك لا تقوم بإنتاج البضائع, من أمثال هذه الفئة أصحاب البنوك, أصحاب شركات الأمن, أصحاب شركات التسويق .. فمالكي البنوك لا يعدّون أبدا من ضمن الطبقة التي تتوسط الطبقة العالية والدنيا في المجتمع , بل هي بلا نزاع منضمة إلى الطبقة العالية في المجتمع بسبب ثروتها الضخمة والتي تنافس وأحيانا تتغلب على ثروات الرأسمالي الصناعي المنتج للبضائع, ومن أمثال هذه الفئة "نجيب سويرس" حيث أنه بالتأكيد ليس من الطبقة الوسطى ولكنه على الجانب الآخر غير منتج للبضائع فهو فقط مقدم خدمة (شركات الإتصال).

وبالتأكيد, فإن الفئة الأولى من هذا التقسيم, آخذة في الإنحسار بشكل كبير نتيجة تطور القوى المنتجة بشكل متسارع تلغي فيه تقريبا الإنتاج الفردي وتستبدله بالإنتاج الجماعي, وهذه العملية لا يمكن إيقافها حيث أن الرأسمالي الصناعي لكي يستمر في كونه رأسمالي, لابد أن يحرص دائما على تجديد وتطوير أدوات إنتاجه لكي تجعله ينتج بضاعة أكثر في وقت أقل وبالتالي يكتسب أفضلية على بقية المنافسين, وبهذه الطريقة تستمر فئة الإنتاج الفردي في الإنحسار إلى أن تنتهي.

أما الفئة الثانية وهي الآخذة في التزايد والتوسّع والإنتشار نتيجة حلول الآلة محل الإنسان والإستغناء عن أعداد كبيرة من العاملين, فيتم توجيه هذا الجيش الساقط من العمال أو الجيش الذي سينضم حديثا إلى سوق العمل, يتم توجيههم إلى القطاع الخدمي.

هذا بإختصار ما يمكن قوله في مفهوم الطبقة الوسطى والبرجوازية الوضيعة, في محاولة مني لإزالة اللبس عن هذا المفهوم وتوضيح المعنى المراد لهذين اللفظين للمهتمّين.