ساحة ملتهبة وطبقة سياسية مخدّرة


نعيم الأشهب
2014 / 11 / 25 - 08:43     


*تخلف الطبقة السياسية الفلسطينية في الأراضي المحتلة عن التصدي لواجبها الوطني المقدس بتعبئة وتنظيم وقيادة هذا الشعب المتمرد على الاحتلال، لن يمنع انفجارات هذا الشعب ولو كانت عفوية، ومهما كانت كلفتها، فهذه الانفجارات قانون موضوعي لا مناص منه طالما الاحتلال قائم*


ما كان لمواصلة وتصعيد عملية الاستيطان ومصادرة المزيد والمزيد من الأرض الفلسطينية وإقامة المستوطنات الكولونيالية فوقها، وانتهاك حرمة المقدسات وتدنيسها، وقمع أي اعتراض على ذلك، بما في ذلك الاعتقال والتعذيب والقتل المتعمد وبخاصة على يد شرطة الاحتلال لشباب بعد اعتقالهم، وحتى حرق مستوطنين الضحية حيا، كما جرى مع الشاب الشهيد أبو خضير.. ما كان لذلك وغيره من ممارسات الاحتلال ومستوطنيه الا أن تقود إلى تفجير الغضب الشعبي العام وخروجه عن كل سيطرة. وإذا كانت القدس المحتلة تمثل الساحة الرئيسية لتصاعد الأحداث والصدامات، فذلك لكونها مجالا للاحتكاك المباشر على مدى الساعة أولا، وثانيا لتركيز المحتلين الإسرائيليين على طمس معالمها والضغط المتصاعد لتهجير أهلها الحقيقيين.
وتمثل العمليات العنيفة المتتالية التي نفذها شباب منفردين وعلى مسؤوليتهم الشخصية، مضحين بأرواحهم الغالية، والتي كانت في معظمها، إن لم تكن جميعها، عمليات وليدة لحظتها ودون تخطيط مسبق، كما تعترف بذلك الدوائر الإسرائيلية المعنية.. نقول: تمثل هذه العمليات مؤشرا لا يخطئ بأن المزاج الفلسطيني العام في الأراضي الفلسطينية المحتلة لم يعد يطيق صبرا على استمرار الاحتلال وممارساته الإجرامية المتفاقمة ضد كل ما هو فلسطيني من إنسان وشجر وحجر ومقدسات ورموز وتراث وتاريخ.
والمغزى الأساس من هذه الظاهرة أنها، وكما يعترف المسؤولون الأمنيون الإسرائيليون، خارج إطار السيطرة، سواء من قوات الاحتلال مهما بلغ حجمها، ولا من قوى الأمن الفلسطينية، إذا قبلت على نفسها القيام بهذه المهمة المشينة في إطار سيء الصيت "التنسيق الأمني" وإذا كانت لا توجد أية ضمانة بأن نشاطات كهذه ستبقى حصرا ضد جنود الاحتلال ومستوطنيه، باعتبارهم أهدافا مشروعة لشعب يناضل في سبيل تحرره من الاحتلال الأجنبي البغيض، فإن المسؤولية عن أي ضحايا خارج هذا الإطار تقع، أولا وأخيرا، على كاهل الاحتلال، الذي لا يوفر في جرائمه المتفاقمة ضد شعبنا لا كبيرا ولا صغيرا، ولا طفلا ولا شيخا؛ كما أن السلطة الفلسطينية لا تخلو من مسؤولية في هذا المجال؛ ليس من الزاوية التي يهاجمها منها نتنياهو بزعم تقصيرها في حراسة الاحتلال !؛ بل من زاوية معاكسة تماما، وهي أنها لا تقوم حتى بما تعلن عنه من خطوات ضد الاحتلال، كتحريك النضال الشعبي، والتوجه الجاد ودون تردد إلى مؤسسات الأمم المتحدة، بما فيها محكمة الجنايات الدولية، لمحاكمة قادة الاحتلال على جرائمهم ضد شعبنا وأرضنا، واتخاذ الإجراءات الجدية لتطوير مقاطعة الاحتلال ومنتجاته وبخاصة منتجات المستوطنات،التي نطالب العالم بمقاطعتها، في وقت تملأ منتجاتها أسواقنا، وقبل ذلك كله التخلّي عن التنسيق الأمني المشين.ومن المفارقة، في هذا الصدد، أن يعلن أحد المسؤولين الإسرائيليين، في أوج جرائم الاحتلال مؤخرا ضد المواطنين الفلسطينيين في القدس والضفة عن عقد لقاء له مع قادة أجهزة الأمن الفلسطينية.
والأدهى من ذلك، انه وفي أوج هذه المواجهات الدموية مع الاحتلال، وحيث يفترض رص الصفوف وتعزيز الوحدة الوطنية، تعود فتح وحماس إلى تراشق الاتهامات والشتائم؛ فبينما تمنع حماس، عمليا، إقامة الاحتفال بذكرى استشهاد الرئيس عرفات، تتهم فتح حماس بالمسؤولية عن التفجيرات أمام بيوت بعض قادتها في القطاع، دون تحقيق وبينات كافية. فالشك وحده لا يبرر مثل هذا الاتهام، وبخاصة في مثل هذه الأجواء.
أما التنظيمات الأخرى التي ارتضت على نفسها أن تكون مجرد "ديكور" فإنها مخدّرة بفاتورة آخر الشهر! وتكتفي بإصدار البيانات التي لم تعد تساوي الورق الذي تصدر عليه. وإذا كانت الأحداث الأخيرة تؤكد عجز السلطة عن التحكّم بمزاج الشارع الفلسطيني وردود فعله على ممارسات الاحتلال؛ فإن الاحتلال من جانبه، لا يميّز كثيرا في إجراءاته القمعية بين من يتصدى له، ولو بردود فعل شخصية، وبين من يطمر رأسه في الرمال، فكل من هو فلسطيني مستهدف آخر المطاف.
بمعنى آخر، فتخلف الطبقة السياسية الفلسطينية في الأراضي المحتلة عن التصدي لواجبها الوطني المقدس بتعبئة وتنظيم وقيادة هذا الشعب المتمرد على الاحتلال، لن يمنع انفجارات هذا الشعب ولو كانت عفوية، ومهما كانت كلفتها، فهذه الانفجارات قانون موضوعي لا مناص منه طالما الاحتلال قائم؛ ولكن هذه الطبقة السياسية تحكم على نفسها بالإفلاس المشين، وتتحمّل مسؤولية الدماء والمعاناة الإضافية التي يتحمّلها شعبنا نتيجة عجزها عن الوفاء بواجبها الوطني المقدس.