العدالة الاجتماعية – المفهوم والكوابح والمعالجات/العراق نموذجا(1-4)


سلام ابراهيم عطوف كبة
2014 / 11 / 24 - 00:34     

-;- الجذور المادية للعدالة الاجتماعية في النظام الاقتصادي والاجتماعي القائم
-;- العدالة الاجتماعية مفهوم علمي والموضوعية هي الفيصل
-;- العدالة الاجتماعية - جوهر التنمية البشرية المستدامة
-;- الفقر هو ضعف الفرص والخيارات وليس تدني الدخل فقط
-;- البطالة مصدر نشيط من مصادر التوتر الاجتماعي
-;- العدالة التوزيعية تستوجب تأمين الخدمات العامة الاساسية
-;- تأمين تدفق البطاقة التموينية ومفرداتها مهمة وطنية
-;- الخدمات الصحية والتعليمية والضمان الاجتماعي
-;- الشرعية الدولية لحقوق الانسان
-;- استقلالية القضاء تفرضها الضرورة مثلما تلزمها النصوص الدستورية
-;- نحو موقف منصف ومعين تجاه اللاجئين والنازحين
-;- افضل السبل الكفيلة لاستثمار العائدات النفطية
-;- التوازن بين ملاحقة الفساد والميليشيات وتأمين العدالة الاجتماعية
-;- كوابح العدالة الاجتماعية في العراق
-;- الطريق نحو العدالة الاجتماعية
-;- مفهوم الحزب الشيوعي العراقي للعدالة الاجتماعية

العدالة الاجتماعية مفهوم يشير الى المساواة في تطبيق الاحكام والقوانين على الجميع بالتساوي وفي سبيل تحقيق الصالح العام،وتصنف الى عدالة توزيعية(توزيع موارد المجتمع على الافراد مع مراعاة قدراتهم ومؤهلاتهم العلمية،ومنح الناس الخدمات التعليمية والتربوية والصحية والترويحية والاجتماعية التي يحتاجونها بالتساوي)وعدالة اصلاحية – تصحيحية(تصحيح الضرر الذي يتعرض له الفرد والناجم عن اعتداء على حقوقه من قبل فرد او جماعة وعبر العدل الذي يشرف عليه القضاة والمحلفون)وعدالة تبادلية(المساواة والموازنة في القيمة التبادلية اي الأخذ والعطاء بين الافراد والجماعات والدول).."انظر:فارس كمال نظمي/مفهوم العدالة في الفكر الاجتماعي(من حمورابي الى ماركس)/الحوار المتمدن/العدد 1675".
-;- الجذور المادية للعدالة الاجتماعية في النظام الاقتصادي والاجتماعي القائم
الحاجة الى القوانين والحرية والعدالة الاجتماعية وتلبية المتطلبات الانسانية Means of Subsistence Necessities لا تبرز ضرورتها الا في مجتمعات بلغ تطور قواها المنتجة وعلاقاتها الانتاجية والاجتماعية مرحلة متميزة ونموها الاجتماعي والسياسي مستوى متطور نسبيا!وكان السومريون وشعوب بلاد وادي الرافدين اول من شرع القوانين لحفظ الامن وتنظيم الحقوق الانسانية للافراد وحفظ ارواحهم وممتلكاتهم في عصور بدائية سادتها وحكمتها العدوانية والغرائز الفطرية الطليقة!وقد دون السومريون على الواح الطين شتى انواع الوثائق القانونية كالعقود والوصايا والصكوك الخاصة بالاتفاقيات والكمبيالات وقرارات المحاكم،اشهرها شريعة الملك اورنامو(2112 – 2095 ق . م) المؤلفة من 31 مادة،وشريعة الملك لبت عشتار(1934 – 1924 ق . م) المؤلفة من 38 مادة،ثم جاءت شريعة حمورابي!
حرص الملك حمورابي 1792 ـ 1750 ق. م. على مبدأ تحقيق العدالة بين المواطنين،وكشفت التنقيبات الآثارية عن مسلته اي تشريعاته المدونة باللغة الاكدية -البابلية والخط المسماري على مسلة كبيرة من حجر الدايوريت - البازلت الاسود،طولها 225 سم ومحيطها عند القاعدة السفلى متر وتسعون سنتيمترا وعند القاعدة العليا متر وخمسة وستون سنتيمترا،وهي اسطوانية الشكل وليست دائرية تماما(المسلة معروضة في متحف اللوفر في باريس)وتحتوي على(282) مادة قانونية لتنظيم حياة الفرد في المجتمع عن طريق تحديد حقوقه وواجباته وفرض العقوبات على المخالفين والمسيئين.ويذكر حمورابي في مسلته الى تكليفه من قبل الآلهة لاصدار هذه التشريعات لتحقيق العدالة الاجتماعية بين الناس والقضاء على الفساد والشر!ويلاحظ التطابق والتشابه الكبيرين بين شريعة حمورابي وشريعة موسى السماوية مما يدل على مواكبتهما للمسيرة البشرية.كما لعب التشريع دورا مهما في تكوين القاعدة القانونية في العصر الفرعوني،ومن اهم مدونات هذا العصر مدونة بوخوريس،التي تجردت من الطابع الديني واصطبغت بطابع مدني بحت!
تعددت التشريعات في القانون الروماني ومن اشهرها قانون الالواح الاثني عشر الذي رأى النور عام 150 ق.م،اول قانون مكتوب صدر في روما ودونت نصوصه باللغة اللاتينية على الواح من العاج والبرونز!ثم جاء دور الكنيسة في المجتمع بالعصور الوسطى حيث ساهمت المسيحية في تعزيز مبادئ العدالة الاجتماعية وتوفير الرعاية للمرضى والجياع والفقراء،وتبني افكار"العظة على الجبل"والدعوى الى عبادة الله والعمل من دون عنف او تحامل.هذه التعاليم كانت الدافع الرئيسي وراء بناء المؤسسات الاجتماعية والمستشفيات ودور الرعاية الصحية.وقد رأى القديس توما الاكويني ان العدالة هي التي تمنح القانون قوته،وبقدر ما يكون القانون عادلا يكون قويا!
من جانبه عنى الاسلام بالعدل فلا فرق بين الجميع لأن الكل في ميزان العدل سواء"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا"(سورة النساء:135)،"لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ"(سورة الحديد:25)..ورأى الفارابي ان"العدالة"هي المبدأ الأسمى للحاكم والمحكوم في المدينة الفاضلة استنادا الى قول الله تعالى في القرآن الكريم:(إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) (سورة النساء: 58) وقوله:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (سورة المائدة: 8).
الثورة الفرنسية عام 1789 شملت تأثيراتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية كل انحاء اوروبا والعالم،لأنها الغت الملكية المطلقة والامتيازات الاقطاعية للطبقة الارستقراطية - النبلاء والنفوذ الديني الكاثوليكي ومصادرة املاك الكنيسة،وارست الديمقراطية وحقوق الشعب والمواطنة،واقرت فصل السلطات وفصل الدين عن الدولة والمساواة وحرية التعبير،والقضاء على النظام القديم وفتح المجال لتطور النظام الرأسمالي وتحرير الاقتصاد من رقابة الدولة،وحذف الحواجز الجمركية الداخلية.واقرت ايضا مبدأ مجانية والزامية التعليم والعدالة الاجتماعية وتوحيد وتعميم اللغة الفرنسية،كما استنهضت فيها نظرية العقد الاجتماعي (لجان جاك روسو) الذي يعتبر منظر الثورة الفرنسية وفيلسوفها.من ابرز اسباب الثورة الفرنسية كان الاستبداد الديني وتسلط الكنيسة وتدخلها في حياة الناس ومحاربتها للعلوم التجريبية وارتباطها بالشعوذة كمحاكمة العالم الفلكي الكبير جاليلو جاليلي ووصف الكنيسة له بالساحر!ومن اهم زعماءها فكريا مونتسكيو الذي طالب بفصل السلطات وفولتير وروسو!لقد استحوذ رجال الدين والنبلاء على اخصب الاراضي وفرضوا على الفلاحين الضرائب!بينما تشكل المجلس الفرنسي من ثلاث هيئات متفاوتة،الطبقة العليا التي ضمت رجال الدين والاشراف،والطبقة المتوسطة التي ضمت المعلمين والمحامين وضباط الجيش،والطبقة العاملة التي مثلت 96% من السكان!اصبحت دساتير فرنسا منبعا تأخذ عنه شعوب اوروبا والعالم،وتحسنت احوال فرنسا السياسية والاقتصادية والاجتماعية ونشرت روح الحرية والاخاء والمساواة،واعتبر بعض المؤرخين الثورة الفرنسية بداية للتاريخ المعاصر.
كانت اكتوبر1917 ثورة شعبية اشترطت المسار الموضوعي الكامل للتطور الاجتماعي في روسيا،وعندما يشار لها يأتي ذكر(لينين)هذا القائد الفذ الى جانب ماركس وانجلز ورواد الاشتراكية العلمية.ومهدت اكتوبر لبناء اكبر دولة اشتراكية في التاريخ- الاتحاد السوفيتي.ولا يتجرأ حتى الد اعداء الاشتراكية على نكران تأثير ثورة اكتوبر الاشتراكية الكبير على مصير الانسانية لانها ايقظت الملايين من الناس والشعوب في العالم لخوض النضال النشيط في سبيل التقدم والعدالة الاجتماعية،بعد ان طرحت على بساط البحث قضايا عصرية عقدية كتحرير الانسان من الاستغلال ومآسي الحروب،وتحرير شعوب المستعمرات من النير الاستعماري،وتحقيق مجتمع العدالة الاجتماعية والديمقراطية الحقة،وضمان حق الانسان في العمل وفي التعليم والراحة وفي التأمين في حالة الشيخوخة،وضمان حق تقرير المصير كحق ديمقراطي انساني وكفالة حق الاقليات القومية في تنمية ثقافاتها ولغاتها الخاصة،وضمان المساواة الفعلية بين المرأة والرجل،وتحقيق السلم الوطيد في العالم والتعايش السلمي بين الشعوب بغض النظر عن انظمتها السياسية والاجتماعية،وتأكيد السيادة الوطنية للشعوب وعدم التدخل في شؤونها الداخلية،وحقها في السيادة على مواردها الطبيعية،وان الرأسمالية ليست خالدة بالبديل الاشتراكي.
لم تكن ثورة اكتوبر الاشتراكية صدفة ارادوية الطابع وغلطة تاريخية ذات اهداف طوباوية!بل كانت غاية استيلاء السوفيتات على السلطة تحقيق اهداف ملموسة في مقدمتها:الوقف الفوري للحرب،توزيع الاراضي على الفلاحين،تأمين حق تقرير المصير للقوميات المضطهدة،وقف تخريب البورجوازية للاقتصاد،الشروع بالرقابة العمالية على الانتاج،تحجيم نشاط قوى الثورة المضادة!وقد ادرك لينين موضوعية الاحداث بعقلانيــة وبصيرة ثاقبة وعلمانية غير مهادنة،واهمية الزمن لانه سيف ذو حدين!وتوصياته كانت تعاليم آنية واستراتيجية في آن واحد(عززوا المبادرة!خفضوا يوم العمل الى 8 ساعات في جميع مجالات العمل المأجور!كل السلطة للسوفيت!الصلح الفوري- مسالة الارض- الرقابة العمالية على الانتاج!قاوموا الجيوش البيضاء والتدخل الاجنبي!)وتركز العمل الثوري ابان اكتوبر عام 1917 على اعتقال المناوئين لوقف اعمالهم الضارة وعزلهم عن المجتمع في محاكمات عادلة علنية.ومع ذلك تصاعد الارهاب بالاعدامات الجماعية لخيرة المناضلين وبوحشية من قبل الحرس الابيض والاغتيالات ضد قادة البلاشفة،ولم يسلم منها حتى لينين نفسه!
بين لينين"ان من يريد السير الى الاشتراكية بطريق آخر خارج الديمقراطية السياسية يصل حتما الى استنتاجات خرقاء ورجعية،سواء بمعناها الاقتصادي ام بمعناها السياسي".وبينت التجربة ان الاشتراكية مستحيلة من دون اوسع قدر من الديمقراطية،ومن حيوية الفكر والتمسك بالروح النقدية،ونبذ العفوية في العمل"خيارنا الاشتراكي:دروس من بعض التجارب الاشتراكية".
تاريخ التاسع من ايار 1945 هو تاريخ وضع الحرب العالمية الثانية اوزارها والانتصار على الفاشية والنهوض الديمقراطي العارم في المعمورة!وقد ارسى ذلك ثقافة وقيم السلام كفعل تراكمي من البناء المادي والمعنوي وخلاصة الوعي بالحقوق والحريات وتطور الانسانية،واهمية النماذج الوطنية للديمقراطية والتعددية وتداول السلطات بالطرق السلمية واهمية المؤسساتية المدنية والنقابات والمنظمات غير الحكومية،والحذر من السقوط في شرك الكلانية وثقافات الخوف والشك بالمواطن!واهمية النشاطات الاحتجاجية على الانتهاكات الدستورية وسلطات الولاءات الضيقة وتشبث المتنفذين بالمواقع وصراعهم على السلطة!ومحاولات حرمان الطبقة العاملة من حق اقامة تنظيماتها النقابية،وضمان اعادة الامانة الى الشعوب.
في العصور الحديثة- ابتداء من عصر الاصلاح في اوروبا- احتلت العدالة مكانة بارزة في اعمال الفلاسفة وكبار المفكرين من امثال هوبز،ودافيد هيوم،وبنثام،وتوكفيل،وصولا الى جون رولز الذي يعتبر من اواخر اشهر العلماء الذين قدموا اسهاما اصيلا في مفهوم العدالة،وذلك في كتابه الصادر سنة 1972 بعنوان: A Theory of Justice.
تظهر الازمات المالية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي يعيشها العالم اليوم ظلم واجحاف العولمة الرأسمالية التي تقودها الولايات المتحدة الامريكية في ظل الليبرالية الجديدة،وتحويل الاقتصاد العالمي الى سوق واحدة يحكمها حقل قانوني واحد تؤطره منظمة التجارة العالمية،والتبني الحاسم لاقتصاديات السوق وحرية السوق والتجارة وفتح الحدود وتقليص دور الدولة في الاقتصاد..
-;- العدالة الاجتماعية مفهوم علمي والموضوعية هي الفيصل
تناول مفهوم العدالة الاجتماعية خارج اطار المنهج المادي التاريخي والعلاقات الاجتماعية للانتاج والتوزيع في تطورها الدائم هو استعراض وتحليل مبتور يفتقد الى المصداقية،فالقوة الحاسمة المحركة للتطور الاجتماعي وتبدل المجتمع من شكل لآخر كانت ولا زالت هي طريقة الحصول على مواد المعيشة اللازمة لحياة الانسان وبصورة خاصة اسلوب انتاج وسائل الانتاج،اي وسائل انتاج المواد المادية اللازمة لحياة وتطور المجتمع.وتتميز المادية التاريخية بالخصائص الآتية"انظر:د.ابراهيم كبة/المفاهيم الاساسية للاقتصاد العلمي/بغداد/1953":
1. نظام الانتاج والقوى المنتجة في تطور مستمر دائب ومضطرد.
2. التغير في اسلوب الانتاج يثير حتما تغيرا مقابلا في علائق الانتاج وبالتالي جميع العلائق الاجتماعية.
3. التغير يبدأ في قوى الانتاج وخاصة في عنصر وسائل الانتاج،ثم ينتقل حتما – على تفاوت في الزمن – للوجه الآخر من اسلوب الانتاج،اي للعلائق الانتاجية.
4. ان علائق الانتاج بدورها تؤثر في تطور(اسراع او ابطاء)نمو قوى الانتاج،ولكنها لابد ان تنتهي بالتغير وفق مقتضيات تطور القوى المذكورة.وظاهرة الأزمات هي ظاهرة التناقض وعدم التكيف بين الوجهين المذكورين لاسلوب الانتاج في النظام الاجتماعي القائم.
5. ان نمو اسلوب الانتاج الجديد(قوى وعلائق الانتاج)انما يتم في حضن النظام القديم نفسه وبصورة ذاتية مستقلة في البداية عن ارادة ووعي الانسان،وذلك اولا لان الانسان غير حر في اختيار اسلوب الانتاج نفسه،اذ ان هذا الاسلوب هو وليد نشاط الاجيال القديمة،وثانيا لأن الانسان لا يفكر في ولا يستطيع معرفة جميع النتائج الاجتماعية لاختراع وسائل الانتاج الجديدة.
6. ان الانقلاب والتحول من النظام القديم الى النظام الجديد لا يمكن ان يتما الا بجهد اجتماعي ثوري يقلب العلائق القديمة ويقيم محلها العلائق الجديدة بعد ان تكون بذور وشروط هذا التحول قد نضجت بصورة ذاتية بطيئة كمية في احضان النظام القديم،وذلك لازالة العقبات المصطنعة(ومقاومة الطبقات التي تمثلها)التي تعترض سبيل التطور الحتمي الجديد.
7. ان الافكار والنظريات تلعب دوراً مهماً في هذه المرحلة الاخيرة من مراحل حركة التحول الاجتماعي،ولذلك فان الكفاح الفكري(الآيديولوجي)بين الافكار التقدمية(الثورية)والافكار الرجعية جزء لا يتجزأ من حركة التطور العامة.
لا تعني الرؤية المادية التاريخية ان الدوافع الاقتصادية وحدها هي التي تحرك الناس عن وعي او دونه،وكتب انجلز:"لا انا ولا ماركس اكدنا ان الاقتصاد هو الوحيد،لأن للعناصر المختلفة للبناء الفوقي تأثيرها على مسارات التأريخ".ويعد الاغتراب Alienation ابرز نتائج سوء توزيع الثروة في المجتمع،فاغتراب الانسان عن نشاطه الانتاجي المملوك لقوى خارجية لا يسيطر عليها،يجعله مغتربا عن ذاته،وبالتالي يصبح مغتربا عن قدراته والروابط الاجتماعية التي تميزه بوصفه انسانا،ثم يصبح في النهاية مغتربا عن اقرانه وعن الناس عامة.
النظرية العلمية في تفسير التاريخ تقوم على الحقائق الآتية"راجع:د.ابراهيم كبة/نظرة سريعة في تطور النظام الاقتصادي/1953":
1. ان الناس في قيامهم بالانتاج الاجتماعي لوسائل الحياة يدخلون في"علائق"ضرورية مستقلة عن ارادتهم.
2. هذه العلائق الانتاجية بين الناس تتفق مع درجة تطور"قوى الانتاج"في المجتمع.
3. مجموع هذه العلائق الانتاجية تكون"البنيان الاقتصادي"للمجتمع.
4. هذا البنيان الاقتصادي يكون الاساس الحقيقي"للأنظمة"الاجتماعية،كالنظام القانوني"علائق الملكية"والنظام السياسي"انظمة الحكم"من جهة،و"الوعي"الاجتماعي BEWUSTSEIN اي مجموعة الافكار والآراء،من جهة اخرى.
5. اذن الوعي لا ينتج الاشكال الاجتماعية،بل على العكس،الشكل الاجتماعي يقرر الوعي.
6. في دور معين من التطور تدخل قوى الانتاج الجديدة في نزاع مع علائق الانتاج القديمة،فتصبح الاخيرة قيوداً وعقبات تعترض سبيل تقدم الاولى.
7. مع كل"ثورة اجتماعية" – اي تغير في الطبقات المسيطرة على وسائل الانتاج،واذن تغير في علائق الانتاج نفسها – يعاد بناء الأنظمة الاجتماعية والوعي الاجتماعي حتماً، مع تفاوت في سرعة ذلك.
8. يحصل في الواقع تطوران:
-;- تطور في الشروط الاقتصادية للانتاج"اي في علاقات الانتاج".
-;- تطور في"الافكار"القانونية والسياسية والفنية والفلسفية التي تعبر عن التطور الاول.الا ان التطور الاول اسرع لجلب الانتباه لأنه كمي.
9. لا يمكن تقدير عصر ما بدراسة افكاره"وعيه" فقط : لأن هذا الوعي هو نتيجة التنازع بين قوى الأنتاج وعلائق الانتاج"او الملكية".
10. لذلك يجب دراسة البناء الاجتماعي قبل دراسة الظواهر الاجتماعية الفردية والتفصيلية لفهمها.
11. يلعب نشاط"الجماهير"اكبر الادوار في التطور الاجتماعي.
تدني المدارك البشرية والوعي الاجتماعي المرتبط اساسا بضعف القوى المنتجة حد ويحد الى درجة كبيرة من فرص وامكانيات التغيير الاجتماعي وتحقيق العدالة والمساواة بين البشر.الظلم الاجتماعي لم يكن مرتبطا في الوعي البشري بملكية وسائل الانتاج وعلاقات الانتاج،بل تجسد لديهم في ذوات من مارس ذلك الظلم!مثل مالكي العبيد والاقطاعيين.وحتى في الرأسمالية،لم يع العمال اسباب الظلم الاجتماعي الواقع على كاهلهم،وكانوا حتى على اعوام الثورة الصناعية الاولى (1750 – 1850) كثيرا ما يجنحون الى تحطيم المصانع والدخول في نزاعات مع ارباب العمل والفورمانات على اساس ان المصانع وارباب العمل هما السبب المباشر للظلم الاجتماعي"انظر:يوسف حسين/آفاق الدعوة للاشتراكية..الجذور التاريخية للعدالة الاجتماعية/صحيفة الراكوبة السودانية/(2/1/2012)"

في اواسط القرن التاسع عشر تطورت النظرية الماركسية،كفكر مناهض،للفكر الليبرالي السائد آنذاك.ومنذ بزوغها،ربط مؤسسوها كارل ماركس(1818 – 1888)وفريدريك انجلز( 1820 -1895)تعاليمهم بمصالح الطبقة العاملة الاكثر حرمانا في النظام الرأسمالي،واجدين فيها قوة حقيقية قادرة على ترجمة مبادئ الاشتراكيين الطوباويين الى واقع بتغيير البناء الاقتصادي الاجتماعي من خلال الغاء الملكية الخاصة وتشييد مجتمع العدالة الاجتماعية والحرية الحقيقية"انظر:د.جاسم الصفار/من زاوية اخرى/موقع الطريق/(23/9/2014)".
تؤكد النظرية الاجتماعية العلمية ان الافكار السائدة في عصر ما انما تمثل افكار الجماعات السائدة،والعقم الفكري العام انما يمثل نظاما اجتماعيا عالميا استنفد وظائفه التاريخية ودخل في دور العقم والانحلال،ويتمحور حول احتقار العامة واعتبار الاقليات والنخب المبدعة هي المحركة للتاريخ ونسبة التطور الاجتماعي لقوى دينية او طائفية او اصطفائية او ميتافيزيقية او نفسانية،ومسحة التشاؤم التي تعبر احسن تعبير عن بأس النظام الاجتماعي السائد،وفهم الحضارات التاريخية كحلقات مفرغة مغلقة دون ادراك وحدة الحضارة المعبرة عن وحدة الجنس البشري،وتفسير الازمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية تفسيرا روحيا صرفا كالتوتر او الجشع او هرم الروح..كل ذلك يدل دلالة ناطقة على ان عصر ديكارت ولوك وروسو وبيوكل والموسوعيين وغيرهم من اعلام التفسير العلمي والعقلي للكون،قد زال ومضى،لأن البورجوازية قد انهت دورها التقدمي في التاريخ،ولم تعد قادرة الا على الاحتماء بأفكار العصور الوسطى وهي الافكار التي قادت بنفسها حركة القضاء عليها.."راجع:د.ابراهيم كبة/نظرية سريعة في تطور النظام الاقتصادي/1953".
بالرغم مما حققه اسلوب الانتاج الرأسمالي من تطور هائل في انتاج كل ماهو مادي،وتوسع المفهوم العلمي التكنولوجي ليشمل الى جانب الادوات والوسائل والعقول الالكترونية والربوتانتية كل شئ يضاعف القدرات الانسانية،وتدشين عصر جديد هو العصر المعلوماتي"تزايد دور واهمية التكنولوجيا المعلوماتية،النمو المتزن المضطرد المتوازي للاقتصاد المعلوماتي والتحكم به عبر الدولة والقطاعات الاقتصادية الاخرى،توسع القاعدة المنظمة لاسس التحكم وتطبيقاته في الهياكل الاجتماعية،تركز وتمركز المعالجة والاتصال بالمعلومات،تصاعد نمو المعلوماتية في المعرفة والثقافة العصرية"انزاحت فيه المنظومات التقليدية القديمة في ادارة صراعات الوعيد والردع النوويين،الا ان التوزيع للثروة والسلطة لازال غير عادل،الامر الذي ضاعف من مستويات الفقر بسبب النهب المستمر لموارد الآخرين والاستغلال البشع للعاملين،وعمق ديناميكيا الفوضى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في العالم وولد النظام العالمي الجديد والزعامة الامريكية والدور الياباني والالماني"انظر:الكاتب/المعلوماتية المعاصرة والحرب.."
ان احد اهم مظاهر مأزق الرأسمالية استغلال تراجع التجارب الاشتراكية وفشل بعضها لتثبت انها الخيار الوحيد امام البشرية،لكن التجربة العلمية تؤكد تفاقم الازمة البنيوية الشاملة للرأسمالية وعجزها،رغم نجاحات التكييف والتجديد،عن القضاء على الازمات الدورية المتتالية...كما ان فشل تجربة ما او نموذج ما لا يلغي ويسقط القيمة المضمونية،بل العكس هو السليم.
لقد دشنت الاشتراكية العلمية – الماركسية الطريق واطلقت العنان لمختلف الحركات والمدارس التي ترمي لتحقيق قدر من العدالة والمساواة بين البشر في مختلف انحاء العالم"الكينزية والفابية في انكلترا،مدرسة سلامة موسى والناصرية في مصر،لاهوت التحرير في اوربا وامريكا اللاتينية،الاشتراكية الديمقراطية في اوربا،المدارس الاشتراكية في بلدان العالم النامي - الثالث.والهب شوق وتطلعات البشر للعدالة الاجتماعية ما انجزته الانظمة الاشتراكية في المعسكر الاشتراكي السابق من اشباع الحاجيات المادية للبشر.ان الاشتراكية العلمية والمنهج الماركسي هو الطريق الوحيد للوصول للعدالة الاجتماعية"انظر:سكرتير الحزب الشيوعي الخطيب:الوصول للعدالة الاجتماعية يتطلب استخدام المنهج الماركسي في قراءة الواقع السوداني/صحيفة الراكوبة السودانية/(22/6/2014)"
-;- العدالة الاجتماعية - جوهر التنمية البشرية المستدامة
التنمية البشرية المستدامة تعني :
-;- الشفافية والاعلام والمشاركة وتحقيق العدالة الاجتماعية وضمان المواطنة،الديمقراطية البيئية،حرية التعبير عن الرأي،حكم القانون،المجتمع المدني،السلم الأهلي،واطلاق البدائل الديمقراطية في مجالات الادارة والتعليم وصياغة القرارات المصيرية.
-;- الاولويات الجوهرية لحقوق الانسان،حقوق الطفل والمرأة،ومكافحة التعذيب ونبذ عقوبة الاعدام،ومكافحة الارهاب والفساد.
-;- ادارة الموارد الطبيعية،الادارة المستدامة للغابات وخفض عمليات التجارة غير القانونية بالاخشاب،احتواء الاخطار البيئية ونتائج هوس الحروب والعسكرة،والتنوع البيئي،والسياحة المستدامة.
التنمية البشرية ضمان لتحقيق السلام الاجتماعي وتحقيق حماية البيئة والحياة وضمان استمرار النمو للاجيال القادمة وتحقيق الديمقراطية الحقة وحقوق الانسان،وتعرقل المظاهر الرأسمالية هذه التنمية بسبب الفقر والبطالة والامية وسوء توزيع الثروة والاصطفائية والاضطهاد المركب.ان التنمية الاقتصادية،وما يتصل بها من تنمية الموارد البشرية في ظل التنمية المستدامة،تأخذ الحيز الأهم ضمن استراتيجيات الحكومات الوطنية حيث يقع على عاتقها مسؤولية تحديث مؤسساتها وتأهيلها وتنشيط القطاعات الخاصة ومساعدتها على مواجهة موجات العولمة!
ويحاول الاقتصاد الليبرالي تجريد مفاهيم التنمية البشرية والتنمية المستدامة من مضامينها التقدمية والديمقراطية الحقة،مثلما حاول الفكر البورجوازي في الحقب السابقة طرح مفاهيم التخطيط والبرمجة والاعمار واعادة الاعمار والتنمية خارج السياق الاجتمااقتصادي والخارطة الطبقية.وكعادتهم يحاول دهاقنة الرأسمالية القديمة والجديدة اكساب هذه المفاهيم،بما فيها التنميتين المستدامة والبشرية،الطابع المثالي والارادوي لخدمة قيم المشروع الحر والمنافسة في سبيل اقصى الارباح،القيم المتسترة بستار الحضارة الغربية كانعكاس للانهيار الاخلاقي التام بسبب الازمات البنيوية المستمرة وقبول الاخلاق الرأسمالية على علاتها ووحشيتها وقسوتها واستبدادها."انظر:الكاتب/عراق التنمية البشرية المستدامة"وكذلك"انظر:مينا دلشاد/ابرز المؤشرات الاجتماعية في العراق/دراسات وبحوث مجلس النواب العراقي 2013 – 2014".
تكشف التنمية البشرية المستدامة واقع التباينات الاجتمااقتصادية والطبقية الحادة في المجتمعات وحجم الاهمال والحرمان والفقر،وهي مكملة لمنهج التخطيط الاستراتيجي بعيد المدى والقصير والتنمية.لقد قام قادة اكثر من مائتين وسبعين دولة بالتصديق على فكرة التنمية المستدامة تصديقا رسميا فى مؤتمر قمة الأرض في ريودوجانيرو عام 1992،بعد الاطلاع على التقرير الذى رفعته اللجنة العالمية المعنية بالبيئة والتنمية فى عام 1987.وسعت اللجنة المعنية بالبيئة والتنمية التابعة للامم المتحدة والاجهزة التابعة لها لوضع تعريف للتنمية المستدامة يتلخص في الارتقاء برفاهية الانسان والوفاء بالاحتياجات الاساسية للفقراء وحماية رفاهية الاجيال القادمة والحفاظ على الموارد البيئية ودعم انظمة الحياة على المستوى العالمى وفى الحدود المسموح بها،والعمل على ادخال الاطر الاقتصادية والبيئية عند وضع القرار.ومع اصدار تقرير التنمية البشرية لعام 1994 فان مفهوم الأمن البشري لم يقتصر على امن الدولة بل شمل امن الانسان وامن المجتمع بشكل يضمن حقوق المواطنين اضافة الى انه اخذ ابعادا متعددة.
مع مطلع التسعينيات من القرن المنصرم حصلت قفزة نوعية في الفكر التنموي من حيث معالجة التنمية البشرية،فاذا ما كان مفهوم تنمية الموارد البشرية قد تطور حتى نهاية الثمانينيات ليشمل جوانب تشكيل القدرات البشرية كافة،فان مفهوم التنمية البشرية قد ركز بالاضافة الى ذلك على كيفية تحقيق الانتقاع من تلك القدرات،بحيث اعيد التوازن للمقولة الداعية الى(ان الانسان هو صانع التنمية وهو هدفها).يتضمن هذا المفهوم الابعاد الاتية:
1- ان الخيارات الانسانية تتعزز حينما يكتسب الناس القدرات البشرية،على ان تتاح لهم الفرص لاستخدامها ولا تسعى التنمية البشرية لزيادة القدرات والفرص فقط،ولكنها تسعى ايضا لضمان التوازن المناسب بينهما،من اجل تحاشي الاحباط الناجم عن فقدان الاتساق بينهما.
2- ينبغي النظر الى النمو الاقتصادي ليس بوصفها هدفا نهائيا للتنمية بل انه مجرد وسيلة لتحقيق التنمية.
3- يهدف مفهوم التنمية البشرية بتركيزه على الخيارات الى الاشارة ضمنا الى انه يتعين ان يؤثر الناس في القرارات والعمليات التي تشكل حياتهم،فيجب ان يشاركوا في مختلف عمليات صنع القرار،وتنفيذ القرارات ومراقبتها وتعديلها حينما يكون ذلك ضروريا من اجل تحسين نتائجها.
4- ان مفهوم التنمية البشرية مفهوم مركب ينطوي على مجموعة من المكونات والمضامين التي تتداخل وتتفاعل مع جملة من العوامل والمدخلات والسياقات المجتمعة واهمها:عوامل الانتاج،والسياسة الاقتصادية والمالية،مقومات التنظيم السياسي ومجالاته،علاقات التركيب المجتمعي بين مختلف شرائحه،مصادر السلطة والثروة ومعايير تملكها وتوزيعها،القيم الثقافية المرتبطة بالفكر الديني والاقتصادي،القيم الحافزة للعمل والإنماء والهوية والوعي بضرورة التطوير والتجديد اداة للتقدم والتنمية.ان التنمية البشرية تعتبر منقوصة اذا تمكنت من تعزيز قدرات الانسان دون التمكن من ايجاد الفرص الكافية في البيئة الاقتصادية والاجتماعية لاستخدام هذه القدرات بشكل فعال.فالتعليم قد يتحول الى بطالة عند اصحاب الشهادات اذا لم يترافق مع مشروع تنموي متكامل،وهو الامر الذي يؤكد على اهمية البعد الاقتصادي في نظرية التنمية البشرية.
يصدر برنامج الأمم المتحدة الانمائي UNDP تقرير التنمية البشرية سنويا منذ عام 1990 وبضمنه مؤشر التنمية البشرية الذي يرتب دول العالم في اطار ثلاث مجموعات تعكس مؤشرات التنمية البشرية(مرتفع– متوسط - ضعيف).ويتم احتساب المؤشر المركب للتنمية البشرية على أساس متوسط ثلاث مكونات هي:طول العمر،والمعرفة(يقاس بمعدل محو الامية بين البالغين ونسب الالتحاق في المراحل التعليمية المختلفة)،ومستوى المعيشة(يقاس بمعدل دخل الفرد للناتج المحلي الاجمالي الحقيقي)"تقرير التنمية البشرية لعام 2009/UNDP".
المؤشر المركب للتنمية البشرية هو من المؤشرات المرتبطة بمناخ الاستثمار،وهذه المؤشرات هي:مؤشر الحرية الاقتصادية لقياس درجة التضييق التي تمارسها الحكومات على الحرية الاقتصادية،المؤشر الثلاثي المركب لقياس ثروات الأمم في الاقتصاديات الرأسمالية الناهضة،مؤشر التنافسية العالمي لقياس قدرة الدول على النمو والمنافسة اقتصاديا مع الدول الاخرى لتحقيق التنمية المستدامة وزيادة الكفاءة الانتاجية باستخدام احدث التقنيات وتحسين مناخ الاعمال،المؤشر المركب للمخاطر الوطنية – المحلية لقياس المخاطر المتعلقة بالاستثمار او التعامل مع البلد المعني وقدرته على مقابلة التزاماته المالية وسدادها،ومؤشر التنمية البشرية.
مفهوم التنمية البشرية يتسع لكل مجالات حياة البشر من تعليم وصحة وعيش وامن فضلا عن التمتع بالحريات الأساسية سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية وتوسيع خيارات الناس،فالخيارات المتعلقة بالمشاركة السياسية والتنوع الثقافي وحقوق الانسان هي ايضا من اساسيات حياة البشر،مع الأخذ بنظر الاعتبار ان الخيارات الانسانية الاساسية حاسمة جدا لان تلبيتها ستمهد الطريق امام الخيارات الاخرى.
في التنمية البشرية تستهدف الاستراتيجيات التنموية الناس قبل الانتاج،والتجارة،واسعار الصرف،واسعار الفائدة،واسواق الاوراق المالية"تقرير التنمية الانسانية العربية لعام 2009".الهدف من توظيف مفهوم"التنمية البشرية"في الخطاب الاقتصادي المعاصر هو الارتقاء بالفكر التنموي من المجال الاقتصادي التقليدي الذي ظل سائدا خلال العقود الماضية الى مجال اوسع،مجال الحياة البشرية بمختلف ابعادها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية.وتتم دراسة الاوضاع المجتمعية وتحديد التنمية البشرية التي وصل اليها المجتمع عادة بالاعتماد على محاور:الزمن(ما يحدث لدليل التنمية البشرية ومؤشراتها من تطور واستقرار خلال افق زمني محدد)،درجة التفاوت في مستويات التنمية البشرية بين مختلف الدول،توزيع نتائج التنمية وثمارها بين السكان(كيفية توزيع الدخل والثروة في المجتمع بهدف الحد من الفقر والقضاء على التخلف..وهذا المحور من اهم مكونات دليل التنمية البشرية،لأنه يعكس مستوى العدالة الاجتماعية بين الأغنياء والفقراء وبين الذكور والاناث وبين الريف والمدينة وبين مختلف المناطق والفئات.ويدعى المعامل الذي يعكس التباين في توزيع الدخل في البلد المعني بالمعامل الجيني(Gini)).
تعتمد التنمية البشرية المستدامة مبدأ جعل التنمية في خدمة الناس بدلا من وضع الناس في خدمة التنمية،وهي تنمية لا تكتفي بتوليد النمو وحسب،بل توزيع عائداته بشكل عادل ايضا،وهي تجدد البيئة بدل تدميرها،وتمكن الناس بدل تهميشهم،وتوسع خياراتهم وفرصهم وتؤهلهم للمشاركة في القرارات التي تؤثر في حياتهم.ان التنمية البشرية المستدامة هي تنمية في مصلحة الفقراء والطبيعة والبيئة وتوفير فرص العمل في مصلحة المرأة.انها تشدد على النمو الذي يولد فرص عمل جديدة،انها تنمية تزيد من تمكين الناس وتحقق العدالة فيما بينهم.
التنمية البشرية المستدامة هي نظرية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية تجعل الانسان منطلقها وغايتها،وتتعامل مع الأبعاد البشرية والاجتماعية باعتبارها العنصر المهيمن،وتنظر للطاقات المادية باعتبارها شرط من شروط تحقيق التنمية.فهدف هذه التنمية هو خلق بيئة تمكن الانسان من التمتع بحياة طويلة وصحية ولائقة.
وعليه تتمثل عناصر التنمية البشرية المستدامة في:
1. الانتاجية او المقدرة البشرية اي قدرة البشر على القيام بنشاطات منتجة وخلاقة.
2. الاستدامة اوعدم الحاق الضرر بالاجيال القادمة سواء بسبب استزاف الموارد الطبيعية وتلويث البيئة او الديون العامة التي تتحمل عبئها الاجيال اللاحقة.
3. المساواة او تساوي الفرص المتاحة امام كل أفراد المجتمع دون تمييز.
4. التمكين:فالتنمية تتم بالناس و ليس فقط من اجلهم.
تشترط التنمية المستدامة صراحة والزاما ديمومة العملية التنموية وتوزيع الموارد والمنافع الاقتصادية اجمالا بين الاجيال الحاضرة والاجيال المقبلة،وكذلك وضع البعد البيئي للاستدامة كأحد الابعاد الاساسية مع البعد السياسي.هل يتيح النمط الرأسمالي المتجسد في نظام السوق نموا مستداما واستغلالا رشيدا للموارد اقتصاديا ومستداما بيئيا؟خاصة وان طبيعة السوق ونظام السوق الرأسمالية تنفي حكما امكانية ثبات النمو وتواصله دون انكفاء وتحتمل ظهور الأزمات الاقتصادية بشكل متكرر.ان اعطاء دورا اساسيا للدولة يخفف التناقض بين التنمية المستدامة ونظام السوق شريطة الالتزام بالديمقراطية السياسية والمؤسساتية المدنية والشفافية كي لا تقع هذه الدولة في فخ البرقرطة والكومبرادورية والطفيلية.
التنمية المستدامة Sustainable Development هي توسيع خيارات الناس وقدراتهم من خلال تكوين رأسمال اجتماعي لتلبية حاجات الاجيال الحالية (بأعدل) طريقة ممكنة دون الاضرار بحاجات الاجيال القادمة،واعادة توجيه النشاط الاقتصادى بغية تلبية الحاجات التنموية الماسة للدول والافراد والاجيال القادمة،تلبية احتياجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية حاجاتها،واختيار الأنماط الاقتصادية والاجتماعية التنموية التي تتناسب مع الاهتمام البيئى الملائم،ومنع حدوث اضرار سلبية من دورها ان تنعكس على البيئة العالمية.ويواجه العالم خطورة التدهور البيئي الذي يجب التغلب عليه مع عدم التخلي عن حاجات التنمية الاقتصادية وكذلك المساواة والعدالة الاجتماعية.يستخدم مصطلح التنمية المستدامة للتعبير عن السعي لتحقيق نوع من العدل والمساواة بين الاجيال الحالية والاجيال المقبلة،وهذا يعني ان لا تعرض العمليات التي يتم بوساطتها تلبية حاجات الناس واشباعها للخطر قدرة الاجيال المقبلة على تلبية حاجاتها واشباعها.اعتمدت التنمية البشرية المستدامة على قياس دليل التنمية البشرية Human Development Index،ويتضمن الدليل التركيبي للتنمية البشرية ثلاثة مكونات:الصحة(العمر المتوقع عند الولادة)،التعليم(معرفة القراءة والكتابة للكبار ومعدلات الالتحاق بمراحل التعليم)،الدخل(متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي المعدل بالقدرة الشرائية الفعلية).وتضمنت تقارير التنمية البشرية التي اصدرها برنامج الامم المتحدة الانمائي UNDP قائمة طويلة من المؤشرات التفصيلية- الى جانب ادلة التنمية البشرية الثلاثة الرئيسة:مقياس التنمية البشرية،دليل التنمية البشرية المرتبط بالنوع الاجتماعي،مقياس التمكين المرتبط بالنوع الاجتماعي.
تتضمن التنمية المستدامة ابعاد حاسمة ومتفاعلة هي كل من الابعاد الاقتصادية والبشرية والبيئية والتكنولوجية:وتشمل الاقتصادية حصة الاستهلاك الفردي من الموارد الطبيعية،ايقاف تبديد الموارد الطبيعية،المسؤولية الاممية وخاصة البلدان المتقدمة عن التلوث وعن معالجته،تقليص تبعية البلدان النامية،التنمية المستدامة في البلدان الفقيرة،المساواة في توزيع الموارد،الحد من التفاوت في المداخيل،تقليص الانفاق العسكري"راجع:عبد الله محسن جايد/ابرز المؤشرات الاقتصادية في العراق/دراسات وبحوث مجلس النواب العراقي 2013 – 2014".اما البشرية فتشمل تثبيت النمو الديموغرافي،مكانة الحجم النهائي للسكان،اهمية توزيع السكان،الاستخدام الكامل للموارد البشرية،الصحة والتعليم،دور المرأة،الاسلوب الديمقراطي في الحكم.وفي خانة الابعاد البيئية تقع اتلاف التربة واستعمال المبيدات وتدمير الغطاء النباتي والمصايد،حماية الموارد الطبيعية،صيانة المياه،تقليص ملاجئ الانواع البيولوجية،حماية المناخ من الاحتباس الحراري.بينما تشمل التكنولوجية استعمال تكنولوجيات انظف في المرافق الصناعية،الأخذ بالتكنولوجيات المحسنة وبالنصوص القانونية الزاجرة،المحروقات والاحتباس الحراري،الحد من انبعاث الغازات،الحيلولة دون تدهور طبقة الأوزون.
تلعب تقنية المعلومات دورا مهما في التنمية المستدامة:
1. تعزيز البحث العلمي وتطوير تكنولوجيات المواد الجديدة والتكنولوجية المعلوماتية والاتصالات والتكنولوجيات الحيوية،واعتماد الآليات القابلة للاستدامة.المعارف والمعلومات تعد عنصرا أساسيا لنجاح التنمية المستدامة ولابد من نقلها الى العامة بامانة وكفاءة عبر الاتصالات والوسائط الملتيميدية والانترنيتية.
2. تحسين الاداء المؤسساتي بالتكنولوجية الحديثة.
3. تنمية القدرات العلمية والتكنولوجية وفرص الابتكار لترسيخ التنافسية وزيادة النمو الاقتصادي وايجاد فرص عمل جديدة وتقليص الفقر.
4. المضي قدما للتحول الى المجتمع المعلوماتي وادماج التكنولوجيات الجديدة في خطط واستراتيجيات التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
5. توسيع القاعدة المنظمة لاساسيات التحكم وتطبيقاته في المؤسساتية الاجتماعية.
6. إعداد سياسات وطنية للابتكار واستراتيجيات جديدة للتكنولوجيا مع التركيز على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
7. الدراسة الاكاديمية والشعبية للاقتصادين الكلي والجزئي (Macro & Micro).
8. خفض الشدة الطاقية عبر رفع كفاءة انتاج المواد الحاملة والناقلة للطاقة(Energy Carriers)وتقاس عادة بوحدة(كيلوواط ساعة/طن من الوقود المحترق)،رفع كفاءة تقنيات استهلاك الطاقة،التغيير الهيكلي في استخدام المواد كثيفة الطاقة(Intensive)وتقليص الطلب عليها في المستويات العليا للنشاط الاقتصادي.كل ذلك يعزز من ميل هبوط الطلب على الطاقة والتوجه الى انتاج السلع بدل انتاج الخدمات!
9. تطوير البرامج الوطنية لحفظ الطاقة.


بغداد
22/11/2014