النظام الأبوي الذكوري وهيمنته على المجتمع والسلطة


ابراهيم الحيدري
2014 / 11 / 11 - 11:14     

يشير مفهوم النظام الابوي بشكل عام الى المجتمع التقليدي الذي يتخذ طابعاً مميزاً بالنسبة الى البنى الاجتماعية الكلية – المجتمع والدولة والاقتصاد والثقافة- وكذلك الى البنيتين الجزئيتين – العائلة والشخصية – التي تتخذ, بمجموعها, طابعاً يستم بأشكال نوعية من التخلف الاجتماعي والاقتصادي والثقافي تعيق تطوره وتقدمه, مثلما يتسم هذا المفهوم الأبوي بالتحجر والجمود والتناقضات الداخلية التي تمزقه وتستنزف طاقاته المعنوية وتدفع أفراده الى الشعور بالتمزق, ما يؤدي الى تقييم دوني للذات.
وإذا كان المجتمع الأبوي التقليدي شكلاً من أشكال المجتمعات الراكدة عن مواكبة التقدم والتحديث, فهو بالتأكيد مجتمع تابع للبنى التقليدية, ويعاني العجز والنكوص, ويفتقر الى القوة الداخلية والوعي الذاتي للنهوض من التخلف والعجز هذين, بالرغم من ان النظام الأبوي الحديث ملقح بكثير من مظاهر الحداثة.
ومن أهم سمات هذا النوع من المجتمعات, سواء كان قديماً أو حديثاً, هي النزعة الابوية – البطريركية التي تظهر في سيطرة الاب على العائلة. فالأب "البعل" هو المحور الذي تنتظم حوله العائلة. وهو "رب" البيت وعموده, و"سيطرة الأب في العائلة, شأنه في المجتمع. إذ إن العلاقة بين الأب وأبنائه, وبين الحاكم والمحكوم, علاقة هرمية", فإرادته مطلقة ويتم التعبير عنها بـ "الإجماع القسري" الذي يقوم على التسلط من جهة, والخضوع والطاعة من جهة أخرى, التي تظهر على مستوى العائلة – العشيرة في القيم والتقاليد وفي وسائل التربية والتنشئة الاجتماعية التي تعمل على تشكيل نمط الثقافة والشخصية, من خلال ترسيخ القيم والعلاقات الاجتماعية التي يحتاج اليها المجتمع الأبوي والشخصية "البطريركية".
كما أن النظام الأبوي, بوصفه تكويناً اجتماعياً وبنية متميزة ناتجة عن شروط حضارية وتاريخية معينة, هو من الناحية التاريخية سلسلة معينة من المراحل, أما من الناحية البنيوية فهو سلسلة من الأنواع المترابطة, وكل نوع يرتبط بمرحلة انتقالية بالضرورة, باستثناء النوع المعاصر, أي النظام البطريركي الحديث. كما أنه مفهوم يستخدم لتعريف نوع معين من طرائق التفكير والعمل والسلوك, ونمط معين من التنظيم الاقتصادي والاجتماعي. وهو بنية اجتماعية سابقة على الرأسمالية وجدت تاريخياً بأشكال مختلفة في أوروبا واسيا. وبحسب هشام شرابي, فإن هذه البنية "اتخذت شكلاً نوعياً متميزاً من ما نسميه اليوم "المجتمع العربي"", الذي هو شكل من اشكال المجتمع التقليدي الذي يقابل المجتمع الحديث "الحداثة" الذي تجاوزته منذ قرون, والذي من أهم خصائصه التي ضمنت استمرارها قابليته على مقاومة التغير لبنياته الأصلية مقاومة عنيدة, منذ العصور القديمة حتى الان, من أجل الحفاظ على قيمه التقليدية. كما أن تطور نظام أيديولوجي – تشريعي – قانوني يدعم نظام القرابة والنزعة الأبوية.
وعلى الصعيد الاجتماعي والعلاقات المهيمنة, نلاحظ تغلب الانتماءات القبلية والطائفية والمحلية في العلاقات الاجتماعية وفي السلطة الأبوية, وكذلك في العلاقات الفردية – الذاتية التي تتضارب مع المصالح المشتركة والعامة.
والمجتمع الأبوي التقليدي مفهوم يستخدم بخاصة لتعريف نوع معين من المجتمعات التي يسودها نمط التفكير والعمل والسلوك التقليدي وشكل متميز من التنظيم الاجتماعي والاقتصادي والثقافي الذي يشكل بنية اجتماعية نوعية وجدت بأشكال مختلفة ومن بينها النزعة الأبوية الذكرية في المجتمع العربي, التي هي ذات طابع نوعي له خصوصية تاريخية وجغرافية ترتبط البيئة الصحراوية ونمط الإنتاج الرعوي التي أفرزت نظاماً أبوياً "بطريركياً" سيطر على المنطقة العربية قروناً عديدة وما يزال.

تمتد جذور النظام العشائري الذي تكون من شروط تاريخية وجغرافية وحضارية, الى العهد الجاهلي, حيث سيطر نظام المشيخة على المجتمع العربي قبل الإسلام. ومع أن الإسلام حاول تغيير البنية القبلية وجاء بمفهوم الأمة بديلاً لمفهوم العصبية القبلية, إلا أن النظام القبلي بقي مهيمناً على المجتمع الاسلامي, واستمر كثير من القيم والتقاليد والأعراف البدوية بتأثيره على بنية العائلة والمجتمع والدولة.
وبالإضافة الى ذلك, فالنظام الأبوي هو بنية سيكولوجية واجتماعية وثقافية ناتجة عن شروط تاريخية وحضارية نوعية تكونت من مجموعة من القيم وأنماط من السلوك ترتبط بنظام اقتصادي تقليدي له خصوصية, ويشكل واقعاً اجتماعياً حياً وليس مجرد خاصية من خصائص نمط إنتاج معين بالعالم العربي, وليس بالضرورة أن يكون مرتبطاً بنمط ما يسمى "نمط الإنتاج الاسيوي".
يتجلى جوهر النظام التقليدي القائم على العصبية القبلية في تماهي الفرد مع القبيلة التي تبادله الولاء بوصفها مسؤولة على صعيد اجتماعي وسياسي عن كل فرد من أفراد القبيلة, وهو ما يؤدي الى تعزيز النظام القبلي القائم على العصبية, الذي يجعل من العائلة حجر الزاوية في البنية الاجتماعية, والتي تفترض أن بنية القبيلة هي "كل" لا يمكن تجزئته, باعتبارها عائلة موسعة, أو مجموعة من العشائر التي تكوّن القبيلة, والتي تعزز كيانها بسيطرة مزدوجة: سيطرة الاب على العائلة, وسيطرة الرجل على المرأة, بحيث يبقى الخطاب المهيمن هو خطاب الأب وأمره وقراراته.
_______________________
للمزيد عن هذا الموضوع انظر: إبراهيم الحيدري، النظام الأبوي واشكالية الجنس عند العرب، دار الساقي، بيروت 2003