من تانديت إلى البيضاء ..رحلة التساؤلات


رفيق عبد الكريم الخطابي
2014 / 11 / 7 - 16:58     

تمهيد من خارج المقال :
كتب هذا المقال في صيغة أولى مباشرة بعد انتهاء الذكرى الأربعينية للشهيد مصطفى المزياني ، لكن تعذر نشره . وتشاء الصدف أن ينشر اليوم بعد تنقيحه أو إعادة صياغته ، هذا اليوم يصادف الذكرى الثلاثين للشهيد الماركسي اللينيني شهيد الشعب المغربي الشهيد تهاني أمين وهو المنحدر من نفس المنطقة تقريبا ( منطقة شرق المغرب ) . و يبدو ان ذاكرتنا لن تفارق ذكرى شهيد إلا لتحط بأخرى أشد إيلاما . هو قدرنا ، هو قدر شعبنا أن لا نغادر ذكرى شهيد حتى نحل باخرى..أن لا تمر ذكرى شهيد إلا لتأتي رفيقة لها لتذكرنا ..لتحفز ذاكرتنا و لتفضح من توهم أن شعبنا ومناضليه المبدئيين قد حطوا الرحال وقبلوا بتصالح الجبناء أو استسلامهم...
هو قدرنا ألا تفارقنا البطولات والتضحيات الجسام ، والجراح كذلك ، لشعب ولاد يقدم أنبل وأشرف وأطهر وأصلب أبنائه فداء وقربانا لتحرره وتقدمه ولحلمه الاشتراكي . في ذكرى الشهيد التهاني أمين الذي اغتاله النظام في سجنه بتاريخ 6 نونبر 1985 نقف إجلالا وإكبارا لكل الشهداء و المضحين ولكل الدماء التي سقت وتسقي الوطن وللمناضلين الماركسيين اللينينيين الذين ضحوا بحياتهم ....فآه..آه.. يا شعب الجبارين ..آه يا شعب.. يا من تكتب تاريخك بدم أبنائك.. و آه يا شهيد... ويا شهداء يا من كتبتم تاريخكم/تاريخنا دما ..ماذا يستطيع الحبر في يدي أن يضيف..
المجد المجد لكم ..المجد للشهداء ..الحرية للمعتقلين السياسيين والنصر حليف شعبنا..والخزي لفلول التحريفية الانتهازيين المتاجرين بقضايا شعبنا...وهي تراكمات لنصر قادم لا محالة
و من يكرم الشهيد يتبع خطاه
.

من تانديت إلى البيضاء ..رحلة التساؤلات

على إحدى سفوح جبل أغزديس (الأطلس المتوسط الشرقي ) الشامخ بشموخ أبناء منطقته ، تقف مدينة / قرية تانديت . هذه المدينة التي أراد لها النظام بالمغرب أن تحسب على المناطق المهمشة والغير نافعة من وجهة نظره ، أبت إلا أن تنزع عن نفسها النسيان والتجاهل ، وأبى الشهيد مصطفى المزياني أن تبقى خالدة بخلوده في قلوب وعقول كل جماهير شعبنا المقهور وكل الحالمين والطامحين والعاملين المناضلين والمضحين من أجل مغرب لا قهر ولا قمع ولا استغلال فيه .
بهذه المدينة الصغيرة جدا ، يمر شارع وحيد إسفلتي ( مزفث ) ، وطبعا بدون أرصفة بطول كيلومترين أو ثلاثة ، تتوزع بنايات أهلها المتناثرة بعضها عن بعض والتي يتداخل فيها الطراز العصري ( البناء بالآجور والسقوف الإسمنتية والطوابق ) مع طراز تقليدي ( طابق أرضي فقط ومبنية بالحجارة والأتربة..) .
كل منازل السكان تقريبا مصطفة على جانب واحد من ذلك الشارع وفي الجهة المقابلة من الشارع تمتد حقول الزيتون وبعض المغروسات الأخرى ( فصة ، خضروات..وغيرها) ، وكأن سكان تانديت يحرصون حقولهم بهذه الطريقة من هجوم الملاكين العقاريين وبقايا الإقطاع ( قرأت أنهم بدؤوا بالتهام أراضي شاسعة بالمنطقة ) ، و كأنهم يحرصون حقولهم مصدر عيشهم الوحيد من هجمات أحفاد ليوطي وغيوم وبيير جوان وغيرهم من مصاصي الدماء المعمرين الجدد .
في اليومين اللذين قضيتهما بتانديت بمناسبة تخليد أربعينية الشهيد مصطفى المزياني ، شهيد الشعب المغربي والحركة الماركسية اللينينية بالمغرب ، لمست طيبة خاصة لدى سكان المدينة ، بساطة ومحبة وتواضع صفات تطبع كل من استطعت التحدث إليهم .
بمقبرة المدينة / القرية حيث ووري جسد الشهيد مصطفى المزياني الثرى ، وقفنا على جريمة أخرى بحق شعبنا ، قد لا تقل عن كل جرائمه المتواصلة طيلة ما يزيد عن ستة عقود ، بمقبرة المدينة كان صادما أن عدد قبور الأطفال الصغار يضاعف لمرات عدد قبور الكبار...قمت بإحصاء بسيط وجدت نسبة الأطفال المدفونين بتلك المقبرة يفوق 65 % من مجموع القبور . مما يعني ارتفاع أعداد الوفيات بين الأطفال ، واحتمال أن تكون تلك النسبة مرتبطة بوفيات الأطفال أثناء الوضع / الولادة . بالمدينة رأيت مركزا للدرك مقابل لمقهيين بمدخل المدينة مباشرة وبالقرب منهما مقر جماعة افريطيسة ، لم أر لا مستشفى ولا ثانوية ولا دور للشباب ، مما يعني أنها إما توجد على مشارف المدينة أو غير موجودة .
لم أر في تانديت طيلة يومين أي متسول أو متشرد ، وهي ملاحظة قد تبدو بسيطة لكنها من وجهة نظري بالغة الدلالة . فبعد عودتي إلى مدينة الدار البيضاء ، كان الوقت متأخرا ، حوالي الساعة الرابعة صباحا . جلست بإحدى المقاهي المقابلة للمحطة الطرقية ، فكان أول ما شاهدته ، ثمانية أطفال قاصرين بعضهم لا يتجاوز العشر سنوات كانوا مقرفصين على جدران إحدى المنازل بثياب قد تقي أي شيء إلا البرد القارص بعضهم يبحث من داخل مكب للنفايات عما يسد الرمق ، جميعهم يستعملون " الشمان بالسيريسيون " كمخدر رخيص يقتلون به ما تبقى لديهم من خلايا الدماغ بعدما قتل النظام بالمغرب وعملائه كل شيء ( الطفولة ، الأحلام ، الكرامة ، التعليم الصحة ، العيش الكريم ، حق الشغل ...) . على الساعة التاسعة صباحا جلست بمقهى أخرى في انتظار الحافلة حوالي نصف ساعة ، قمت خلالها بتعداد عدد المتسولين وجدت أن كل خمس دقائق يدخل متسول أو متسولة إلى المقهى . كلما ازدادت الفوارق الطبقية وكلما حل التدمير الاجتماعي كلما ازداد القهر الفقر ، التشرد والقمع والجوع ...كلما ازدادت حدة الاستغلال والقهر الطبقي الرأسمالي كلما افتقدنا معها الكرامة وعزة النفس وازداد الاستعباد والإذلال وأشياء أخرى ...الأمر لا يحتاج إلى الكثير من الذكاء ولا للكثير من دقة الملاحظة .
تانديت المدينة المنسية لم تكن معروفة ، شخصيا لم اسمع بها من قبل ، مدينة أراد لها النظام أن تكون خارج الخارطة ، خارطته للمغرب / مغربه النافع ، أصبحت في لحظة قبلة للثوريين وتصدرت مواقع التواصل الاجتماعي ووجدنا أخيرا إسمها على صفحات بعض الجرائد المؤثثة لمشهده الاعلامي (النظام) وحتى شاشاته.
ارتبط إسم تانديت وجماعة افريطيسة تحديدا وسيبقى إسمهما مرتبطا بإسم إبنها البطل الشهيد مصطفى المزياني الذي أراد أن يهزم النسيان والقهر والإذلال والتهميش ، فكانت إرادة الشهيد اصلب من إرادة النظام .
استطاع الشهيد المزياني تخليد مدينته في ذاكرة وقلب كل الأحرار برغم ان هذه المهمة لم تكن مدرجة ضمن ملفه المطلبي . صراحة شهادة مصطفى المزياني لم تفضح فقط الطبيعة اللاوطنية اللاديمقراطية اللاشعبية للنظام و لا طبيعة القوى الدائرة في فلكه والأخرى التي تقتات أو تعتاش من آلام وجراح شعبنا من جهة ومن الفتات الذي تستجديه من النظام وطبقاته السائدة . مصطفى المزياني فضح ايضا من يحلم بالثورة ولا يعمل من اجل إنجاز متطلباتها ، وفضح خط وممارسات بعض المناضلين " الشرفاء " ..الشهيد مزياني عرى عن بعض أوجه الواقع المرضي الذي نتخبط فيه والذي تجب قراءته .. الثوري الماركسي اللينيني وحده القادر على قراءة ممارسته قراءة نقدية ..وحده القادر على معرفة شرطه الذاتي والموضوعي دون تضخيم ولا تقزيم ..وحده القادر على مسح المساحيق التي تحاول عبرها التحريفية تغطية تشوهات وجهها الانتهازي ..وحده الثوري الماركسي اللينيني قادر على مواصلة المشوار الصعب ، مشوار المبدئية والصلابة النضالية والموقفية والوضوح النظري في كل مرحلة من مراحل الصراع ...ووحده القادر أيضا على " تدبيج المقالات الممجدة " والمعرفة بالشهيد / للشهداء والموضحة لتضحياتهم وبطولاتهم وفي نفس الوقت يضع المشرط على الجرح ويشير بكل جرأة إلى التقيحات .
شهادة مصطفى المزياني حملت الكثير من معاني الشجاعة والجرأة ونكران الذات ..ألدينا القليل من الحياء لنتعلم منه ونحمل النزر القليل من تلك الصفات الجديرة بكل من يحمل فكره ويسير على خطاه ؟! .
ملاحظة قد تكون ضمن أو خارج السياق :
المقال التالي كان في الأصل محاولة لقراءة نقدية ( ليست بالضرورة سلبية ) للذكرى الأربعينية للشهيد مزياني ، من أجل تجاوز كل السلبيات إن وجدت ( تنظيمية ، لوجيستية ..) وقراءة في بعض الكلمات التي ألقيت والتي نجد ضمنها كلمة أب الشهيد التي كانت معبرة جدا ( وضوحا وصلابة وتكثيفا عميقا لكل مشاعر ومطامح شعبنا و آلامه ) ، ونقضا ( هدما ) وفضحا لبعض الممارسات الانتهازية/ الصبيانية التي حاول بعض شيوخ " النضال الشريف " و" المقيم العام الذي لا يطعن من الخلف " بظهر المهراز تصريفها و ترويجها في الهوامش من الذكرى والمؤسف في حق رفاق تجشموا عناء تنظيم الذكرى بإمكاناتهم المتواضعة و في وضع دقيق وصعب للغاية .
لكن الهجمات المتواصلة ، والتي لم تتوقف حتى الآن من طرف النظام وكل حلفائه / عملائه ضد الموقع الجامعي الصامد ظهر المهراز في محاولة يائسة منه لاجتثاث الفعل الأوطامي و كل الطاقات الماركسية اللينينية المناضلة فيه ، جعل من نشر المقال الأصلي مسألة مستبعدة ولا جدوى من ورائها في العلاقة بحجم الرهانات والمؤامرات .