عبدالله خليفة.. مناضلاً ومفكراً مستنيراً


فهد المضحكي
2014 / 11 / 1 - 16:42     

في مرحلة تشكل وعيه الوطني تبلورت مفاهيمه حول أهمية التحرر الوطني وانجاز مهام الثورة الوطنية الديمقراطية، وفي سبيل النضال ضد سلطة الرأسمال المطلقة والاستغلال واضطهاد الشعوب اخذ دوره الطليعي الماركسي في الدفاع عن مصالح العمال والمهمشين وعن الاشتراكية كطريق لحل المشكلات الاجتماعية الاقتصادية.. في ذلك الوقت وتحديدا في ستينيات القرن الماضي ناضل في صفوف جبهة التحرير الوطني حتى اصبح احد ابرز كوادرها.. عرف السجون والمعتقلات ولم يتراجع عن افكاره الماركسية والاممية كما يفعل اليوم البعض من هو محسوب على اليسار لاسيما أولئك الذين اصبحوا في تبعية للقوى الاصولية الدينية الطائفية اولئك الذين تنكروا لمصالح الشعوب المقهورة ارضاء للأنظمة المستبدة!
في أتون انشغالنا في لجنة تكريم الادباء التي تحولت مؤخرا الى خلية نحل استعدادا لتكريم الروائي المبدع عبدالله خليفة وهو علم من اعلام التنوير والواقعية النقدية وقد استطاع من خلال اعماله الروائية والفكرية ان يبرز مكانه العقل والمنطلق والقوانين المادية في تفسير الظواهر الاجتماعية والثقافية ان يضيف الشيء الكثير للأدب والثقافة والفكر، في اتون ذلك وقع ما كنا نخشاه اذ اختطف الموت فارسنا بعد صراع مرير مع المرض قبل موعد المهرجان نعم فارسنا الذي حرصنا في لجنة تكريم الادباء ان نحتفي به بشكل يليق بفكره وبتضحياته وبعطائه الغزير وبمنجزاته الروائية الزاخرة بأحلام الفقراء وهموم المحرومين وبرسائل المناضلين والقيم الانسانية قد ترجل ولكن فكره المستنير باق معيناً لا ينضب، فما اشد حزننا على رحيله، وما أكثر الابطال الذين نزفوا بصمت وواجهوا العواصف والاهوال في صمت واستمروا في حفر الصخور في صمت ورحلوا في صمت!.
ونحن عندما نتحدث عن المناضل والمبدع عبدالله خليفة فإنما نتحدث عن مثقف عضوي ادرك في وقت مبكر أهمية إيقاظ الوعي السياسي ودور الكادحين والشغيلة واشاعة الديمقراطية وحقوق المرأة.. ما أكثر ما يثيره فقيدنا في مؤلفاته الكثيرة عن مخاطر الحكم المستبد والشقاء والفرح والاغراب في ظل الاستعمار والرجعية والعولمة المتوحشة.. نعم هكذا كانت مؤلفاته وهي تعبر عن الفكر العلمي المتجدد المتحرر المتقدم في مواجهة الانظمة الفاسدة وقوى الظلام.
وهكذا ينقلنا عبدالله خليفة الى محطة نوعية استمدت مشروعيتها من العملية النقدية للنص الديني المقدس وكتب التراث التي ساهمت بشكل كبير في خلق الوعي الارهابي العنيف دفاعا عن الحقيقة المطلقة والعصور الغابرة!
وفي بحثه عن آفاق العقل والعقلانية والعلمانية كانت رؤيته عن كتب التاريخ والحياة عامة في ارتباط عميق مع المادية الديالكتيكية والتاريخية.. كان باحثا متميزاً دون ان يخل بشروط البحث العلمي والتاريخي، وبالحوار الموضوع والنقد البناء وأهمية التنوع والتعدد والاختلاف.
عبدالله خليفة الملتزم بقضايا الشعوب المضطهدة وبالدفاع عن الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان كان في التسعينيات في مقدمة العريضة النخبوية المطالبة بإطلاق سراح المعتقلين وعودة المنفين وإادة الحياة البرلمانية.. كانت ابداعاته تتدفق قيما اجتماعية وجمالية راقية.. كان مناهضا للعنف والارهاب والاسلام السياسي بكافة ألوانه.
لم يكن غريبا ان تصدر كل تلك الاثارة والتحريض والاتهامات بالكفر والخيانة بحق عبدالله خليفة ورجال الفكر والثقافة المستنيرة الذين انحازوا في معارك التنوير الى الديمقراطية والتعدد والتقدم.. لم يكن غريبا ان يتعرض عبدالله خليفة الى تلك الهجمة الشرسة التي شنها المتأسلمون لقناعته السياسية والفكرية التي تنتقد دكتاتورية الولي الفقيه ومرشد الجماعة، وتقول بضرورة فصل الدين عن السياسة والدولة، واعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله.
ولعل هذا يذكرنا تلك الهجمة الاسلاموية على خلفية مقال «ثقافة الخرافة والتعصب» الذي اشار فيه الى الفلم المسمى بنوح قائلا: «نجد هذه الشخصية مسروقه من التراث العراقي عايشت الطوفان وهي شخصية نجد امثالها في العديد من الملاحم العراقية القديمة في ظل التنوع وكون الفيضانات كوارث طبيعية وعادية وبعضها كبير ومخيف»، وعلى هذا الاساس تم تكفير عبدالله خليفة في حين ان نقده كما يقول للفلم وليس الديانات!
سيظل فكر عبدالله خليفة المستنير متدفقا شامخا في سماء الثقافة التقدمية.
التعازي لأسرته الكريمة ومحبيه.. سيبقى فكره شعله مضيئة لنا وللأجيال اللاحقة.