يعقوب ابراهامي وماركسية الفول والشعير3


حسقيل قوجمان
2014 / 10 / 28 - 13:27     

يعقوب ابراهامي وماركسية الفول والشعير3
(ملاحظة: ترحم يعقوب في تعليق له على الحلقة الثانية من هذا المقال على بوبرلانه مات قبل ان يرى حسقيل قوجمان. وليعقوب تاريخ مع بوبر حين اراد ان يثبت ان قانون الجاذبية هو قانون حقيقي وليس قانونا وهميا. فحاول ان يفند قانون الجاذبية بناء على تعريف بوبر للقانون الحقيقي فانزل غصنا من شجرة التفاح مع تفاحة الى الارض ولم تسقط التفاحة وبذلك نجح في تفنيد القانون ونسي انه لو زلت قدمه عند هبوطه من الشجرة لسقط هو والغصن والتفاحة معا بفعل قانون الجاذبية. لا تعليق).
"المادية الديالكتيكية هي فلسفة وعمر الفلسفة هو تقريباً كعمر التفكير البشري. أما العلم (بمعنى Science كما نعرفه في العلوم الطبيعية وعلى رأسها الفيزياء) فهو حديث العهد نسبياً في تاريخ الفكر البشري. العلم (بمعنى Science) ظهر إلى الوجود قبل حوالي 400 سنة فقط".
الحمد ليعقوب لانه غير رايه عن المادية الديالكتيكية من خرافة الى فلسفة وبين ان تاريخ الفلسفة كتاريخ التفكير البشري وطبقا لذلك ان المادية الديالكتيكية موجودة كفلسفة وليست كخرافة. اذ اذا كانت فلسفة يمكن ان تكون فلسفة مادية او فلسفة مثالية، ويمكن ان تكون فلسفة خاطئة ام فلسفة صحيحة ولكنها على كل حال لا يمكن ان تكون خرافة. ولكن لماذا تكون الفيزياء على راس العلوم الاخرى؟ فبماذا تمتاز الفيزياء على علم الطب او الكيمياء العضوية او حتى علم الفلك والجيؤولوجيا؟
واذا ظهر العلم الحديث الى الوجود قبل حوالي 400 سنة فما عمر العلم القديم؟ هل كان ثمة علم قديم؟ هل كان ابن سينا او طبيب صلاح الدين مثلا عالما؟ الم يكن ارخميدس او مخترعو الجبر في العهد العباسي علماء؟ كل اكتشاف قانون من قوانين الطبيعة يتحول من حركة طبيعية لا يعرفها الانسان الى حركة طبيعية يعرفها الانسان ويتعلمها فتصبح علما يستطيع الانسان استخدامه والاستفادة منه كعلم. ولذلك فان تاريخ العلم يبدأ منذ بدأ الانسان يكتشف ويتعلم اسرار الطبيعة سواء اعتبرنا ذلك علما قديما ام علما حديثا. والا هل نشأ علم الفيزياء مثلا صباح يوم جميل ك Science قبل اربعمائة سنة؟
وكانت الفلسفة المادية طوال تاريخها والصراع الدائم بين الفلسفة المثالية والفلسفة المادية غطاء للعلوم وغير منفصلة عنها. فليس هناك فصل تام بين الفلسفة والعلم بل انهما كانا يتطوران معا خلال عمر الفلسفة والعلوم. وقد اعتبر انجلز المادية الديالكتيكية نهاية الفلسفة.
"ماذا يقصد حسقيل قوجمان إذن ب"علم المادية الديالكتيكية"؟
"يقصد حسقيل قوجمان بعلم المادية الديالكتيكية ان قوانينها هي قوانين كانت تجري في الطبيعة من بشوئها في كل حركة من حركات الطبيعة كان يجهلها الانسان الى ان اكتشفها هيغل وحولها ماركس من ديالكتيك مثالي الى ديالكتيك مادي. ولانها اكتشاف قانون من قوانين الطبيعة فانها علم شانها شان كل اكتشاف قانون من قوانين الطبيعة".
صدق يعقوب لاول مرة في حياته حول ما يعتقده حسقيل. فان جواب يعقوب اعلاه صحيح مائة بالمائة فيما يعتبره حسقيل علم المادية الديالكتيكية.
ولكن يبدو ان يعقوب لا يعتقد اصلا بوجود حركات تجري في الطبيعة الجامدة التي لا دماغ لها ناهيك عن انها تجري وفقا لقوانين المادية الديالكتيكية.
"أو خذوا مثلاً مكتشف الدورة الدموية الذي نسى حسقيل قوجمان اسمه (ويليام هارفي (1578-1657)). حسقيل قوجمان يقول بلغته الخاصة إن هناك علماً اسمه علم الدورة الدموية وهناك عالماً يُلقب بعالم الدورة الدموية."
ليست الدورة الدموية وحدها حركة تجري في جسم الانسان وحتى في جسم يعقوب بدون ان يعرفها الانسان وتجري ليس بالاستقلال عن ارادته وفكره ووعيه وحسب وانما تجري كذلك بالاستقلال عن احساسه فهو لا يشعر بها. كانت الدورة الدموية على سبيل المثال تجري في جسم اول انسان وجد على الكرة الارضية وما زالت تجري وستبقى تجري طالما وجد انسان على الكرة الارضية. ومع ذلك بقي الانسان يجهل وجود حركة في جسمه تسمى الدورة الدموية ملايين السنين الى ان اكتشف ويليام هارفي وجودها في جسم الانسان فاصبحت معرفة وعلما وكان ويليام هارفي الانسان الذي اكتشفها ولذلك فهو عالم الدورة الدموية كما ان اديسن مثلا عالم النور الكهربائي والتسجيلات الصوتية.
ولكن تحول الدورة الدموية من حركة بقي الانسان يجهلها منذ نشوئه حتى اكتشافها لتصبح علما لا يجعل هذه الحركة حركة ارادية بل تبقى حركة مستقلة عن ارادة ووعي وفكر واحساس الانسان. وما يستطيع العلم بعد اكتشافها هو ان يحاول معالجة الامراض التي تعيق جريانها الطبيعي بحيث ان العلم نجح حتى في زراعة اعضاء من جسم سليم في جسم مريض كزراعة القلب لغرض اعادة الدورة الدموية الى مسارها الطبيعي. وعلم الدورة الدموية اليوم يستطيع معالجة كافة معوقات الدورة الدموية كتصلب الشرايين وانسدادها او اختلال حركة الحواجز في بطيني واذيني القلب بعملية مفتوحة للقلب وغيرها من هذه المعوقات. الا يعني هذا ان الاكتشاف قد طور علم الدورة الدموية؟
والدورة الدموية هي واحدة من الاف الحركات التي تجري في جسم الانسان بين اجزاء الجسم والدماغ وبين الدماغ واجزاء الجسم بسرع تقرب من سرعة الضوء. والعلماء يكتشفون بعض هذه الحركات لتصبح علما وحتى ينال العالم المكتشف لها احيانا جائزة نوبل مكافأة على اكتشافه حركة بالغة الاهمية. واشير الى واحدة فقط هي خارطة الجينات التي توصل العلم اليها حديثا.
العلم ذاته حركة ديالكتيكية تجري بموجب قوانين المادية الديالكتيكية اذ يتطور كل علم بدون استثناء تطورا كميا يتحول بعد تطورات كمية عديدة الى تطور نوعي يصبح مرحلة محسوسة في تطوره ويتاثر كل علم بتطورات العلوم الاخرى وليس منفصلا عنها ويؤثر هو بدوره على تطورات العلوم الاخرى. ولولا التطورات الكمية والكيفية المتتالية في اي علم لما امكن بلوع العلم الى مرتبة العلم الحديث. وهذا ينطبق على علم الفيزياء الحديث والكيمياء الحديث وعلم تطور الحياة الجديد وعلى كل العلوم بدون استثناء. وتاريخ العلوم جميعا تاريخ معروف ومسجل بتحولاته الكمية والنوعية وشخصياته.
"وفقاً لهذا المنطق - بماذا سنلقب، في اللغة القوجمانية، مكتشف القارة الأمريكية كولومبوس؟ هل سنلقبه بعالِم القارة الأمريكية؟ هل هذا كلامٌ جدي؟"
هنا ايضا يعرب يعقوب ابراهامي عن جهله المطبق وعدم تمييزه بين الحركة التي تجري في الطبيعة وبين الطبيعة ذاتها. فهو يجهل او يتجاهل الهدف من رحلة كولومبوس الذي جعل ملكة اسبانيا تتحمل نفقات اعدادها وتمويلها، هدف الوصول الى الهند في الاتجاه الى الغرب بدلا من الاتجاه الى الشرق استنادا الى نظرية كروية الارض ولذلك سميت الجزر التي عثر عليها كولومبوس قبل الوصول الى اميركا جزر الهند الشرقية.
وسؤال يعقوب هذا يدل على انه يجهل الفرق بين حركة طبيعية بقي الانسان جاهلا لها ملايين السنين مثل كروية الارض وبين اكتشاف قارة موجودة بسكانها وحضاراتها وتاريخها سوى ان سكان اوروبا واسيا لم يصلوها ولم يعرفوها كما ان سكان اميركا لم يصلوا ولم يعرفوا اوروبا واسيا. كولومبوس هو مكتشف القارة الاميركية وليس مكتشف حركة طبيعية كان الانسان يجهلها. هذا الاكتشاف الذي حول رحلة كولومبوس الى عملية نهب الذهب الاميركي ثم الى احتلال اميركا واقتراف ابشع واكبر حرب ابادة في تاريخ البشرية.
"وبعد ذلك يغضب حسقيل قوجمان عندما نقول له أننا لا نفهم ما يقول ..." لو كنت اغضب من تهجمات يعقوب لما عشت حتى هذا العمر. انا لا اعير اي اهتمام لتخرصات يعقوب لانه لم يسمع او يعرف بوجود ادب للحوار وما يتعداه يصبح مجرد اعتداء على شخصية الكاتب الذي يخالفه. واعتقد ان يعقوب هو الذي يجب ان يغضب لان حسقيل لم يجاره في اسلوبه ولم ينحط الى لفظ او كتابة كلمة واحدة يمكن ان تكون تهجما على شخصيته.
كيف يستطيع يعقوب ان يفهم ما اقول وهو بهذه الدرجة من الجهل لحركات الطبيعة وقوانينها ولحركات جزء الطبيعة البشري وقوانينها ولمعنى الحركة المادية الديالكتيكية وعلميتها؟