إطلاله على مدرسة فرانكفورت -2- -رؤية ماركسية-


وليد فتحى
2014 / 10 / 18 - 10:23     

لكى ندرك جيدا مفاهيم ورؤى مدرسة فرانكفورت فمن الضروروى أن ندرك أن دمج الفلسفه مع الواقع من الأسس الجوهرية فى أى فلسفة مادية ،ولإن الماركسية نظرية وفلسفه مادية فجميع الكتابات والأعمال الفكرية سواء الفلسفية أو الأقتصادية فى مدرسة فرانكفورت تحقق هذا الشرط ،فماركس قال (لا يمكنك أن تتجاوز الفلسفة دون أن تحققها) فإذن الفلسفة المادية ليست مجرد نزهه عقلانية براجوزاية وإنما هى مرشدا للعمل الثورى وأداه من أدوات تحليل الواقع المادى على أسس علمية .
والجانب الآخر لتوضيح الأسس الفكرية لمدرسة فرانكفورت هو حتمية التفكير المادى بصورة جدلية ‘ فالمادية هى الأفراز بالأشياء ذاتها ،فالأفكار والأحساسات نسخ أو صور لتلك الأشياء أنما على العكس فى المثالية فهى تقول أن الأشياء تراكيب من الأحساسات ،وبخصوص هذا النمط الفكرى الالزامى فى النظرية الماركسية فقد قام المفكر الماركسى من ضمن مفكرين مدرسة فرانكفورت وهو (كارل كورش) بنقد كتاب لينين - المادية النقدية التجريبية فى كتابه (الماركسية والفلسفة ) المنشور عام 1930م فأنه ينظر الى لينيين عندما رصد الأنتقال من الجدل المثالى عند هيجل الى مادية ماركس وأنجلس على أنه لايزيد عن كونه مجرد تبادل ساذج ،ألا المسأله أعمق من ذلك التحليل الوضعى فالجدال مابين المادية والمثالية كان مستمرا ومازال وفى صراع فى فترات تاريخية متعددة ولكن تم هدم الفكر المثالى فى مرحلة تاريخية معينه عندما ظهر ماركس بكتاباته فى موسوعه رأس المال لأن الواقع فعليا تجاوز الأنماط المثالية فى التفكير ذاته لأن فكره التمرد والثورة بشروطها الموضوعية كانت قد أختمرت فى أذهان الشعوب فى أوروبا أبان الثورة الصناعية وأرهاصات تلك الثوره فى كومونه باريس والأنتفاضات المتتالية فى المانيا وتمرد عمال مصانع النسيج فى إنجلترا ورؤى ومفكرين الساسه الأشتراكيين فى فرنسا وبالتالى أنتصر المنهج الجدلى المادى لتوصيفه وتحليله للواقع ذاته ـ وعندئذ لم تعد المادية مجرد موقف مضاد بل الجوهر المنهجى لنقد المثالية من خلال رؤيتها الواقعية .
فنستطيع أن نقول أن مدرسه فرانكفورت الفكرية نشأت بصوره أساسية بسبب الثورة الألمانية المهزومه وواقعها المادى .
وقد عبر المفكر الماركسى فى مدرسة فرانكفورت (أدورنو) فى كتابه - جدل النفى - بأن الفلسفة التى بدت مهجورة فى وقت من الأوقات لأنها كانت تخاطب العقلية البراجوازية بعيدا عن هموم الشعوب على المستوى الأقتصادى والأجتماعى ولكن آن الأوان لتحقيقها الفعلى على المستوى الواقع وتأثيره على الأنسان لمخاطبتها الواقعى ،فهى فى الماضى كانت مفتقدة للتواصل مع غالبية الشعوب لأفتقادها المادية الواقعية .
ومن ضمن أطروحات الفكرية فى مدرسة فرانكفورت بأنها ناقشت مسأله الفاشية حيث تفسيرها لوجود تلك الظاهرة التاريخية على أساس تناقضات الرأسمالية ،ففى الماضى كانت الرأسمالية ذاتها هى العدو الوحيد فى تطبيق الأشتراكية ،ولكن تظهر الرأسمالية من خلال تعميق تحليلها على أسس واقعية مادية بأنها أخطبوط لها بضعه أزرع تشكل تبعات الرأسمالية ذاتها .
وفى مسأله أخرى من ضمن أطروحات مدرسة فرانكفورت الفكرية هى مسأله العلم والتكنولوجيا فهذه المسأله تحديدا فمن الممكن أن تكون سبب فى تقهقر وعى الأنسان وليس تقدمه لأن الأساس ليس فى الجانب المادى فى وجود العلم والتكنولوجيا ذاتها وأنما فى تطور وعى الأنسان ذاته فى واقعه الفكرى من خلال معاشه الأقتصادى ،فالأنسان الفقير الذى يعانى من حياه الكفاف لا يستعمل تلك التكنولوجيا إلا فى ظل معايير الرأسمالية بصورة ميكانيكية غير واعيه ولكن يظل وعيه مسيطرا عليه الأغواء الفكرى من خلال مؤسسات الدين ورجعية المؤسسات الحاكمه حتى تساهم فى نشر تزييف الوعى وتجهيله تماما ،وعلى هذا النحو تظهر الفلسفة داخل أطار المفاهيم الأقتصادية وتأثيره على الأنسان لأن وعى الأنسان يتطور من خلال وجوده الأجتماعى ،وهذا الوجود يشكله الأقتصاد وليس كما تقول الفلسفات المثالية بأن الأنسان يشكل وعيه من ذات نفسه ولا تأثير معاشه الأقتصادي عليه وأنما بالتصميم والأراده التى تساهم فى بنائها الرأسمالية ودعواتها لأكتشاف الذات ..
فمن الشروط الجوهرية لأدراك الأنسان أسس الفلسفة المادية ليس فقط أكتشافه وجوده الأجتماعى من خلال ممارسه الواقع لأن ملايين من الفقراء يدركون جيدا فقرهم ومعأناتهم اليومية ولكن هذا الشرط الجوهرى يتحقق حتما فى التنظيم الثورى للمجتمع ،فيقول هيجل أن (الحقيقة هى الكل)ولكن يطرح المفكر الماركسى - آدورنو- قكره أن (الكل زائف ) فهو يدحض المنهج الجدلى المثالى لهيجل فى نقطة محورية هامه وهى أن المظاهر غالبا تكون خادعه وغير حقيقية وليست معبرة عن الواقع المادى تماما وبالتالى تنعكس عباره هيجل (الحقيقة هى الكل ) الى (الكل هى الحقيقه) فلا يمكن أذن للنظرية النقدية للمجتمع أن تكون صحيحة إلا عن طريق التعبير الثورى المباشر عن هذا الزيف وفضحه بشكل دورى ،وفى النهاية لا يمكن محو الزيف إلا عن طريق الثورة الإجتماعية ..
فالواقع أن الثورة ليست مجرد دعوه ثورية تتم رفعها فى الميادين عن طريق الطليعه أو حتى محاولات أقناعهم لأصحاب المصلحة الثورية من أجل العدل الإجتماعى والحرية والخلاص الجماعى من الظلم والإستبداد والطغيان ،فالثورة أذن تتطلب مجموعه كاملة من الشروط الموضوعية فهى تتطلب مستوى معينا يتم بلوغه من الثقافة المادية والعقلية ،وطبقة عاملة واعية بذاتها ومنظمه على نطاق أممى ونضالات طبقية حاده ،غير أن هذه الشروط لا تصبح شروطا ثورية إلا اذا أستعملتها وواجهتها نشاط واعى يستهدف الغاية الأشتراكية وبالتالى مقولة (الحتمية التاريخية الإشتراكية ) غير صحيحة بشكل جزئى لأنها تريد أن تشتمل على عدد من الشروط المساعده ولكنها هامه جانبا الى جنب مع الشروط الجوهرية فى الذات والموضوع .
وفى مسأله فلسفية أخرى طرحها المفكر الماركسى (إرنست بلوخ ) فى كتابه - ميراث هذا العصر - تساءل عما اذا كان العالم البرجوازى لم ينتج خلال عهد إنحطاطه ميراثا مفيدا جدليا لأن ثمه معانى ومصطلحات براجوازية من ضمن الفكر الرأسمالى الرجعى مثلا مصطلح (الحرية) فتلك الكلمه التى لا تعنى مضمونها فهى تخدم مصالح الرأسمالية البالية حتى تسيطر على المجتمع لمصالح السلطة ووحشيتها ..