أكاذيب حول تاريخ الاتحاد السوفياتي ..الجزء 3


رفيق عبد الكريم الخطابي
2014 / 10 / 10 - 21:34     

7 ـ روبير كونكيست في قلب الأسطورة:
هذا الرجل، يتم الاستشهاد به على نطاق واسع في الصحافة البرجوازية ، هذا الوسيط الروحي للبرجوازية والمدافع فعليا عن نظامها . يستحق من طرفنا انتباها خاصا . روبير كونكيست هو أحد كاتبين ممن كتبوا كثيرا عن الملايين المفترضة من الوفيات الناجمة عن المجاعة . إنه يعتبر بالفعل أصل ومصدر الأساطير والخرافات الرئيسية التي نسجت حول الاتحاد السوفيتي والتي شاعت بعد الحرب العالمية الثانية . لقد عرف كونكيست بداية عبر كتابه (الرعب العظيم The Great Terror) (1969)، ثم بكتاب " الحصاد الدامي ـ أو حصاد الألم ـ 1986" . كتب روبير كونكيست عن الملايين من الناس الذين ماتوا بسبب المجاعة في أوكرانيا وفي معسكرات السخرة أوالأعمال الشاقة وخلال المحاكمات الكبرى إبان 1936-1938، باستخدامه لأجل ذلك كمصادر معلومات المنفيين الأوكرانيين الذين يعيشون في الولايات المتحدة و ينتمون إلى أحزاب اليمين ، وهم أناس سبق أن تعاونوا مع النازيين خلال الحرب العالمية الثانية . العديد من أبطال كونكيست هم معروفون جيدا كمجرمي حرب سابقين والذين قادوا وشاركوا في إبادة اليهود الأوكرانيين عام 1942 . ميكولا لوبيد Mykola Lebed أحد تلك الشخصيات ثبت كونه مجرم حرب بعد نهاية الحرب العالمية . كان مايكولا لوبيد قائد الامن في لفوف تحت الاحتلال النازي وقاد فظائع الاضطهاد الرهيب ضد اليهود في عام 1942 . في سنة 1949، استعادت وكالة المخابرات المركزية CIA ميكولا لوبيد وأرسلته إلى الولايات المتحدة حيث عمل كعميل مخابرات للتضليل.

كتب كونكيست تتميز بأسلوب عنيف و بمعاداة متطرفة للشيوعية . في كتابه لعام 1969 ، كونكيست يروي بأن عدد الذين ماتوا بسبب المجاعة في الاتحاد السوفياتي ما بين 1932 و 1933 يصل إلى ما بين 5 و 6 ملايين نسمة ، نصفهم أوكرانيين . ولكن في عام 1983 ، خلال الحملة المعادية للشيوعية التي أطلقها ريغان، كونكيست مدد فترة المجاعة حتى عام 1937، وضخم عدد الضحايا إلى 14 مليون ضحية ! مثل هذه التأكيدات تمت مكافأتها بسخاء : في عام 1986، كلف من طرف ريغان خلال حملته الرئاسية ، بصياغة نصوص أو أوراق لمساعدته على إعداد الأمريكيين تحذيرا من غزو سوفياتي . الوثيقة المعنية كانت تحت عنوان : "ماذا تفعل عندما يأتي الروس - دليل البقاء على قيد الحياة "! هو كلام غريب وعمل أغرب لأستاذ التاريخ!

ولكن الحقيقة هي أنه لا يوجد شيء غريب في كل ذلك ، من هذا الرجل الذي قضى حياته كلها في نشر الأكاذيب والأضاليل والتزوير ضد الاتحاد السوفيتي و ستالين ، بدءا بصفته عميلا للمخابرات ، ثم ككاتب وأستاذ في جامعة ستامفورد في ولاية كاليفورنيا . ماضي كونكيست تم تناوله من طرف الجارديان اللندنية ، في 27 يناير 1978، ضمن مقال كشف أنه كان عميلا سابقا بقسم التضليل بالمخابرات البريطانية ، أي " قسم البحوث والتحقيقات، (Information Research Department (IRD " افتتح IRD في 1947 (كان يطلق عليه في الأصل مكتب الإستعلام الشيوعي). وكانت مهمته الرئيسية هي مكافحة النفوذ والتأثير الشيوعي في جميع أنحاء العالم ، بنشر وإشاعة قصص وروايات بين السياسيين والصحفيين وغيرهم ممن يمكنهم التأثير على الرأي العام . أنشطة IRD تم إنجازها بشكل جيد للغاية ، سواء في إنجلترا أو خارجها. عندما تم حل IRD رسميا في عام 1977 بعد افتضاح صلاته مع اليمين المتطرف ، تبين أن بالمملكة المتحدة وحدها ، كان هناك أكثر من 100 صحفي مشهور على اتصال ب IRD كانوا يطلبون مواضيع لمقالاتهم بانتظام . لقد كانت القاعدة بالنسبة للعديد من الصحف البريطانية مثل صحيفة فاينانشال تايمز، التايمز، الايكونومست، ديلي ميل، ديلي ميرور، الإكسبرس، والجارديان وغيرها. الحقائق التي كشفت عنها صحيفة الغارديان تعطي مؤشرا عن الطريقة التي نجحت من خلالها مصالح الاستخبارات في توظيف الصحف والوصول إلى جمهور واسع.

عمل روبرت كونكيست لصالحIRD حتى عام 1956 . "عمل" كونكيست تركز واستهدف كتابة ما يفترض أنه "التاريخ الأسود" للاتحاد السوفيتي ، مشكلا من قصص كاذبة ومفبركة ، تم إطلاقها وتوزيعها على صحفيين وأشخاص آخرين قادرين على التأثير على الرأي العام . بعد تركه شكليا ل IRD ، واصل كونكيست كتابة الكتب بطلب من IRD بدعم مصالح المخابرات . كتابه " الرعب العظيم "، وهو نص كلاسيكي لليمين ارتكز على موضوع الصراع على السلطة في الاتحاد السوفياتي في عام 1937، كان في الواقع مجموعة من النصوص المكتوبة عندما كان يعمل لحساب المخابرات. تم انهاء صياغته ونشره بدعم من IRD .
ثلث تكاليف الطباعة والنشر تم تمويله بواسطة بريغر بريس Praeger press المتخصصة عادة في نشر وتوزيع الكتب ذات المصادر المخابراتية CIA . كتاب كونكيست كان موجها بالخصوص إلى " الأوغاد النافعين " من جامعيين وصحفيين وإعلاميين بالإذاعة و التلفزيون ، كي يضمن لهذه الأكاذيب ( أكاذيب كونكيست واليمين المتطرف) الاستمرار في الانتشار على نطاق واسع بين السكان . حتى الآن، لا يزال كونكيست بالنسبة ل "مؤرخي " اليمين واحدا من أهم مصادر الأكاذيب حول تاريخ الاتحاد السوفياتي .

8 ـ ألكسندر سولجينتسين

شخص آخر يتم ربطه مرارا وتكرارا بالكتب والمقالات التي تتناول الملايين المفترضة أنهم فقدوا حياتهم أو حريتهم في الاتحاد السوفياتي : هو الكاتب الروسي الكسندر سولجينتسين . أصبحت لسولجينتسين شهرة كبيرة في العالم الرأسمالي في أواخر 1960 مع كتابه " أرخبيل الغولاغ L’Archipel du goulag " . هو نفسه كان قد حكم عليه في 1946 بثماني سنوات سجنا في أحد معسكرات الأعمال الشاقة لنشاطه المعادي للثورة ونشر دعاية معادية للسوفيات . وفقا لسولجينتسين الحرب مع ألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية ، كان من الممكن تجنبها إذا ما توصلت أو سعت الحكومة السوفييتية إلى الاتفاق أو حل وسط مع هتلر. سولجينتسين اتهم الحكومة السوفيتية وستالين بأنها مسؤولة أكثر من هتلر على كل العواقب الوخيمة للحرب على الشعب السوفييتي . سولجينتسين لم يخف تعاطفه مع النازيين . لقد أدين في تلك الحقبة باعتباره خائنا .
سولجينتسين بدأ عام 1962 في نشر كتبه في الاتحاد السوفياتي بموافقة ومساعدة نيكيتا خروتشوف. أول كتبه التي نشرها هو " يوم في حياة إيفان دينيسوفيتش " ، الذي روى قصة أحد السجناء . خروتشوف استخدم نصوص سولجينتسين لمحاربة التراث الاشتراكي إبان حقبة ستالين . في عام 1970، حصل سولجينتسين على جائزة نوبل للآداب عن كتابه " أرخبيل الغولاغ ". ابتدأت كتبه عنذئد في الطباعة والانتشار على نطاق واسع في البلدان الرأسمالية . كاتبها أصبح من الأدوات الأكثر فعالية بيد الإمبريالية لمحاربة الاشتراكية في الاتحاد السوفياتي . نصوصه حول معسكرات العمل القسري أو الشاق انضم إلى الدعاية عن الملايين الذين من المفترض أنهم ماتوا في الاتحاد السوفياتي، وقدمت من طرف وسائل الإعلام على أنها الحقيقة . في عام 1974 ، تخلى سولجينتسين عن جنسيته السوفييتية وهاجر إلى سويسرا ثم إلى الولايات المتحدة . في ذلك الوقت، تم اعتباره من قبل الصحافة الرأسمالية كأعظم مقاتل من أجل الحرية والديمقراطية . تعاطفه مع النازية وميولاته النازية تمت تخبئتها حتى لا تعيق الحرب الدعائية ضد الاشتراكية.

في الولايات المتحدة، سولجينتسين غالبا ما كان يدعى للمؤتمرات والملتقيات الهامة . على سبيل المثال، في عام 1975 حضر كمتحدث أساسي في مؤتمر اتحاد " AFL-CIO " ( مؤتمر منظمات الصناعيين Le Congress of Industrial Organizations) . يوم 15 يوليو 1975 م تمت دعوته لإلقاء محاضرة عن الوضع العالمي في مجلس الشيوخ بالولايات المتحدة الأمريكية ! ندواته عنيفة للغاية ومليئة بالاستفزاز، دعما ودعاية للمواقف الأكثر رجعية . ضمن أشياء أخرى ، خاض حملة دعائية للقيام بهجوم أخر على فيتنام بعد انتصارها على الولايات المتحدة الأمريكية . وعلى نفس المنوال ، بعد 40 عاما من الفاشية في البرتغال ، عندما وصل ضباط يساريين في الجيش إلى السلطة في عام 1974 بتزامن مع ثورة شعبية ، بدأ سولجينتسين القيام بحملة للتدخل العسكري الأميركي في البرتغال لأن ،من وجهة نظره، هذه البلاد سوف تنضم قريبا إلى حلف وارسو إذا لم تتدخل الولايات المتحدة ! كما أعرب سولجينتسين في محاضراته عن أسفه ورثائه لاستقلال المستعمرات الأفريقية التي كانت بحوزة البرتغال .

ولكن من الواضح أن محور تفكير سولجيستين والركيزة الأساسية لكل خطابه ، كان حربه القذرة والتي لا هوادة فيها ضد الاشتراكية ، انطلاقا من مزاعمه حول ملايين الأشخاص الذين أعدموا في الاتحاد السوفيتي ، وصولا إلى عشرات الآلاف من الأمريكيين المفترض وجودهم في السجن ومستعبدين في الشمال الفيتنامي ! فكرة سولجينتسين بكون أمريكيين تم استخدامهم كعمال سخرة وضمن الأعمال الشاقة في شمال فيتنام ، تم استعمالها كفكرة لسلسلة أفلام رامبو حول حرب فيتنام . الصحفيون الأمريكيون الذين تجرؤوا على الكتابة لصالح السلام بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي اتهموا سريعا من قبل سولجينتسين بكونهم خونة محتملين . كما دعم سولجينتسين أيضا سباق التسلح ضد الاتحاد السوفياتي ، الذي كان ، حسب قوله ، أكثر قوة " من ناحية الدبابات والطائرات ب 5 إلى 7 مرات بالمقارنة مع الولايات المتحدة ". كما ادعى أيضا أن الأسلحة النووية التي كانت بحوزة الاتحاد السوفياتي عددها أكثر بثلاث إلى خمس مرات ، عدد ما تتوفر عليه الولايات المتحدة . نظرة سولجينتسين إلى الاتحاد السوفييتي تمثل وجهة نظر اليمين المتطرف . ولكنه ذهب إلى أبعد من ذلك في دعمه المفتوح للفاشية.
9 ـ دعم فاشية فرانكو
بعد وفاة فرانكو في عام 1975 ، بدأ النظام الفاشي الاسباني يفقد السيطرة على الوضع السياسي . في أوائل عام 1976، اجتذبت الأحداث في اسبانيا انتباه الرأي العام العالمي . كانت هناك إضرابات ومظاهرات للمطالبة بالديمقراطية والحرية. اضطر خليفة فرانكو ، الملك خوان كارلوس ، للبرلة (من الليبرالية) البلاد بهدوء شديد لتهدئة الاضطرابات الاجتماعية.
في هذه اللحظة الهامة من التاريخ السياسي الإسباني ، وصل الكسندر سولجينتسين إلى مدريد، وأدلى بتصريح في مقابلة ببرنامج " -dir-ectí-;-simo" مساء السبت 20 مارس، وفي وقت الذروة (انظر الصحف الاسبانية : ABC و YA بتاريخ 21 مارس 1976). سولجينتسين، الذي كان يتوفر على الأسئلة مسبقا ، استغل هذه الفرصة وتلك المنصة لإلقاء كل أنواع التصريحات الرجعية . لم تكن نيته ورغبته دعم التدابير الليبرالية المفترضة للملك . على العكس من ذلك ، سولجينتسين وقف موقف المعارض لاي إصلاحات ديمقراطي . خلال مقابلة تلفزيونية له صرح بأن 110 ملايين من الروس لقوا حتفهم بسبب الاشتراكية ، وقام بعقد مقارنة بين "العبودية التي يرزح تحتها الشعب السوفييتي مع الحرية التي تتمتع بها اسبانيا ". أدان سولجينتسين أيضا "الدوائر التقدمية " واعتبرهم "طوباويين" لكونهم لا يرون سوى الديكتاتورية في اسبانيا . قصد ب " بالدوائر التقدمية "، كل المعارضة الديمقراطية : أكانوا ليبراليين أواشتراكيين ديموقراطيين أو شيوعيين . سولجينتسين أضاف : " في الخريف الماضي ، كان الرأي العام العالمي يشعر بالقلق حول مصير الإرهابيين الاسبانيين [ يعني بهم الإسبان المعادين للفاشية الذين حكم عليهم بالإعدام من قبل نظام فرانكو] عبر المطالبة بالاصلاح السياسي الديمقراطي ، الرأي العام التقدمي يدعم الأعمال الإرهابية " ... " أولئك الذين يريدون الإصلاح الديمقراطي السريع هل يعرفون ماذا سيحدث غدا أو بعد غد ؟ في اسبانيا يمكن تبنى الديمقراطية غدا ، ولكن بعد غد هل نستطيع منع السقوط من نظام الديمقراطية إلى نظام شمولي ؟ " . وردا على الأسئلة الحذرة والخجولة للصحفيين حول موضوع ما إذا كانت تصريحاته قد يفهم منها انه يؤيد أو يدعم أنظمة حيث لا يوجد بها أي شكل من الحريات، أجاب سولجينتسين :" أنا أعرف مكانا واحد فقط حيث لا توجد أي حرية، إنه روسيا ".
تصريحات سولجينتسين في التلفزيون الاسباني كانت دعما مباشرا للفاشية في إسبانيا ، أيديولوجية يؤيدها ويدعمها حتى اليوم . إنها أحد الأسباب التي من أجلها سولجينتسين بدأ يختفي من المشهد الإعلامي ومن الحياة العامة بعد 18 عاما من المنفى في الولايات المتحدة ، وأحد الأسباب التي أدت إلى توقيف الدعم الكلي له من طرف الحكومات الرأسمالية . بالنسبة للرأسماليين ، كان سولجينتسين يمثل هدية من السماء منحتهم إمكانية استعمال رجل مثله في حربهم القذرة ضد الاشتراكية ، ولكن لكل شيء حدود معينة . في روسيا "الجديدة" الرأسمالية ، المحدد في دعم الغرب للمجموعات السياسية ، هو ببساطة وبكل تجرد القدرة على عقد صفقات مربحة ومن يقوم بدور جيد في مجال الأعمال ( تجارية ..وغيرها) في روسيا مع أقصى قدر من الأرباح وبحماية من بعض تلك المجموعات . الفاشية كنظام سياسي ليست مناسبة كثيرا لمستقبل روسيا لممارسة الأعمال و"التجارة" . وهذا هو السبب في أن الخطط السياسية لسولجينتسين فيما يخص روسيا سقطت ميتة فليست لديها أي فرصة في الغرب . ما يريده سولجينتسين للمستقبل السياسي الروسي ، هو ببساطة عودة النظام الأوتوقراطي الاستبدادي للقيصر بمساعدة ويدا في يد الكنيسة الأرثوذكسية الروسية التقليدية ! حتى أسوأ الإمبرياليين وأكثرهم عجرفة ليست لديه مصلحة ولم يولي أي اهتمام لدعم مثل هذا الغباء السياسي . لإيجاد أولئك الذين ما زالوا يدعمون سولجينتسين في الغرب يجب البحث في من دخل طي النسيان skinHeards من اليمين المتطرف.
10 ـ النازيون وعملاء البوليس والفاشيين
وهكذا، من بين أشرس وأسوء مروجي الأساطير والخرافات البرجوازية عن الملايين من الضحايا الذين يزعمون بأنهم قتلوا وسجنوا في الاتحاد السوفياتي ، هناك النازي وليام هيرست، والعميل السري روبرت كونكيست وأخيرا الفاشي الكسندر سولجينتسين . كونكيست لعب الدور الرئيسي لأن معلوماته هي التي سوف يتم استخدامها على نطاق واسع من طرف وسائل الاعلام الرأسمالية في العالم أجمع ، واستخدمت كأساس لمواد تدريس ومحاضرات في بعض الجامعات . أعمال كونكيست هي بلا شك ذات جودة عالية جدا من حيث تشويه وتحريف المعلومات والمعطيات . في سبعينيات القرن الماضي ، تلقى كونكويست مساعدة كبيرة من سولجينتسين ومن سلسلة أخرى من الأشخاص من الدرجة الثانية مثل أندريه ساخاروف وروي ميدفيديف . بالإظافة إلى أنه ظهر هنا وهناك ، كثير من الأشخاص، في جميع أنحاء العالم ، المتفانين في المضاربة على عدد القتلى والسجناء في الاتحاد السوفياتي، وكان يدفع لهم بسخاء كبير من قبل الصحافة البرجوازية . ولكن الحقيقة حول هذه المسألة قد كشفت أخيرا ، وكشفت معها عورة هؤلاء المزيفين وفضحت المحرفين للتاريخ والتحريفيين في السياسة وكلهم خدم جبناء للامبريالية والرجعية. قرار غورباتشوف بفتح المحفوظات أو الأرشيف السري للحزب أمام البحث التاريخي، استتبع عواقب لا أحد يمكن أن يتصور مداها .



11 ـ الأرشيف يكشف أكاذيب الدعاية :

المضاربة على الملايين الذين ماتوا في الاتحاد السوفياتي كانت جزءا من حرب الدعاية القذرة ضد الاتحاد السوفياتي ولهذا السبب لم تؤخذ التكذيبات والتوضيحات التي قدمها الاتحاد السوفياتي محمل الجد ، ولم تجد ابدا أي صدى في الإعلام الرأسمالي . بل بالعكس تم تجاهلها ، بينما أعطيت ، ل " المختصين " ، أو المرتزقة الذين باعوا أنفسهم لرأس المال ، كل المساحات وأكثر مما كانوا يطمحون لكتابة أوهامهم . وأية أوهام ! ملايين الموتى والمعتقلين التي ادعاها كونكويست و" انتقادات " أخرى كانت تشترك وتلتقي في نقطة محددة ، كونها حصيلة لإحصاءات تقريبية مغلوطة وتعتمد على مناهج التقييم تفتقر لأي أساس علمي.
كونكيست وسولجينتسين و ميدفيديف وغيرهم استخدموا بعض البيانات والإحصاءات المنشورة من قبل الاتحاد السوفيتي ، على سبيل المثال : إحصاءات ديموغرافية وطنية ، بزيادة نسبة معينة مفترضة إلى عدد السكان دون اعتبار للحدود التي تتغير عبر التاريخ ولا للأوضاع العامة في البلد . بهذه الطريقة ، خلصوا إلى استنتاجاتهم حول عدد السكان الذي كان ينبغي ان يكون في البلد في نهاية بعض السنوات . مجموع الأشخاص الذين يشكلون الفرق بين عدد السكان الفعلي وبين عدد السكان الذي ينبغي أن تصله التقديرات بحساب نسب النمو سوف يتم اعتبارهم ، قتلى أو معتقلين ، والإعلان عن كونهم ضحايا النظام الاشتراكي . لقد كان منهجا بسيطا لكنه ايضا مزور ومضلل تماما.
هذا النوع من "الوحي أو الإلهام " أو التضليل حول أحداث سياسية مهمة جدا لم يكن ليتم القبول به لو تعلق الأمر بإحدى الدول الإمبريالية الغربية التي شاركت في تلك الدعاية المسمومة . في بعض الحالات احتج بعض من الأساتذة والمؤرخين على مثل هذا العبث والفبركات . ولكن لما كان الاتحاد السوفياتي هو المستهدف بتلك الدعايات المفبركة والكاذبة ، فقد كان الأمر مقبولا على العموم . أحد أسباب ذلك هو بالتأكيد أن هؤلاء الأساتذة وهؤلاء المؤرخين وضعوا ترقيتهم الوظيفية قبل نزاهتهم المهنية.

وأخيرا، ما هي تقديرات هؤلاء "النقاد" ؟ وفقا لروبرت كونكيست (في تقدير أجري في 1961) قتل 6 ملايين شخص من جراء المجاعة في الاتحاد السوفياتي في بداية سنوات الثلاثينات . في عام 1986 ، كونكيست رفع هذا الرقم إلى أعلى حيث أصبح الرقم 14 مليون قتيل . فيما يخص ما قاله كونكيست حول معسكرات العمل القسري ، في عام 1937 ، وقبل بدء عمليات التطهير في الحزب والجيش وجهاز الدولة ، كان هناك وبحسب أرقام كونكيست ، 5 ملايين من المعتقلين . بعد بدء عمليات التطهير، وخلال سنتي 1937-1938، كان هناك عدد إضافي من 7 مليون سجين ، مما يجعل المجموع يصل إلى 12 مليون معتقل في معسكرات العمل في عام 1939 !. وهذه 12 مليون معتقل بحسب كونكيست كانوا كلهم معتقلين سياسيين! في هذه المعسكرات للأعمال الشاقة كان هناك مجرمين عاديين أي غير سياسيين ، وحسب كونكيست ، يفوق عددهم كثيرا عدد المعتقلين السياسيين . هذا معناه ، مرة أخرى بحسب أرقام كونكيست ، أن إجمالي عدد المعتقلين في معسكرات العمل القسري في الاتحاد السوفييتي يصل إلى ما بين 25 و30 مليون معتقل .
مرة اخرى ، وفقا لكونكيست ، مليون معتقل سياسي أعدموا ما بين 1937 و 1939 و 2 مليون آخرين لقوا حتفهم من جراء الجوع . لقد كان العدد النهائي بحسبه لعمليات التطهير في مابين سنتي 1937 و 1939 هو 9 مليون ، منهم ثلاث ملايين ماتوا في السجن . كانت هذه التقديرات تخضع مباشرة إلى "التكييف الإحصائي" حسب كونكيست للوصول إلى استنتاج مفاده أن البلاشفة قد قتلوا ما لا يقل عن 12 مليون معتقل سياسي ما بين عامي 1930 و 1953 . بجمع أو إظافة هذا العدد إلى تقديرات الذين لقوا حتفهم في سنوات المجاعة لبداية الثلاثينات ، كونكيست وصل بتقديراته أخيرا إلى أن البلاشفة قتلوا 26 مليون شخص . في واحدة من تلاعباته الإحصائية الأخيرة ، كونكويست ادعى أنه في عام 1950 كان هناك 12 مليون من المعتقلين السياسيين في الاتحاد السوفياتي.
الكسندر سولجينتسين استخدم الأساليب الإحصائية ذاتها ، إلى هذا الحد أو ذاك، التي استخدمها كونكيست . ولكن باستخدام هذا المنهج الشبه العلمي أو الأساليب العلمية الزائفة والمؤسسة على قاعدة احتمالات مختلفة ، سيتوصل إلى استنتاجات أكثر تطرفا . قبل سولجينتسين تقديرات كونكيست المتعلقة ب 6 ملايين قتيل جراء مجاعة 1932-1933. ولكن فيما يتعلق بعمليات التطهير من 1936-1939، فانه مع ذلك كان يعتقد أن مليون شخص على الأقل لقوا حتفهم كل عام . سولجينتسين يلخص استنتاجاته بالقول أن الفترة ما بين الزراعة الجماعية " collectivisation de l’agriculture " حتى وفاة ستالين في عام 1953 ، قتل الشيوعيون 66 مليون شخص في الاتحاد السوفياتي . أكثر من هذا يضيف إلى ذلك تحميل الحكومة السوفييتية المسؤولية عن مقتل 44 مليون من الروس خلال الحرب العالمية الثانية أيضا. استنتاج سولجينتسين هو أن "110 ملايين روسي قد ماتوا ضحايا الاشتراكية " . وفيما يتعلق بعدد السجناء، وفقا له، وصل هذا الرقم إلى 25 مليون في معسكرات العمل القسري في عام 1953.

12 ـ غورباتشوف يفتح الأرشيف :

كانت هذه المجموعة "الناذرة من الحسابات " الغريبة الاطوار وهذه الأرقام الخيالية التي عرضناها أعلاه، حصيلة عمل مؤدى عنه بسخاء بالغ ، ونشرت من قبل الصحافة البرجوازية خلال سنوات 60 يات من القرن الماضي ، كما تم تقديمها وعرضها دائما كوقائع حقيقية أو كحقائق أصيلة ، تحصلت وفحصت عبر تطبيق مناهج علمية .
خلف هذه الافتراءات كانت تختبئ أجهزة الاستخبارات الغربية ، وعلى رأسها وكالة الاستخبارات المركزية CIA و MI5 . تأثير وسائل الإعلام على الرأي العام هو من القوة والضخامة بحيث أنه حتى اليوم مازالت هذه الأرقام مقبولة من قبل قسم كبير من الرأي العام في الدول الغربية وتعتبر صحيحة كذلك . هذا الوضع المؤسف والمزري سيتفاقم وسيزداد سوءا . في الاتحاد السوفياتي نفسه ، حيث سولجينتسين وغيره من" النقاد " المعروفين ، مثل أندريه ساخاروف وروي ميدفيديف لم يتمكنوا من العثور على أي شخص يدعم هذيانهم ، سيحدث بعض التغير الملموس في عام 1990 . مع "الصحافة الحرة " الجديدة التي نشأت مع فترة غورباتشوف ، كل من كان معارضا للاشتراكية سيتم تحيته واعتباره إيجابيا ، مع عواقب سلبية . وستزداد التقديرات تضخما بشكل غير مسبوق حول عدد القتلى أو المسجونين في ظل الاشتراكية ، وهو ما أصبح يسمى : الملايين من "ضحايا" الشيوعية.
هستيريا "الصحافة الحرة" الجديدة ستصب الماء في طاحونة أكاذيب كونكيست وسولجينتسين. ولكن في هذا الوقت نفسه ، فتح غورباتشوف أرشيف اللجنة المركزية أمام البحث التاريخي بناء على طلب من هذه الصحافة الجديدة . افتتاح أرشيف اللجنة المركزية للحزب الشيوعي كان أمرا حاسما بالفعل لتوضيح الصورة ولكشف الأبناء [أبناء الثلاثي المشار إليه أعلاه : النازي والعميل والفاشي] ممن يرددون تلك قصص الخيالية والكاذبة وأسلافهم ايضا ، وذلك لسببين : أولا، لأن الأرشيف او المحفوظات تحتوي على الوقائع التي تسمح بمعرفة الحقيقة . وثانيا وهو الأمر الأكثر أهمية هو أن أولئك الذين قد تكهنوا وأطلقوا الأكاذيب والأرقام المضللة على نطاق واسع بشأن عدد من القتلى والمعتقلين كانوا يدعون منذ سنوات أن تقديراتهم ستتأكد في اليوم الذي تصبح فيه المحفوظات العامة متاحة للجميع . كان هذا هو حال كونكيست ، وساخاروف ، وميدفيديف و الآخرين . ولكن عندما فتحت المحفوظات وبدأت نتائج البحوث تنشر، حدث شيء غريب . فجأة ، كل من "الصحافة الحرة" لغورباتشوف ومن سبقها من المضللين والكتبة المأجورين والمضاربين على عدد القتلى والسجناء فقدوا كل الاهتمام بدراسة تلك المحفوظات أو ذلك الأرشيف.


بدأت نتائج البحوث ، حول أرشيف اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الروسي من طرف المؤرخين زيمسكوف Zemskov، و دوجينDougin وكسيلفجيك Xlevjuk ،تظهر في المجلات العلمية في عام 1990، ولكنها ظلت متجاهلة تماما خارجها . نتائج البحث التاريخي يتناقض تماما مع تقديرات "الصحافة الحرة" حول عدد القتلى والسجناء. ومع ذلك ، لم يتم نشر تلك الدراسات . لقد ظلت تتداول فقط في دوائر علمية صغيرة والتي لا يمكن لها ان تتنافس مع الهستيريا الإعلامية . وهكذا ، واصلت أكاذيب كونكيست وسولجينتسين انتشارها ضمن أجزاء كبيرة من الاتحاد السوفياتي السابق . وفي الغرب أيضا ، تم تجاهل دراسات الباحثين الروس كليا حول نظام العقوبات في عهد ستالين ، في الأخبار والتقارير الصحفية كما التلفزيونية.
أفضل طريقة للدخول في مناقشة بعض من أهم جوانب نظام العقوبات السوفياتي ، سنتناول الأسئلة التالية:
1ـ ما هو نظام العقوبات السوفياتي ؟.
2 ـ ما هو عدد السجناء أكانوا سياسيين او غير سياسيين ؟
3 ـ ما هو عدد المتوفين داخل معسكرات العمل القسري ؟
4 ـ ما هو عدد المحكومين بالإعدام قبل سنة 1953 ، وبالخصوص خلال عمليات التطهير من 1937 إلى سنة 1938 ؟
5 ـ ما هو المعدل المتوسط لمدة الاحتجاز ؟
بعد الإجابة على هذه الأسئلة الخمسة وهو موضوع الجزء القادم ، سنناقش العقوبات المتخذة ضد المجموعتين اللتين يشار إليهما عادة عند الحديث عن المعتقلين والقتلى في الاتحاد السوفياتي ، يتعلق الأمر بالكولاك الذين أدينوا في 1930 و انصار الثورة المضادة أو أعداء الثورة الاشتراكية المدانين في سنوات 1936 ـ 1938 .

يتبع..لطفا.


هامش :
(*) البحوث في نظام العقوبات السوفياتي تمثل ، في المجموع ، ما يقرب من 9000 صفحة . مؤلفوها عديدون ، ولكن الأكثر شهرة هم المؤرخون الروس VN Zemskov، AN وOV Dougin Xlevjnik . بدأت أعمالهم تظهر في الغرب بمساعدة من زملائهم من الدول الغربية . كلا العملين المستخدمين هنا هما : بالنسبة للأول نشر في مجلة الفرنسية " التاريخ l’Histoire " في سبتمبر عام 1993 في مقال كتبه نيكولا فيرث Nicolas Werth ، ( مدير الأبحاث في CNRS المركز الوطني للبحث العلمي) . العمل الثاني ، نشر في الولايات المتحدة في مجلة " التاريخ " الأمريكية بواسطة . Arch Getty . J، أستاذ التاريخ في جامعة كاليفورنيا ، ريفرسايد، بالتعاون مع GT Rittersporn الباحث في CNRS ومع Zemskov AN V الباحث في معهد التاريخ الروسي (عضو في الأكاديمية الروسية للعلوم) . وقد نشرت اليوم العديد من الكتب حول هذا الموضوع . أود أن أشير هنا إلى أن أيا من هؤلاء العلماء والباحثين لا يدافع عن النظام الاشتراكي. بالعكس من ذلك لديهم وجهة نظر وميول برجوازية معادية للاشتراكية . البعض منهم حتى رجعيون . يجب أن لا يفترض القراء ما سيكتب أتى من أي "مؤامرة شيوعية " . أراد هؤلاء الباحثون فقط فضح أكاذيب كونكيست، سولجينتسين، ميدفيديف وغيرهم. لقد ظهر أن هؤلاء الباحثين وضعوا النزاهة المهنية فوق كل الاعتبارات الأخرى، وأنهم لا يريدون خدمة أغراض دعائية.
نتائج البحوث الروسية تجيب على كثير من التشكيك حول النظام الجنائي السوفياتي. وركز الباحثون في المقام الأول على عهد ستالين، الأكثر إثارة للجدل.