الحزب الثوري كأداة للتغيير


رامي مراد
2005 / 8 / 22 - 06:28     

في بداية حديثنا حول الحزب الثوري و كونه ضرورة باتت ملحة لانتشال الكادحين و المسحوقين من براثن الرأسمالية و العولمة المتوحشة التي تستولي على قوت الفقراء لبناء فنادق و متنزهات للأغنياء و المستغلين دولا كانت أو أفراد، علينا أن نوضح بأن لكل طبقة حزبها أو أحزابها، و للطبقة العاملة أحزابها، و نقول أحزاب لطبقة واحدة بسبب تداخل الإيديولوجيات داخل الطبقة العاملة و انغراس ممارسات يمينية و ليبرالية أو يسارية انتهازية بما يؤسس لقيادات متسلقة انتهازية تقود الأحزاب من ثوريتها إلى الواقعية القاتلة التي تستوعب الخيانة على أنها وجهات نظر؟؟؟؟. و الآن دعونا نخوض غمار البحث بتساؤلات مشروعة تهدف بنا للوصول إلى صيغة محددة لمفهوم الحزب الثوري الذي نريده و نسعى جميعا و نأمل تبلوره، فما هو الحزب الثوري ؟ هل هو الحزب الذي يعمل في ظل شرعية ونظام إقطاعي أو تبعي ؟ هل هو الحزب الذي يختار السرية ؟ هل هو الحزب الذي يستند ببقائه و قوته من جهات و تجارب خارجية ؟ هل هو ذاك الحزب الذي يولد من رحم الحركة التحريرية الوطنية المنغلقة على نفسها ؟ أم هل هو الذي ينفرز عن حركة تحرر وطنية منفتحة على مختلف الحركات التحررية، و متفاعلة معها؟ إن إشكالية مفهوم الحزب الثوري هي إشكالية لازالت قائمة و ستبقى ، و على الفكر الاشتراكي العلمي أن لا يقف عند المسلمات أو المقولات الجاهزة، بل عليه أن يعمق البحث في هذا الموضوع، و أن يستفيد من مختلف التجارب الثورية في تاريخ و حاضر الساحة العالمية بقصد تحديد مفهوم معمق يهدف إلى وضع الأسس العلمية الصحيحة لبناء حركة ثورية حقيقية تستطيع مواجهة هذه التحولات السريعة و المعقدة على المستوى المحلي و القومي والعالمي، و إلا فإن حركة التحرر الوطنية ستضل طريقها و لن تشكل الرافعة بل ربما ستكون معول هدم لما هو قائم اليوم.
فالحزب الثوري يجب أن يعبر كما أوردنا سابقا عن جموع و جماهير الطبقة العمالية و الفقراء و الفئات المهمشة، فنحن في مجتمعنا محكومون بنظام رأسمالي و تبعي مشوه، تحكمه حفنة من الكمبرادور و المتسلقين التابعين، فوجود ثلة المرتزقة الكمبرادورية هذه يؤشر بالضرورة لتبلور طبقة عاملة ليس بالضرورة بمعناها الشمولي و الأيدلوجي الكامل بل طبقة نقيضة تسعى لحياة خالية من الاستغلال و التمييز، و طبقات كادحة محرومة، وطبقة تتوسط ما بين هذه و تلك، و من طبيعة الكمبرادور التابعة أن استغلالها أبشع من استغلال البرجوازية الأوربية فهدفها الأساسي الذي تستميت لتحقيقه هو تحقيق الأرباح الهائلة و تراكم الثروة الطائلة بشتى السبل و الوسائل و بأبشع أشكال الاستغلال و الاستحواذ على مجمل الربح و فائض القيمة الذي ربما لا يكفي تلك الحفنة لبذخها و إسراف الأموال الطائلة على الكماليات و العيشة المبهرجة دون أي رادع لها نظرا لكونها مستبدة و لا ديمقراطية و ليست وطنية أيضا، وطبقة كهذه لا شك أن معظم الكادحين سيعانون الأمرين منها، وهؤلاء الكادحون هم المستهدفون بكلمة الجماهير في مواجهة البرجوازية التابعة ومن يسبح في فلكها. إن الجماهير المستهدفة بتفعيل الحزب الثوري في صفوفها هي الطبقة العاملة، و الفلاحون الفقراء، و المعدمون، و العاطلون، و أشباه العاطلين و التلاميذ و الطلبة، و الشرائح المتضررة من الكمبرادور و البرجوازية الصغرى و المتوسطة. فهذه الجماهير هي وحدها التي لها المصلحة في تحطيم الهياكل القائمة، و إقامة هياكل نقيضة عن طريق القضاء على علاقات الإنتاج و التوزيع الرأسمالية، و إقامة علاقات الإنتاج و التوزيع الاشتراكية مكانها.
و يبقى التساؤل: من يقود الجماهير الكادحة نحو الهدف الاستراتيجي ؟ إن الطبقات الكادحة تختلف حسب مواقعها في علاقات الإنتاج السائدة، و الطبقة التي تحتل المواقع المتقدمة في علاقات الإنتاج هي الطبقة العاملة، فهي وحدها التي تدير العملية برمتها لأنها هي العنصر الأساسي في قوى الإنتاج و هي التي عانت و لازالت بل اشتدت وتيرة معاناتها من استغلال أرباب العمل و المتنفذين بعد الانتفاضة الحالية و إغلاق السوق الصهيونية في وجهها مما اضطرها تحت استغلال أرباب العمل للعمل أوقات مضاعفة و بأجور بخسة لتتمكن من تامين قوت عيالها و ليتها تستطيع؟. و هي تنتج و لا تأخذ من خيرات إنتاجها إلا جزءا يسيرا لا يتناسب أبدا و متطلبات العيش الكريم، و لذلك فهي الأكثر تضررا، و الأكثر تأهيلا للتسلح بالوعي الطبقي و الأكثر استعدادا لخوض النضال. لذلك فهي فعلا طليعة المجتمع، و طليعة الشعب الكادح، و طليعتيها تجعلها قائدة للطبقات الكادحة الأخرى التي تجد نفسها مضطرة للتضامن معها في نضالاتها. لكن هل تنتظم الطبقة العاملة هكذا تلقائيا ؟ أم أن الوعي يأتي من خارجها ؟ إن أي طبقة مهما كانت مرشحة للنضال، أو لقيادته على صعيد المجتمع ككل لا يمكن أن تكون كذلك إلا إذا توفر لها شرطان:
الأول شرط الوعي الطبقي و الثاني شرط التنظيم. فشرط الوعي الطبقي يأتي إلى الطبقة من خارجها، لأنه من إنتاج العمل الذهني الذي هو من مهمة المثقفين الثوريين أو العضويين الذين يلعبون دورهم في جعل الطبقة العاملة تعي موقعها في علاقات الإنتاج، و تدرك مدى عمق الاستغلال الذي يمارس عليها، و كيف تقاومه في أفق التقليص منه أو القضاء عليه، و بذلك تعي في نفس الوقت أن مقاومة الاستغلال لا تكون إلا بواسطة التنظيم. و لكن أي تنظيم يمكن الطبقة العاملة من انتزاع حقوقها ؟ إن تنظيم الطبقة العاملة يتحدد بتحدد الأهداف منه. فإذا كان الهدف هو التقليص من الاستغلال نجد أن البرنامج يكون مطلبيا اقتصاديا، و التنظيم الذي يصلح لتحقيق برنامج كهذا هو التنظيم النقابي الذي يستقطب حوله مجموع الطبقة العاملة و سائر الكادحين إذا احترمت المبادئ الأربعة التي هي شرط وجوده و استمراره: الديمقراطية، التقدمية، الجماهيرية، الاستقلالية. أما إذا كان الهدف هو القضاء على الاستغلال بكافة أشكاله، فإن التنظيم لا يكون إلا سياسيا، و التنظيم السياسي الذي يقود الطبقة العاملة التي تنتظم في إطاره وفق مبادئ معينة هو: الحزب الثوري الذي يعرف أيضا بحزب الطبقة العاملة.
و هنا و بعد التمحيص الدقيق لتجارب العديد من الأحزاب الثورية التي حققت نجاحات يعتد بها خلصنا إلى ضرورة أن تتوافر عدد من السمات الأساسية لبناء حزب ثوري حقيقي يمثل طموحات و ينظم نضالات الحركة العمالية نحو الخلاص من عفن و سيطرة الكمبرادور و الانتهازية لدينا و هذه السمات كما اجتهد هي:
1- ضرورة أن يؤسس الحزب ليمثل جماهير الكادحين و العمال و الفقراء و المهمشين لأنهم وحدهم القادرين على فهم أهدافهم دون أن يتم احتوائهم و إن وجدت الحاجة لوجود برجوازية صغيرة ضمن إطار الحزب الثوري عليها أن تمارس النقد الذاتي بكل صلابة لتربي ذاتها على الانتماء لمطالب الكادحين.
2- أن يكون الحزب العمالي الثوري طليعة تلك الطبقة بمعنى ليس ضروريا أن تنتمي جميع الطبقة تحت لوائه لكن بالضرورة يجب أن يعبر عن مصالح جميع تلك الطبقة كي يكسب تعاطفها و إسنادها له و لمطالبه و ليحمي الحزب من براثن و مخالب الكمبرادور و الانتهازيين المتربصين به.
3- يجب أن يعبر الحزب الثوري عن جميع مصالح الفئات المهمشة و المستغلة من اصغر قضاياها النقابية و الحياتية إلى أكثرها تعقيدا من السياسية.
4- لابد أن يكيف الحزب نفسه في آخر المطاف، مع الصراع الطبقي في أكثر أشكاله حدة، و هي الانتفاضة الجماهيرية المسلحة.
5- على الحزب الثوري أن يكون جاهزا و مستعدا عند نقطة معينه، للقيام باستعدادات جادة و بناء منظمة كفاحية تستطيع أن تتحول سريعا إلى و ضع مسلح.
لان المنظمة القتالية، لا مكان فيها لشريحة من حملة بطاقات العضوية السلبيين، أو البيروقراطيين المتميزين الآمنين. ولابد أن تكون عضوية الحزب الثوري نشطة و أن تتسم بالتضحية العالية.
6- يجب أن يمارس الحزب الديمقراطية و النقد الذاتي في داخله و يجب أن يتم انتخاب هيئات الحزب من القاعدة إلى القمة بفترات انتخابية ثابتة تتم بمؤتمرات داخلية للحزب تكون محطات تقييم و دافعة للعمل و التقدم إلى جانب انتخاب الهيئات القيادية.
7- يتخذ الحزب الثوري من النظرية العملية و المادية الجديلة أساسا لوحدة إيديولوجيته التي تمهد للوحدة التنظيمية و السياسية و يحافظ الحزب على استقلاليته و عدم الخضوع لأي سلطة كانت برجوازية واضحة أو متسترة خلف ستار الواقعية و الوسطية المصلحية، و يتمسك بخيارات الثورة في التغيير.
بذلك نكون قد اوجزنا ما يمكن أن يؤسس لحزب عمالي ثوري يمثل طبقة المهمشين و المستغلين، مدافع عن قضاياهم و معبر عن طموحهم و تطلعاتهم.