لغةُ التوصيفِ والفلسفة


عبدالله خليفة
2014 / 10 / 3 - 10:29     


يغدو العجز العقلي من الكتابة، تصبح مظاهر للانهيارات السياسية وتقوم بمفاقمتها. الكتابة كقدرات على التحليل العميق لأزمات الواقع تتطلب التشريح والفلسفة وتحويل النماذج الفردية لمواد كاشفة للفئات والطبقات وأشكال تحللها.
الكتابة تغدو هنا منولوجات ذاتية عاجزة عن تعرية كتاب، وسلخ نص، وغياب فئات عن المشاركة في العمل الجماعي العقلي لانتشال الواقع من أزماته.
الشعارات المسيسة السطحية المكرورة هي المظهر البارز لتفسخ عقلي، لا يربط ذاته بالعالم ومجرياته، وكيف تطور، وما هي القوى الكبرى المشكّلة للتغيير.
حتى حين يُقرأ نص يتم قطعه عن النصوص السابقة، وعن محاور الواقع، وتغدو الكتابة ثرثرة، ومظاهر لخلل بنيوي في الفئات الوسطى الصغيرة التائهة، التي تجد أقلاماً عديدة بينها لكنها لا تعبر عنها، أنها ضائعة مثلها.
فقدان القدرة على تحليل النصوص حتى لو كانت أحداثاً سياسية وصراعات يومية، فهي تظهر مسلوخة لا علاقات لها بسببيات الصراع الاجتماعي، وإذا كانت نصوصاً فكرية وأدبية فهي تنأى أكثر.
السببيات الكبرى للتاريخ المعاصر؛ تنوع الرأسمالية العالمية في نوعين يصطرعان بدون قيام تركيب بنائي متجاوز لهما معاً.
فالرأسماليات الشرقية المتخلفة تواصل استنزاف شعوب العالم الثالث وتضيع الثروات في الفساد والمصروفات البيروقراطية الواسعة التي تنشئ فئات طفيلية.
فيما الرأسماليات الغربية تبحث عن فرص الاستغلال المتعاظم.
ربط الكتابة بسببيات التاريخ غير ممكن بسبب تفسخ عقليات الفئات الوسطى الصغيرة وعدم قدرتها على خلق منهج موحد يناقض هلاميتها وتذبذباتها المستمرة، وترنحها بين الفئات العليا والدنيا، والذي يظهر في تقلباتها بين الأشكال الدينية والعلمانية، بين اليسار واليمين وبين الأسطورة والواقع.
الفئات الصغيرة هي المخاض الذي يجمع قوى مشتتة كثيرة، تعجز عن التمسك بفلسفة مادية جدلية أو بمثالية عقلانية.
هي طاقة التعليم وتراكم المعرفة المدرسية بدون تحول نوعي، ليس بسبب المناهج النصوصية فقط بل كذلك بسبب التبعثر الاجتماعي والتوجه نحو اللهو وتضييع المال والأنانية.
تراكم رأس المال الصغير لا يحدث مثل تراكم المعرفة. رأس المال الصغيرة يظل مدهوساً ولهذا يظل تابعاً ضعيفاً لا يرتقي لفلسفة تتطلب حزم المواقف والانتماء للعصر.
هذا يبدو حتى مستوى الكتابة الفردية فالكاتب لا يجمع مواده ويوجهها لتحليل ظاهرة فكرية وسياسية، فهو يثرثر كل يوم في ناحية، المواد الصغيرة تزداد انفلاتا، والواقع يهرب من أصابعه.
ويزداد الواقع غموضاً بالنسبة له وللمراقب، ومن هنا يستحيل ربط نصوص السياسة والأحداث اختراق شبكتها والوصول لمعرفة عميقة.
الفلسفة المحاربة عربياً على مدى قرن عربية تتجلى هنا بعدم القدرة على استعادة تطورها، وتشكيل تحالفات سياسية اجتماعية وتعددية فكرية.
ما يحدث هو تحلل الكاتب والفنان والعالم، ترى وعوده المعرفية الكبيرة في بداية عمره ثم ترى تفسخه في نهايته.