الانسحاب اطباق كامل للحصار


حافظ عليوي
2005 / 8 / 20 - 11:06     

.هل أحد يعطي شيئاً بدون مقابل ؟؟!! وإذا أعطى فلابد أن وراءه أهدافا غير معلنة علينا البحث عنها وفهمها وإدراكها
خطة شارون للانسحاب من غزة هو انسحاب لمصلحة إسرائيل أولا وأخيرا ولا يستهدف أي مصلحة فلسطينية وليس من باب الإيمان المفاجئ بالسلام أو نوع من إظهار حسن النية تجاه الفلسطينيين أو حتى استجابة لنوع من الضغوط العربية من الدول ذات العلاقة الحسنة به أو نوع من الاستجابة لضغط أمريكي يهدف إلى حلحلة المسائل في الشرق الأوسط حتى لا تبدو أمريكا في الوضع المعادي للعرب كل هذه الأمور غير واردة على الإطلاق فالولايات المتحدة الأمريكية أولا لا تضغط على اسرائيل خاصة منذ صعود اليمين الأمريكي الذي يرى قطاع منه أن دعم إسرائيل واجب ديني ثم إن الولايات المتحدة قدمت خارطة الطريق ورغم كل عيوب هذه الخارطة فإن فكرة الانسحاب أحادي الجانب ينسف خارطة الطريق حيث إن هذا الانسحاب يتم بدون التنسيق مع أي طرف فلسطيني.
.فالمؤشر الخطير هو تبني البيت الابيض الاميركي خطة شارون التي تعرف بـ «فك الارتباط» وتسويقها على انها تنازل تاريخي كبير يقدم عليه شارون

وحتى ندرك مدى خطورة خطة فك الارتباط نشير الى أن خطة شارون ليست وليدة اللحظة وانما ملامحها الاولى بدأت تظهر منذ عام 1975 عندما بدأ الاب الروحي لخطة فك الارتباط البروفسور ارنون سوفير بقرع جرس الانذار بشأن القنبلة الديموغرافية. وسوفير ساهم في بلورة الخطة عام 2001. وفي نفس يوم انتخابه استدعى شارون سوفير للقاء معه وبحثا معا خلفية خطة الفصل واسبابها واهدافها وابعادها. وعبر عن موافقته عليها في مؤتمر هرتسيليا في كانون الاول عام 2003 الى ان صادق عليها الكنيست منذ اسابيع عدة!!!!.
أما الحديث عن وجود ضغط عربي على الولايات المتحدة أو ضغط عربي على اسرائيل فإن أحدا لا يكترث بمثل هذا الكلام الحديث إذن عن نوايا إسرائيلية حسنة أو رغبة إسرائيلية في دعم مسيرة السلام المزعومة لا وجود له بل إن شارون صرح للقناة الثانية في التليفزيون الإسرائيلي: "إن فك الارتباط يعني وضع مشروع التسوية على الرف لعدة عقود من الزمن ولينسى الفلسطينيون أي امكانية للتنازل عن شبر من الأرض في الضفة الغربية وغور الأردن" فخطة شارون هي كما قال شارون نفسه " رزمة متكاملة تؤخذ كلها او تترك كلها والخطة كما اقرت تتضمن اقرار مبدئي بالانسحاب واستعداد لاخلاء المستوطنات في غزة واربع مستوطنات في شمال الضفة ولكنها بحاجة الى قرار اخر من الحكومة لتطبيق الانسحاب والاخلاء على ان يتم ذلك على اربع مراحل وليس دفعة واحدة.
والخطة رغم انها تتحدث عن الانسحاب ولكن مضمونها الفعلي كما جاء في وثيقة رسمية اسرائيلية صادرة عن وزارة الخارجية اعادة انتشار تحول غزة الى سجن كبير عن طريق ابقائها تحت الاحتلال سياسيا وقانونيا كما يدل الى ذلك استمرار احتفاظ اسرائيل بالسيطرة على المعابر والموانئ والمطار والحدود والحدود الفلسطينية
وهي جزء من الحل الانتقالي طويل الامد متعدد المراحل وليست مجرد عملية ثأرعلى العمليات الاستشهادية. ولقد طرح شارون هذه الخطة على ابو مازن عام 1999
فإن خروج المحتل من أية أرض فلسطينية أو إخلاء أية مستعمرة هو إنجاز لنضالنا الوطني شرط أن يتم دون ثمن سياسي مقابل ودون أن يرتب على الجانب الفلسطيني أية التزامات إضافية.
وبالتالي لا يمكن لأي فلسطيني حريص إلا أن يرفض هذة الخطة التي تسعي إلي الإجهاز علي المشروع الوطني الفلسطيني عبر إقامة كيان فلسطيني ذو وظيفة أمنية يتم عبرة إعادة إنتاج تجربة أوسلو وقد يتم توسيع هذا الكيان لاحقا إلي التجمعات ذات الكثافة السكانية العالية في الضفة الغربية الموصولة فيما بينها بالأنفاق وبالجسور وبخطوط السكك الحديدية السريعة بينما تبقي المستوطنات الإسرائيلية في الضفة جاثمة علي الأرض الفلسطينية وبينما يتكرس الشتات مصيرا لأغلب اللاجئين الفلسطينيين.
ولكن الرفض المبدئي للخطة الاسرائيلية الأحادية الجانب بفصل قطاع غزة والوعي بأن هذه الخطة ما هي إلا خطة اسرائيلية تهدف إلى الإجهاز علي المشروع الوطني الفلسطيني ولا يمكن لها أن تكون جزءا منه بل نقيضا له لا يعني بأي حال من الأحوال الإستنكاف عن التعامل معها ومع نتائجها أوالترفع عن الاستعداد لإدارة شئون أي منطقة يخليها الاحتلال بل على العكس من ذلك فإن هناك حاجة للتعامل الإيجابي مع نتائج خطة قليل الدسم وكثير السم ، خصوصا مع بدأ تنفيذ الجدول الزمني المعلن عنة لتنفيذها عبر دراسة جوانب الخطة وبلورة تصورات عن إنعكاساتها وأثار ها علي المجالات القانونية و الاقتصادية وقطاعات الخدمات الاجتماعية وعبر الإستعداد لمواجهة التحديات والمخاطر التي ستنتج عن تنفيذ الخطة والإمكانيات والفرص قد تجلبها.
فمنذ الاعلان الاسرائيلي الرسمي عن خطة فك الارتباط في غزة لم يكد يمضي يوم واحد لا نسمع او نقرأ فيه عن مخطط استيطاني جديد في الضفة الغربية او عن مصادرات او عن اجراءات جديدة لتعزيز الحصار المفروض على مدينة القدس ولوضع مواطنيها امام خيار العزل الشامل او التهجير بالجملة.
وبالترافق مع هذه التصريحات سربت وزارة الاسكان الاسرائيلية معلومات عن مخطط لبناء حوالي 6400 وحدة استيطانية جديدة في 8 مستوطنات معظمها حول مدينة القدس. هذا بالاضافة الى الاعلان عن النية لفرض قانون املاك الغائبين على المواطنين المقدسيين العرب
فالحل الاحادي الجانب الذي يريده شارون سيأخذ من ناحية شكل فك الارتباط عما لا يتجاوز 4% من مساحة الاراضي الفلسطينية وهذا ما تشكله مساحة القطاع وسيأخذ من الناحية الثانية شكل تعزيز الارتباط في الضفة الغربية. ومقابل تفكيك 14 مستوطنة واجلاء حوالي 15 الف مستوطن في القطاع سيحاول الاستيلاء على اكثر من نصف مساحة الضفة وتوطين اكثر من 40 الف مستوطن جديد فيها في اقصر فترة ممكنة.
والمحصلة التركيز على موضوع الاستيطان في الضفة الغربية ودعم تهويد مدينة القدس بكاملها، وهو ما حدث قبل وأثناء وبعد خطة فك الارتباط، يقول وزير الدفاع الصهيوني موفاز: "إن خطة فك الارتباط تستهدف إحداث طفرة هائلة في المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية."
فتحول الانسحاب إلى مكسب استراتيجي من خلال تضليل المجتمع الدولي وكسب الوقت لاستكمال بناء جدار الفصل العنصري وتوسيع وتسمين المستعمرات في الضفة الغربية وعزل القدس بحيث تفرض على الشعب الفلسطيني بالأمر الواقع مشروع شارون المعروف باسم "التسوية الانتقالية بعيدة المدى" والذي يتقاطع مع خيار "الدولة ذات الحدود المؤقتة" التي تتشكل من معازل مطوقة بالجدار والمستعمرات من كل جانب وتأجيل التفاوض حول قضايا القدس واللاجئين والحدود الدائمة لسنوات طويلة قادمة إدراكا منها لخطورة استهدافات هذا المشروع التصفوي وتعطيل خارطة الطريق ووضع التسوية برمتها على الرف.

ومعاملة خطة فك الارتباط أحادية الجانب على انها بديل لخارطة الطريق ولا ليست جزءا منها.
وقطع الطريق على إقامة دولة فلسطينية وهو ما عبر عنه مدير مكتب شارون (دوف نايسجلاس) لصحيفة (هآرتس) قائلاً: "إن الهدف من خطة فك الارتباط هو قطع الطريق على إقامة دولة فلسطينية."

إن الاستمرار في البقاء في المستوطنات في غزة لا يتفق مع الحائط الأمني الذي أقامته إسرائيل والذي استهدفت منه وضع سياج أمني حول كل السكان والمدن والقرى الصهيونية ومنع تسلل الفدائيين بالتالي وبديهي أن مسار الجدار لا يمكنه أن يحيط بالمستعمرات في غزة.
وهكذا فإن الانسحاب الصهيوني من غزة يستهدف تحقيق أقصى قدر من الأمن لليهود في فلسطين المحتلة أي أن له أسبابا أمنية أساسا ويستهدف أيضا القضاء على أي أمل فلسطيني في تحقيق دولة أو سلام منقوص أو جزئي.
فهدفها هو التنصل من الاستحقاقات التي تمليها خارطة الطريق على إسرائيل وبخاصة فيما يتعلق بوقف النشاطات الاستيطانية.