عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 5


سلام ابراهيم عطوف كبة
2014 / 9 / 28 - 11:02     

في 26/10/2014 يكون قد مضى عقد كامل على رحيل الدكتور ابراهيم كبة،العالم الاقتصادي المعروف والباحث الاكاديمي والمربي الاجتماعي والوزير السابق في اول حكومة بعد ثورة 14 تموز 1958.

-;- مكتبة الاكاديمية العربية في الدانمارك
-;- بحث في "دراسات في تاريخ الاقتصاد والفكر الاقتصادي"للدكتور ابراهيم كبة
-;- الدكتور عبد العزيز بن علي السديس
-;- الشيخ حسن الجوهري و"الربا فقهيا واقتصاديا"
-;- استعراض التقديم والمقدمة في كتاب د.ابراهيم كبة/"دراسات في تاريخ الاقتصاد والفكر الاقتصادي"



-;- ضمت قائمة مكتبة الاكاديمية العربية في الدانمارك كتاب الدكتور ابراهيم كبة "دراسات في تاريخ الاقتصاد والفكر الاقتصادي"،ولتصفحه يراجع الرابط التالي:

http://www.ao-academy.org/wesima_articles/library-20090604-2066.html
http://www.thanwya.com/vb/archive/index.php/t-500417.html

-;- في دراسة للاستاذ عباس الفياض بعنوان(بحث في "دراسات في تاريخ الاقتصاد والفكر الاقتصادي"للدكتور ابراهيم كبة)يذكر:"يأتي مؤلف د. ابراهيم كبة "دراسات في تاريخ الاقتصاد والفكر الاقتصادي"، الصادر عام 1970 عن مطبعة الارشاد – بغداد، الطبعة الاولى – الجزء الاول، والذي ساعدت جامعة بغداد على طبعه، ويحتوي على 560 صفحة من الحجم المتوسط، متضمناً مقدمة حول مواد الكتاب في صفحة 7 الى صفحة 48، والقسم الاول تحت عنوان "تاريخ الاقتصاد" من 49 – 262) صفحة،وهو مقسم الى اربعة فصول. الفصل الاول "مقدمة في الادب الاقتصادي (51 – 82)، والفصل الثاني "نظرية انماط الانتاج" (83 – 111)، والفصل الثالث "نظام المشاعية البدائية" (112 – 138)، والفصل الرابع "نظام العبودية" (139 – 262). والقسم الثاني يحمل عنوان "في تاريخ الفكر الاقتصادي" في الصفحات 263 – 559،وقد وضعه في فصول. الفصل الاول "ملاحظات عامة" (ص 264 – 334)، والفصل الثاني "الفكر العبودي" (335 – 380)، والفصل الثالث "الفكر الاقطاعي" (381 – 419)، والفصل الرابع تحت عنوان "شومبيتر والفكر السكولائي" (420 – 459)، والفصل الخامس "الماركنتيلية" (490 – 532)، والفصل السادس "الكامرالية" (533 – 556). واضعاً لكل قسم او فصل من فصوله فهرساً تفصيلياً خاصاً مع هوامش وحواشي لمزيد من التفصيلات، وبعض المفردات المعرفية الخاصة بآراء المفكرين وتواريخ تناولهم للمادة المطروحة.
فلم يكتف المؤلف بمراجعة المصادر الثانوية، بل بذل مجهوداً كبيراً في الرجوع الى المؤلفات الاصلية لاصحاب المذاهب والآراء، وبلغتهم الاصلية، موفراً مادة مليئة بالعطاءات التاريخية والفكرية، وبالوقائع والنظريات وملاحظاته النقدية لها، التي تشكل مادة غنية بين أيدي الدارسين والباحثين والقراء، للاستفادة منها، وأن تكون حافزاً للتعمق اكثر وللتحليل ولمراجعة الاصول التي اعتمدها المؤلف".
وفي جانب آخر من دراسة عباس الفياض يذكر:"يقول ارسطو ان "الرجل الرائع من يهب العطايا وليس من يكدس الثروة".ويقوم مؤلف د. ابراهيم كبة بالتعبير على نحو علمي، عن مهمة الاقتصاد وعلى دراسة صادقة للافكار وللحياة الاقتصادية، وتكن قيمة الكتاب العلمية في انها تكشف عن القوانين والمفاهيم التي تتحكم بولادة متخصص وعالم اقتصادي، كيف يبني أفكاره ومفاهيمه وكيف يعالج أفكار المفكرين الآخرين بدرجة عالية من الوضوح، وهذه بحد ذاتها على ما اعتقد قيمة المؤلف، فثمة نقاط كثيرة اشار لها د. كبة وعمد على شرحها يتوسع وبعض اكتفى باشارات عابرة، ولكنه دعم أفكاره بحواشي ومصادر عديدة، فقد قسم الكتاب الى قسمين: مقدمة وفصول، القسم الاول يتضمن الجوانب التاريخية لعلم الاقتصاد مع تحليل لكي يكون العرض واضحاً قد المستطاع ويسهل بلوغه للدراسين وللقراء، باستثناء بعض الجوانب الفكرية التي يحاجج فيها بعض آراء المفكرين وهو يوجه مؤلفه للدراسين والباحثين، الذين يريدون ان يتعلموا جدياً ويريدون بالتالي ان يأخذوا طريقهم بأنفسهم، فهو يطلع القارئ على العشرات من آراء المفكرين ويعرض أفكارهم بشكل سليم، ويعطي وجهات نظره حولهم، ناقداً او مؤيداً، مخالفاً او متفقاً، ويجري حواراته في شروط تؤمن انتظام سيرها ما أمكن.
وعلى حد فهمي، الامر لا يتعلق بطريقة عرض المؤلف لكتاب، بل ما يتعلق بفهم القوانين والأفكار والمفاهيم التي طرحها المؤلف، لكي يتمكن الدراس من رسم طريقه الخاص، لمتابعة تطور هذا العلم. فهو تناول عرض الكتاب بمنهجية علمية وبروحية متخصص، ترك حيزاً كبيراً لتحليل الجوانب التاريخية للمدراس او المذاهب الفكرية (القديمة والحديثة)، التي تمكن الباحث من الاسترشاد منها.
وهدف المؤلف،على ما اعتقد،هو الكشف عن الطروحات غير العلمية التي تتناول موضوع الاقتصاد السياسي،ولحركة المجتمع والمراحل التاريخية للتطور البشري،بعيداً عن الاسلوب الاكاديمي الانتقائي،الذي يكتفي بمجرد استعراض المدارس المختلفة على علاتها والوقوف متفرجاً منها، وانما يخضع جميع هذه الأفكار والنظريات لدراسة منهجية، قائمة على نظرة متكاملة موحدة للنشاط الاقتصادي وللعملية الاقتصادية، مما يضفي على المؤلف الترابط العضوي للملامح البارزة فيه،موضحاً بعض المقولات الاقتصادية وتعريفه. وعندما يريد ان يشير الى شاهدة معينة في التاريخ الاقتصادي فانه يشير الى اين ومتى ومن الذي عبر عنها بوضوح.
وفي القسم الثاني يعرض الجوانب النظرية، فقد اعتمد طريقة في البحث في منتهى الدقة، بحيث تناول الافكار من مصادرها الحقيقية، وبلغة أصحاب هذه الافكار والنظريات، وطبقها على الواقع بطريقة منهجية ماركسية، فهو بذلك قد امتلك المادة في كل تفاصيلها وحلّل اشكال نموها وكشف عن الارتباطات لبعض المذاهب الفكرية المطروحة في الكتاب، وتمكن من عرضها بمجموعها وببناء هيكلي للمبادئ والافكار التي يتناها المؤلف..."
ويسرد الاستاذ عباس الفياض ملاحظاته عن الكتاب فيقول:"
1. ان الكتاب عبارة عن مجموعة محاضرات لطلبة جامعتي بغداد والمستنصرية،وجاء أسلوبه مكثف وطابعه مركز وبعض الموضوعات فيه بحاجة الى شروحات اوسع، وهذه النقطة يشير لها د. كبة في مقدمته.
2. الكتاب طويل ب 560 صفحة، ويحتوي قسمين: الاول يحمل الجانب التاريخي للاقتصاد السياسي، في حين يحمل القسم الثاني الجانب الفكري للاقتصاد. ومن وجهة نظري، أميل الى تقديمه بجزئين منفصلين، اي يمكن ان يكون كتابين، لتسهيل عملية الاستيعاب لدى الطلبة والباحثين والقراء.
3. يستخدم د. كبة في مؤلفه مفردة الاستثمار تعبيراً عن الاستغلال في المجتمعين العبودي والاقطاعي، وهو التعبير الذي اعتادت ان تستخدمه بعض الأدبيات، والماركسية منها ما قبل الستينات من القرن الماضي. وعلى ما اعتقد ان الاستثمار تعني مفردتها الانكليزية Investment – توظيف مال او تثميره، في حين الاستغلال Exploitation تعني استثمار لمورد طبيعي او استغلال لشخص.اعتقد ان استخدام الاستغلال هي المناسبة في هذا الصدد.
4. كما ان د. كبة دائماً ما يشير الى المنتجين في ظل النظام العبودي، وتحولهم الى "بروليتاريا"، في حين ترتبط هذه المفردة بالمجتمع الرأسمالي، وهي تعني العامل او الشغيل الحر، الذي يعمل او يشتغل على أعلى وسائل الانتاج تطوراً. والصناعة ليست الزراعة او الحرفة، واطلاق كلمة "عامل" او "بروليتير" على كل المشتغلين في المجتمعات ومراحلها، يعني عدم التميز الموجود بين المراحل المتدرجة من التاريخ الاقتصادي. فالعبيد في المجتمع العبودي، والاقنان في المجتمع الاقطاعي، وكلاهما غير متساوين في الحقوق. والعبد لا يملك حتى نفسه. اما العمال او البروليتاريا فهم احرار في المجتمع الرأسمالي، كما ان المانيفكتورة المؤسسة على تقسيم العمل اليدوي ومرحلة الصناعة الحديثة المؤسسة على الآلة. وكلا الرأسمالي ومالك قوة العمل (العامل) يدخلان السوق بوصفهما مبادلين، أحدهما يشتري (الرأسمالي) والآخر يبيع (العامل). وكلاهما متساويان حقوقياً. والعامل يبيع قوة عمله "مؤقتاً" حر، وإذا باعها جملة واحدة فانه يبيع ذاته ويصبح رقاً، كما في المجتمع العبودي. ان قوة العمل بالنسبة للعامل تكتسب بضاعة هو يملكها وأن عمله هو شكل العمل المأجور، ولا يصبح شكل البضاعة الشكل الاجتماعي السائد إلا ابتداءً من هذه اللحظة. وفي اشارات أخرى حول قطاع عام عبودي، في اشارة منه الى تمركز المشاعيات في يد الملك، او البروليتاريا الرثة في المجتمعات العبودية المتطورة (الصفحات 202 – 177)، او القطاع الصناعي في فترة الاقطاع (ص 390)، وهي مفردات لا تتناسب مع المراحل التي يجري الحديث عنها، ولكنها لا تقلل من قيمة الكتاب الغنية.
5. صدر الكتاب عام 1970، أي مضى عليه 37 عاماً، وجرت خلالها عدة متغيرات في العالم، وخصوصاً في عالم الاقتصاد والسياسة، فقد فشلت التجربة الاشتراكية، ولا زال الجدل جارياً حول الاسباب الحقيقية للانهيار، ومن مختلف المدارس الفكرية، الى جانب ان الاقتصاد الرأسمالي هو الآخر جرت فيه عدة متغيرات. فلم تعد النظرية الكينزية الموجه لاقتصاديات البلدان الرأسمالية، بل اختفت سياسة التحفيز الكينزية المضادة للركود، واصبحت معيقة للاجراءات الاقتصادية، كما يصفها لستر ثورو Lister Thoro، في مؤلفه "مستقبل الرأسمالية"، بل أخذت الكينزية ومعها الحكومة الكبيرة تحتضران، إن لم يكونا قد ماتتا بالفعل، وأصبح كينز مع نهاية السبعينات من القرن العشرين مجرد هامش في التاريخ، وتقلص دور الدولة. ففي الثمانينات جاءت مارغريت ثاتشر الى الحكم في بريطانيا ورونالد ريغان في الولايات المتحدة الامريكية، وهما ينتميان الى اليمين الجديد، وقد تبنيا، بحماس، "السوق الحرة"، وكانا يعاديان بإصرار مفهوم الدولة المتدخلة في شؤون مواطنيها. ورفضا مفهوم كينز وتبنيا آراء اقتصاديين من أمثال مليتون فريدمان Milton Friedman وفريدريش حايك Friedrich Hayek الذين آمنا بأن السوق الحرة قادرة بشكل افضل من الدولة على توزيع البضائع والخدمات. وأصبحت السوق الحرة تشكل العلامة البارزة على التوزيع للبضائع والخدمات. ونادى اليمين في البلدان المتطورة صناعياً الى تخفيض التضخم وخفض النفقات العامة بالصميم، والى اعطاء الالولوية للخصخصة بدلاً من القطاعات الحكومية، والى خصخصة الكثير من وظائف الدولة، او تكييف مؤسسات أخرى بالقيام بها (راجع مؤلف نورينا هيرتز Noreen Hertz "السيطرة الصامتة" – ص 25).
6. اشار المؤلف الى مراحل المجتمع العبودي والى الوضع القانوني للعبيد في الشرق القديم (بابل وآشور، مصر، الهند، الصين) والاختلاف والفروق القانونية في وضع العبيد في اليونان والرومان، بأشارة منه (د. كبة) يجب ان نحمل الاستنتاج بأن النظام الآسيوي القديم، نظام مختلف نوعياً عن عبودية اليونان والرومان الكلاسيكية. ويعود السبب الى سمات العبودية الشرقية عن العبودية الكلاسيكية، يعود لمفعول قانون التطور غير المتساوي، الذي ظهر مفعوله في جميع النظم الاجتماعية التاريخية بما فيها النظام العبودي. وملاحظاتي هنا ان حضارة وادي الرافدين سبقت حضارة مصر الفرعونية، وكان يمكن للمؤلف ان يتعمق اكثر بنمط الانتاج الآسيوي الذي لا زالت الاشكالات تحطيه، وأن يترك حيزاً أكبر في الكتاب.
7. لم يتوقف د. كبة على فترة القرون الوسطى التي مرت بها المجتمعات الغربية، وهل ان المجتمع البشري مر بهذه الفترة؟ هنالك ايضاً جدل بين الباحثين والمختصين حولها.
8. هنالك ملاحظة على شكل تساؤل مفادها لماذا كان مهد الرأسمالية اوربا الغربية، وما هي الاسباب التي مهدت لنشوءه من دون غيرها من البلدان، وما هي وجهة التطور في بلدان آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية آنذاك".
وفي الخلاصات يؤكد الاستاذ فياض ان مؤلف د. ابراهيم كبة القيّم "دراسات في تاريخ الاقتصاد والفكر الاقتصادي"قد تناول جملة من الافكار والمفاهيم والنظريات لمدارس فكرية متنوعة ومختلفة. فقد تناول الفكر الاقتصادي والتاريخ الاقتصادي في العصور القديمة (العصر اليوناني والعصر الروماني) مروراً بالعصر الوسيط.وتناول الكتاب المسائل التي بحثها كلاً من افلاطون وأرسطو، والتي تتعلق بالقيمة والنقود من جوانب فلسفية وأخلاقية وسياسية، لأن الفكر الاقتصادي لم يعد علماً مستقلاً حتى أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، وفي العصر الوسيط، او كما يسمى عصر سيطرة الفكر اللاهوتي وتوما الاكويني أبرز الممثلين له. وتطرقه الى المسائل الاقتصادية ومعالجتها اخلاقياً تبعاً للتعاليم المسيحية.
ويواصل د. كبة بحثه من ان الانسان وحياته الاجتماعية منذ بداية التاريخ البشري اتسمت بضرورة توفير الحاجات المتعددة لاستمرار حياته، وتوفير الموارد القادرة لتلبية هذه المطاليب. ونتيجة لذلك تطورت معارفه الاقتصادية والاجتماعية، ومن هنا برزت الحاجة لامتلاك معرفة دقيقة لمختلف الظواهر والوقائع الاقتصادية، وبذلك محاولات جدية عديدة لمفكرين اقتصاديين، وفلاسفة كبار، وفي مرحلة لاحقة ظهرت "المدرسة الماركينتيلية" والمدرسة الطبيعية ومفكريها، كما ظهرت المدرسة الكلاسيكية الاقتصادية. وسارت دراسته على نهج كبار أصحاب المذاهب الاقتصادية الكبرى من امثال ارسطو وتوماس الاكويني وآدم سمث وماركس وفيلن وكينز.
لقد اتسمت أفكار د. كبة، في مؤلفه المذكور، بكثير من الصرامة والدقة. ويلاحظ في كتابه، الذي يحتوي على 560 صفحة، وبالتبويب الذي يميز شخصية المؤلف ونظرته العميقة، فهو قد يتبنى أفكار كانت تتعارض مع أفكاره التى تناولها في "دراسات في تاريخ الاقتصاد والفكر الاقتصادي"، بدأ من العصور القديمة والوسطى ومن المدارس (السكولائية، الماركينتيلية، الفيزيوقراطية والكلاسيكية) عدا ماركس وبعض المفكرين وصولاً الى الكينزية.
ويعتبر رائد من رواد الفكر الاقتصادي، حيث انبرى لمناقشة أفكار كبار أصحاب المذاهب الاقتصادية. وأبدى آراءه الخاصة حول القضايا المطروحة، متفقاً او مفنداً. ومناقشته وطروحاته وطريقته الايجابية وتلخيصاته لآراء المفكرين حول المسائل النظرية المبحوثة، تشكل مدرسة فكرية نستخلص منها الدروس لغرض تعميق بحوثنا النظرية في الميدان الاقتصادي.وأن العمل الكبير الذي بذله د. كبة، يساعد على استيعاب المعلومات المعرفية، لعمل جيل الرواد الاوائل من الاقتصاديين على اختلاف مشاربهم الفكرية والايديولوجية والسياسية.
د. كبة الاقتصادي والأكاديمي البارز الذي عمل استاذاً في جامعتي بغداد والمستنصرية، والذي تناولت أعماله ومحاضراته، قضايا التاريخ والفكر والفكر الاقتصادي بشكل مكثف، كان قد شهد مراحل تطور البلدان النامية، وعاش الحرب الباردة وتنافس المعسكرين (الرأسمالي والاشتراكي) وأحاط بمعظم الأفكار والنظريات البارزة منذ نشوء المجتمع البشري. وقد تاثر بالفكر الماركسي، وبالبناء الاشتراكي، على ما أعتقد، وهذا الامر يتضح من أفكاره وآراءه التي تجعله قريباً للمدرسة الماركسية، وقربه لا يلغي حقيقة انه رائداً حقيقياً في علم الاقتصاد. وأرى في مؤلفه "دراسات في تاريخ الاقتصاد والفكر الاقتصادي"، الذي نشر عام 1970 لا زال يحظى بالاهمية النادرة، وفي مقدمة الوثائق العلمية المتخصصة في عراقنا اليوم. وأن مؤهلاته العلمية وسعة معرفته سمحت له بمعالجة عدد من المسائل الفكرية الاقتصادية بقدر من العمق والدقة في التحليل. وستحتفظ ذاكرة الاجيال من طلبته وزملائه من الاساتذة بذكرى طيبة لاستاذ اقتصادي كبير، نظراً لاسهامته الغنية في تاريخ الاقتصاد والفكر الاقتصادي".

-;- تعتمد العديد من الجامعات في البلدان العربية كتاب "دراسات في تاريخ الاقتصاد والفكر الاقتصادي"للدكتور ابراهيم كبة ضمن مناهجها التدريسية المقررة،وهذا ما يفعله ايضا الدكتور عبد العزيز بن علي السديس الاستاذ المساعد في جامعة الملك سعود الذي يدرس مادة تطور الفكر الاقتصادي على اساس جملة من الكتب المقررة منها (تاريخ الفكر الاقتصادي) د. لبيب شقير و"دراسات في تاريخ الاقتصاد والفكر الاقتصادي"للدكتور ابراهيم كبة!

-;- في كتابه"الربا فقهيا واقتصاديا"يستشهد الشيخ حسن الجوهري ببعض نصوص كتاب الدكتور ابراهيم كبة"محاضرات في تاريخ الاقتصاد والفكر الاقتصادي"لصياغة جملة من المفاهيم الاقتصادية الانتقائية.ففي القسم الثاني المعنون "الربا اقتصاديا..تمهيد"وفي "مقدمة تمهيدية" ورد ما يلي:
"الذين كانوا يعلمون الدين واللاهوت والفلسفة في الجامعات في العصور الوسطى.«وهناك بعض آباء الكنيسة شجبوا الربا لانه يعني حسب قول أحدهم «المضاربة ببؤس الآخرين»وهذا يعكس الطابع الاستهلاكي لقروض العصور الوسطى في اول العهد الاقطاعي.والحجة التي استعملها القديس(توما) لشجب الربا «هي تحليله لطبيعة النقود واعتبارها من السلع التي تستهلك بمجرد الأستعمال» فاذا كانت السلعة مستديمة كالدار مثلا فيمكن بيعها ككل ويمكن بيع منافعها كأيجارها مثلا. اما اذا كانت السلع تستهلك بالأستعمال كالخبز مثلا فلا يمكن بيع منافعها كأيجارها من دون اجازة استهلاكها،وقد اعتبر القديس توما«النقود من السلع التي تستهلك بالأستعمال ومعتبرا الاقراض عملية بيع للنقود والمال المسترد هو ثمن النقود المباعة والفوائد هي بدل استعمالها. ولما كانت النقود من السلع التي لايمكن فصل استهلاكها (بيعها) عند استعمالها – كما ذكرنا – فان ما يستحقه المقرض هو ثمن المبيع فقط (اي استرداد المال المقرض) دون ان يستحق أية فوائد عن (استعماله) لان المقترض لايستطيع ممارسة هذا الاستعمال دون (استهلاك) للنقود».ومن هنا ظهر ان حجة الاكويني (مخالفة لحجة ارسطو).ولكن الدكتور ابراهيم كبة ذكر في محاضراته (ص286) هامش اول عن كري (ص57) «ان النصوص الاكوينية نفسها تشير صراحة الى حجة أرسطو وتؤيدها».فقد ظهر خطأ هذه العبارة مما قدمناه من النص الاكويني وليس مؤيدا!
في دراستنا المعنونة"ثورة 14 تموز 1958 المجيدة والاقتصاد الاسلامي"كتبت التالي:
"العدالة الاقتصادية الاسلامية المعاصرة لا تختلف جوهريا عن العدالة الاقتصادية الرأسمالية،والتباينات شكلية نتلمسها مثلا في "الضريبة"و"المنتوجات"بحسب ميزان الحلال والحرام كانتاج الخمور،و"اخلاق العمل والاستثمار"كالرفق بالعمال واحسان معاملتهم،و"المواضع الاقتصادية"التي لا يحق للفرد تملكها كالمناجم.والفارق الاساسي بين النظام الاقتصادي الاسلامي والنظام الاقتصادي الرأسمالي هو الموقف من الربا كظاهرة اقتصادية اجتماعية تاريخية!وكتجسيد لعلاقة استغلال بين انسان وآخر،يفرض بها الطرف الاول شروطا مجحفة على طرف ثاني يحتاج الى المال ليلبى حاجة اساسية له،كفائدة على هذا المبلغ!وتحريم الاسلام لـ "الربا"عالجها شكلا اصحاب الثروة عبر استثمار ثرواتهم النقدية مباشرة في التجارة وبقية اوجه الاستثمار الاقتصادي،لينتفي الرأسمال الربوي الطفيلي!يقينا ان الربا كظاهرة تاريخية نشأ مع ولادة المال كوسيلة لتبادل البضائع وللادخار!
تخدم البنوك الاسلامية التطور الطفيلي(ماهية الفرق بين سعر الفائدة (Rate of interest) والربا (usury) ) لأنها مؤسسات مالية تعمل من اجل الربح،فهي تجمع الاموال غير المستثمرة وتحولها الى اموال يمكن ان تستثمر،ليحصل صاحب المال غير المستثمر على فائدة،ويحصل صاحب المال المستثمر على فائدة،ومن خلال تنسيق العمليتين يحصل البنك ايضا على فائدة.والمرابحة والمشاركة والمضاربة،في النهاية،هي ارباح يتم الحصول عليها من تداول المال في السوق وليس في محراب التدين الاسلامي.
معروف ان الربا هو جوهر النشاط المصرفي الرأسمالي،ولا يوجد نشاط مصرفي اسلامي يختلف عن النشاط المصرفي الرأسمالي!اي ان البنوك الاسلامية ليست في الواقع سوى مؤسسات مالية رأسمالية يملكها كبار الاثرياء ويتأكد فيها الربا مهما سعت الى اظهار العكس!بل موضوعيا هي مضطرة الى تحليل الربا المحرم تحت مختلف المسميات"ايران سمته اتعاب"!والبنوك الاسلامية هي الأكثر استغلالا وربحها الطائل مستمد من اقتصاد السوق والعرض والطلب،ومن استغلالهم لخشية كثير من المسلمين من ان يقعوا في الربا!"

-;- نعرض فيما يلي التقديم والمقدمة في كتاب د.ابراهيم كبة/"دراسات في تاريخ الاقتصاد والفكر الاقتصادي":

دراسات في تاريخ الاقتصاد والفكر الاقتصادي
ابراهيم كبة
الجزء الاول

-;- تقديم

يضم الجزء الاول من هذا الكتاب عددا من الدراسات الطويلة يمكن ان تصنف الى صنفين:الصنف الاول يدخل في موضوع(تاريخ الاقتصاد او تاريخ النظم الاقتصادية )،والصنف الآخر يدخل في موضوع (تاريخ الفكر الاقتصادي او تاريخ المذاهب الاقتصادية).والمبرر العلمي لادخال هذين الصنفين المختلفين من الدراسات في كتاب واحد،يستند لمنهجية المؤلف،القائمة على نظرة متكاملة موحدة للنشاط الاقتصادي وللعملية الاقتصادية،وعلى اعتبار الواقع الاقتصادي والفكر الاقتصادي جانبيين مترابطين لحقيقة واحدة.ومن المعروف ان هذه النظرة العضوية للاقتصاد هي النظرة التي بدأت تسود في عدد متزايد من الاوساط الاكاديمية الغربية وخاصة في الدول اللاتينية،وهي في الاصل السمة الاساسية للمنهجية الاشتراكية.
لقد تناولت في القسم الاول من الكتاب(اي قسم التاريخ الاقتصادي)،بعد مقدمة عامة مستفيضة تتناول الاسس المنهجية للموضوع جعلتها الفصل الاول،دراسة نظرية انماط الانتاج في الفصل الثاني جاعلا من هذه النظرية،الاطار المنهجي لمجموع الدراسات الخاصة في هذا القسم من الكتاب.وفي هذه الدراسة المكثفة رفضت التفاسير التجزيئية والتكنولوجية والآلية للنظرية،وانتهيت الى تفسير متكامل يأخذ بنظر الاعتبار مجموع العوامل المادية والفكرية التي توجه النظام الاقتصادي.ثم تناولت في الفصل الثالث نظام الاقتصاد البدائي،مؤكدا على طابعه التاريخي الشمولي،رابطا اياه بالاصول البايولوجية والانثروبولوجية للتاريخ الانساني،مؤكدا على اهميته الحاسمة في نشوء الشروط الاولية لانبثاق النشاط الاقتصادي.وفي الفصل الرابع والاخير من هذا القسم،استعرضت في اكثر من مائة صفحة،الاقتصاد العبودي او القديم فى الشرق والغرب،ملقيا اضواء ساطعة على عملية نشوء اهم المؤسسات الحضارية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المعاصرة في تلك الحقبة التاريخية البعيدة،كالزراعة والحرف الصناعية والتجارية وتقسيم العمل والتبادل والسلع والنقود والائتمان والطبقات الاجتماعية والدولة والمؤسسة العسكرية ..الخ.ويمكن اعتبار هذه الدراسة الطويلة في نمط الانتاج العبودي دراسة مستقلة.
اما القسم الثاني من الكتاب(اي الخاص بتاريخ الفكر الاقتصادى)فقد كرسته لاستعراض بعض التيارات الفعالة في تاريخ الفكر الاقتصادي،مبتدئا بالفكر القديم(وخاصة الفكر اليوناني)ومنتهيا - عبر السكولانية والماركنتيلية..الخ – بالنظرية الكينزية في الثلث الثاني من قرننا الحالي.
لا اود ان اقوم شخصيا باجراء تقييم لهذا الكتاب المركز بمادته وافكاره،ولكن يمكن تحديد السمات الاساسية التى تميزه عن الكثير من المؤلفات المماثلة،وخاصة المكتوبة بالعربية،على الوجه التالي:
1. يكرس الكتاب جزءا هاما من حجمه(حوالي الربع)لدراسة الجوانب المنهجية والمبدئية والنظرية العامة في الموضوع،ويستعرض نقديا اهم المؤلفات الاكاديمية الحديثة،ويحاول عبر هذا النقد المنهجي الشامل ارساء اسس منهجية علمية يمكن الاطمئنان اليها في دراسة تفاصيل تاريخ الوقائع والافكار الاقتصادية.وفي هذا الجزء من الكتاب حاولت مثلا ان القي كثيرا من الضوء لتحديد المفاهيم الاساسية للعلوم الاقتصادية(المذهب،النظرية،النظام،المنهج،السياسة،المؤسسة،الفكرة،الفكر..الخ)،كما اني استعرضت بتفصيل مختلف المناهج الاكاديمية المعاصرة(المنهج الكلاسيكي،التاريخي،الاقطاعي،الاقليمي،المقارن..الخ)وركزت النظر على عيوبها البارزة(التجزيئية،التجريد،الشكلية..الخ)،وتبنيت في مجموع دراسات هذا الجزء المنهجي من الكتاب،وجهة نظر تتسم بالشمولية والتكامل والاستيعاب والحركية.
2. يرفض الكتاب رفضا قاطعا الاسلوب الاكاديمي الشائع وهو الاسلوب الانتقائي،اي الاكتفاء بمجرد استعراض المدارس المختلفة على تناقضها،والوقوف موقف المتفرج من آرائها،او اقتطاع اجزاء متباعدة من هذه المدارس واصطناع نظريات موحدة من الاجزاء المتناقضة المذكورة.ان الكتاب،على العكس،يخضع جميع النظريات المدروسة لمنهجية واضحة هي التي اشرت اليها في اول هذه الكلمة،مما يضفي على الكتاب كله وحدة عضوية بارزة الملامح والقسمات.
3. كذلك يتميز الكتاب بتأكيده المستمر على الطابع الاجتماعي للاقتصاد وللفكر الاقتصادي،وعلى ارتباط الفكر الاقتصادي بصورة عضوية بالتاريخ الاقتصادي،وعلى ارتباطهما معا بالتاريخ الحضاري العام.ولهذا السبب يتجاوز الكتاب الأطر الضيقة المحدودة للنشاط الاقتصادي ويتناول العديد من موضوعات التاريخ العام والفلسفة والسياسة وعلم الاجتماع وعلم النفس وتاريخ العلوم،بقدر ما هو ضروري لفهم الاجواء التاريخية التي نشأت فيها النظم والمذاهب الاقتصادية.وقد سارت الدراسة في هذه النقطة على منوال كبار اصحاب المذاهب الاقتصادية امثال ارسطو وتوماس الاكويني وآدم سمث وماركس وفبلن وكينز وشومبيتر.
4. واخيرا يتميز الكتاب بالاعتماد على المصادر المباشرة في التاريخ الاقتصادي وتاريخ الفكر الاقتصادي،فلم اكتف بمراجعة المصادر الثانوية بل رجعت الى المؤلفات الاصلية لاصحاب المذاهب انفسهم وبلغاتهم الاصلية في الغالب،باذلا جهودا كبيرة وشاقة،وتلك،مع الاسف،سمة نادرة في المؤلفات المماثلة وخاصة المكتوبة باللغة العربية.
ولا شك ان المأخذ الاساسي الذي يؤخذ على مجموع الدراسات هو طابعها المركز واسلوبها المكثف،والحاجة في بعض الموضوعات الى شروح اوفى،بالنسبة للقارئ العام،ولكن السبب في ذلك واضح وهو ان هذا الكتاب هو مجرد (تلخيص) لمحاضرات القيت اصلا وبشكل مستفيض وحافل بالامثلة والشروح على طلبة جامعتي بغداد والمستنصرية،وهو يهدف في الاساس لـ (التذكير) بتلك المحاضرات و(التركيز) على نقاطها الجوهرية.ولهذا السبب ايضا فهو يضم اضافات مستمرة ومتلاحقة للمادة،تبدو – من ناحية الشكل فقط – وكأنها خارجة على السياق المنطقي للكتاب،ولكنها – من حيث الجوهر – مجرد امتداد لموضاعاته.
آمل ان يستفيد اكبر عدد ممكن من القراء الاعزاء من هذا الكتاب،وان يكون حافزا لهم لمراجعة الاصول نفسها.
كما آمل ان استطيع التفرغ لطبع الاجزاء الاخرى من هذه الدراسات.

المؤلف
1/11/1969


-;- مقدمــة
حول مادة (تاريخ الفكر الاقتصادي)
1. حداثة المادة:
يشير ارك رول في مقدمة كتابه القيم عن(تاريخ الفكر الاقتصادي)(1)الى حداثة هذه المادة.ففي القرن الثامن عشر ظهرت بعض المؤلفات في هذا الموضوع ولكنها كانت قليلة جدا وغير هامة.ومن المؤكد ان اهمها هو مؤلف آدم سمث(ثروة الامم)حيث يستعرض تاريخ النظم الاقتصادية السابقة وخاصة الماركنتيلية وينقدها على اساس انها خاطئة، ولكن الهدف من الدراسة كان نقديا وليس تاريخيا،لان تلك النظم(الفيزيوقراط والماركنتيلية)لم تصبحا بعد تاريخا في زمنه بل كان بعضها قائما جزئيا في الواقع الاقتصادي.وفي القرن التاسع عشر اهتم التاريخيون والاشتراكيون الالمان معا بتاريخ الفكر الاقتصادي:الاوائل لاثبات صحة المنهج التاريخي(شمولر مثلا)والاشتراكيون لنقد النظام الرأسمالي وفكره الاقتصادي على ضوء دراسة جذوره التاريخية( مثلا ماركس(2)في نظريات فائض القيمة ودورنغ(3)في التاريخ النقدي للاقتصاد الوطني الاشتراكي).ومنذ اواخر القرن التاسع عشر واوائل القرن العشرين اصبح تاريخ الفكر الاقتصادي مادة مستقلة ومرغوبا فيها popular وان كان لا يزال حينذاك ملحقا بتاريخ الاقنصاد( مثلا اشلي في كتابه:مقدمة للتاريخ الاقتصادي والنظرية الاقتصادية الانكليزية،1913)(4).ثم اصبحت المادة بالتدريج مادة مستقلة ضرورية للمعرفة الاقتصادية(جيد وريست مثلا في تاريخهما المشهور)(5) او ضرورية لاسباب تكنيكية،اي لاستعراض تاريخ بعض المفاهيم او الطرائق التقنية للتطبيق الاقتصادي(6).
2. اهمية دراسة المادة:
يمكن الاشارة في هذا الصدد الى النقاط التالية:
اولا - ان دراسة المادة تؤكد الطابع العملي لعلم الاقتصاد ومساهمته في تيار الفكر العام وارتباطه بتاريخ النظم الاقتصادية العملية،اي ان دراسة المادة تجنب المرء خطر(التجريد)الشائع في علم الاقتصاد الاكاديمي المعاصر.
ثانيا - ان دراسة تاريخ الفكر الاقتصادي تهيئ(المدخل)لدراسة النظرية الاقتصادية المعاصرة واستيعاب الجدل القائم فيها الان.وكما يقول احد الاقتصاديين(رول)(7)لم تمت ابدا نظرية ارسطو في الطبقات الاجتماعية او نظرية ريكاردو في الريع التفاضلي او آراء توماس الاكويني حول الربا او النظريات الفيزيوقراطية حول الزراعة..الخ.كذلك احيى كينز في عصرنا هذا نظريات مالشسي وبرودون وسيسموندي في اهمية الطلب الفعال ودوره في التحليل الاقتصادي بعد نسيانهم تقريبا في الاقتصاد الاكاديمي السابق لكينز.ولهذا السبب فان النظريات التي يجب التاكيد عليها في تاريخ الفكر الاقتصادي هي تلك التي لها اهمية للجدل الاقتصادي المعاصر من جهة،والتي تمثل اتجاهات اساسية في الفكر الاقتصادي من جهة اخرى.والمفكرون الذين يجب اختيارهم هم الذين لهم طابع تمثيلي للاتجاهات المذكورة.
ثالثا – يؤكد كونار(مقدمة الطبعة الاولى من تاريخ المذاهب الاقتصادية،التي كتبها عام 1921 والمعاد طبعها في الطبعات اللاحقة من مؤلفه المعروف بالفرنسية،طبعة 1947،ص4) (7آ) على اهمية دراسة المادة لتجنب تكرار الاخطاء في السياسة الاقتصادية،ولضمان استمرارية التقدم في هذا الميدان،والبناء على اسس الفكر السابق،وتجنب ما يسميه(الزيزفية الفكرية) Sisiphisme Intellectuelle اشارة الى اسطورة زيزيف اليونانية المعروفة.كذلك يؤكد جيد وريست اهمية دراسة الاخطاء التاريخية للتعلم منها ويفند رأي ساى الذي يدعو لتناسيها.كما ان كونار يرى بان المذاهب الاقتصادية هي انعكاس للتجارب المؤسفة للاجيال السابقة(المرجع المذكور،صفحة 589 باالفرنسية).
رابعا - يشير الاقتصادي الامريكي هاني الى اهمية دراسة(تاريخ الفكر الاقتصادي)لاثبات استمرارية ووحدة الفكر الاقتصادي منذ العصور القديمة حتى الان،ويخطئ المنكرين لذلك بحجة(فراغ)العصور الوسطى(8)مع انها حلقة كانت ضرورية بين الفكر القديم والفكر الحديث،مثال ذلك النظريات السكولائية في النقود والفائدة والقانون الطبيعي..الخ.
خامسا - لدراسة المادة اهمية اخرى هى التأكيد على الطبيعة الإجتماعية للاقتصاد وارتباطه بجميع العلوم الاجتماعية الاخرى(كالسياسة والاخلاق والفقه والجماليات وعلم الاجتماع..الخ)،ذلك لان القيم الاجتماعية لم تكن متميزة في الفكرين القديم والوسيط،بل كانت موحدة ومندمجة.
سادسا - ادراك(نسبية)Relativity الافكار الاقتصادية وعدم تمتعها بقيم مطلقة وتوقفها على الظروف الزمانية والمكانية،مما يوحي بأهمية(التطور)دون(الثورة)في زعم هاني(9)،وبأهمية التمييز بين(علم الاقتصاد)كمجموعة قوانين موضوعية وبين(الاقتصاديين)انفسهم الذين يختلفون في احيان كثيرة في تفسيراتهم لها لاسباب مختلفة،شخصية ومصلحية احيانا،وموضوعية احيانا اخرى،اهمها عاملان:اختلاف(فلسفة الحياة)،واختلاف(المنهج) Method وسنعود لهذه النقطة بعد قليل.
3. الفكر الاقتصادي والكيان الاقتصادي:
ان الكيان الاقتصادي وتحولاته في اي عصر من العصور هو العامل او المقرر الاخير Ultimate Determinator للفكر الاقتصادي،كما يؤكد رول بحق.ولكنه ليس العامل الوحيد على كل حال.والسلسلة السببية Causal Chain بينهما ليست مباشرة بل طويلة وغير مباشرة Devious،وقد تكون العوامل الاخرى اكثر مباشرة من العامل الاقتصادي ومن اهمها الفكر الاقتصادي القائم في العصر المعين،والفكر السياسي،والممارسة السياسية،والفلسفة،والفكر العلمي..الخ.على انه من الملاحظ في المراحل التاريخية الثورية ان الصلة بين النظام الاقتصادي والفكر الاقتصادي تكون اوضح واكثر مباشرة منها في المراحل المستقرة نسبيا،حيث يبرز اثر العوامل الآيدولوجية.كذلك يجب ملاحظة حقيقة ان افكار عصر مضى تبقى احيانا مؤثرة في العصر الجديد وتساهم في صياغة السياسة والفكر الاقتصاديين فيه،بالتفاعل مع البناء الاقتصادي الجديد.واخيرا فان عدم التطور المتساوي للوحدات السياسية القومية الحديثة خلال القرنين الاخيرين،ساهم في عدم التطور المتساوي للفكر الاقتصادي بحيث ان بعض الافكار الماضية تختفي في بعض البلدان وتنبعث في الاخرى حسب الاوضاع الاقتصادية المحلية،مثال ذلك تبنى الفكر الاقتصادي السابق لليبرالية في المانيا في القرن الماضي بما في ذلك التأكيد على دور الامة والدولة والتجارة الخارجية والحماية التجارية..الخ.
4. الفكر الاقتصادي والفلسفة الاجتماعية:
وراء كل الفكر الاقتصادي القديم والحديث فلسفة اجتماعية هي بتعبير شتارك(مجموع الافكار والكتل الاجتماعية التي صدر عنها في الاصل علم الاقتصاد السياسي والتي يرجع اليها على الدوام)(10).وهناك اختلاف بالطبع بين المدارس المختلفة حول ماهية الفلسفة المذكورة فيرى شتارك مثلا بأن فيلسوفي الاقتصاد الكلاسيكي هما لوكو ولايبنتز،وان رائدي الاقتصاد الحديث(يقصد الكلاسيكي الجديد)هما جيننكز Jennings وكوسن Gossen،وان خير معبر عن الازمة الكبرى التي قادت التحول من الاقتصاد الاول الى الاقتصاد الثاني هما ثومبسون Thompson وهوجسكن Hodgkin ( ص7 من كتابه عن الأسس المثالية للفكر الاقتصادي،1944،بالانكليزية )،ويرى لاجوجي ان هيوم هو فيلسوف الليبرالية الكلاسيكية(ص ٢-;- من كتابه عن المذاهب الاقتصادية،بالفرنسية)(11).وعلى كل فان الصلة اكيدة بين التحليل الاقتصادي،والفلسفة الاجتماعية وان من المحال فهم الاول دون الثانية،كذلك يرى الاستاذ الالماني المعاصر شتافنهاكن في مؤلفه(تاريخ النظرية الاقتصادية الطبعة الثانية،1957،ص13،بالالمانية)(12)ان هناك جذرين للفكر الإقتصادي اولهما الجذر الفلسفي او ما يدعوه(الصورة العالمية للحياة الاجتماعية)وثانيهما الجذر العملى،اي الآراء والحلول لمشاكل الحياة الاقتصادية العملية،الصادرة عن الساسة ورجال الادارة ورجال الاعمال..الخ.وعلى هذا الاساس يصنف المؤلف مراحل تاريخ الفكر الاقتصادي في كتابه المذكور.
ولعل الاستاذ الامريكي اوفرتن تيلر،في كتابه( تاريخ الفكر الاقتصادي - المثل الاجتماعية والنظريات الاقتصادية من كنى الى كينز،1960،بالانكليزية)(13)خير من دافع ،بين مؤرخي الفكر الاقتصادي المعاصرين،عن ارتباط تاريخ(الفكر الاقتصادي)بتاريخ(الفلسفة الاجتماعية)بمعناها الواسع الذي يشمل الفكر السياسي والاخلاقي والاجتماعى على السواء.وقد رد تيلر على بعض الاعتراضات الاكاديمية الموجهة ضد هذا المنهج بشكل مفصل،وخاصة،ضد اعتراضين اساسيين اولهما مخالفة هذا المنهج لمبدأ التخصص الواجب الالتزام به بدقة في البحث العلمي،وقد رد تيلر على هذا الاعتراض بالتأكيد على(ان عالم المعرفة والفكر والبحث والمناقشة الفكرية،بالرغم من اختلافاته الداخلية،يتميز بوحدة شاملة،تتيح لاجزائه المختلفة انارة بعضها البعض الآخر)(وان تاريخي النظرية الاقتصادية والنظرية السياسية،على وجه الخصوص،يؤلفان دراستين مترابطتين تماما،بحيث ان كلا منهما تلقي الضوء على الدراسة الاخرى،ولا تغني احداهما عن دراسة الاخرى)ص11 من مقدمة الكتاب.اما الاعتراض الآخر على منهج المؤلف،فهو قائم على اختلاف الطبيعة بين مادتي الفكر الاقتصادي والفلسفة الاجتماعية،فالاقتصاد علم من العلوم الوضعية وتاريخ الفكر الاقتصادي هو تاريخ لاكتشافات نظرية علمية وتسجيل لتطور انواع من المعرفة الحقيقية،بينما لا ترتفع النظريات السياسية والاخلاقية والفلسفية عن المستوى(الآيديولوجي)الصرف،اي مجرد التعبير عن طرائق تفكير تأملية Speculative ذات طابع شخصي ومحلي وعابر،عاطفي ومتحيز ودوغمائي،يتعلق بحركات او احزاب او عقائد سياسية في امكنة وازمنة معينة،لا تتمتع بأي طابع معرفي علمي قابل للتدليل والاثبات،وانها لا تستهدف اساسا اكتشاف الحقائق وفهم الوقائع،بل تستهدف مجرد(الايحاء بانواع معينة من السلوك السياسي،والعمل لتحقيق اهداف محددة بوسائل محددة)فكيف يمكن الجمع بين مادتين متناقضتين اساسا في الطبيعة والاهداف والوسائل؟ويرد تيلر على الاعتراض المذكور،بان الفرق بين المادتين ليس فرقا في الطبيعة،بل مجرد فرق في الدرجة،فلا يمكن القول بان الفكر الاقتصادي في جميع تاريخه هو فكر علمي بشكل مطلق يتمتع بالحياد وعدم التحيز،والموضوعية وعدم التأثر بالمعتقدات الشخصية او الفكريات السائدة في المجتمع،كما لا يمكن القول من جهة اخرى بأن الفلسفات السياسية والاخلاقية والاجتماعية،في جميع عصورها،لا تتمتع بأي صفة علمية او عقلانية او قابلة،على الاقل نسبيا،للتفسير العلمي.ان العلوم،بمعناها الدقيق،علوم(وسائل)،بينما تحدد الفلسفة الا جتماعية(الغايات والقيم)الاساسية للنشاط الانساني.ومن الواضح،الارتباط الكلي والدائم بين الغايات والوسائل.وينتهي تيلر من تحليله الى ضرورة اعتبار المادتين بمثابة(كل مركب) Composite whole ومن اللازم دراسة العلاقات بين اجزائه وتفاعل هذه الاجزاء بمنتهى الاهتمام،(ص14 من المقدمة).وقد طبق تيلر فعلا منهجه هذا في دراسته لتاريخ الفكر الاقتصادي،فافتتح الكتاب بدراسة شاملة للمناخ الفكري العام في اوربا في القرن الثامن عشر(مناخ حركة التنوير Enlightenment)ليحدد الاطار الفلسفي العام،للانجازات الاقتصادية النظرية للمدرسة الفيزيوقراطية.وعندما حاول دراسة الفكر الاقتصادي لآدم سميث كرس ثلاثة فصول من كتابه لدراسة الفلسفة الاجتماعية والاخلاقية والسياسية السائدة في انكلترا في اواخر القرن الثامن عشر،دارسا بتفصيل فلسفة شافتسبرى وماندفيل وهجسن من جهة)وفلسفة سميث الاخلاقية والعلمية من جهة اخرى(مقالته عن تاريخ الفلك،وكتابه عن نظرية العواطف الاخلاقية Theory of Moral Sentiments)قبل معالجة فلسفة سميث الليبرالية في الحقل الاقتصادي.وسار تيلر على نفس المنهج عند دراسته لاقتصاد مالش وريكاردو ومل.لقد قدم لهم جميعا بدراسة متكاملة عن المذهب النفعي لبنتام واتباعه،محللا نظرية السكان لمالش ونظرية الريع لريكاردو،بارتباطاتها بفلسفة كودوين Godwin الفوضوية،وبفلسفة بنتام النفعية،وبجموع النظام الكلاسيكي.كذلك درس الاضافات الاقتصادية لجون ستيوارت مل،في ضوء فلسفته الشاملة،بعناصرها السياسية والاخلاقية والمنطقية.اما الدراسة التي كرسها تيلر للماركسية،فقد تناولت مجموع المناخ الفكري الذي تنفس فيه ماركس،كما تناولت جميع اجزاء الماركسية(الفلسفة والتاريخ الاجتماعي والنظرة الاقتصادية)مع تحليله ارتباطاتها بالفكر الاشتراكي العام وبالفلسفة الهيغلية وبالاقتصاد الريكاردي.كذلك طبق تيلر المنهج نفسه في دراسته للمذاهب الكلاسيكية الجديدة وخاصة لنظريات الفريد مارشال في اواخر القرن الماضي،محللا اياها في ضوء الجو الفكري العام الذي كان يسود الفكر السياسي في انكلترا حينذاك(ما يسميه تيلر بجو الليبرالية المحافظة conservative Liberalism ).ولم يخرج تيلر في كتابه عن هذا المنهج حتى عند دراسته للفكر الاقتصادي الحديث جدا،مثال ذلك الكينزية ونظريات جمبرلن والنيوديل..الخ.
ان خلاصة رأينا في منهجية تيلر هو انه يبالغ كما يبدو في التأكيد على اندماج الفكر الاقتصادي بالفلسفة الاجتماعية،فيتجاوز(ارتباط)بين المادتين الى رغبة في(ادماج)الموضوعين في مادة واحدة،كما فعل في كتابه القيم.ان الفرق بين المادتين في رأينا ليس فرقا في الطبيعة او في الدرجة،كما يظهر من مناقشة المؤلف للاعتراضات الاكاديمية،بل هو فرق في(الموضوع).فلكل من المواد التي يعالجها تيلر في كتابه المذكور(الفلسفة،السياسية،الاخلاق،الاجتماع،الاقتصاد)موضوع محدد،مختلف عن موضوعات المواد الاخرى،وهذا وحده هو المبرر لدراسة كل مادة على حدة،ولكن بدون ان تنسى لحظة واحدة العلاقات المتبادلة بينهما جميعا والتأثيرات المتقابلة لكل منها على المواد الاخرى،كما يفعل شومبيتر مثلا على الاقل من الوجهة المنهجية،في مؤلفه المعروف(تاريخ التحليل الاقتصادي).
5. الفكر الاقتصادي والتاريخ الاقتصادي:
في الطبعة الاولى من المؤلف المشار اليه سابقا لجيد وريست (معادة في الطبعة السابعة ص10،1947،بالفرنسية)يؤكد المؤلفان على اهمية المحيط الاقتصادي والوقائع الاقتصادية في صياغة الفكر الاقتصادي من حيث تقديم المواد وطرح المشاكل وتقديم الغذاء للفكر الاقتصادي(ويستشهدان بريكادرو ونظريته في الريع والاوراق المصرفية،وبماركس وسيسموندي واهتمامهما بالازمات والمكننة والبروليتاريا الصناعية مثلا)ولكنهما ينكران كفاية عاملي الزمان والمكان لتفسير اي مذهب اقتصادي بدليل ظهور مذاهب متناقضة في نفس المحيط والعصر(ساي وسيسموندي،باستيا وبرودون،شولتز دليتش وماركس،فرنسيس ووكر وهنري جورج..الخ)،وظهور نفس المذاهب احيانا وبنفس الوقت في بلدان مختلفة(مثلا نظرية المنفعة النهائية او الحدية في ثلاثة اقطار اوروبية مختلفة في سبعينات القرن الماضي)ومن هنا ينتهي جيد وريست الى ضرورة افراد مادة مستقلة للمذاهب الاقتصادية(مستقلة عن التاريخ الاقتصادي)،مع ضرورة الاهتمام ايضا بدراسة المادة الاخرى، مادة تاريخ الوقائع والمؤسسات الاقتصادية(في فرنسا تركز الاهتمام في تاريخ المذاهب حيث توجد كراسي جامعية لهذه المادة في كليات الحقوق واقسام دكتوراه الاقتصاد وفي كليات السوربون ومدرسة الدراسات العليا..الخ،بينما تركز الاهتمام في البلدان الاوربية الاخرى على التاريخ الاقتصادي بتأثير المدرسة التاريخية الالمانية والمدارس الاشتراكية).كما ان المؤلفين المذكورين يؤكدان على دور الوقائع لا كسبب فقط للفكر بل كنتيجة له احيانا(مثلا اثر مدرسة مانجستر في المعاهدات التجارية واثر اشتراكية الدولة في التشريعات العمالية..الخ).كذلك يرى الاستاذ الامريكي هاني(تفاعل)الفكر والواقع الاقتصادي في تاريخ الاقتصاد والفكر الاقتصادي(هاني،طبعة 1957،ص4،بالانكليزية).
6. تاريخ الفكر الاقتصادي وتاريخ علم الاقتصاد:
لا شك ان تاريخ الفكر الاقتصادي يمتد الى العصور القديمة والوسطى،ولكن تاريخ(المدارس الكبرى)حسب تعبير جيد وريست - ص11- او تاريخ(الفكر العلمي)حسب تعبير ديشان Deschamps حاشية ص11 المذكورة،يبدأ من اواخر القرن الثامن عشر مع آدم سميث والفيزيوقراط.ولهذا لابد من عدة تحديدات في كتابة اي تاريخ للمذاهب الاقتصادية:تحديد في الزمان،وتحديد في المكان(اختيار مذاهب بلدان معينة دون اخرى)وتحديد في اختيار بعض المفكرين دون آخرين،وبعض المذاهب دون اخرى.والمقياس الرئيسي للاختيار هو اثر المذاهب في صياغة علم الاقتصاد المعاصر،حتى ان جيد وريست يتصوران هذه المادة باعتبارها تاريخا او تطورا للمذاهب الاقتصادية الحالية.‎ ‏‎
كذلك يميز هاني(تاريخ الفكر الاقتصادي،الطبعة الرابعة،1957،الفصل الاول بالانكليزية)بين مادتي(التاريخ الاقتصادي او التاريخ الصناعي)كما يسمى احيانا اي دراسة تاريخ الوقائع الاقتصادية،وبين(تاريخ الفكر الاقتصادي)اي تاريخ جذور وتطور الافكار الاقتصادية،اي افكار الناس حول الوقائع الاقتصادية،وبين( تاريخ علم الاقتصاد)وهو احدث تاريخا من الثاني ولا يتناول الا تاريخ نظم القكر الاقتصادي اي تاريخ الفكر الاقتصادى منذ ان اصبح(علما)في اواخر القرن الثامن عشر.
7. الفلسفة العامة والفكر الإقتصادي:
فيما يتعلق بـ (الفلسفة العامة)التي تكمن وراء الفكر الاقتصادي وتطوره،يرى الاستاذ هاني(14)،ان الفلسفة منذ القرن الخامس ق .م. تطورت باتجاهين اساسيين هما:
أ‌- الاتجاه المثالي:
ويتضمن في نظره الافكار التالية:انكار الوجود الموضوعي المستقل للمادة،قدرة العقل على تكوين الاحكام باستقلال عن الظروف المادية،الاعتقاد بالطبيعة الذهنية Intellectual وليس الحسيةSensual للاشياء،اعتبار الانسان قوة مستقلة وليس ابن الظروف المادية،التأكيد على اهمية وفعالية النظم الاجتماعية مقابل العوامل الطبيعية،قبول الدولة كممثلة للمجتمع ضد انانية الافراد،الاعتقاد بالطبيعة العضوية Godwin للمجتمع والطابع المحافظ للنظم الاجتماعية،الايمان بوجود عقل اعلى Superior Reason وارادة الهية تحكم العالم،الاعتقاد بسمو الاخلاقى Method على الطبيعي Natural،امكانية الحصول على الكمال بالتربية والنظم الاجتماعية..الخ.ويستشهد هاني كأمثلة على الفكر المثالي باغلب المفكرين الاجتماعية في الشرق القديم،بالاضافة الى افلاطون وبعض الرواقيين والافلاطونيين الجدد والقديس اوغسطين وتوماس الاكويني وبركلي ولايبنتز وكانت وهيغل وشلنغ ومالبرانش وكونت..الخ.
ب‌- الاتجاه المادي:
واهم افكاره في نظر هاني،الايمان بالوجود المستقل للمادة وحدها،الاعتقاد بان الكون محكوم بقوانين المادة وليس بالعقل الاعلى،خضوع الانسان دائما لمحيطه المادي،يؤمن الماديون عادة بالفردية والتسيب(وان كان بعض الاشتراكيين ماديين ايضا بصورة غير منطقية حسب زعم هاني،حاشية ص 11 من كتابه)،الايمان بالمساراة الطبيعية ين الافراد وبالمصدر المادي لاختلاف قدراتهم،الدولة مجرد تجمع افراد لاسباب تتصل بطبيعتهم المادية،النظام الطبيعي يفرض نفسه حتما ومن هنا ضرورة التسيب والاعتقاد بالمذهب الفردي Laisser Faire Jndividualism،شعار الماديين:الخير المادى الاكبر للعدد الاكبر من الافراد الخاضعين لسيطرة الطبيعة،البقاء Survival هو معيار الحق..الخ.ويرى الاقتصادي الالماني الكبير شمولر(الوجيز في النظرية الاقتصادية العامة،ص 71،بالالمانية)انه في ظل المذهب المادي امكن(حل)نظم القرون الوسطى الدينية والسياسية والخلقية(15).ويستشهد هاني كنماذج للفكر المادي بالسفسطائيين والابيقوريين في العصر القديم،وهلفيسيوس والموسوعيين وبنتام في العصور الحديثة.
من الواضح ان هذا العرض السريع الذي يقدمه هاني للخطوط العامة للفكرين المادي والمثالي عرض ناقص ومضطرب بعض الشيء، ولعل اهم عيوبه هو الخلط بين الانواع المختلفة للمادية والمثالية في الحقول المتعددة للمعرفة،وخاصة في الحقل الوجودي(انتولوجيا)والحقل المعرفي(ابستيمولوجيا)والحقل الاجتماعي(سوسيولوجيا).ان بحث هذا الموضوع هو خارج الصدد هنا،والغرض من الاشارة اليه هو التأكيد على صحة رأي هاني في شدة ارتباط الفكر الاقتصادي بالفلسفة.ويعطي هاني امثلة ملموسة لهذا الارتباط من تاريخ الفكر الاقتصادي.فمثلا يميل المثاليون الى انكار اهمية(القوانين)العلمية في الحياة الاقتصادية،واحيانا حتى الى انكار وجود القوانين المذكورة،وبهذا يجعلون علم الاقتصاد اقرب الى(الفن Art)منه الى العلم بالمعنى الحقيقي،بينما يؤكد الماديون على خضوع الحياة الاقتصادية لمجموعة من(القوانين الطبيعية)لا يمكن الخروج عليها،كما فعل الكلاسيكيون مثلا.
ولعل من المفيد هنا الاشارة الى ان شومبيتر(16)يكاد ينفرد بين مؤرخي الفكر الاقتصادي في انكار اثر الفلسفة في تطور الفكر التحليلي في الاقتصاد.فاذا اخذت الفلسفة بمعناها الاغريقي القديم،اي مجموعة المعارف العلمية،اي العلم الكليUniversal Science اي مجموعة العلوم الطبيعية والاجتماعية والميتافيزية،وهو المعنى الذي بقي سائدا حتى منتصف القرن الثامن عشر تقريبا والذي كان يجسده كبار المفكرين الموسوعيين من امثال ارسطو وتوماس الاكويني ولايبتز وفيكو..الخ من اصحاب النظم الفكرية الشاملة،فان العلاقة معدومة في رأي شومبيتر بين فلسفة هؤلاء(آرائهم حول العلل النهائية والمعاني الاخيرة للاشياء..الخ)وبنيت آرائهم في الحقول العلمية المختلفة.فمثلا لا يجد شمبيتر اي اثر لفلسفة ارسطو في نظرياته الفيزيائية او آرائه الاقتصادية،كما لا يجد اي اثر لفلسفة لايبنتز(المونادولوجياMonadology )في آرائه في التجارة الحرة.كذلك لا تؤثر الفلسفة في الفكر الاقتصادي اذا اخذت بمعناها الثاني،كعلم اعتيادي بين سائر العلوم الاخرى،له موضوع محدد ومناهج محددة واستنتاجات محددة،هي بالاختصار توضيح معاني المفاهيم العلمية(المادة،الحقيقة،القوة،المدركات الحسية..الخ)،او بتعبير آخر،اذا اخذت الفلسفة بمعناها الابستولوجي فقط،كنظرية عامة للمعرفة.ففي هذه الحالة تكون الفلسفة محايدة بالنسبة لموضوعات العلوم الاخرى بما في ذلك علم الاقتصاد.ولكن مشكلة العلاقة بين الفلسفة والاقتصاد تثور عندما تؤخذ الفلسفة بمعناها الثالث،كمجموعة من النظم المعتقدية System of Beliefs تعطي احكاما في الحقائق النهائية او الغايات النهائية او القيم النهائية،سواء أكانت ثيولوجية(لاهوتية)ام غير ثيولوجية.وبهذا المعنى تشمل الفلسفة التيارين المادي والمثالي على السواء.والسؤال الذي يطرحه شومبيتر هو هل اثرت (فلسفة) المفكرين الاقتصاديين،بهذا المعنى الاعتقادي،في آرائهم (الاقتصادية)؟ان جواب شومبيتر هو ان معتقدات العلماء لم يكن لها اي اثر في فكرهم العلمي،سواء اكان ذلك في العلوم الطبيعية ام في العلوم الاجتماعية ومنها علم الاقتصاد.لقد عبر كثير من علماء الطبيعة والرياضيات مثلا (لابلاس،نيوتن،لايبنتز،اويلر،جول..الخ)عن معتقداتهم المسيحية في مؤلفاتهم العلمية،وصاغوا نظرياتهم في صيغ دينية،ولكن احدا لم يشك في امكان فصل فكرهم العلمي عن اشكاله الدينية.اما العلوم الاجتماعية ومنها الاقتصاد،فان الجدل لا يزال محتدما في هذه المسالة،بسبب الخلط بين(الفكر الاقتصادي) و (السياسة الاقتصادية).ان السلوك الاقتصادي يتأثر حتما بالمعتقدات الفلسفية(دينية ام غيرها)،ولذلك فأثر الفلسفة اكيد في (السياسات) الاقتصادية التي يدعو اليها الاقتصادي،ولكن اثر الفلسفة معدوم،في نظر شومبيتر،بالنسبة لـ (التحليل)الاقتصادي،اي بالنسبة لفروض ونظريات وادوات المحلل الاقتصادي.ومن المؤسف ان شومبيتر لا يقدم اية حجج لاثبات رأيه هذا،بل يحيل القارئ الى التفاصيل الواردة في كتابه الضخم(تاريخ التحليل الاقتصادي).والذي نعتقده ان كتابه المذكور بالذات،والحجم النهائي الذي كرسه المفكرين الاقتصاديين انما ينهض دليلا على عدم سلامة رأيه في انكار الصلة بين الفلسفة والفكر الاقتصادي.
8. الفكر الاقتصادي والتحيز الآيديولوجي:
ومما له صلة بهذا الموضوع،تحليل شومبيتر لاثر ما يسميه(التحيز الآيديولوجي)Idealogical Bias في تشكيل الفكر الاقتصادي.ويؤكد شومبيتر على حقيقة ان هذا الاكتشاف الهام في الفكر الاجتماعي الحديث يعود في الواقع لماركس(وزميله انجلز)عندما ربط بين الاقتصاد البورجوازي وبين(الآيديولوجيا)البورجوازية،واعتبر الفكر الاقتصادي الكلاسيكي جزءا من الآيديولوجيا المذكورة،مع اعتبارها مجرد(بناء فوقي)يعكس مستلزمات ومصالح الطبقات الاجتماعية السائدة.ان الاكتشاف الماركسي المذكور تؤكده الدراسات الاجتماعية والنفسية الحديثة في تأكيدها على مفهوم(التعقيد Rationalization ) اي اعطاء الاشياء تفسيرا عقلانيا مخالفا للحقيقة ولكنه يتفق مع اهواء المفسر.وهنا يوجه شومبيتر جملة انتقادات للمفهوم الماركسي للآيديولوجيا،تستند في الواقع لفهم خاطيء للمفهوم المذكور،على اعتبار انه - في زعم شومبيتر - يحصر العوامل الاجتماعية التي تشكل(الذهن)الانساني بالمصالح الطبقية وحدها،بالمعنى الاقتصادي الضيق، في حين ان الصحيح ان الآيديولوجيا تعكس جميع(حقائق البناء الاجتماعي الموضوعية)حسب تعبيره(17).ان هذا التفسير(الوحداني Monist)للآيديولوجيا،لا صلة له،في الواقع،بالتفسير الماركسي،خلاف ما يظن شومبيتر واغلب المفسرين الاكاديميين المعاصرين،كما اوضحنا ذلك تفصيلا في اثناء هذه المحاضرات.الخلاصة،حول هذه النقطة،ان شومبيتر يؤكد خطر التحيز الآيديولوجي على التحليل الاقتصادي،وان من الضروري الانتباه له عند دراسة وتقييم الفكر المذكور،خاصة وان المحلل الاقتصادي نفسه هو( نتاج محيط اجتماعي محدد،وموقع معين في المحيط المذكور)يوجهانه لنظر بعض الاشياء دون الاشياء الاخرى،وللنظر اليها في ضوء معين،دون الاضواء الاخرى.
ولا بد من الاشارة الى ان الاستاذ الامريكي(تيلر)يقف في هذه المسألة ايضا موقفا مناقضا لوجهة نظر شومبيتر،حيث لا يجد اية غضاضة من الاعتراف بتحيزه الآيديولوجي صراحة بالنسبة للموقف من الفلسفات الاجتماعية المختلفة،وهو ينكر امكانية(الحياد)في هذه المسألة الاساسية.ان(الموضوعية العلمية)بالذات،في جميع ميادين المعرفة،تقتضي من العلماء،في نظر تيلر،التعبير عن وجهات نظرهم الفلسفية بصراحة وامانة ووضوح،ومقارنة ذلك بـ (الآيديولوجيات)الكامنة وراء الانجازات العلمية لكبار المفكرين،وآثارها الاكيدة في الانجازات المذكورة(ص12 من مقدمة كتابه المشار اليه سابقا).ولا يسعنا في هذا الصدد الا الثناء على شجاعة وامانة تيلر في هذا الموضوع،بالرغم من اختلافنا الجذري مع فلسفته الليبرالية المحافظة.اننا نرفض مع الاستاذ تيلر المنهج(الانتقائي)الذي يدعو اليه الاستاذ شومبيتر وامثاله من الاكاديميين المعاصرين.
9. الفكر الاقتصادي والمنهج الاقتصادي:
اما من ناحية(المنهج Method)واثره في تحديد الفكر الاقتصادي،فيرى هاني(18)بان اختلاف المنهجية من اهم اسباب الخلاف في الفكر الاقتصادي.ويشير الى منهجين اساسيين اتبعا بصورة عامة في تاريخ الاقتصاد،هما المنهج الاستنتاجي Deductive والمنهج الاستقرائي Inductive.اما المنهج الاحصائي فيعتقد هاني انه في التحليل الاخير جمع بين المنهجين المذكورين.ويطلق بعض الاقتصاديين على المنهج الاول المنهج(الفلسفي)وعلى المنهج الثاني،المنهج(التاريخي)،وعلى المنهج الثالث،المنهج (التاريخي الفلسفي)(19).ان المنهج الاستنتاجي يبدأ من العام الى الخاص بطريقة عمليات التحليل الذهني.انه يفترض العلم المسبق بالقوى والشروط التي تمس المسألة موضوعة البحث،ومن هذه(المقدمات)المفترضة،يستنتج(النتائج)المطلوبة،بطريقة بعض القواعد المنطقية.ومن الطبيعي ان حسن استخدام هذا المنهج يقتضي التحقق من صحة المقدمات والنتائج المترتبة عليها عن طريق الملاحظة والاختبار،الا ان كثيرا ما يساء استخدام المنهج المذكور،وذلك بوضع مقدمات تعسفية،استنادا الى ما يسمى(التجربة العامة Common Experience او (الحقائق الاعتيادية Familiar Facts ) او (الاتجاهات الطبيعية Natural Tendencies) دون الاستناد الى الوقائع الملموسة او الخبرات الواقعية،مما يؤدي الى وضع نظريات تجريدية ومطلقة،قابلة للتطبيق،في زعم اصحابها،في كل زمان ومكان(20).اما المنهج الاستقرائي،فيبدأ من الخاص وينتقل الى العام،عن طريق اختبار حقائق العالم الخارجية وجعلها الاساس لصياغة القوانين التجريبية العامة Empirical Laws.
ويسمي هاني المنهج الاستقرائي بـ (منهج الملاحظة Method of Observation ).وكما ان المنهج الاول(الاستنتاجي)قد يساء استعماله،كذلك المنهج(الاستقرائي).فمثلا ادى المنهج المذكور،بالتطرف في تفسيره وتطبيقه،ببعض اقطاب المدرسة التاريخية الالمانية،ليس فقط الى انكار الطابع المطلق للقوانين والمبادئ الاقتصادية ونفي الطابع الشمولي لمسلمات المدرسة الكلاسيكية الانكليزية(كالانسان الاقتصادي،وانسجام المصالح)ورفض استنتاجات المدرسة المذكورة(تقسيم العمل الدولي،حرية التجارة الدولية..الخ)بل انه ادى بهم حتى الى انكار امكان صياغة نظرية اقتصادية او قانون اقتصادي،ومعنى ذلك في الواقع انكار وجود اي(علم)للاقتصاد.ويرى هاني ان النهجين المذكورين في الواقع متكاملان وان كبار الاقتصاديين في الماضي والحاضر يستخدمون المنهجين معا،وان كان الاتجاه لديهم يتركز عادة على احدهما اكثر من الاخر،فينسب اليه المنهج المذكور.وبهذا المعنى يمكن اعتبار ريكادووفون ليسث وفون تونن وجفنر مثلا من الاستنتاجيين، بينما يعتبر الماركنتليون وفون وهلدبراند مثلا من الاستقرائيين(21).ومما له صلة بهذا الموضوع،علاقة استخدام المناهج المذكورة في المرحلة المعينة من تطور الفكر البشري.فاذا اخذنا بنظرية الاجتماعي الفرنسي اوغست كونت Conpte التي شرحها في كتابه الشهير(الفلسفة الوضعية،الفصل الاول)(22)،حيث صنف تطور الفكر البشري الى ثلاث مراحل:المرحلة الاولى هي المرحلة الثيولوجية(اللاهوتية)حيث حاول الانسان خلالها اكتشاف اسباب الظواهر ومنشئها في قوى علوية فوق الطبيعة،والمرحلة الثانية هي المرحلة(الميتافيزية)،حيث حاول الانسان اكتشاف الاسباب المذكورة في قوى او جواهر تكمن في صلب الظواهر نفسها ولكنها منفصلة عنها،والمرحلة(الوضعية)حيث حاول الانسان تصنيف العلاقات الكمية بين الظواهر وصياغة معادلات رقمية لها وتلمس الاسباب والنتائج في هذه العلاقات والصياغات الكمية...اذا اخذنا بهذه النظرية،فتكون المرحلتان الاولى والثانية هما مرحلتا المنهج الاستنتاجي،بينما بدأ المنهج الاستقرائي يسود في المرحلة الثالثة.انني اعتقد ان هذا الربط بين المنهج وبين نظرية كونت،لا اساس له في الواقع بسبب الطابع المثالي والميتافيزي المناهض للعلم لنظرية كونت الوضعية ولمجموع امتداداتها في الفلسفة الحديثة(مثلا الوضعية المنطقية المعاصرة).ان الوضعية تنكر في الواقع العلم،لانها لا تعترف الا بالظواهر الخارجية وتنكر وجود العلاقات الجوهرية بين الظواهر المذكورة.اي انها تنكر في الواقع وجود(القوانين)بالمعنى العلمي.والواقع ان الذهنية الميتافيزية وحتى الثيولوجية،لم تختفيا في العصر الحاضر،بل على العكس فانهما اصبحتا جزء من الآيديولوجية الاكاديمية المعاصرة لحد كبير.اليس في الاستمرار في ترديد الكلام عن القوانين الاقتصادية(الطبيعية)ومعدلات الاجور او الارباح او الاثمان..الخ(الطبيعية)،صدى واضح للذهنية الميتافيزية،ذات الطابع التجريدي والمطلق واللاتاريخي؟وقد لاحظ هاني ان هناك ما يشبه(الدورات)cycles في التطور التاريخي للمنهجية.ففي العصورالقديمة والوسطى سادت المنهجية الاستنتاجية او الفلسفية المطلقة.ثم جاء الفعل على ايدي الماركنتيليين في القرنين السادس عشر والسابع عشر حيث تطرفوا في استعمال النهج الاستقرائي.ثم مال الفيزيوقراط الفرنسيون والكلاسيك الانكليز الى استخدام المنهج الاستنتاجي،وبعدها جاء الفعل العنيف من قبل التاريخيين الالمان الذين تطرفوا جدا في استخدام المنهج الاستقرائي،ثم عاود اقطاب المدرسة النمساوية ومارشال الى استخدام المنهج الاستنتاجي ولكن باعتدال..وهكذا.اما الاقتصاديون المعاصرون فيميلون الى استخدام المنهجين معا.
اننا نعتقد ان تصنيف المنهجية في الاقتصاد الى استقرائية واستنتاجية واحصائية،كما تبدو في جميع المؤلفات الأكاديمية المعاصرة تقريبا،لا يستوعب كامل العملية المنهجية،ولا حتى جوهر هذه العملية.وقد اشرنا الى الصياغة العلمية للمنهجية في العلوم الاقتصادية عند تطرقنا الى نظرية لانكه Lange في المقدمة التي وضعناها لهذه المحاضرات.
10. حول تفسير القكر الاقتصادي :
‏ لقد تطرقنا في المحاظرات الى اساليب الاقتصاديين الاكاديميين المعاصرين في عرضهم لمادة تاريخ الفكر الاقتصادي من ناحية الشكل ومن ناحية الموضوع.ونود ان نضيف هنا رأي الاستاذ الامريكي( بلوغ)الوارد في المقدمة التي كتبها لكتابه(النظرية الاقتصادية،نظرة الى الوراء)(23)،حيث يرى ان المقياس الذي يجب ان نقيم به الفكر ‏الاقتصادي في تطوره التاريخي هو النظرية الاقتصادية المعاصرة،وان الهدف من دراسة تاريخ الفكر الاقتصادي هو اكتشاف(التقدم)الحاصل في الفكر المذكور،سواء من ناحية استكمال الادوات التحليلية او من ناحية جمع المعلومات التجريبية لاثبات الفروض والنظريات الاقتصادية او من ناحية التحرر من الوان التحيز التى كثيرا ما تغلف الجوهر القابل للاختبار في الفكر الاقتصاديTestable Core ،او من ناحية التقدم في فهم آليات النظم الاقتصادية.ويرى بلوغ ان هناك اتجاهين اساسيين في نظرة المؤلفين المعاصرين لتاريخ الفكر الاقتصادي(والفكر العام بصورة أوسع):الاتجاه النسبي والاتجاه المطلق Relativist Absolutist .فالاتجاه الاول ينظر لاية نظرية اقتصادية في الماضي على اعتبارها انعكاسا لظروف عصرها،وبهذا يبرر من ناحية المبدأ جميع النظريات الماضية.اما الاتجاه الآخر فيركز انظاره على التقدم الفكري الملموس في المسألة موضوعة البحث،وينظر لتاريخ الفكر الاقتصادي على اعتبار انه تطور مستمر من الخطأ الى الصواب.وعلى هذا الاساس يصنف مؤلفنا جميع تواريخ الفكر الاقتصادي الاكاديمية،وان كان يعترف بأن جميع هذه المؤلفات لا تأخذ بأي من هذين الاتجاهين على اطلاقه،ولكنها قابلة للتصنيف على اساس ميلها لهذا الاتجاه او ذاك.ويستشهد المؤلف،كأمثلة عل الاتجاه النسبي بكتاب اريك رول(تاريخ الفكر الاقتصادي)الذي يعتبر الافكار الاقتصادية مجرد تعقيلات للمصالح الطبقية وان التغيرات في البناء الاقتصادي والنظم الاقتصادية تكون(المؤثرات الكبرىMajor Influences )في الفكر الاقتصادي.كذلك يستشهد بكتاب شتارك (تاريخ الاقتصاد في علاقته بالتطور الاجتماعي)(24)الذي يعتبر النظريات الاقتصادية التاريخية مجرد مرآة عاكسة لعالمهما المعاصر.فنظرية قيمة العمل لريكاردو مثلا تعكس ضعف المكننة في الصناعة البريطانية حينذاك،والتحفظات التي صاغها ريكاردو في نظريته المذكورة في اواخر حياته تعكس التقدم الآلي في الاقتصاد البريطاني.كذلك يستشهد المؤلف بكتاب ليوروجن(معنى وشرعية النظرية الاقتصادية)(25)،الذي لا يكتفي بربط الفكر الاقتصادي بظروف العصر التاريخية السياسية،بل يتجاوز ذلك الى تحديد(المعنى الموضوعي Objective Meaning )لاية نظرية اقتصادية،بالسياسة العملية التي توصي بها منظورا اليها لا من زاوية عصرها بل من زاوية عصرنا الحاضر.ان هذا التفسير لنظرية روجن هو تفسير خاطىء وغير امين على وجه التأكيد،لأن روجن يؤكد صراحة على ضرورة تحديد شرعية النظريات الاقتصادية بمقاييس عصرها لا بمقاييس عصرنا نحن،وعبارته التي اقتبسها هنا قاطعة بذلك(at the time of their projection ص 13 من الاصل الانكليزي)كما اوضحنا ذلك اثناء المحاضرات.ويرى بلوغ ان هذا الموقف النسبي قد يؤدي احيانا باصحابه الى(دمج)تاريخ الفكر الاقتصادي بتاريخ الفلسفة السياسية والاخلاقية،وارساء هذا التاريخ الفكري على اساس من التاريخ الاقتصادي والسياسي.ويستشهد على ذلك بمحاضرات ميشل(ملاحظات حول نماذج النظرية الاقتصادية)(٢-;-٦-;-)وكتيب(غرى)حول(تطور المذهب الاقتصادي)(27).ان بلوغ يهاجم الاتجاه النسبي لانه لا يكتفي غالبا بـ (تفسير) الفكر الاقتصادي بالواقع الاقتصادي بل انه ينتهي الى(تبرير)جميع النظريات الاقتصادية السابقة،على قدم المساواة، وبالتالي الى انكار حصول اي تقدم حقيقي في تاريخ الافكار الاقتصادية،متجاهلا بهذا،التطور الهائل في ادوات التحليل الاقتصادي.على ان المؤلف يعترف بأن التقدم التاريخي المذكور لم يكن مستويا او مستمرا او تدريجيا،بل من الملاحظ ان تاريخ الفكر الاقتصادي شهد (قفزات)او تحولات فجائية في الافكار،مثال ذلك التحول من الاقتصاد الكلاسيكي الكلي Macro – Economics الى الاقتصاد الكلاسيكي الجديد الجزئي Micro – Economics،وان من الضروري ربط هذه التحولات االفكرية الكبرى بتحولات حقيقية في الكيان المؤسسي للمجتمعInstitutional Structure Of Society ،كذلك ينقد بلوغ بعض الاقتصاديين(النسبيين)الذين يضعون تفسيرات شاملة مزعومة لتاريخ الفكر الاقتصادي،على اساس انه مظهر للصراع بين بعض المبادئ الفلسفية الكبرى،من قبيل الصراع بين الفرديةIndividualism والعالمية Universalism كما يفعل الاستاذ الالماني شبان في كتابه(تاريخ الاقتصاد)(28)،او الصراع بين النظرتين العضوية Organic والآلية Mechanical للنظام الاقتصادي كما يفعل مردال في كتابه(العنصر السياسي في تطور الفكر االآقتصادي)(30).وتطرف بعض النسبيين الى حد نسبة النظريات الاقتصادية الى عوامل سايكولوجية صرفة،كما فعل فايسمان في كتابه(سايكولوجية الاقتصاد)(31)عندما نسب نظرية ويليام بيتي في قيمة العمل(العمل وحده هو مصدر القيمة)،ونظريته في المشكلة الاقتصادية(بخل الطبيعة هو وحده مصدر المشكلة) الى النفسية ( الابوية) Patriarchal التي كانت تسيطر على المجتمع البريطاني حينذاك محتقرة الانثى(اي الطبيعة في نظرية بيتي)وممجدة الذكر(اي العمل في نظرية بيتي).ان مثل هذه التفسيرات الشمولية التعسفية هي التي التي احدثت ردود فعل،عنيفة احيانا،لدى بعض المؤرخين الاقتصاديين المعاصرين،فاتجهوا في الاتجاه الآخر(الاطلاقي)مؤكدين على الطابع المستقل،الذاتي،للتحليل الاقتصادي،وعدم تأثره بالمصادر الخارجية،فكرية كانت ام واقعية.ولعل شومبيتر في(تاريخ التحليل الاقتصادي)ابرز من يمثل هذا الاتجاه الاطلاقي المتطرف.انه ينكر تأثير الفلسفة في تشكيل التحليل الاقتصادي،في اي زمان ومكان،بالرغم من كونه يكرس نصف كتابه الضخم لدراسة الاجواء الفلسفية والفكرية والتاريخية،المحيطة بالمذاهب الاقتصادية الكبرى.ويعتقد بلوغ ان تأثير(الآيديولوجية)على نوعية التحليل الاقتصادي امر مفروغ منه،ويستشهد على ذلك بعدة امثلة من النظريات الاقتصادية التاريخية،كنظرية التجارة الدولية لريكاردو وارتباطها بالعداء للملاكين العقاريين،ونظريات ماركس المرتبطة بالعداء للرأسمالية..الخ،ولكنه يصر على وجهة نظره في ضرورة تقييم التحليلات الاقتصادية بمقاييس علمية موضوعية،بصرف النظر عن الآيديولوجية السياسية التي تغلفها،اي تقييمها بمنطق النظرية الداخلي.
11. عناصر الفكر الاقتصادي:
اشرنا بايجاز،في المحاضرات الى العناصر المختلفة للفكر الاقتصادي،والمحنا الى تمييزات بعض الاساتذة الاكاديميين في هذا الموضوع.ونود ان نضيف الآن الى ذلك،حقيقة ان من اوائل من ميزوا بين (النظرية)و(المذهب)هو الاقتصادي الفرنسي كايتان بيرو في مؤلفه(المطول في الاقتصاد السياسي،الطبعة الثانية،1945،ص ٢-;-٠-;-٨-;- – ٢-;-٠-;-٩-;-،بالفرنسية)(32)،الذي اكد بالحرف الواحد ان(من المناسب الفصل بأقصى ما يمكن من الجذرية...بين النظرية والمذهب،بين التفسير والتقدير،بين معرفة الواقع واصدار الحكم القيمي)وقد سايره في هذا التمييز عدد كبير من الاقتصاديين الفرنسيين كان من آخرهم الاستاذ لاجوجي في مقدمة كتيبه(المذاهب الاقتصادية،1949،المقدمة،بالفرنسية)حيث ارتأى ان(النظرية) تكتفي بتفسير الواقع او الظاهرة الاقتصادية وتحاول اكتشاف عللها واسبابها،وترصد ردود الفعل التى تحدثها في السلوك الاقتصادي،وتشخص الآلية(ميكانزم)التي تسير بموجبها والقوانين التي تحكمها،وهذه وجهه النظر العلمية.اما المذهب فيتجاوز التفسير الى التقدير،ولا يكتفي بالتعليل بل يتجاوزه الى التقييم،اي اصدار احكام قيمية Valeurs De Jugement على الواقع،ويوصي بإجراءات محددة،او الامتناع عنها،لتغيير هذا الواقع،ويقترح مشاريع اصلاحية تكون اساسا للتوقع والتنبوء الاقتصاديين.انه ينتقل من ميدان(المعرفة)الى ميدان(العمل)،وهذه هي وجهة النظر الاخلاقية.اما(السياسة)الاقتصادية،فهي تطبيق للنظرية الاقتصادية بغية تعديل الواقع بالاجراءت التشريعية الوضعية،وهذه هي وجهة النظر القانونية.
كذلك يؤيد اميل جام في كتابه(تاريخ النظريات الاقتصادية،1950،ص ٧-;-،بالفرنسية)(33)هذا التمييز بين المذهب والنظرية،ويرد على منتقديه من الاقتصاديين الفرنسيين،وخاصة الاستاذ(فيلي)في موجزه المعروف الذي ذهب فيه الى انه ليس هناك فرق في الطبيعة بين هذين المفهومين،وان المذهب ما هو الا نظرية اتخذت صفة موضوعية Objectivisee بعد دخولها في القطاع العام وتحويلها الى سياسة اقتصادية.ولكن الواقع ان فيلي نفسه يعود الى التمييز المذكور بصورة غير مباشرة،عندما يميز بين(المذهب)و(العلم).فالعلم في نظره (يفصل) بين ميادين المعرفة وذلك للتركيز على كل منها على انفراد بغية دراستها بتعمق،بينما المذهب يربط بين الميادين المختلفة(الاقتصادية والسياسية والاخلاقية ... الخ)وذلك لاستيعاب(وحدتها) كمجموع.ان هذه عودة للتمييز بين النظرية والمذهب ولكن بشكل آخر.على ان(جام)يعترف بالصعوبات العملية في التمييز بين المذهب والنظرية في احوال كثيرة(راجع كتابه،ص 8- 11)،وذلك لعدة اسباب اهمها:
أ‌- الارتباط التام بين نظريات المفكرين الاقتصاديين ومذاهبهم ،بحيث يصعب فهم نظرياتهم دون الاشارة الى مواقفهم المذهبية.كما ان فشل النتائج المذهبية في التطبيق هو الذي يدفع لاعادة النظر في النظريات،مثال ذلك ان مراجعة النظرية الكلاسيكية غدت ضرورة نتيجة تعارضها الصارخ مع معطيات الواقع المتبدل،اي نتيجة فشلها في العمل والتطبيق.
ب‌- صعوبة التمييز بين الطابع المذهبي والطابع النظري للافكار الاقتصادية في احيان كثيرة.مثال ذلك الريع لريكاردو وطابعها المبرر لليبرالية،ونظرية الاستغلال(فائض القيمة)لماركس وطابعها الهجومي على الرأسمالية،ونظرية الفائدة لبوم بافرك وطابعها التبريري للرأسمالية المالية.وقد ذهب بعض الاقتصاديين المعاصرين الى استبعاد الاقتصاد التطبيقي من ميدان النظرية الاقتصادية وقصرها على الاقتصاد الصرف او الخالص Pure مثال ذلك الاستاذ بوسكيه(35)الفرنسي والاستاذ روبنز(36)الانكليزي،الا ان اغلبية الاقتصاديين المعاصرين يخطئون هذا الاتجاه،ويعممون مفهوم النظرية على دراسة المؤسسات والكيانات والبنى الاقتصادية والاجتماعية،بما في ذلك بعض الاقتصاديين المعاصرين بميولهم النظرية المطلقة،من امثال الاساتذة هيك وفرونسوا برو وانطونلي.
ج‌- ان هذا التمييز بين المذهب والنظرية،يستند لمفهوم خاطئ عن طبيعة العلوم الاجتماعية (ومنها الاقتصاد)،وتعميم طابع العلوم الطبيعية عليها،لان العلم الاجتماعي لا يقتصر على تفسير الواقع بل يتضمن ايضا تحديد(الغايات)و(الوسائل)الموصلة اليها.ان العلوم الاجتماعية هي علوم(غائية) Finalistes باعتراف عدد متزايد من العلماء المعاصرين،وهي بهذا المعنى تشمل النظرية والمذهب،بالمعنى السابق(راجع حول طبيعة العلم كتاب الاستاذ هنري غتون المعنون:الكاثوليكية الاجتماعية،1045،بالفرنسية)(37).
ومع كل هذه الصعوبات في التمييز بين المذهب والنظرية،يدافع الاستاذ جام عن التمييز المذكور،ويقصر تاريخ الفكر الاقتصادي على تاريخ النظريات الاقتصادية وحدها مستبعدا من هذا التاريخ كل ما ليس له صلة بتفسير الواقع،من قبيل الاتجاهات الطوبائية،التي يحفل بها التاريخ المذكور.ويرى جام ان التاريخ يجب ان يتركز على ارتياد الميادين الثلاثة التالية:
أ‌- دراسة تطور المنهجية الاقتصادية في تحديد المفاهيم الاساسية لعلوم الاقتصاد Methodes De Conceptualisation وتسجيل التقدم الحاصل في هذا المضمار واكتشاف الاخطاء المرتكبة عبر التقدم المذكور.مثال ذلك تصنيف الدخل الى عناصره الاساسية من ربح وفائدة وريع واجور...الخ مع كيفية الوصول الى ذلك.
ب‌- تحديد العلاقة بين الفكر الاقتصادي والفكر العام،وخاصة الفلسفة.ويعتقد جام ان نوعية الفلسفة السائدة في عصر ما(ارادية ام جبرية،عقلانية ام ميتافيزية،لاهوتية ام لا ادرية..الخ)تؤثر لحد كبير على اسلوب طرح المشاكل الاقتصادية وعلى حلولها على السواء.
ج‌- تسجيل تطور العلاقات المركبة بين الظواهر الاقتصادية نفسها اي اكتشاف ودراسة القوانين الاقتصادية وتطورها(مثلا يكون مستوى الاسعار،او اسعار الصرف او العلائق بين الادخار والاستثمار او بين مستوى الاجور وكميات الانتاج..الخ).
من الواضح ان جميع التمييزات المذكورة هي تمييزات نظرية(مدرسية)،قد تنفع في تحليل الظواهر الاقتصادية والعناصر العلمية،ولكن لا اساس لها في الواقع الاقتصادي،واكثر الاكاديميين اليوم يوكدون على التفاعل المستمر بين النظرية الاقتصادية والسياسة الاقتصادية،مثال ذلك ان(لاجوجي)وهو من انصار التمييز،يشير صراحة(ص 6 - من كتابه السابق)الى الدور الحاسم في نظريات ارسطو وتوماس الاكويني وسميث وماركس في تطور النظام الاقتصادي والسياسي،وان كان يستنتج من هذه المسلمات نتائج خاطئة بالمرة،من قبيل دحض المادية التاريخية وتوكيد التفسير المثالي(وخاصة الهيغلي) للتاريخ،بل حتى الى تأييد التفسير البطولي لامئال توماس كارلايل.اننا اذ نرفض هذه التشويهات المبتذلة للمادية التاريخية،نحيل الى الفصل الذي كتبناه حول هذه النقطة في محاضراتنا عن تطور النظم الاقتصادية.واخيرا فان الاستاذ(جام) نفسه تراجع كليا عن موقفه السابق في كتابه الجديد(تاريخ الفكر الاقتصادي في القرن العشرين،الجزء الاول،المقدمة،1955، بالفرنسية)(38)واخذ يهاجم التمييز بين المذهب والنظرية على اساس انه(يشوه)اعمال المفكرين الاقتصاديين ويجزىء فكرهم الموحد،ويقدم عنهم صورا غير انسانية.هذا بالاضافة الى ان هذا التمييز يشوه كذلك المنهجية العلمية ولا يستوعب مراحلها الخمس المتعاقبة،مرحلة الملاحظةobservation فالفرضية Hybothese فالتعميم المنهجي Systematisation فالتحقيق Verification واخيرا العمل او التطبيق Action.ومما يلاحظ ان الاستاذ بيرو نفسه،وهو الرائد الاول لهذا التمييز،لم يلتزم به بدقة في مؤلفاته العديدة عن تاريخ الفكر الاقتصادي والفكر المعاصر.
12. الفكر الاقتصادي والنظام الاقتصادي:
لقد تطرقنا الى مفهوم(النظام)الاقتصادي في اماكن مختلفة من المحاضرات(راجع نظريات شومبيتر ولانكه ولانداور..الخ)،وقد تطرقنا بكل ايجاز الى جانب من آراء الاقتصادي الامريكي المعاصر بكنكهام في هذه المسألة(39).ان مفهوم بكنكهام(التكنولوجي)للنظام الاقتصادي،يرتبط بمفهومه عن المشكلة الاقتصادية التي تنشأ في نظره بسبب عدم كفاية قدرة الناس على اشباع حاجاتهم المادية،اي ان مفهومه في هذا الصدد هو المفهوم الشائع في الاوساط الاكاديمية المعاصرة،مفهوم الندرة الاقتصاديةScarcity .كما انه ينتهي من تحليلاته الى ان الاختلاف بين النظم الاقتصادية المعاصرة هو اختلاف في النوع وليس مجرد اختلاف في الدرجة،كما انه يخطىء الاقتصاديين الكلاسكيين الذين ذهبوا الى وحدة النظام الاقتصادي اي خلود نظامهم الكلاسيكي في الواقع،ويصر على تعدد الانظمة الاقتصادية بسبب تعدد الاساليب الممكنة لحل المشكلة الاقتصادية.كما انه يهزأ بالرأي الذي يتصور امكان انهيار ما يسميه(النظام الصناعي غير الرأسمالي)،ويقصد طبعا النظام الاشتراكي،بسبب تعارضه مع آليات النظام الرأسمالي.كذلك يرى المؤلف ان تعدد النظم الاقتصادية في العصر الحاضر يعود الى العوامل الثلاثة التالية:-
أ‌- تعدد الاهداف الاجتماعية في المجتمعات المعاصرة بالرغم من وحدة الاهداف الاقتصادية الخمسة(وهي اولا تحقيق الحد الاقصى من الكفاية الانتاجية في استخدام الموارد الاقتصادية لتلافي البطالة وثانيا تحقيق الحد الاقصى من الاستقرار لتلافي الازمات الاقتصادية،وثالثا تحقيق الحد الاقصى من المساواة في توزيع الدخول لسد حاجات المستهلكين،ورابعا تحقيق الحد الاقصى من النمو الاقتصادي لضمان زيادة الانتاجية في الأمد الطويل،واخيرا تحقيق مستلزمات التبدل الاقتصادي والاجتماعي).ان المجتمعات تختلف في الافضليات التي تعطيها للاهداف الاجتماعية،والاقتصاديون – في نظر بكنكهام - لا يصدرون(تقييمات)على الاهداف المذكورة بل يوصون فقط باحسن(الوسائل)المناسبة للوصول اليها،وهذا هو احد الاسباب لاختلاف وتعدد النظم الاقتصادية.ان بعض المجتمعات مثلا يعطي اهمية قصوى للقوة العسكرية بينما يخضع مجتمع آخر للسيطرة الدينية ويفضل مجتمع ثالث الثروة المادية كما كانت الحال مثلا في المجتمع المادي الديمقراطي في العهد الكلاسيكي(الذي اتخذ من شعار اكبر مقدار ممكن من الثروة لاكبر عدد ممكن من الناس).
ب‌- تعدد الطرق للوصول الى نفس الهدف الاقتصادي.فمثلا يمكن الحصول على هدف( زيادة الانتاج)بعدة طرق،منها على سبيل المثال زيادة المنح الحكومية،او تخفيض الضرائب،او التأميم،او اجراءات التدخل الحكومي.كذلك الوصول الى(اعادة توزيع)الدخل الوطني،بعدة طرق،قد تكون مباشرة كالاجراءات التشريعية،او غير مباشرة كالاجراءات المالية،او بواسطة نظام السوق نفسه.
ج‌- الاختلاف في الاولويات التي تعطى لبعض الاهداف الاقتصادية دون الآخر.فمثلا في مجتمع تتكون اغلبيته من الطبقة العاملة يكون هدف(العمالة الكاملة)من اول الاهداف الاقتصادية المطلوبة،ولكن في مجتمع آخر تغلب عليه المراتب المهنية ثم الوسطى والصغيرة،يكون هدف(النمو)و(المهارة)من اول الاهداف الاقتصادية المرغوب فيها.
لهذه الاسباب جميعها،يرى الاستاذ بكنكهام،تعدد النظم الاقتصادية لا في البلدان المختلفة فحسب،بل في البلد الواحد.مثال ذلك ان النظام الاقتصادي الامريكي الآن يختلف لحد كبير عن النظام الامريكي في سنوات 1860 و 1910 وحتى في 1932.ان(النظام)الاقتصادي ما هو الا مجموعة(وسائل السيطرة)control على العمليات الاقتصادية لغرض تحقيق الاهداف الاقتصادية.وتكون هذه الوسائل متعددة بطبيعة الحال،ومن اهمها وسيلة التشريع،ووسيلتا العادةcustom والتقليد tradition ووسائل الرأى العام والاقناع Persuation والدعاية،او وسيلة السوق الحرة.وهذا الاختلاف في وسائل السيطرة هو جوهر الاختلاف في النظم الاقتصادية حسب رأي بكنكهام(تراجع تفاصيل جيدة عن هذه الوسائل ودورها في تحديد طبيعة النظم الاقتصادية في المؤلف الجديد للاستاذ الالماني هايمان بعنوان:النظرية الاجتماعية للنظم الاقتصادية،بالالمانية،1963(40).
واستنادا لهذا المفهوم التكنولوجي للنظام الاقتصادي،يعرف بكنكهام النظام الرأسمالي بالشكل التالي:هو نظام اقتصادي صناعي يملك درجة عالية من التكنولوجيا ويتميز بالمؤسسات الاربع التالية:
أ‌- الملكية الخاصة لأهم السلع الرأسمالية واغلب السلع الاستهلاكية .
ب‌- نظام السوق،الذي يسمح بحساب النفقات والاسعار بصورة عقلانية،كما يسمح للرأسماليين والعمال والمستهلكين جميعا بالحساب العقلاني لاستخدام مواردهم على احسن صورة ممكنة لتحقيق اقصى اشباع لنفعهم المادي Material gain .
ج‌- دافع الربح،الذي يدفع جميع النشاطات الاقتصادية داخل النظام.
د‌- الحرية الاقتصادية Lasser Faire التي تقتضي عدم تدخل الحكومة في النظام الاقتصادي الا في حدود وضعها للاطار العام Framework اللازم لعمل نظام السوق ومؤسسة الملكية الفردية،بأكفأ ما يمكن.
ان اجتماع هذه المؤسسات الاربع هو الذي يكون النموذج النظري Theoretical Model للنظام الرأسمالي.ولكن في الواقع والتطبيق،قد لا تجتمع جميع هذه المؤسسات او قد تجتمع بدرجات متفاوتة.مثلا يرى بكنكهام ان النظام الامريكي المعاصر لا يعرف الا درجة ضعيفة نسبيا من الحرية الاقتصادية،في حين ان النظام النازي السابق تميز بتوفير الملكية الفردية ودافع الربح دون الحرية الاقتصادية والمنافسة،وفي النظام الاقتصادي الذي دعا اليه الاشتراكيان الفابيان البريطانيان سدني وبياتريزويب،تتوفر الحرية الاقتصادية والمنافسة دون الملكية الفردية وحافز الربح.
اما النظام الاشتراكي فيعرفه مؤلفنا كما يلي:هو نظام اقتصادي صناعي،يملك درجة عالية من التكونلوجيا،ويتصف بالمؤسسات الاربعة التالية:
أ‌- الملكية العامة لاهم السلع الرأسمالية،دون السلع الاستهلاكية.
ب‌- العدالة النسبية في توزيع الثروة والمدخولات الفردية.
ج‌- الديمقراطية الاقتصادية او الصناعية،اي سيطرة العمال الى حد كبير على ظروف الانتاج.
د‌- التخطيط الاقتصادي،اي تدخل الحكومة في الاقتصاد،لتحقيق الاهداف الاقتصادية الشاملة للنظام Overall Economic Goals ومن الملاحظ ان بكنكهام يهدف من دراسته الواسعة للنظم الاقتصادية المعاصرة،التوصل لايجاد نظام اقتصادي نموذجي عامModel General Economic order للمجتمعات الصناعية الحديثة،يجمع بين السمات النموذجية للرأسمالية والاشتراكية،على افتراض ان مؤسسات النظامين المذكورين لا تتعارض بالضرورة اذا اخذت كل على انفراد،بالرغم من تعارض النظامين ككل.فمثلا يمكن – في زعم مؤلفنا – التوفيق بين مؤسستي الملكية الفردية والملكية العامة بايجاد نوع من الرقابة الاجتماعية على وسائل الانتاج الاساسية.كذلك يمكن تخفيف دافع الربح بشكل يمنع تعارضه مع الديمقراطية الاقتصادية والعدالة في توزيع الدخول.ويزعم بكنكهام ان نظام الاتحاد السوفيتي اقل عدالة في هذه النقطة من النظام الانكليزي الذي يصفه بانه(نظام رأسمالي – اشتراكي هجين)Hybride .ان هذا الاتجاه(الوسطي)و(التوفيقي)الذي يطبع كتاب بكنكهام هو جزء من النظرية التعددية Pluralist الواسعة الانتشار جدا في الفكر الاكاديمي المعاصر،وخاصة في امريكا والمانيا الغربية،وقد تمت الاشارة الى شيء من ذلك في اثناء المحاضرات عند الحديث عن المفهوم الاكاديمي المعاصر للدولة.
13. الفكر الاقتصادي ونظرية النخبة:
لقد اكتفيت باشارة عابرة الى نظرية النخبة في هذه المحاضرات عند الكلام عن افلاطون وقد اطلعت مؤخرا على الكتاب الامريكي المعروف لماكس نوماد(اوجه التمرد)(41)وهو كتاب مكرس بكامله لدراسة الفكر الاشتراكي الحديث من زاوية نظرية النخبة Elite ،تلك النظرية المشهورة في العلوم الاجتماعية البورجوازية،والتي تعود جذورها للفكر الاجتماعي القديم،وخاصة اليوناني(جمهورية افلاطون،سياسة واخلاق ارسطو،اقتصادي اكزينوفون)وبالنظر لأن النظرية المذكورة تكون عنصرا اساسياً من عناصر الخلفية الاجتماعية وراء اغلب النظريات الاقتصادية الاكاديمية المعاصرة،رأيت من المناسب استعراض الخطوط العريضة لتطور هذه النظرية،بشكلها الحديث،مستفيدا على الأخص من الكتاب الاخير لماكس نوماد.
ان دعاة هذه النظرية يستهدفون في الواقع تحطيم اعتقادين اساسيين كانا ولا يزالان يستحوذان على قلوب جميع التقدميين في العالم:الحكم الديمقراطي،والمجتمع اللاطبقي.وهؤلاء الدعاة صنفان:صنف محافظ من خصوم الفكر التقدمي وابرزهم الاجتماعيان الايطاليان كايتاني موسكا وفلفريدو باريتو،والصنف الآخر من المرتدين على ماضيهم التقدمي وابرزهم فاكلاف ماجاييسكي البولوني وروبرت ميخلس السنديكالي الالماني، ويمكن ان نعتبر كاتبنا ماكس نوماد من هذا الصنف الاخير ايضأ.
ان اهم كتاب كلاسيكي ظهر حتى الآن في هذه النظرية هو مؤلف ميخلس بعنوان(حول سوسيولوجية الاحزاب في الديمقراطية الحديثة،1911)(42).وقد ترجم الى الانكليزية بعنوان (الاحزاب السياسية).
ان هدف الكاتب الالماني هو اثبات ما يسميه(الاتجاهات الاوليغارشية للحياة الجماعية)على اساس عجز الجماهير عن تنظيم شؤونها الجماعية او العامة،والاستحالة المادية للادارة الذاتية في الجماعات الكبيرة الحديثة،والضرورة الحتمية(للقيادة)الفردية المحترفة،بحكم ضرورات تقسيم العمل والتخصص،وتحول هذه القيمة حتما الى(اوليغارشية)ذات امتيازات سياسية وسلطوية تدعمها الجماهير نفسها.ان هذا(القانون الحديدي للاوليغارشية)كما يسميه ميخلس،هو الذي سيؤدي دائما الى انقسام المجتمع الى قادة(سادة)ومقودين،وانه قد ينتصر الاشتراكيون ولكن الاشتراكية مستحيلة الانتصار(بمعنى المجتمع اللاطبقي والقائم على المساواة،وليس بالمعنى الاقتصادي الصرف للاشتراكية).يرى ميخلس ان اي مجتمع،مهما كانت اعتقاداته،لابد ان تسوده اقلية،ذكية،نشيطة،لا اخلاقية،تتوسط دائما بين(الجماهير)،وبين(القضية)التي نظم المجتمع اصلا لتحقيقها(وطن،دين،مثل اعلى..الخ).ويحرص القادة على تثبيت المجتمع او المنظمة - اي تثبيت سيطرتهم - عليها اكثر من حرصهم على القضية نفسها.يعتقد المؤلف ان هذا القانون الحديدي يطبق على الحركات السياسية والدينية على السواء.
فالبوذية مثلا بدت كحركة احتجاج ضد فساد البراهماتية،ولكنها انتهت بأوليغارشية رهبانية وثيوقراطية طفيلية في منغوليا والتيبت.
والمسيحية،انتهت بمؤسسات محاكم التفتيش والحروب الدينية.والحركة الهاسية Hassadism(اليهودية)- صاحبة المثل الانسانية – انتهت بطائفة مرتزقة فاسدة تعيش على دماء الآخرين.
والليبرالية تحولت من حركة موجهة ضد فظاعات الاقطاع والكنيسة،الى حركة دفاع عن الاستغلال الرأسمالي واضطهاد الشغيلة.
والقومية،تحولت من حركة تحرير وطني وتوحيد قومي،الى حركة اضطهاد لاقلياتها القومية وشعوب العالم الاخرى.
والاشتراكية الديمقراطية،تحولت من حركة تبنت المثل الماركسية(المجتمع اللاطبقي المتحرر من الاستغلال الى حركة تسيطر عليها قيادة انتهازية من الطبقة الوسطى تماليء النظم الرأسمالية على حساب الجماهير الكادحة وتؤيد الحروب الرأسمالية والسياسة الكولونيالية.
والحركة النقابية (السنديكالية)التى بدأت كحركة احتجاجية ضد القانون والنظام(اي الرأسمالية)الى قلعة للمحافظة وللدفاع عن النظام القائم.
والماركسية التي كانت لدى ماركس تعني تحرير الطبقة العاملة،تحولت في روسيا مثلا الى شمولية(توتاليتارية)هيراركية(طبقية)اكثر استغلالاً واستبداداً من المجتمعات الرأسمالية.وبالمناسبة فان ميخلس هذا تجنس في اواخر حياته بالجنسية الايطالية واصبح من اشد انصار موسوليني.
***
وقبل ميخلس وضع الكاتب السياسي الايطالي المعروف كايتانوموسكا عام 1895 مؤلفه(عناصر العلم السياسي)(43)بالايطالية والذي ترجم مؤخرا للانجليزية بعنوان(الطبقة الحاكمة).
ان فكرته الرئيسية هي ان كل المجتمعات،مهما كان تركيبها الاجتماعي،محكومة بـ (الاقليات)التي يسميها(الطبقة السياسية)،وسلاحها الاساسي - عدا القوة المجردة - هو الشعارات السياسية،التي يعرفها بانها(نظام الاوهام لتبرير حكم السلطة السياسية في اعينها او اعين المحكومين على السواء).
***
كذلك دافع عن نفس الفكرة الاجتماعي الايطالي باريتو،صاحب نظرية( دورة النخبة)المشهورة،والتي تنظر للتاريخ وكأنه تعاقب صراعات مستمرة حول السلطة والامتياز بين من يسميهم الداخلين والخارجين ومن المعروف ان الكتاب الرئيسي لباريتو هو مطوله في علم الاجتماع العام،الصادر بالايطالية عام 1916(44).
ان السمة المشتركة بين هؤلاء الكتاب الثلاثة هي سمة التشاؤم من جهة(اي انعدام اي امل في تحرير الجماهير من حكم الاقليات السائدة)وسمة الواقعية في تحليل السياسة من جهة اخرى.
***
من الكتاب الذين أثروا تأثيراً بالغا في موسكا الاجتماعي البولوني - النمساوي لودفيك غومبلوفيج صاحب كتاب(الكفاح العنصري)(45)الصادر بالالمانية عام 1883،والذي اعتبر(ان المبدأ المحرك والدافع لحركة التاريخ)هو( الحافز الابدي للسيطرة والاستغلال الذي يحرك الاقوى من الناس)وان الاستغلال الانساني هو مظهر(لرغبة الانسان الطبيعية لاشباع حاجاته بأقل الجهود الممكنة).
***
ان هذه الفلسفة التشاؤمية(كما اسماها ميخلس نفسه)وصفت بحق بأنها فلسفة(الخضوع المطلق)من جانب الجماهير لمصيرها المحتوم.
***
واخيرا يفسر ماكس في كتابه موضوع البحث،هذه الفكرة وهو من انصارها،بانها تسجل حركة التاريخ كصراع بين(النخبة الحاكمة – In Elite)و(النخبة الساعية للحكم- Out Elite)،التي تقود وتستغل (قضايا) الجماهير للوصول الى الحكم ثم تدير ظهرها للجماهير،وان كانت هذه الجماهير تستفيد جزئيا من هذا الصراع في تحسين بعض ظروفها المعاشية،ولكنها لن تصل الى الحكم اطلاقا.ويرى نوماد ان قانون ميخلس الحديدي يولد بدوره قانونا جديدا آخر هو(قانون التمرد الدائم)ضد الاوليغارشية مهما كانت اقطاعية او رأسمالية او بيروقراطية ادارية.
ويرى نوماد ان البيروقراطيه الادارية السوفياتية الحالية،سبق ان تنبأ بنشوئها الكاتب ماجايسكي عام 1899 اي قبل اربعين عاماً من كتاب بيرنهام(الثورة الادارية)عام 1939(64)(عندما فسر المثل الاعلى للمجتمع اللاطبقي الذي يميز جميع المدارس الاشتراكية،بانه تعبير عن تطلعات(العمال الفكريين)اي مثقفي اليسار من الطبقة الوسطى،لتحقيق (حكمهم الطبقي)هم،باستغلال اوهام الجماهير حول الديمقراطية والاشتراكية.كذلك يرى المؤلف نوماد بأن التاريخ الحديث يثبت بان(الصراع بين السادة انفسهم من جهة،ومحاولات الجماهير الاستفادة من الصراع لتحسين ظروفهم الاقتصادية من جهة اخرى،يكون المحتوى الاساسي للعملية التاريخية)،هذه العملية لا نهاية لها،وان الصراع الطبقي مستمر الى الابد.ان هذه الثورة هي(الثورة الدائمة)ولكن ليس بالمعنى الماركسي او التروتسكي - الذي يضع نهاية للثورة طالما وصل القادة الجدد للسلطة،ولكن بمعنى حتمية الثورة العاجلة او الآجلة ضد اي شكل جديد للاستبداد والاستغلال،قد تقوم به(النخبات الجديدة)للثورات المنتصرة.
ان(الادارية)Managerialism تعني – كما عرفها ماكس نوماد عام 1953 في كتابه(القاموس السياسي لمتشكك)(47):النظرية التي ترى ان وارث الرأسمالي هو ليس العامل بل المدير وموظف الدائرة،ولهذه النظرية تأريخ طويل يلخصه نوماد بصورة مكثفة:
أ‌- اول من اشار الى النظرية هو الفوضوي الروسي المعروف باكونين.
ب‌- ثم طورها الثوري البولوني المشار اليه ماجايسكي.
ج‌- وعرضها في امريكا بصورة خاصة نوماد نفسه في مؤلفه(المتمردون والمرتدون 1932)(48)ومؤلفه الآخر(حواريو الثورة 1939)(49).
د‌- ثم وضع فيها كتاباً خاصاً ناجحا الفيلسوف الامريكي جيمس بيرنهام بعنوان(ثورة الادارة عام 1939)دون الاشارة الى اسلافه في هذه الفكرة.
***
ان نقد هذه الفكرة،وبيان موقعها من مجموع الفكر الامبريالي المعاصر،لا يدخلان في هذا الاستعراض السريع،وقد سبق وان تعرضت لهذه النظرية بشيء من التفصيل في المقدمة العامة التي كتبتها لكتاب(ازمة الفكر الاقتصادي)عام 1953(50).وفي رأيي ان ادق واوفى شرح تفصيلي للخلفية الاجتماعية لهذه الفكرة،مع تعزيزها بالمراجع الاصلية نفسها،هو الشرح الوارد في المؤلف الضخم الذي كتبه الاجتماعي الاسباني المعروف الاستاذ لويس ريسكانس سيجس،بعنوان(دروس في علم الاجتماع)علم 1948.

هوامش الدراسة
1. Roll - A History of Economic Thought,1952, pp. 13
2. Marx - Theorien uber den Meherwert, Dietz berlin,1957
3. Duhring - Kritsehe Gesehisehte der Nationalo- Konomie und Sozialismus,1971
4. Ashly - An Introduction to Economic History and Theory, 1883 – 1888
5. Gide & Rist - Histoire des Doctrines Economi¬ - ques, 1913
6. يذكر هايمان ان عمر علم الاقتصاد كمادة مستقلة،لا يزيد على قرنين(تاريخ المذاهب الاقتصادية،طبعة 1959،بالانكليزية،ص 3).
Heimann -History of Economic Doctrines, 1959.
7. راجع رول، المؤلف المذكور،المقدمة.
(7آ) Gonnard — Histoire des Doctrines Economiques, 1947, p. 4
8. من المنكرين لاستمرارية الفكر الاقتصادي،الاقتصادي الالماني اونكن(تاريخ الاقتصاد السياسي، ص15، بالالمانية). Onken - Geschischte der Nationalokonomie, s.15.
9. Haney — History of Economic Thought 1957, P. 70
ولا حاجة للتأكيد بانعدام الصلة بين الاعتقاد بنسبية الافكار الاقتصادية والاعتقاد بالطبيعة التدريجية لتطور النظم الاقتصادية،كما يتوهم هاني.
10. Stark – The Ideal Foundation of Economic Thought, 1944. P.7
11. Lajugie – Les Doctrines Economiques, 1949, p.21
12. Stvenhagen – Geschischte der Wirtschaftstheorie, 1957, s 13
13. Taylor – A Histroy of Economic thought, 1960
14. Haney – Ibed, pp. 7-20
15. Schmoller – Grundriss der Allgemeinen Volk – Wirtschaftslehre, s. 71, 1900 – 1904
(الوجيز في النظرية الاقتصادية العامة، ص71).
16. Schumpeter - Histroy of Economic Analysis, 1955, pp.29-32
17. شومبيتر،المرجع المذكور،الفصل الرابع بعنوان(اجتماعية الاقتصاد)وخاصة الفقرات المتعلقة بـ (التحيز الآيديولوجي)،ص 35 وبعدها،بالانكليزية.
18. هاني،المرجع المذكور،ص 20-27،بالانكليزية.
19. يعتبر بعض الاقتصاديين المنهج الاحصائي منهجا مستقلا الى جانب المنهجين الاستقرائي والاستنتاجي – راجع مقالة روملين Rumalin في (قاموس الاقتصاد السياسي) لشونبرغ،الجزء الثالث،ص 200 Schonberg – Handbuch der Politischen okonomie.
20. اونكن،المرجع المذكور،ص 9.
21. راجع كأمثلة على هذا الاتجاه الاستنتاجي المتطرف،المقتبسات التي يذكرها الاستاذ هاني من مؤلفات ريجارد وتلي وتورنر.
Whatley – Political Economy, pp. 149 – 150
Torrefc – Essay on Production of Wealth,1921
Compte -- Positive Philosophy, p. 26
22. Blaug – Economic Theory in Retrospect, 1952
تراجع المقدمة بعنوان: هل تقدمت النظرية الاقتصادية؟
23. Stark – History of Economics in its Relation to Social Development,1944
24. Rogin – The Meaning & Validity of Economic Thought,1956
25. Mitchell – Lectures:Notes on Types of Economic Thought,1949
26. Gray – The Development of Economic Doctrine,1931
27. Spann – Geschischte der Nationalokonomie,1931
28. Heimann – oper. Cit.,1945
29. Myrdal – The Political Element in the Developetment of Economic Thought,1953
30. Weismann – The Psycology of Economics,1955
31. C. Pirou – Traite de L Economie Politique, pp. 208 - 209
وقد الف (بيرو) في المذاهب والنظريات معا، ومن ذلك كتبه التالية:
a. Les Doctrines Economiques en Rrance,1930
المذاهب الاقتصادية في فرنسا،1930.
b. Les Nouveaux Courants de la Theorie Economique aux Etats Unis
التيارات الجديدة في النظرية الاقتصادية في الولايات المتحدة.
c.La Theorie de L Utilite Marginale chez Menger
نظرية المنفعة الحدية لمنكر.
32. James - Histoire des Theories Economiques,1950
33. Villy - Petite Histoire des Grandes Doctrines Economiques
34. Bousquet – Essai sur L Evolution de La Pensee Economique
35. Robbins - The Nature and Significance of Economic Science
36. H. Guitton – Le Catholicieme Social,1945
37. Jame -Histoire de la pensee Economique au Vigntieme Sciecle,1955
38. Buckingham - The Theoretical Economic Systems,1958
39. Heimann - Die Soziale Theorie der Wirtschafts - systemen,1963,S. 36
وقد اكد الاستاذ (كون) مؤخرا الترابط بين النظرية الاقتصادية والنظام الاقتصادي،فكتب في مقدمة كتابه الجديد(تطور الفكر الاقتصادي)العبارة التالية:(بدون دراسة للتاريخ الاقتصادي والسياسي،تبقى دراسة تاريخ الفكر الاقتصادي(النظرية)غير شافية من عدة وجوه،مهما تفرغ الدارس لذلك،وبذل دونه من عناء)– راجع:
Kuhn – The Evolution of Economic thought,1963,p.5
40. Max Nomad – Aspects of Revolt,1959
41. Robert Michels – Zur Soziologie des Parteiwesens,1911
42. Caetano Masca – Elementi di Seienza Politica,1893
43. Vilfredo Pareto – Trattato di sociologia generale,1916
44. Ludwig Gomplowicz - Rassenkampf,1883
45. James Burnhm - Managerial Revolution,1939
46. M. Nomad - Asceptic s Political Dictionary,1953
47. M. Nomad -- The Rebels and Renegades,1932
48. M. Nomad - Apostles of Revolution,1939
49. اعيد طبعها في ( هذا هو طريق 14 تموز) 1969.
50. Li R. Siches - Lecceiones Sociologia,Mexico,1948