إزاحة التحديثيين عن لعبة الكراسي


عبدالله خليفة
2014 / 9 / 27 - 10:26     


لم يكن جمال عبدالناصر وعبدالكريم قاسم سوى نموذج سياسي واحد. إن إفراز العرب لهذين النموذجين هو وليد بنى شمولية راحت طبعاتها تسوء .
إن قفزات العسكر البدوي والبدو العسكر وكلاهما وجهان لعملة العنف التاريخية المشكلة للعلاقات السياسية بين الطبقات، ولكن مجيء هاتين الشخصيتين من عالم القرية والفلاحين يطرح أسئلة تاريخية كبيرة عن أسباب هذا التبدل.
لقد أستقر البدو العسكر وهيمنوا على عالم الفلاحين وغدا الفلاحون هم أهم طبقة تصدر مشكلاتها وأزماتها لعالم السياسة والمدن والوعي.
لقد راحت القرى تتدهور مع تغلغل الرأسماليات الغربية عربياً وعجز الرأسماليات العربية عن التكون وسيادة العلاقات الإقطاعية في الريف.
لم تكن ثمة قدرات على انتشار الآلات في الأرياف، لقد أدت سيادة العمل اليدوي لكوارث كبرى. زيادات الولادات وعدم عمل النساء فاقم الظواهر السلبية.
إن تدهور السلع الزراعية تفاقم على مدى القرنين التاسع عشر والعشرين وتفجر في القرن الواحد والعشرين.
لم يكن بالإمكان ظهور الحاصدات وأشكال التطور التقني المتطور بل على العكس فإن الملكيات الزراعية وأسعار السلع والأجور انحطت، وهكذا راحت القرى تستنزف ويهاجر أبناؤها للمدن ويبكي مثقفوها كطه حسين من الأيام ويكشف توفيق الحكيم أزمات سطحية من خلال نائبه في الأرياف!
وكل بلد عربي واجه أزمته الزراعية القروية بشكل، سواء بتدهور أسعار القطن أم بموت النخيل أم بالتصحر أم بهجرة البدو وعودتهم لاقتصاد السلب والنهب!
إن العسكر والقوى السياسية القروية واجهت الأزمات البنيوية بالمزيد من المشكلات معتمدة العنف كوسيلة مركزية لحل أزماتها وبالاستمرار في أشكال وعيها القديمة غير المحللة للواقع السياسي الاقتصادي.
كان ظهور الضابطين الكبيرين على مسرح الأحداث يكشف طابع البنى العربية المقامة على هيمنة العنف وغياب الطبقات الحديثة المؤسسة للتجارة والصناعة الواسعتين.
لقد راحت النسخ العسكرية تؤدي للمزيد من الضياع للثروات وصعود نماذج الرأسماليات الحكومية غير الحرة وغير الديمقراطية مما غلغل طابع الأزمات وضيع الفوائض الاقتصادية حتى تفجرت حروباً عامة وأهلية.
نقلت القرى أزماتها للمدن وجعلتها قروية رثة، وتدهورت أشكال الوعي التي كانت تحديثية وعلمانية في البدايات المأمولة، فتضبب الوعي وضاع، ولجأ للأقدار والأقبية المعتمة والأفكار السطحية اليومية والعودة للطوائف وصراعاتها، فتفاقمت مشكلات التطور.
فحتى العسكريون الوطنيون الإصلاحيون اختفوا، وجثمت مكانهم قوى يأس وظلامية.
غدت الطبعات القروية في المدن تسوء أكثر فأكثر وباتت حروباً ضد المدنية والتحديث والوطنية.