اليمن.. بين الثورة والثورة المضادة


هاني عضاضة
2014 / 9 / 24 - 13:17     

اليمن أصبح على شفير الحرب الأهلية بالرغم من تجدّد الحراك الشبابي الثوري الذي نجح بإنهاء حكم علي عبدالله صالح، ولكنه لم ينجح بعد بتفكيك النظام السياسي اليمني والشبكة المافياوية المتحكّمة به تحقيقاً لمصالح طبقة مسيطرة على ثروات الشعب اليمني. انتصار الثورة المضادة في اليمن، المتمثّلة في أعلى مراحلها بالحرب الأهلية الرجعية، أصبحت قاب قوسين أو أدنى، مثل كل بلدٍ عربي آخر يشهد صراعات داخلية مموّلة ومدعومة من أطراف إقليمية ودولية، خاصةً بعد دخول إيران على خطّ تسليح القوى المتصارعة لتدعم الحوثيين، ليشتدّ الصراع، بعدما كانت قطر والسعودية تموّلان وتدعمان الإسلاميين المتطرفين من جهة، والنظام المافياوي الحاكم من جهة أخرى لعقودٍ من الزمن.

ولكنها ليست سياسة إيرانية أو سعودية أو قطرية، إنها سياسة الفوضى الخلّاقة التي تنتهجها الولايات المتحدة الأميركية منذ عقود في المنطقة العربية، وبشكل خاص في الشرق الأوسط، البقعة الاستراتيجية وخزّان النفط الأكبر في العالم. أما الأدوات التنفيذية لهذه السياسة الهادفة إلى تفتيت المجتمعات العربية فهي متعدّدة الأشكال، تارةً تكون الأنظمة الحاكمة التابعة التي تتلقّى الدعم من الإدارة الأميركية وحليفاتها الدولية أو العربية على شكل آليات وأسلحة قمعية وقنابل غاز وتدريبات للشرطة وغيرها من الوسائل، وتارةً أخرى تكون عبر تنمية منظمات تحمل أفكار دينية متشدّدة وتقسيمية في كنف الأنظمة نفسها وبحماية وتمويل ودعم. أما التدخّل الإيراني في اليمن وغيرها، فمستجدٌّ، ولا يغيّر من طبيعة السياسة الأميركية، بل يضيف عليها، لتنمو هواجس العرب السنّة من "الوحش الفارسي" أو "المد الشيعي". كل هذا السيناريو الذي نشهده اليوم، من ألفه إلى يائه، هو لمصلحة القوة الأميركية.

تقوم السياسة الأميركية في بلادنا على ركنين أساسيين، النهب والسيطرة، وبعد عدة محطات عملية أثبتت فعاليتها في عدد من البلدان من أفغانستان وباكستان إلى دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، على خلق أرضية منتجة للتطرّف الديني، تنمو في أحشائها تيارات دينية رجعية، تحمل في الوقت نفسه أفكاراً اقتصاديةً نيوليبرالية، وهي قادرة على مجابهة حركات التحرر الثورية إيديولوجياً وعملياً كونها تنمو على أرضية خصبة مهيئة لها. وقد بدأت الولايات المتحدة الأميركية بتطبيق هذه السياسة المبنية على أفكار مستشار الأمن القومي الأميركي السابق زيغينو بريجنسكي، ضد الإتحاد السوفييتي سابقاً، عبر إنشاء حزامٍ ديني أخضر يطوّقه ويحصر تسلّح وتوسّع الحركات التحررية التي يدعمها دون مقابل (في معظم الأحيان) ويضع حداً لتأثيره.

ومازالت الولايات المتحدة الأميركية حتى يومنا هذا تموّل وتدعم المنظمات الدينية المتطرّفة بوجه كل قوةٍ تحررية صاعدة بوجه النهب والإحتكار من جهة والكيان الصهيوني من جهة أخرى، وتبدأ بتقويض نفوذ تلك المنظّمات بعد خروجها عن سيطرتها المباشرة لكي تضمن تساوي القوى المتصارعة ما يرمي البلاد في آتون الحرب الأهلية، فلا قدرة لأحدٍ على الحسم، والتدمير الذاتي يصبح سيد الموقف، وهذا ما يحصل في اليمن اليوم، إلى هذا الحد أو ذاك، وما يحصل بوضوح أكبر بكثير في العراق.
إن تلك السياسة المتّبعة من قبل الإدارة الأميركية كافية لتأبيد سيطرتها على أنظمتنا السياسية وهيمنتها على ثروات شعوبنا، فبعد كل عملية تدمير وتقسيم، وبعد انهيار القوة الاقتصادية وعجز الداخل على النهوض ذاتياً بالاقتصاد المدمَّر، تبدأ الشركات الإحتكارية الضخمة بنيل التسهيلات وإتمام الصفقات من خلال القنوات السياسية التي تؤمنها شريحة من الفاسدين التابعين.

لقد ازدادت عمليات القتل والمعارك ذات الطابع القبلي والطائفي في اليمن، ما ينذر بالاقتراب من المحظور. هذه هي الثورة المضادة وهذه هي شروطها في هذا البلد، بدعمٍ أميركي وانزلاق إيراني إلى اللعبة الأميركية وقواعدها.
فرِّق تسد، ودمِّر ثم انهب. هكذا كان مخطّط "إعادة إعمار" سوريا، هكذا هو مخطّط السيطرة على العراق والسودان وليبيا، وهكذا سيكون مخطّط تقسيم اليمن الذي يملك ما يكفي من الموارد والقدرات ليصنع نهضة اقتصادية واجتماعية نوعية، إذا ما كفّت أيدي المتلاعبين بمستقبل شعبه، والمتواطئين مع نظامه السياسي المافياوي في آن، عن التدخّل بشؤونه. فلن ينقذ اليمن وثورته إلّا اليمنيون أنفسهم.