عبد الكريم قاسم.. هل كان مجنوناً؟


عبدالله خليفة
2014 / 9 / 23 - 10:41     


تمثل فترة حكم عبدالكريم قاسم بداية الانهيار للعراق الحديث، وقفزته في المجهول، بسبب أن العسكريين الذين حكموا العراق جاؤوا من مجهول وفراغ تاريخي مدني غير ديمقراطي، ولم يهتموا بالتراكم السياسي الاجتماعي النهضوي.
وتبدو شخصية عبدالكريم قاسم هي شكل المرحلة المجنونة، هي الممثل الرئيسي المعبر عنها.
القدوم من الفراغ التاريخي النهضوي لكون العسكريين بلا تأصل وتجذر في الطبقات البرجوازية والعامة، فهم أشتات أفراد يعبرون عن مصالح متضاربة وطوائف غير مدركة سياسياً وغير مبلورة.
هي مرحلة العراق الأولى للانزلاق نحو عالم المغامرات والتمزق الجغرافي والحضري.
جاء عبدالكريم قاسم من ظروف شعبية وحاول الالتصاق بها والتعبير عنها، نظراً إلى فقدانه التعبير عن طبقة ما، وعدم تبلور جهة سياسية فكرية، لقد افتتح قاسم مرحلة الحكام المجانين .
قام عبدالكريم قاسم بالإصلاحات اقتصادية وسياسية قافزاً على دور الأحزاب ومكوناً حلقة مؤيدة كبرى حوله ومستغلاً صراع اليسار واليمين الطفوليين لتقوية سلطته الشخصية المتفردة، رافضاً قيادة عبدالناصر للمنطقة، الأمر الذي أشعل الصراع بين الزعيمين العربيين الكبيرين.
عصبية قاسم وتوتره النفسي وحياته غير العادية كانت توحي بالجنون واستغلها خصومه للتشنيع عليه رغم كونه مثقفاً.
توجهت إصلاحاته نحو تغيير حياة الريف والقيام بإصلاح زراعي كان مهماً، وحسن ظروف حياة الطبقات الشعبية.
لكن القفزة السياسية للعسكريين ضيعت طبيعة السلطة وبدأت بتفكيكها وظهر ذلك في الصراع بين العسكريين الكبار المعبرين عن بدايات الصراع الطائفي والاجتماعي.
معارضة قاسم للعروبة والتوحد في المنطقة قربه من الشيوعيين الذين كانوا هم الآخرون يعارضون القومية العربية في شكل صراع طفولي معبرا عن خواء أيديولوجي وكأن القومية تعبير عن طبقة استغلالية.
غياب تمثيل العسكريين للطبقة الوسطى غير المتبلورة في العراق قاد إلى التعبير عن فئات مناطقية وطائفية ثم انفجر ذلك لاحقاً.
لم يقم العسكريون بتكوين دولة ديمقراطية بطبيعة الحال، والعودة لأسس الحضارة الحديثة بسبب تكوينهم، وهكذا غدت السلطة تنتظر الأكثر شدة وعسفاً.
حتى من الناحية السياسية التنظيمية لم يستطع قاسم أن يعتمد على قوة سياسية فهو ضد الأحزاب ويرتكز على التلاعب بها، فقامت الأحزاب بالصراع بينها وانتصر من كان أثر تجذراً في الجيش، وهي القوة التي صعدت مفككة العراق ومحطمة نفسها.
لم يستطع نقيضه الفردي عبدالسلام عارف أن يكون بديلاً، وقد قيل عنه عامياً (صعد لحم ونزل فحم)!