نشأ مؤتمرات و فكرعموم أفريقيا (The Historical and Ideological Foundations of Pan-Africanism)


كريبسو ديالو
2014 / 9 / 23 - 03:10     

التي بدأت منذ نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين مع أول مؤتمر عقد تحت هذا الاسم في لندن استجابة لدعوة محام من جزر ترينداد هو سيلفسترويليامز الذي كان أول من تحدث عن الجامعة الإفريقية وانصبّ اهتمام المؤتمر في البحث عن سبل تحسين أوضاع الأفارقة السود والمطالبة بحسن معاملتهم وتوالت مؤتمرات الجامعة حيث عقد المؤتمر الثاني في باريس عام 1919م برئاسة دي بويس والثالث في لندن وبروكسل عام 1921م وعقد المؤتمر الرابع في لندن ولشبونة عام 1923م وكان المؤتمر الخامس للجامعة الإفريقية عام 1927م في نيويورك هو آخر مؤتمرات الجامعة الذي يعقد برئاسة وليم دي بويس ويلاحظ بصفة عامة أن تلك المؤتمرات جميعها ركزت مطالبها في البحث عن سبل تحسين أوضاع الأفارقة ولم تتجاوز في مطالبها السياسية المطالبة بإقامة حكم ذاتي محلي للجماعات الوطني وقد مثل مؤتمر الوحدة الإفريقية الذي عقد في مانشستر ببريطانيا عام 1945م نقلة كبيرة في طبيعة مؤتمرات الوحدة وأهدافها حيث شهد المؤتمر لأول مرة مشاركة فاعلة من زعماء إفريقيا الشبان الذين اكتسبوا بسرعة شهرة وصيتاً ذائعاً في بلدانهم وفي مقدمتهم كوامي نكروما من ساحل الذهب (الاسم القديم لغانا) والذي أصبح بعد ذلك أول رئيس لها والزعيم إكينتولا (أصبح بعد ذلك رئيس وزراء نيجيريا) و جوموكيناتا (أصبح رئيساً لكينيا عند استقلالها) وممثل عن الدكتور ايزيكوي (أصبح رئيساً لنيجيريا بعد ذلك) كما أن المؤتمر طالب بقوة ووضوح بالحكم الذاتي والاستقلال لإفريقيا السوداء وتجدر الإشارة إلى أنه من رحم «مؤتمر مانشستر» ولدت السكرتارية القومية لغرب إفريقيا والتي نظمها الدكتور نكروما وتعهدت تلك السكرتارية في مؤتمرها الذي عقدته في أغسطس 1946م بتطوير فكرة اتحاد فيدرالي من غرب إفريقيا حتى يمكن استخدامه في النهاية في تكوين الولايات المتحدة الإفريقية وهي المرة الأولى قدر ما هو معروف لدينا التي يُستخدم فيها اصطلاح ولايات متحدة إفريقية «الانتقال إلى إفريقيا» ويؤرخ لها بانعقاد مؤتمر الوحدة الإفريقية المستقلة الأول عام 1958م، في أكرا عاصمة غانا حيث اجتمعت دول إفريقيا المستقلة آنذاك باستثناء جنوب إفريقيا في أكرا في أبريل عام 1958م وكانت ثلاث منها تنتمي لإفريقيا السوداء وهي: إثيوبيا، غانا، وليبيريا وخمس دول عربية هي: مصر، تونس، ليبيا، السودان،مورتانيا وأكدت أعمال المؤتمر زيف الحواجز اللونية والعقدية واللغوية أو الجغرافية (الصحراء الكبرى) بين دول القارة وعند انتقالها إلى القارة اكتسبت الحركة ملامح وأهدافاً جديدة

ويمكن إجمال أهم ملامحها فيما يأتي من شعارات وأهداف؛ رفعتها الحركة ونادت بها :

1- إفريقيا للإفريقيين: بمعنى الاستقلال التام ونبذ الاستعمار في جميع صوره وأشكاله.

2- العمل على قيام ولايات متحدة إفريقية: ومثالها الأعلى قارة متحدة اتحاداً كلياً عن طريق سلسلة من الاتحادات الإقليمية التي تربط الأقطار بعضها ببعض

3- التوفيق بين الأصالة والمعاصرة: من خلال استقصاء الشخصية الإفريقية وإعادة تشكيل المجتمع الإفريقي بأن يُؤخذ من ماضيه ما هو قيّم ومرغوب فيه وربطه بالأفكار المدنية الحديثة

4- بلورة قومية إفريقية: تحل محل النظام القبلي في الماضي

5- النهوض بالاقتصاد القومي للدول الإفريقية: ليحل محل النّظم الاقتصادية الاستعمارية

6- تضامن الشعوب السوداء في كل مكان والتحالف الأخوي مع الشعوب الملونة: على أساس التاريخ المشترك في الكفاح ضد الاستعمار

وتجدر الإشارة إلى أن انتقال فكرة الوحدة الإفريقية إلى قارة إفريقيا تزامن مع بروز تيار ثقافي تزعمه وأسس له الباحث السنغالي شيخ انتاديوب ينادي بالأصل الإفريقي للحضارة المصرية مدللاً على ذلك بالعديد من الشواهد الجيولوجية واللغوية والأنثروبولوجية والتاريخية، وذلك بغية التصدي للاتهامات الغربية الاستعمارية للقارة الإفريقية والأفارقة بالتخلف وعدم الإسهام الحضاري حيث رأى أن ما أثبته في كتاباته وبحوثه من أصول إفريقية للحضارة المصرية يمثّل ركيزة أساسية في حرب إثبات الذات الإفريقية في مواجهة مساعي المسخ والطمس التي مارسها ويمارسها الغرب في مواجهة الأفارقة وكل ما هو أسود

ثانياً: تجليات فكرة الوحدة الإفريقية ومآلاتها بعد الاستقلال:

تكشف تجليات فكرة الوحدة الإفريقية في مرحلة ما بعد الاستقلال عن هوّة واضحة بين رغبات الشعوب الإفريقية في ترجمة الكفاح ضد الاستعمار بالقضاء على مواريثه وفي مقدمتها واقع التجزئة والتفتت، ومخاوف بعض قيادات الدول حديثة الاستقلال آنذاك على مكاسبهم الشخصية وطموحاتهم ضيقة الأفق والنطاق في الزعامة والرئاسة وهو ما تجلّى في مواقف ثلاثة متمايزة بشأن فكرة الوحدة والتنمية وهو ما نفصّله في السطور الآتية

أ - فكرة الوحدة لدى التنظيمات الشعبية:

جسّدت مؤتمرات الهيئات غير الحكومية مثل منظمة الشعوب الإفريقية قيم الوحدة الإفريقية وأفكارها في صورتها المثالية حيث تواترت قرارات تلك المؤتمرات على المناداة بالوحدة الإفريقية الشاملة، موضّحة السبل والإجراءات اللازم القيام بها لتوضيح ذلك، ومن الأمثلة الدالة على هذا المقام القرارات التي تواتر صدورها عن مؤتمر شعوب إفريقيا عبر دوراته الثلاث التي عُقدت في أكرا 1958م، وتونس 1960م، والقاهرة 1961م، فيما يتصل بالوحدة والتضامن

ففي البيان الصادر عن مؤتمر شعوب إفريقيا المنعقد بالقاهرة في مارس 1961م، تم تأكيد ضرورة إنشاء شركة نقل بين الدول الإفريقية لتسهيل السفر وتبادل البضائع بينها وإنشاء بنك إفريقي للاستثمار لتسهيل تنفيذ خطط التنمية وعقد اتفاقات جمركية واتفاقات دفاع جماعية لتنمية التبادل الاقتصادي بما يمهّد لإقامة السوق الإفريقية المشتركة

وفيما يتصل بالوحدة والتضامن؛ أشار البيان إلى أن الوحدة يجب أن تكون نابعة من إرادة شعوب إفريقيا المعبّر عنها تعبيراً حراً وأنه من الواجب على جميع الدول والمنظمات الإفريقية أن تُظهر إرادة جماعية حقيقية في الوحدة

وأشار البيان إلى أنه نظراً إلى أن الإمبريالية والاستعمار الجديد يعملان بطريق مباشر وغير مباشر لتقسيم الدول الإفريقية وخلق عقبات حقيقية تقف في سبيل تحقيق الوحدة وتأكيد الشخصية الإفريقية يوصي المؤتمر جميع حكومات الدول الإفريقية بإنشاء

1 - مجلس استشاري إفريقي: يتكون من أعضاء يمثّلون برلمانات الدول المستقلة وتكوين سكرتارية دائمة ويعقد جلسات دورية بغية وضع سياسة مشتركة تنتهجها الدول الإفريقية

2 - مجلس للدول الإفريقية: يعهد إليه دراسة توصيات المجلس الاستشاري وتنفيذها، خصوصاً فيما يتعلق بمسائل السياسية الخارجية

3 - لجنة من الخبراء الأفارقة: لوضع الأسس لسياسة اقتصادية مشتركة وذلك بغية النهوض بالوحدة السياسية الإفريقية ودعمها وعلى شرط أن تقوم أسس هذه المجموعة الاقتصادية على تنسيق خطط التنمية في كل دولة بغية تغيير الأنظمة القائمة وتوحيدها

4 - لجنة من القادة العسكريين الأفارقة: يعهد إليها دراسة دفاع إفريقي مشترك وتحديده وتنظيمه

5 - لجنة ثقافية: لوضع سياسة إفريقية لشؤون التعليم والتبادل الثقافي

ب - فكرة الوحدة على الصعيد الرسمي:

وعلى الرغم من تلك القرارات وبالرغم من نضال الرئيس نكروما من أجل الحصول على موافقة الدول الإفريقية على تكوين اتحاد سياسي من جميع الدول الإفريقية على غرار الولايات المتحدة الأمريكية ودفاعه عن ضرورة وجود منظمة سياسية مركزية تضم مجلس شيوخ ومجلس نواب لهما سلطة وضع سياسة خارجية مشتركة وتخطيط قاري مشترك للتنمية الاقتصادية والصناعية وخطة عمل مشتركة ومنطقة نقدية ومصرف نقدي ونظام دفاع مشترك فإن مساعي الوحدة الإفريقية القارية أسفرت في النهاية فقط عن قيام منظمة الوحدة الإفريقية بوصفها مظلة للعمل الإفريقي ومحصلة للإرادات المستقلة للدول الإفريقية التي حرصت جميعها على الحفاظ على استقلالها وسيادتها حيث أكد ميثاق الوحدة الإفريقية في بنوده احترام سيادة الدول الإفريقية واحترام سلامتها الإقليمية وكذا المساواة بين دول القارة الأمر الذي جسّد الاعتراف بواقع التعدد والاستقلال بين الدول الإفريقية

ج - البدائل لفكرة الوحدة الإفريقية:

ومع إخفاق مساعي قيام الولايات المتحدة الإفريقية اجتهد بعض قيادات القارة في تبنّي النظم الفكرية الغربية والشرقية بوصفها سبلاً للتقدم والتنمية وسعى آخرون إلى بلورة مشاريع فكرية تنموية خاصة من ذلك على سبيل المثال مشروع الأوجاما الذي بلوره الرئيس التنزاني الأسبق جوليوسنيريري والذي يقوم في جوهره على بعث بعض التقاليد الإفريقية والتعاونيات الجماعية وإحيائها، فبعد التعبير عن معارضته للأيديولوجيات الغربية والشرقية وأساليب تطورها أوضح نيريري أفكاره الخاصة فيما يتعلق بعملية التنمية والتطور في تنزانيا مؤكداً أن إفريقيا لم تعد بحاجة إلى الاشتراكية ولا لمن يعلمها الديمقراطية لأنهما موجودتان منذ الأزل في ماضيها في مجتمعاتها التقليدية فبوسع الاشتراكية الإفريقية الحديثة من وجهة نظره أن تستقي من تقاليدها الموروثة مبدأ الاعتراف بالمجتمع بوصفه امتداداً لوحدة العائلة غير أنه لم يعد في مقدورها المضي في حصر فكرة المجتمع العائلي في إطار القبيلة أو حتى الأمة.