الهدف المعلن -داعش- والحقيقي سورية


نعيم الأشهب
2014 / 9 / 20 - 11:35     


يُستنتج من تحليل معهد "كارينغي" أن داعش هو أداة السعودية "لضمان دور لها في العراق وسورية". ولا يرى حكام السعودية أي تناقض ولا حتى أخلاقي بين احتضان "داعش" وتمويلها وبين محاربة أي اقتراب لهذا التنظيم أو سواه من أراضيها


خلاصة استراتيجية أوباما المعلنة لمحاربة تنظيم "داعش": شن غارات جوية أميركية على مواقعه في سورية والعراق. ولما غدت دولة أوباما عاجزة عن إرسال قوات برية الى المنطقة من جديد، فقد أحيلت المهمة الى تحالف من بعض دول المنطقة، التي اجتمعت على الفور في جدة السعودية برئاسة وزير الخارجية الأميركية؛ وأعلنت تشكيل التحالف المطلوب.

لكن أكثر ما يسترعي الانتباه في هذه الاستراتيجية وهذا التحالف هو أولا - إعلان السعودية عن استعدادها لتدريب المعارضة السورية (لاحظ السورية) على أراضيها، يقابل ذلك استعداد واشنطن، كما جاء في استراتجية أوباما إياها، مضاعفة المساعدات والتسليح لهذه المعارضة السورية، رغم إعلان أوباما شخصيا، قبل فترة بأن هذه المعارضة التي يسمونها معتدلة هي نوع من " الفانتازيا"؛ وثانيا - تشكيلة التحالف لمحاربة "داعش": فبينما تعمّدت واشنطن استبعاد دول ذات وزن في المنطقة وقريبة منها، من هذا التحالف، كإيران وروسيا، وقبل ذلك سورية التي تصارع الإرهاب الوافد من الخارج الى أراضيها، على اختلاف مسمياته، منذ قرابة أربع سنوات، وعبّرت عن استعدادها الكامل للمشاركة اقليميا ودوليا في محاربته؛ فإن بعض الدول التي تمّ اختيارها لعضوية هذا التحالف ساهمت وما تزال بفعالية في خلق وتمويل هذا الإرهاب بما في ذلك تنظيم "داعش" إياه.

يرى معهد "كارينغي" الأميركي للدراسات الإستراتيجية والدولية أن "السعودية لا تزال قلقة مما قد يحدث إذا تمّ القضاء على التنظيم (أي داعش).." وأعرب المعهد عن اعتقاده بأن "السعودية لن تدعم عملية متعددة الجنسيات ضد الدولة الإسلامية "، كما ينادي أوباما ووزير خارجيته نظرا لقلقها من المشروع "إلا إذا استطاعت أن تضمن لنفسها دورا في سورية والعر اق بعد هزيمة التنظيم".. أي أن هذا التنظيم هو أداة السعودية "لضمان دور لها في العراق وسورية". ولا يرى حكام السعودية أي تناقض ولا حتى أخلاقي بين احتضان "داعش" وتمويلها وبين محاربة أي إقتراب لهذا التنظيم أو سواه من أراضيها؛ ثالثا، لماذا "داعش" دون سواها؟ وهذا ما أثاره الرئيس المصري أمام وزير الخارجية الأميركي - كيري؟

عدا ذلك، فقد تعمّد أوباما التأكيد على أن الغارات الجوية الأميركية على مواقع "داعش" في سورية كما في العراق، ستتم دون أي تنسيق، مباشر أو غير مباشر مع الدولة السورية، وطبعا، دون قرار من مجلس الأمن الدولي؛ وهذا ما حذرت منه روسيا وإيران، عدا سورية، باعتباره عدوانا سافرا على دولة ذات سيادة، وخرقا خطيرا للقانون الدولي.

وبينما هوّل أوباما بشكل ملفت للنظر، في قوة وانتشار "داعش" الى حد تصويرها خطرا قد يصل الأراضي الأميركية، وأن الصراع معها سيمتد سنين طوالا!، مع أن القضاء عليها وبأسرع وقت يعتمد في الأساس على تجفيف مصادر دعمها واغلاق طرق وصول عناصرها الى الأراضي السورية والعراقية؛ في الوقت ذاته، تجاهل أوباما عامدا كيف تولّى الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة، إقامة هذه الفزاعة الإرهابية التي يهوّلون اليوم، وبشكل مفاجئ في قدراتها؛ كما تجاهل عامدا كيف تقاطرت عناصرها من كل حدب وصوب، بما في ذلك من بلدان هذا الغرب، باطلاع ومعرفة المسؤولين فيها، عابرين الى الأراضي السورية من حدود تركيا، عضو حلف الناتو، والضالعة في التآمرعلى سورية منذ البدء. ومعلوم أنه سبق تمدد "داعش" المفاجئ في الأراضي العراقية تزويدها بكميات هائلة من السلاح العصري، بالإنسحاب المفاجيء لعدد من فرق الجيش العراقي من لواء الموصل، تاركين وراءهم سلاحهم لهذه العصابة. كانت هذه عملية استلام وتسليم مكشوفة. وإذا كان اعلان "الحرب" على "داعش"، هو غطاء للمحاولة مجددا الإعتداء على سورية ومواصلة الجهد لتقسيم العراق على أسس طائفية، فقد يكون في الوقت ذاته عملية "تأديب" لهذه المنظمة الإرهابية، لخروجها على خط سيرها المقرر، حين توجهت الى المناطق الكردية، التي تعتبرها واشنطن قاعدة أساسية لها في المنطقة منذ العام 1991، ومنها ستنطلق بعض الطائرات الأميركية لتنفيذ الغارات الموعودة.




*تحجيم وليس تصفية*




وإذا كانت واشنطن تستهدف حاليا تحجيم "داعش" كما أوحى أوباما في استراتيجيته المعلنة، وليس تصفيتها، إذ ربما تحتاج لخدماتها في ظرف ومكان آخر.. فإن أهداف واشنطن أبعد كثيرا من أهداف تحالف جدة. وإذا كان إخضاع سورية، التي استعصت حتى الآن، هو هدف استراتيجي لأتباع واشنطن في المنطقة، وبخاصة السعودية وقطر وتركيا، لكنه، على أهميته لواشنطن ليس إلاّ معبرا لهدف ذي طابع عالمي.

إن إخضاع روسيا واحتواءها، ومن بعدها عزل الصين وترويضها، هي الأهداف الكونية البعيدة المدى لاستراتيجية الإدارة الأميركية، وذلك في محاولة يائسة لاستعادة التفرد الأميركي في السيطرة على العالم الذي تزعزع الى حد كبير، ليفسح المجال لعالم متعدد الأقطاب. واخضاع سورية سيسهّل عزل إيران واحتواءها، وفي الوقت ذاته يفتح المجال لتهديد روسيا والضغط عليها من خاصرتها الجنوبية؛ وهذا ما يفسّر الدعم الروسي الثابت للدولة السورية. وفي ضوء المحاولات الفاشلة، في الجولة الماضية، لأخذ سورية، بما في ذلك إجهاض النوايا الأميركية لمهاجمتها من الجو، بزعم استعمالها لأسلحة كيماوية، تحوّلت واشنطن لمنازلة روسيا والضغط عليها عبر خاصرتها الغربية - أوكريينا. لكن النتائج، حتى الآن، تمثل مكسبا استراتيجيا لروسيا على الأرض بمقدار الفشل لواشنطن.

لكن العودة، تحت غطاء محاربة "داعش"، لمحاولة ضرب سورية، وفي الوقت ذاته، لمحاولة إرباك وتشتيت روسيا بين جبهتين، تحمل معها أكثر من مؤشر على الفشل المحقق هذه المرة ايضا، للأسباب التالية :1- أن الدولة السورية أقوى من أي يوم مضى منذ اندلاع الأزمة فيها وصراعها مع عصابات الإرهاب؛ 2- أن دول تحالف جدة الأخير ليست في وضع لترسل أيا منها جنديا واحدا لـ"مقاتلة داعش" على الأراضي السورية أو العراقية؛ 3- ان الإعلان الرسمي عن تشكيل تحالف جدة لم يصفّ المحاور وأسبابها داخل مكوّنات هذا التحالف، بدليل رفض تركيا التوقيع على البيان الصادر عن هذا التحالف اعتبارا منها أن تشكيله جاء لصالح محور السعودية - مصر على حساب محور تركيا - قطر، التي أعلنت فور انتهاء لقاء جدة عن إبعاد عدد من قادة حركة الإخوان المسلمين عن أراضيها رضوخا للضغوط؛ 4 - المعارضة الدولية، شبه الشاملة، لمغامرة أوباما الجديدة، كما صدر عن لقاء شنغهاي الذي ضم دولا ذات وزن عالمي كبير، وفي الوقت ذاته، امتناع الدول الغربية بما فيها دول أساسية عن المشاركة في هذه المغامرة المحكومة بالفشل، كألمانيا وبريطانيا الأشد قربا من واشنطن، وإحجام حتى فرنسا عن المشاركة في الإغارة على قواعد "داعش" داخلي الأراضي السورية.

ولعل الإعلان عن ذبح "داعش" بشكل استعراضي للمواطن البريطاني إنما جاء لاستفزاز الجمهور البريطاني، ودفعه للإنجرار وراء مغامرة واشنطن المتهورة. فهل ترتدع واشنطن أمام هذه الوقائع الصلدة أم تركب رأسها وتدفع المنطقة لتأزيم إضافي، غير محسوب العواقب؟