تحدّي الشفافية.


حميد هيمة
2014 / 9 / 17 - 07:11     

لا معنى لشعاراتنا، التي تُرفع عاليا في الشوارع، في غياب الترجمة العملية لمضمونها في سلوكنا اليومي. ولا قيمة لمبادئنا، التي نُوزعها في كل المناسبات، في ظل تغييبها في تنظيماتنا؛ التي نعتبرها، بناء على مرجعيتنا المهيكلة، الأدوات الحاملة لمشروعنا في التغيير المنشود!
كيف لنا، نحن من لا نتردد في قصف "الفساد" بكل النعوت القدحية، أن نختبر أدواتنا التنظيمية، الحاملة للمشروع، على قاعدة المبادئ والقيم التي نعمل بجهد على "تسويقها" في المجتمع؛ الذي نسعى إلى تغييره وفقا لأفقنا؟

يجب، إذن، أن نتحدى الفساد بتقديم النموذج الآخر الذي نزعم تمثيله: نموذج الشفافية المتعارض قطعا مع الفساد!

التحدي، بهذا المعنى، سيكون مطروحا على الشبيبات الحزبية، وخاصة الشبيبات التقدمية، للاعتبارات التالية:
1- التضحيات الجسيمة التي قدمها شباب المغرب، بكل أجياله، من أجل استقلال الوطن وكرامة الشعب المغربي.
فلم تثن الاعتقالات العشوائية والقمع الممنهج والاستشهادات البطولية شباب المغرب، وبالتحديد طليعته المتعلمة، في الاستمرار على نهج التضحيات من أجل مغرب بدون فساد!
من شباب الحركة الوطنية في كفاحهم من أجل الاستقلال الوطني، ومرورا بشباب اليسار في نضالهم من أجل نهضة الوطن، وإلى شباب 20 فبراير كحركة مجتمعية من أجل مغرب الديموقراطية، في كل هذا المسار- التاريخ الحافل بالتضحيات ظل المطلب قائما: إسقاط الفساد!
2- شكلت التنظيمات الشبيبة، في ممارستها السياسية والتنظيمية، نموذجا متقدما عمّا هو سائد في الاحزاب الوطنية والديموقراطية. لقد ظلت هذه الشبيبات، في الغالب الأعم، كتنظيمات موازية لتربية الشباب والشابات على قيم الممانعة والتضحية والالتزام الصادق بنبل الأهداف والغايات؛
3- شكلت، أيضا، تجربة الشباب، المنخرط في المنظمات الشبيبية، لحظة فاصلة في الصراع ضد الفساد والاستبداد؛ حيث تؤكد المؤشرات على استعصاء دفع هذه الفئة للتطبيع مع الفساد أو دفعها للصمت مقابل نِعَم عائدات الريع السياسي.
المؤشر ليس إطلاقيا، لكن يحضرني نموذج مشرف لذاكرة الفعل الشبيبي التقدمي للأستاذ محمد حفيظ، ككاتب عام أسبق في الشبيبة الاتحادية،الذي رفض مقعدا برلمانيا مزورا رغم الضغوط الحزبية (أقصد الاتحاد الاشتراكي) في سياق إنجاح لحظة "التوافق" الذي كان يقوده أنذاك الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي لإنقاذ المخزن من سكتته القلبية؛
4- هذا التحدي يهم، حصريا، المنظمات الشبيبة التقدمية، لأنها تعمل بناء على إيمانها بالفعل التطوعي لغرس القيم الإنسانية في أوساط الشبيبة المغربية. وبالتالي، فإن المنظمات الغارقة في عائدات الريع معفية من هذا التحدي!
(...)

لهذه الاعتبارات، يجب أت ترفع الشبيبات الحزبية الوطنية، التي تنتمي إلى الصف الديموقراطي، وفي مقدمتها حركة الشبيبة الديموقراطية التقدمية، التي أتشرف بالانتساب إليها، تحدّي الشفافية في وجه فساد نقيضنا السياسي والاجتماعي: نظام الفساد والاستبداد.
سيكون مفيدا، مثلا، أن تنشر حشد التقدمية، عبر هيآتها، كشف تفصيلي لميزانية منظمتنا، من حيث المداخيل والمصاريف خلال الفترة الممتدة من المؤتمر السادس إلى الآن، بالاعتماد على خبير مختص تنفيذا لمطلبنا المبدئي للنظام بضرورة اعتماد معايير الشفافية وربط تحمل المسؤولية بالمحاسبة.

إننا كشبيبة نستفيد من المال العام، في إطار الدعم الممنوح، وبالتالي سنكون ملزمون أمام الرأي العام، أكثر من الوزارة الوصية، بتقديم كشف الحساب لتأكيد تطابق شعاراتنا مع سلوكنا اليومي.
فمن غير المعقول، أن يبادر النظام إلى إنجاز تقارير مفصلة لإداراته ومصالحه عبر المجلس الأعلى للحسابات، ونظل نحن نختلي بترديد هذا الشعار دون "تنزيله" فعليا في تنظيمنا!
ستكون حشد التقدمية، بهذه المبادرة الشجاعة، إن امتلكنا الجرأة للمبادرة والفعل، نموذجا حيا للتنظيم الذي يجسد فعليا شعاراته في ممارسته التنظيمية، وستكون هذه المبادرة، أيضا، فعلا ذكيا للرد على كل مزاعم الفساد المنشورة في المواقع الإلكترونية والمنتديات الاجتماعية!

فهل ننجح، كشبيبة ديموقراطية، في التحدي أم أننا سنجنح، كعادتنا، إلى فضيلة الصمت حتى يعُم النسيان؟

ملحوظة: أتمنى أن لا نُضيع الزمن هدرا في نميمة الهواثف لكشف المؤامرة الاستعمارية لهذه الخاطرة!


(*) عضو اللجنة المركزية لحركة الشبيبة الديموقراطية التقدمية.