الصحافةُ وجدل التقدم


عبدالله خليفة
2014 / 9 / 8 - 09:18     

المطبوعة هي جوهر الديمقراطية، وركيزة التقدم والنهضة، تلتقي حولها تيارات العقل والنقد والبناء والجدل، وتتفجر شرارات المعرفة من حولها.
في القسم الآسيوي من الوطن العربي أختار الثوار الكبار النيران والحرائق طريقاً لبناء عالمهم الذي أتى متأخراً على هيئة حروب أهلية.
في البداية اختاروا شعار:
(من الشرارة سوف يندلع اللهيب)، ولو كانت شرارة ولهيباً لسار العالم الشرقي بأشكال تحولية سلمية متدرجة مفيدة، لكنه دخل حريقاً عالمياً لا يزال يعاني من آثاره ونتائجه.
ولهذا يختار كاتب اسم الحزب الشيوعي لتنظيمه في بلده الذي لا تعرف النساء فيه غير العباءات والمطابخ.
بلد يحتاج إلى الدراجات والمطبوعات التي تتجمع حولها الفئات المثقفة وتنمو.
كان يمكن عبر عقود أن تتحول هذه الزهرة إلى حديقة ألوان وملاحق وكتب.
تفكير الشرارة حرق أصحابه، ولم تزل أبنية الخرافة والاستغلال شامخة لا تخدعها المدائح وتقلب الجمل وتبدل الأفواه.
الفارق بين هذا والذين أسسوا (الأهرام) و(المقطم) و(أخبار اليوم) كالفارق بين المشعوذ السياسي والمفكر.
(غضب الشعب) و(الصرخة) و(الشرارة) و(الحريق)..
وكأن البلدان تفتقد إلى الحرائق التي تلتهم بيوت الفقراء كل يوم!
الفوارق كبيرة بين مطبوعة مثل الأهرام وصراخ المشرقيين لحرق منطقتهم.
الأهرام تؤسس جدلاً فكرياً ثقافياً على مدى عقود، تتسرب أصابع المعرفة من تحت الأبواب، وتتحد بالشاي والطعام والإنارة.
علاقات طويلة مركبة مع الشعب، يحدث جدلا خصبا وتظهر فئات المفكرين والفنانين والأدباء الذين يثرون المطبوعات وينشرون كتباً جديدة تثري الواقع.
تعال إلى المشرق سوف ترى فقط المطبوعات التي لا ترتبط بقوى الاستبداد ذات الرأسماليات الحكومية، صمدت وسط المستنقعات وقدمت ورقاً متواضعاً فيه معرفة.
مؤسسات الفئات الوسطى الحرة الصحفية قدمت خدمات سياسية ومعرفية للوطن العربي كله، ومن حجر الأهرام اتسعت المنابر والحريات.
وورث الدينيون هذه العقلية النارية ولديهم من الشرارة سوف يعود الحكم الصالح.
يملأون الشوارع بالقار المشتعل.
يحرقون مؤسسات للدرس وخدمة الأطفال.
لماذا لا يثقون في أفكارهم ويعرضونها بهدوء على مدى سنوات ويرون الخطأ والصواب فيها، ويعالجون نقصها، ويفهمون الناس؟
لماذا فقط يكون المنبر الديني الجامد أو المؤسسة البيروقراطية هما منتجا الكلام؟
أليس الكلام لا ضرر فيه قياساً للشرارة والغاز المسيل للدموع؟
الصحافة هي دائرة الحرية والموسوعية والحوار ومنتجة التحولات السلمية العريقة.