(لقد مات صاحبي الذي أحببت وغدا ترابا...)


أحمد الناصري
2014 / 9 / 4 - 11:33     

مات شقيقي وأخي وصديقي وخلي وصاحبي وغدا ترابا... مات الشقيق، الفنان والمعلم والرياضي صبري عبد العلي حسين سراج (1944 – 2014) بحادث سيارة مروع، في ليل مدينة الناصرية... كنت أشبهه في الشكل، وفي أمور كثيرة، أهمها حب الناس والانحياز لهم، رغم اختلاف المنهج. فقد كان مستقيماً وصادقاً وقوياً وعنيداً بالحق... ظل يرسم ويعلم الرسم ويزاول أنواع الرياضة، وهو يدخل السبعين، حيث مات في الأول من أيلول الحزين... بموته سقط حلم وأمل عائلي بسيط آخر في أن أراه ونحكي ونضحك ونتذكر ونقول ما فاتنا وأنا في غربتي المديدة...
شكراً من القلب لجميع الأصدقاء... شكراً لكلماتكم ومشاعركم الصداقية الصادقة، التي أعانتني على حزني وجزعي من هول الفجيعة والخسارة والصدمة...
أعرف طائر الموت (وقد راقبته وراقبني وحام حول جثتي الحية ولامسها مرارا) وهو يحوم ويترصد وينقض على من يريد، دون أذن أو تردد، حيث يأخذه إلى الغيب والغياب البعيد، وقد أخذ منا الكثير... لكنني خاطبته بلسان الشاعر سميح القاسم (أنا لا أحبك يا موت... لكنني لا أخافك) ولا تهمني خططك وسيرتك. سوف لن احذر من الموت، ولا أتابع مصير الموتى بعد الموت، لكني سأستمر بقراءة سيرة كلكامش، ليس بصدد الخلود وعبثه، لكن في قصة الحزن القاتل... خسائرنا كثيرة وباهظة، لا تتوقف ولا تعوض، لكننا (نحب الحياة ما استطعنا أليها سبيلا)...
الحزن الأسود والثقيل، الحزن العراقي والعائلي، يغطيني ويغمرني ويشل أحاسيسي، ويطرح أسئلة غامضة عن الإنسان، وجوده ومصيره وهشاشته.
ما زلت مصدوماً ومدوخاً ومرتبكاً من هول الخسارة والفجيعة... فلا شيء حقيقي مثل الحزن، ولا شيء يشبهه أو يضاهيه عندما يختلط مع الدم ويترسب في أعماق الروح... الحزن أنبل ظاهرة إنسانية... ذلك الحزن المتراكم والمتيبس في أعماق الروح... سأحتفظ بحزني الجميل والمقدس، كي لا يسقط فوق الأشجار وعلى ماء الأنهار أو على أرواح الناس وأصابعهم... حزني سيكون لي وحدي، سأحتفظ به في خزانة العمر، التي كادت أن تمتلأ فتفيض.
قبل الآن، وبعد الآن، سأرتب حياتي وأيامي وأوجاعي، وفق موجات وأنوع ودرجات الحزن القديمة والجديدة المتلاطمة. وأعيد قراءة حسين مردان، في الأزهار تورق داخل الصاعقة، لأرى الحزن الذي ظل يطارده... قد أجد حلاً وراحةً في الموسيقى الكلاسيكية العميقة...
لكني أعرف تماماً أن هناك أطفالاً يولدون في اللحظة القادمة، وأن زهرة تشق طريقها في صمت الحجر ومن صلبه وصلابته، كي تعلن الرغبة في الحياة... الحياة تتفتح داخل الحياة، رغم أنف الموت وبشاعته. الموت لا يحب الحياة، لكن مساحات الحياة أوسع وأجمل...
شكري العميق لكم جميعاً...