و(الفولاذ) بعناه!


عبدالله خليفة
2014 / 9 / 3 - 09:45     


الأدب والفن هما النوعان الأدبيان اللذان ارتبطا بروح الإنسان، بعد أن تلاشت الروحانية وتعملقت الإرادة الفاعلة.
إن القشور وملابس الزمان السياسي الرثة وتحول الذات إلى مسوخ، والتي تتداخل بالفن والأدب مموهةً ذواتها بالعبارات البلاستيكية من حرف الخردة المختلفة وبأشكال الشحاذين المستعطية تتساقط وتُعجن في الوحل مصيبةً أصحابها بعاهات التشوه وتبقى الجماليات الرائعة المعانقة لكفاح الناس.
المسوخ هي التي تعري نفسها بالتصاقها المرضي بالإبداع، تفضح ذواتها، وتجعل من ذواتها مواد للسخريات على مسرح الحياة، وبدلاُ من الصعود إلى العظمة تقذف بالنقص والإدانة.
قضية (الواقعية الاشتراكية) هي إشكالياتُ الأدب والفن في العالم الثالث حيث لا ديمقراطية، والمثقفون خدم وعبيد يحولون الكلمات السامية إلى فن يومي للخنوع والتفاهة ويحصلون على أجورهم المادية العالية وانحطاطهم الأخلاقي وسخرية المسرح البشري.
أدباء صادقون في دهاليز البيروقراطية لا يبقون بل ينتحرون كماياكوفسكي، أو يتجرعون الغصص حتى ينطفئون كجوركي، أما كُتّاب التفاهة اليومية فقادرون على العيش وابتلاع الجوارب، يحيلون نضالاتهم الأولى الصغيرة العابرة إلى تجارة ومساخر في آخر العمر، يتمسكون بنفايات يمضغونها بلذة، ومباهاة وغرور، ودفاع شرس عن شروى نقير.
لا تأتيهم القدرة على الانتفاضة الروحية الخلاقة ففقد تكدس العمرُ بالتلوث أكثر من سمك صناديق يُعاد كل يوم بالثلج، ربما حتى يسمم المشترين.
بل ويدافعون عن الشرور والفضائح فلم يعد في جسم الكهل منطقة نظيفة، اشترته المصارف والدوائر ومصائد الأسماك وحظائر الحيوان، فلم يعد قادراً على كلمة غضب واحدة، أو استخدام حصاة لقول لا، يلبس معاطف الصوفيين وينشد المدائح الدينية وروحه منتجة في محل قمار.
فكيف يخرج من شارع مدمنين ومتاجرين في الأصناف؟
مدرسة الكتابة البطولية وتصوير ملاحم العاملين ذات أثر مهم وخاصة لدى المتنورين العرب كما حدث لجورج حنا الكاتب اللبناني الذي استثمر كتابة الإنسانية المتقدمة شرقاً وغرباً، وكتب(قبل المغيب) شمساً جديدة.
هذا الكاتب المتنور كانت كتبه للشباب والصغار مدرسة في سنوات الستينيات، ومن لم يفهم الحداثة والجدل وعلم الاجتماع كان يشرحه له.
كتب شولوخوف الروائي الروسي (الدون الهادئ) في أعقاب الثورة ومؤسساتها المتحكمة لكنه لم يكتب بعد ذلك الدون غير الهادئ، حيث انتشر قمع الفلاحين ومصادرة أراضيهم وقمع القوى الشعبية الديمقراطية، فقد خرس لسانه وعاش لم يتوج كتابته وإبداعه بأعمال فذة تعري الانقلاب على الثورة والانقلاب على الديمقراطية.
ولهذا فإن الكتّاب والمبدعين السابقين الصغار أولى بأن يشتروا ويتبخروا على أرض الصراعات الساخنة، ويتحولوا إلى تماثيل من البلاستيك التي لا تشهد الزمن ولا ترى الواقع إلا كما يراه.
روايات روسيا الثورة والحرب والبطولات العظام كانت تزخر بالأبطال المجنحين الذين يعبرون مستنقعات الألغام ومعسكرات العمل وجحيم الثورة بأعمال فذة، قصصهم ألهمت أجيالاً، بعضها مبالغ فيه ولغات تنفخ في الأبواق وبعضها صادق إنساني عبر عن تجارب.
كثيرون باعوا الفولاذ الذين لم يشربوه وتساقطوا من ثاني كتاب وثالث وجيل جديد فقد أسنانه قبل أن يتكون ريش الكتابة على كتفيه.