أول مظاهرة مليونية في مصر يوم 14 نوفمبر 1951


أحمد القصير
2014 / 9 / 1 - 11:55     



كان عدد سكان مصر عام1951 حوالي عشرين مليونا فقط. ومع ذلك شهدت القاهرة مظاهرة بلغ عدد المشاركين فيها حوالي المليونين. وذلك على الرغم من أنها كانت مظاهرة صامتة، وهدفها دعم الكفاح المسلح وتحية الشهداء والابتهاج بإلغاء معاهدة 1936. وأطلق عليها "موكب الشهداء". وسار على رأسها رئيس الوزراء مصطفى النحاس باشا زعيم حزب الوفد. وكان النحاس باشا قد ألغى يوم 8 أكتوبر من نفس العام معاهدة 1936 بعد عملية ضغط شعبي وحركة جماهيرية كانت منظمة حدتو في قلبها. طالبت الحركة الجماهيرية بقطع المفاوضات مع بريطانيا واستخدام أسلوب الكفاح المسلح لطرد القوات البريطانية من منطقة قناة السويس. وشارك في هذه المظاهرة حزب الوفد والحزب الاشتراكي، أي حزب مصر الفتاة. كما شارك فيها الشيوعيون أي منظمة حدتو على وجه التحديد. وكان أبرز من قاموا بتمثيل حدتو هم أعضاء مكتب الأدباء والفنانين التابع لها ومعهم ممثلو النقابات العمالية المرتبطين بحدتو أيضا خاصة نقابات عمال النسيج.
لم تشارك جماعة الإخوان المسلمين في المظاهرة. فقد كانت تعادي حزب الوفد وزعيمه مصطفى النحاس وتقف في نفس الوقت في صف الملك فاروق. كما كانت أيضا ضد الكفاح المسلح ولم تشارك فيه. رغم أنها تزعم غير ذلك. لكن مواقفها في هذا الشأن موثقة ومعلنة. ويعتبر كتاب "مقدمات ثورة 23 يوليو1952" للمؤرخ عبدالرحمن الرافعي مرجعا هاما في هذا الشأن. وقد اتخذ الإخوان دوما موقفا معاديا للحركة الوطنية.
كان الشعب ثائرا ضد الاحتلال وضد الملك فاروق بينما اتخذ الإخوان موقفا مختلفا. وذهب مرشدهم العام المستشار حسن الهضيبي لمقابلة الملك فاروق يوم20 نوفمبر1951 وأكد له أن الإخوان لن يشتركوا في عمليات الكفاح المسلح ضد القوات البريطانية في منطقة قناة السويس. كما أن الهضيبي كان قد صرح أيضا قبل مقابلته للملك فاروق بشهر بأنه ضد الكفاح المسلح. ففي يوم19 أكتوبر1951 قال الهضيبي في تصريح لصحيفة "الجمهور المصري" بأنه ضد الكفاح المسلح ووصفه بأنه أعمال عنف. فقد قال في ذلك التصريح: "وهل تظن أن أعمال العنف تخرج الانجليز من البلاد. إذهبوا وأعكفوا على قراءة القرآن". ذلك هو موقف جماعة الإخوان المعادي لتوجهات الحركة الوطنية. وهو موقف مضاد للحركة الجماهيرية التي عبرت بوضوح عن دعمها للكفاح المسلح.
في20 أكتوبر1951، على سبيل المثال، ردد المتظاهرون هتافا في مواجهة مصطفى النحاس باشا رئيس الوزراء يقول: "نريد السلاح للكفاح" لكن جماعة الإخوان المسلمين كانت تسير في اتجاه مضاد. تشكلت كتائب التحرير من الوفديين والحزب الاشتراكي والشيوعيين وتحديدا منظمة حدتو حسبما أوضحنا آنفا. كما ان ضباط الجيش الذين ينتمون لحدتو شاركوا في تدريب الفدائيين ونقلوا إليهم الأسلحة والذخيرة بمحافظة الشرقية ومنطقة قناة السويس. وأبرز هؤلاء الضباط هما أحمد حمروش وعثمان فوزي. كما كان جمال عبدالناصر يتعاون معهم ويزودهم بأسلحة وذخيرة.
المشاركون بالمظاهرة:
عرفت شخصيا بموضوع المظاهرة وترتيباتها قبل موعدها بعدة أيام. وبدأ أعضاء حدتو من طلاب مدرسة حلوان الثانوية يستعدون للمشاركة فيها. وكنت من بينهم. وفي صباح ذلك اليوم نزلنا من حلوان وتجمعنا مع الطلاب في ميدان الاسماعيلية، أي ميدان التحرير حاليا. شارك في المظاهرة ممثلو كافة الفئات والجماعات من اساتذة جامعات وقضاة ونقابات مهنية وعمالية ورجال الدين والطلاب بنات وبنين. وظهر فيها تمثيل المرأة بشكل بارز وشديد التنظيم. وهي صفة عامة تنطبق على جميع المشاركين بالمظاهرة. كما شارك فيها حسبما أوضحنا آنفا ثلاثة أحزاب رئيسية. وقد أشرنا من قبل أيضا أن جماعة الإخوان المسلمين وقفت دوما ضد الحركة الوطنية ورفضت الكفاح المسلح ضد القوات البريطانية في منطقة القنال علاوة على توددها الدائم للملك فاروق واتصالاتها السرية ببريطانيا.
مسار المظاهرة:
كان التجمع في ميدان الاسماعيلية، أي ميدان التحرير حاليا. وانطلقت المظاهرة في شارع سليمان باشا، الذي يحمل حاليا اسم شارع طلعت حرب. وبعد ذلك اتجهت يمينا في شارع الملك فؤاد، أي شارع 26 يوليو الحالي. ثم اتجهت يمينا ثانية في شارع ابراهيم باشا ويحمل الآن اسم شارع الجمهورية. ومرت بميدان الأوبرا وتمثال ابراهيم باشا في اتحاه ميدان عابدين. وتفرقت هناك.
شعارات المظاهرة:
حملت اللافتات التي رفعها المتظاهرون شعارات وطنية كان من بينها:
0 مصر للمصريين.
0 أخرجوا من بلادنا.
0 بالدماء تتحرر الأوطان.
0 إرادة الشعب تسحق الاستعمار.
كما حمل ممثلو نقابات العمال خاصة عمال النسيج الذين لهم علاقة بمنظمة حدتو لافتات ضخمة تحمل شعارات ومطالب عديدة. وفيما يلي بعض تلك الشعارات:
0 الكفاح المسلح طريق الخلاص.
0 نريد الاعتراف بالصين الشعبية.
0 نريد معاهدة صداقة وعدم اعتداء مع الاتحاد السوفيتي.
0 أفرجوا عن المسجونين السياسيين.
كما ارتفعت لافتات باسم المسجونين السياسين يطالبون فيها الاشتراك في الكفاح المسلح بالقنال. وعلاوة على ذلك برزت بالمظاهرة أعمال فنانين تشكيليين من أعضاء مكتب الأدباء والفنانين التابع لمنظمة حدتو. ومن أبرزهم زهدي وجمال السجيني. والجدير بالذكر أن عمال النسيج بمدينة الاسكندرية رفعوا نفس هذه الشعارات السياسية في اليوم السابق لهذه المظاهرة، أي في 13 نوفمبر1951 الذي كان يسمى في العهد الملكي بعيد الجهاد الوطني.
د. أحمد القصير