مقدمة كتاب -يوميات عن إجهاض الإخوان ثورة 25 يناير واسترداد ثورة 30 يونيو للوطن-


أحمد القصير
2014 / 8 / 31 - 12:42     

مقدمة كتاب "يوميات عن إجهاض الإخوان ثورة 25 يناير
واسترداد ثورة 30 يونيو للوطن"

هذا الكتاب عبارة عن يوميات كتبتها خلال الفترة ما بين 28 فبراير2011 و6 يوليو2013. كنت أضعها مباشرة على صفحة الفيسبوك الخاصة بي. بدأت هذا الأمر بمجرد أن تأكد لي أن ترتيبات إجهاض ثورة يناير2011 بدأ الإعداد لها رسميا وعمليا. فقد تآمرت جماعة الإخوان على الثورة مع قوى خارجية وفي ظل تواطؤ قوى داخلية. بعض هذه القوى تواطأ عن غير وعي وعن جهل بتاريخ الحركة الوطنية علاوة على تجاهله تاريخ الإخوان الإرهابي الدموي والمعادي للحركة الوطنية والديمقراطية. والبعض الآخر تواطأ عن عمد وسبق الإصرار، وشكل طابورا خامسا للإخوان وحليفتهم أمريكا. ويتكون هذا البعض الأخير من عدة مجموعات تواجدت على الساحة، وكانت حليفة بشكل وثيق لجماعة الإخوان منذ عدة سنوات سابقة على ثورة 25 يناير2011. ويتمثل هؤلاء في جماعة "6 أبريل" و"الاشتراكيين الثوريين" المرتبطين بحزب العمال البريطاني الاشتراكي الذي يدعو إلى ضرورة التحالف مع الإخوان. وكان مندوبه المدعو هارمان يحضر سنويا مؤتمرهم بالقاهرة إلى أن توفى عام 2009 في مصر في أعقاب مؤتمرهم ذلك العام. ونشروا له كتابا بالعربية عنوانه "النبي والبرليتاريا". ويضاف إلى كل هؤلاء عدد آخر من أصحاب التوجهات الفوضوية أيضا الذين يسعون بدورهم إلى هدم مؤسسات الدولة. وبهذا التقوا مع سعي الإخوان لهدم الدولة الدولة الوطنية ومؤسساتها.
كما يلتحق بكل هؤلاء بعض الانتهازيين وبعض أشباه المثقفين الذين يعتنقون فكرا ليبراليا يعشق التبعية للغرب ويعادي العدالة الاجتماعية. وقد حذرت هذه اليوميات من ثورة مضادة يقودها الإخوان لإجهاض ثورة يناير. وتساءلت عن سبب وقوف قوى تدعي الديمقراطية أو الليبرالية في خندق واحد مع قوى خارجية تدعم الإخوان للاستيلاء على الحكم. لقد أفضت ترتيبات الإخوان للقفز إلى السلطة وتدمير الدولة وإشاعة الفوضى إلى تمزيق المجتمع وتهديد الهوية الوطنية على نحو لم تشهده مصر من قبل.
وعلاوة على ذلك انخدعت بعض القوى المسماة ديمقراطية أو ليبرالية بالخطاب المراوغ للإخوان المسلمين، وأسهمت مواقفها بشكل أو آخر في إنجاح المؤامرة الإخوانية الأمريكية للسيطرة على مصر وتمزيقها. فقد قبلت هذه القوى رغم التحذيرات ترتيبات الفترة الانتقالية التي وضعتها لجنة تعديلات دستورية. وهي لجنة إخوانية مشبوهة ترأسها فقيه الاستبداد الإخواني طارق البشري. ولم يشترك فيها سوى الإخوان. كما سار بعض هذه القوى وراء الإخوان وقبلوا إجراء الانتخابات قبل إعداد الدستور رغم التحذيرات بضرورة أن يكون الدستور أولا. فقد طالبت بعض القوى بضرورة وضع الدستور قبل أي انتخابات لكن تم تجاهل هذا الرأي. وعلى سبيل المثال تنازلت قوى سواء من المسماة بالديمقراطية أو الليبرالية ولم تصر على ضرورة أن يكون الدستور أولا. ولم تدرك أهمية الشعار القائل "الدستور أولا أو الفوضى". وسار معظم هؤلاء خلف الإخوان. حدث ذلك رغم أن عدة ملايين المصريين قالوا لا للتعديلات الدستورية رغم الحملة الإخوانية والسلفية التي اتهمت الذين قالوا لا بالكفر.
كما اشتركت بعض هذه القوى المسماة بالديمقراطية أو الليبرالية في تأسيسية الدستور التي كانت إحدي حلقات التأمر على ثورة يناير. وقد انساقت وراء تطمينات غير حقيقية من مجلس طنطاوي وعنان العسكري بأنه يقف على مسافة واحدة من كافة القوى السياسية. علاوة على ذلك فقد دخلت بعض هذه القوى المسماة بالديمقراطية أو الليبرالية في تحالفات انتخابية تحت مظلة جماعة الإخوان. وكان ذلك عبارة عن سقطة سياسية أسهمت في المحصلة النهائية في تعريض مصر لخطر التدمير والاختطاف. ورغم ذلك لم يتم الاعتذار عن هذه المواقف الكارثية على الوطن.
ينبغي التنويه بأن الذين تواطؤا مع الإخوان عن عمد كان بينهم حسبما أوضحنا من قبل كل من جماعة 6 أبريل وما يطلقون على أنفسهم زورا "الاشتراكيين الثوريين". وكانت أهدافهم وما زالت تتوافق مع توجهات أمريكا وخططها الرامية إلى تمكين الإخوان. ومن بين المواقف التي شكلت أيضا خطرا دور الذين ليس لهم أي تاريخ سياسي وطني. وجميعهم من أدعياء الثقافة الذين نصبوا انفسهم خبراء وأوصياء. ومعظمهم محليين. لكن البعض منهم جاء وافدا من اغترابه.
ظهر هؤلاء على صفحات الصحف وعبر القنوات الفضائية يقدمون فتاوى كاذبة عن الثورة والديمقراطية وعن التاريخ وعن جماعة الإخوان، وزعموا أنها جماعة وطنية تعرضت طوال تاريخها للاضطهاد. وبهذا ضللوا الناس وأخفوا أن جماعة الإخوان كانت طوال تاريخها إرهابية ومعادية للحركة الوطنية وعميلة للقصر الملكي والبريطانيين ثم الأمريكان.
ومن دواعي الأسف أيضا أن بعض التجمعات التي اشتهرت بالمطالبة بالتغيير قد شاركت في تسويق الإخوان، وباعت للناس وهما يقول إن الإخوان جماعة وطنية مضطهدة ومن حقها استلام الحكم. ونعني هنا على سبيل المثال حركة "كفاية" و"الجمعية الوطنية للتغيير" ورئيسها محمد البرادعي صاحب الأدوار المريبة المشبوهة الذي طعن مصر. ولا يمكن أن نتغاضى عن أشخاص مشبوهين آخرين كانت لهم أصواتا زاعقة في تلك الجمعية. كما لا يمكن أن نغض الطرف عن أن جماعة الإخوان المسلمين كانت من أبرز المشاركين في هذه الجمعية. كما شارك فيها بعض فروع الإخوان. ونعني هنا "حزب الوسط" و"حزب العمل" وبعض الأتباع الآخرين لكل من الإخوان والأمريكان.
كما روج البعض فكرا زائفا يزعم أن قيادة جماعة الإخوان الحالية انحرفت عن تعاليم حسن البنا وسارت وفق تعاليم سيد قطب. وهذا تزوير أكثر من فاضح. فإن حسن البنا هو مؤسس الإرهاب والجهاز الخاص السري المسلح. كما أن الاغتيالات السياسية الشهيرة تمت في عهده وبأوامر منه شخصيا. وعلاوة على ذلك فإن محاولة الإخوان الفاشلة لاغتيال جمال عبدالناصر عام 1954 كانت من تدبير مكتب الإرشاد وحسن الهضيبي المرشد العام. كما أن حسن البنا هو مؤسس الخطاب المراوغ للإخوان الذي ساروا وفقا له بوضوح طوال السنوات الماضية سواء قبل ثورة يناير2011 أو بعدها. وعلى سبيل المثال أمر حسن البنا الجهاز السري بقتل القاضي الخازندار ورئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي ثم خرج يصرح قائلا إن الذين قاموا بالاغتيال "ليسوا إخوانا ولا مسلمين".
وثمة عوامل أخرى ساعدت على تصعيد جماعة الإخوان إلى الحكم وعلى إجهاضها الثورة. فالإخوان لم يصعدوا للسلطة بل تم تصعيدهم.. وينبغي القول إن عملية التصعيد هذه لم يشارك فيها الأمريكان وحدهم. بل أسهمت فيها أيضا أوضاع ومواقف داخلية. فهناك قوى محلية ساهمت في هذا الأمر حتى وإن كان بغير وعي وعجز في الرؤية السياسية. ونقول هنا إن مواقف بعض الأحزاب التي ظهرت في أعقاب ثورة 25 يناير كانت من العوامل المساعدة لعملية إجهاض الإخوان للثورة ولعملية تصعيدهم للحكم.
يلاحظ أن بعض زعماء هذه الأحزاب بدون تاريخ نضالي وطني. وشكلت مواقفهم الهزلية غير الواعية استسلاما وتسليما للإخوان. وجاء هذا التسليم والتخاذل لأنهم انخرطوا في السياسة دون معرفة بتاريخ مصر الوطني، ولا بالقوى المحركة لذلك التاريخ، ولا بقوى الإرهاب وخونة الوطن. وللإسف فإن حزب الوفد بقيادته الحالية اتخذ نفس المواقف الخاطئة متجاهلا تاريخ الحزب. ويبدو الأمر وكأن حزب الوفد الحالي لا يعرف أن القصر الملكي والسفارة البريطانية بالقاهرة قدموا الدعم إلى جماعة الإخوان واستخدموها لمحاربة شعبية زعيم الوفد مصطفى النحاس ودوره الوطني. ويبدو أن زعامة حزب الوفد الحالية لا تعلم أيضا أنه عندما كانت المظاهرات الشعبية تهتف قائلة "الشعب مع النحاس" فإن الإخوان كانوا يردون على ذلك بهتاف يقول "الله مع الملك".. إن الذاكرة الوطنية تمنحنا نفحات من الوعي.
لقد استسلم كل هؤلاء لخطة التآمر على الثورة، وخضعوا لمؤامرة تسليم مصر للإخوان وتصعيدهم للحكم. وهي الخطة التي بدأت بلجنة تعديلات دستورية إخوانية مشبوهة قررت إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية بدون دستور. والخطيئة الأكبر لكل هؤلاء أن القضية الوطنية وحماية الهوية المصرية لم تشغل بالهم. وبدا الأمر وكأن مسألة الخلاص من التبعية لا تعنيهم. كما لم يلقوا بالا لمسألة استعادة الإرادة الوطنية التي أهدرها السادات ومبارك. ثم جاء الإخوان وأهالوا عليها المزيد من التراب. كما لم تؤرقهم المؤامرة التي أعدها الإخوان مع دول عربية وأجنبية خاصة أمريكا للإستيلاء على مصر وتمزيقها. ويبدو أن الانشعال الأكبر لبعض هؤلاء انصب على الحصول على نصيب زهيد من تركة نظام مبارك وبرعاية إخوانية أمريكية. ولهذا دخل البعض منهم في تحالفات انتخابية مع جماعة الإخوان. ومن دواعي الأسف أيضا أن معظمهم انتخب مرسي لرئاسة الجمهورية. بل إن بعض أشباه المثقفين المنتسبين زورا إلى الثورة عقدوا اتفاقا مع مرسي وأعلنوا تأييدهم لانتخابه رئيسا وتوصيله للرئاسة.
لا يجب أن نتجاهل وجود قوى أخرى قامت بدور أكثر خطورة على الثورة وعلى الوطن. وكانت حليفا لصيقا بالإخوان. فقد شارك السلفيون والجهاديون بدور رئيسي في إجهاض الثورة وفي دعم مؤامرة الإخوان ضد الوطن. كما أشاعوا الفوضى، وقاموا بترويع المواطنين، وأقاموا "الحدود"، وألغوا حق المسيحيين في المواطنة، ودعوا إلى فرض الجزية، ووزعوا اتهامات بالكفر في كل اتجاه دون رادع. وتركهم مجلس طنطاوي وعنان العسكري يهددون تماسك المجتمع وكأن الدولة غي موجودة. لقد توهم السلفيون أن دعمهم للإخوان سوف يؤدي إلى إقامة خلافة إسلامية وإلى تحويل مصر إلى إمارة. لم يدرك هؤلاء مدى تمسك الشعب المصري بهويته الوطنية الحضارية. كان الوعي بأن شعب مصر سدافع بقوة عن هويته الوطنية والثقافية هو الذي يعطي الأمل. وهو الذي دفعني مثلا للقول في هذه اليوميات إن "مصر ليست إمارة. ولن تكون".
ومن الأمور التي صبت في صالح مؤامرة الإخوان على الثورة والوطن تلك الحملة الغوغائية التي شنها الإخوان ضد اليسار. وبلغت تلك الحملة حد الوقاحة. فقد رشحوا أشخاصا بعينهم لقيادة اليسار. وهي حملة شارك فيها بعض الانتهازيين أشباه المثقفين الذين يجهلون أن اليسار المصري قدم للوطن نضالا وكفاحا مسلحا وشهداء من أجل الاستقلال الوطني، والحرية، والعدل الاجتماعي، والمواطنة المتساوية. كما قدم ثقافة وطنية وفنونا أسهمت في تشكيل الوجدان المصري.
لقد تجاهل من وصفناهم بأشباه المثقفين أن الإخوان لم يقدموا للوطن سوى الإرهاب والقتل وخيانة مصر وحاولوا تدميرها. وبكل اسف استفاد الإخوان في حملتهم ضد اليسار من ظهور أشخاص على الساحة زعموا أنهم يساريين في حين أنهم شكلوا في واقع الأمر طابورا خامسا للإخوان. أقول هذا بوصفي يساريا ماركسيا شارك في الحركة الوطنية منذ العهد الملكي. كما قمت بتأليف عدة أعمال عن إنجازات اليسار خاصة أهم منظمة فاعلة في التاريخ. وهي منظمة "الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني" المعروفة اختصار باسم "حدتو". وشمل ذلك رموز هذه المنظمة وأقطابها في مجالات العمل الوطني والإبداع من قصة ورواية وشعر وصحافة وفنون مسرحية وتشكيلية وسينمائية سواء التسجيلية منها أو الروائية. وكان هؤلاء أكبر المبدعين في هذه المجالات علاوة على دورهم النضالي الوطني من أجل إقامة مجتمع جديد. كما كانوا أعظم المغردين بالوطنية وحب مصر. وفي هذا المجال نكتفي بالإشارة إلى المغردين بالوطن في مجال الشعر. ومن بينهم كمال عبدالحليم صاحب نشيد "دع سمائي". وهو رائد هذا المجال منذ منتصف أربعينات القرن العشرين، وعبدالرحمن الشرقاوي صاحب قصيدة "من أب مصري إلى الرئيس ترومان"، وفؤاد حداد صاحب الملاحم العديدة التي تغنت برموز الوطن بمن فيهم أحمد عرابي ومحمد عبيد وجمال عبدالناصر. وتضم أيضا هذه القائمة من المغردين بالوطن صلاح جاهين. ويكفيه فخرا أنه صاحب ملحمة "على اسم مصر".
ينبغي توضيح أن انحياز القوات المسلحة لثورة 30 يونيو أدى إلى استرداد الإرادة الوطنية، وإلى حماية وحدة الأراضي المصرية، وإنقاذ الدولة وحماية الهوية الوطنية المصرية. وفضلا عن ذلك فإن انحياز الفوات المسلحة للشعب وثورته ضد طعيان الإخوان قد أنقذ المصريين من مذابح جماعية خطط لها الإخوان لإبادة القوى الوطنية التي تدافع عن الهوية الوطنية المصرية وحضارتها الضاربة في تاريخ البشرية. وأفضت ثورة 30 يونيو أيضا إلى تكشف المزيد من الحقائق تتعلق بتأمر الإخوان مع قوى خارجية من بينها أمريكا وبعض حلفائها وطابورها الخامس.
كما تكشفت حقائق كانت غائبة عن وعي بعض القوى. وأصبح واضحا أيضا للرأي العام أن الإخوان جماعة إرهابية غير وطنية. ومن أبرز انجازات ثورتي 25 يناير و30 يونيو أن المواطن العادي ظهر في المواقف الصعبة أكثر وعيا وإدراكا ونضجا من الأدعياء أشباه المثقفين حتى وأن كانوا من حملة الدكتوراة. إن ما قام به شعب مصر خلال 30 يونيو والأيام السابقة واللاحقة فريد في تاريخ البشرية. وهو ما أذهل العالم. فقد أسقطت ثورة 30 يونيو2013 الأعظم في تاريخ البشرية حكم المرشد، حكم الاستبداد والخيانة، واستردت مصر التي باعها الإخوان.
وأخيرا ينبغي أن نعتذر للتاريخ لأننا سمحنا لعصابة الإخوان الخائنة للوطن أن تحكم مصر ولو لفترة وجيزة. لكننا نفخر بأن شعب مصر أسقط هذه العصابة خلال ثورة شارك فيها أكثر من 30 مليون مواطن. وكانت المرأة المصرية في مقدمة الصفوف. كما يعتز المصريون بأن ثورة 30 يونيو2013 قد استعادت ثورة 25 يناير وأضاءت فجرا جديدا للحرية.
د.أحمدالقصير