الولايات الطبقية الأمريكية

ضي رحمي
2014 / 8 / 31 - 10:46     

المترجم ترجمة ضي رحمي الناشر الناشر وحدة الترجمة – مركز الدراسات الاشتراكية

كتب العديد من المعلقين حول الفجوة المتنامية بين الرأسماليين والعمال (وغيرهم من المنتجين) في الولايات المتحدة الأمريكية، لكن تحاشى الجميع استخدام مصطلحات مثل “رأسماليين” و”عمال”.

بحلول عام 2012، حصلت الطبقة الغنية، والتي تقدر بنحو 1% من إجمالي السكان، على خُمس الدخل القومي، لتكسر بذلك الرقم القياسي السابق المسجل عام 1928. بينما حصل السواد الأعظم الذي يُقدر بنحو 80% من الشعب، الذي يتضمن العمال، على حوالي 11% من إجمالي الدخل. أما النسبة المتبقية فكانت من نصيب ما يقارب من 19%، وهي تتضمن رجال الأعمال الخاصة الصغيرة، والمديرين والمهنيين، إلخ.

لكن حتى داخل طبقة الـ 1% يوجد تفاوت أيضًا؛ ففي عام 2009، أوضحت تقارير الدخل الخاصة بالضرائب، أن مقدار ما حققته الشريحة السفلى من تلك الطبقة من دخل يُقدر بما بين 34 إلى 500 ألف دولار، بينما حققت الشريحة العليا ما يقدر بـ 5 ملايين دولار وما فوق.

تلك هي دخول الأغنياء حسب ما أقروه. أما إذا كانت الأرقام الحقيقية متاحة (وهو أمر مستحيل) لأظهرت دخول تقدر بمئات الملايين سنويًا، وذلك ووفقًا لاقتصاديين أكثر صدقًا. ورغم أن التفاوت بين الطبقتين تجلى بشكل أعمق وأكثر وضوحًا في السنوات الأخيرة، إلا أنه نما على المدى البعيد حيث تعود جذوره لعقد السبعينيات من القرن العشرين.

في عام 2011 أجرى مكتب الميزانية بالكونجرس دراسة أظهرت أنه بين عامي 1979 و2007، ارتفع الدخل الحقيقي للأسرة، بعد خصم الضرائب، بنسبة 62% في المتوسط لكل الطبقات. لكن دخل الأسرة في طبقة الـ 1% ارتفع بنسبة 275%، وبمقارنته ببقية الطبقات نجد أن دخل طبقة الـ 19% ارتفع بنسبة 65%، وارتفع دخل طبقة الـ 60% بنسبة أقل من الـ 40%، وأخيرًا ارتفع دخل الطبقة الدنيا التي تعادل خُمس الشعب الأمريكي حوالي 18%.

وما بين عامي 1947 و1973، كان متوسط دخل الأسرة الحقيقي مواكبًا للنمو في إنتاجية العمل. ثم بدأ في الانخفاض، إلى أن وصل لمرحلة الركود بين عامي 1999 و2011. بينما ذهب نصيب الأسد من النمو الإنتاجي للرأسماليين والمديرين والمهنيين والطفيليين، وتقلصت حصة الأسر ذات الدخول المتوسطة والمنخفضة.

وبالمثل إذا نظرنا إلى الثروة (أي ليس لمجرد الدخل، ولكن للأصول أيضًا)، نجد أن الفجوة واسعة. في عام 1983، امتلكت الطبقة الدنيا المقدرة بنسبة 80% ما يقرب من 18.7% من إجمالي الثروة. لكن بحلول عام 2010، انخفضت تلك النسبة إلى ما يقرب من 11.1%. وفي نفس الفترة من ناحية الثروة المالية (أي الأسهم والسندات، والحيازات مثل صناديق سوق المال، وأنواع الادخار المختلفة، وبرامج التأمين وما إلى ذلك) قُدرت حصة طبقة الـ 80% بنحو ما بين 8.7% إلى 4.7%.

ويجب هنا أن نضع في اعتبارنا أن كل هذه الأرقام تأتي من مصادر رسمية، وأن الأغنياء يملكون الوسائل التي تمكنهم من إخفاء ثرواتهم الحقيقية، بما في ذلك الحسابات الخارجية والاستثمارات.

كذلك، فإن معظم هذه الأرقام هي متوسطات؛ ما يعني أنها تحجب واقع التفاوت الكبير في الدخل والثروة في ظل النظام الرأسمالي. على سبيل المثال؛ لو أن 1000 عامل يحصلون على متوسط دخل يُقدر بـ 50 ألف دولار سنويًا، وأردنا حساب متوسط دخلهم مع عشرة من الرأسماليين ممن يجنون دخل يقدر بحوالي مليون دولار سنويًا، سيقفز المتوسط الجديد إلى حوالي 60 ألف دولار، وإذا حسبنا دخل نفس هؤلاء العمال مع رأسمالي واحد دخله 100 مليون دولار سنويًا، سيقفز المتوسط مرة أخرى إلى حوالي 149,900 دولار.

أنا أحد المنتمين لشريحة الـ 80%، من حصلوا على حوالي 4.7% من إجمالي الثروة المالية في عام 2010. تتكون ثروتي المالية من مبلغ صندوق التقاعد والمدخرات، ويشتمل صندوق التقاعد على الأسهم والسندات وما شابة ذلك من معاملات مالية. ورغم ذلك فإني لا أتحكم في الكيفية التي يتم بها استثمار تلك المدخرات والأسهم، بل يتحكم فيها كبار الرأسماليين حيث يستثمرونها لزيادة ثرواتهم الخاصة. وبالتالي فإن كبار الأثرياء من الطبقة العليا، تلك النسبة الضئيلة المقدرة بـ 1%، يتحكمون في ثروات طائلة أكثر بكثير مما يملكون فعليًا.

قبل ما يزيد عن قرن من الزمان، أثبت ماركس أن الفجوة بين الرأسماليين والعمال ستزداد مع مرور الوقت، وسيصبح رأس المال أكثر تركيزًا من أي وقت مضى، ولن تواكب الأجور تراكم رأس المال. هذه العملية تحديدًا هي السبب الرئيسي في الفجوة المتزايدة بيننا وبين الأغنياء. وتعوّض ذلك بقدرٍ حينما ناضل العمال بتنظيماتهم الجماعية داخل النقابات والأحزاب السياسية.

أثناء فترة الازدهار الطويلة التي مرت بها الرأسمالية في أعقاب الحرب العالمية الثانية، حقق العمال المكاسب، خاصة في الولايات المتحدة. وفي الولايات المتحدة أيضًا، حجب هذا الازدهار الضعف الداخلي المتزايد للنقابات بسبب البيروقراطية. في تلك الفترة، كانت سياسات الوفاق الطبقي التي اعتمدتها البيروقراطية النقابية لاتزال تجني مكاسب للعمال. كانت هناك إضرابات، بالطبع، إضرابات هامة وقوية، لكن بشكل عام كانت البيروقراطية قادرة على تحقيق المكاسب عن طريق مساومة الرأسماليين، دون صراعات.

بحلول عام 1970، عند بداية الأفول لمرحلة الازدهار الطويلة، اشتدت المنافسة الرأسمالية العالمية، وأخذت الطبقة الحاكمة في مهاجمة كل المكاسب التي حققها العمال من نضالات سابقة. في هذا الوضع الجديد، لم تصمد سياسية الوفاق الطبقي للبيروقراطية أمام هجوم الطبقة الحاكمة. ورغم أن خلال سبعينيات القرن العشرين ناضل الكثير من العمال ضد هذه الساياسات، لم تُكلل هذه النضالات بالنجاح في نهاية الأمر.

وبحلول الثمانينيات، وبشكل صريح، كانت سياسات البيروقراطية الممارسة عمليًا هي تنازل العمال من أجل مطالب الرأسمالية. وكنتيجة لكل هذه الأمور اتسعت الفجوة بين الطبقتين الرئسيتين، وهو الوضع الذي يزداد سوءًا منذ بداية الكساد العظيم أو الركود الاقتصادي عام 2008. فقط بالنضالات العمالية يمكن التغلب على هذا الوضع، وهناك بعض المؤشرات حول النضالات الجديدة لعمال شركة وول مارت وعمال الوجبات السريعة الأدنى أجورًا، وفي التحركات من أجل رفع الحد الأدنى للأجور وإضراب معلمو شيكاغو، لكنها لازالت في طور البداية حتى الآن.

* المقال باللغة الإنجليزية منشور في 19 أغسطس 2014 بموقع جريدة “الراية الحمراء” الأسترالية