الوعي الشقي المُحاصر


عبدالله خليفة
2014 / 8 / 30 - 09:23     


هو خصائصٌ جغرافية وشعبية وطبيعية جعلت الشعب الفارسي على هضبة كبرى تحيط به شعوبٌ رعوية كثيرة.
حدد إلاهاه الكبيران الإله والشيطان طبيعة الصراع بينه وبين الخارج، فمعه إله النور ضد إله الظلام.
ثنائيةٌ ستظلُ تشتغلُ في تاريخهِ البدوي المتحضر المتصاعد ضد الجيران الرعاة والغزاة، ومرةً يأتي الغزاة من الشرق ومرة يأتون من الجنوب ومرات يأتون من الغرب.
الشعب البدوي قبل الأخير الذي تحكم فيه وهو الرفيع الحضارة هم العرب، وقد أخبرته الرؤى والأساطير بأن البدو سوف يمزقون حضارته ويحكمونه!
لكن هذه المرة على هيئة محررين وقادة تغيير ديني مؤدلِجين، يخضع له تدريجياً ويؤمن به بقوة، لكن التناقض القومي الغائر تحت أردية الأديان والمذاهب والثياب هو نفسه، أو ينمو ويتطور مع تطور المجموعات البشرية عبر مصالحها ولغاتها ومذاهبها، فعاد التناقض بين الإله الطيب وإهريمان الشرير، وإذا كانت ذات الشعب قد حملت الإيمان بالإله، فأين هو الشيطان؟ إنه في تصورهم في الحكام الأمويين والعباسيين، الذين تخلوا عن الإسلام كما يتصور، إنه شعب يندفع عبر عشرات ومئات السنين ليتخذَ الموقفَ الأقصى، الموقفَ التجريدي العنيفَ بين الله والشيطان، إنه يلغي تماماً التمايزات في الخصم، ومراحله وتعدديته، يراهُ كمجردٍ، كرمز، كإبليس الرجيم معبرا عن قوى الأغنياء العليا!
وهو يجردُ الخصمَ ويلغي تاريخيته، وتناقضاته، يجردُ الرمزَ المحبوب من تاريخيته، ومن تناقضاته، ويجعله نوراً مجرداً، رغم تعددية تاريخيتهم الغنية، وهذه عقليته التاريخية الطويلة في العبادة، وفي صياغة تاريخه السياسي، محلقاً في السماء عبر النجوم الزاهرة، وفي أجواء الأقطاب المحلقة، وعلى الأرض الملموسة احتفاليات شعبية حزينة تنتصر للنور على الظلام، وتنتصر للعدل على الظلم.
وهكذا عبر هذا الوعي الشقي المحاصر صنع استقلاله عن المملكة المغولية، في ثورة الصوفيين، العرفانيين، العشاق، ليعيش فترة قرون بدون الذئب الخارجي، لكن لم يتخل عن إيديولوجية الصراع بين النور والظلام.
ومثل العرب جاء الغربُ يحمل نوراً!
لكن جاء الغربُ من كل الجهات، الغربُ حضارة كونية جديدة، راحتْ تدقُ أبوابَهُ ثم تتغلغلُ فيه، تقدمُ الكثيرَ من المنجزات، وتأخذ الكثير من المواد، ليس ثمة شيءٌ مجاناً، لكن العلاقات الرأسمالية مختلفة بين طرف فقير متخلف يقدم المواد الثمينة لطرف متقدم يحولها إلى ثروة كبرى، بسبب تباين وسائل الإنتاج ومستوى التطور الاقتصادي في كلا الجانبين، لكن الجانب الفارسي لا يتطور بالمعدل المطلوب وهو فقير، بينما غرب الشركات يستغل، ويهاجم سوقه وحرفه وتتدهور.
المدة التي قضاها الشعب الإيراني تحت النفوذ الأمريكي كانت وجيزة، بلا حروب، ولا تتعدى عقوداً قليلة، لكن الوعي القديم، وعي الصراع بين الإله والشيطان، راح يفرضُ نفسَهُ على اللا وعي الاجتماعي، ثم يصير قراءات مثقفين كبار، يخلقون تناقضات كلية بين الشرق والعرب فيقودونه إلى المزيد من المآزق والمشكلات.