طريق اليسار - العدد 63


تجمع اليسار الماركسي في سورية
2014 / 8 / 28 - 08:37     


طريق اليســـــار
جريدة سياسية يصدرها تجمع اليسار الماركسي في سورية / تيم /
* آب /أغسطس 2014 - [email protected] E-M: *


* الافتتاحية *
- تضعضع المخفر الإسرائيلي -


رغم موافقة واشنطن على مشروع تقسيم فلسطين المعروض أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة للتصويت يوم29تشرين ثاني1947،إلاأنها سرعان مابدلت رأيها في يوم20آذار1948لمااقترحت الغاء التقسيم ووضع فلسطين بكاملها تحت الوصاية من قبل الأمم المتحدة.كان وزير الخارجية الأميركية جورج مارشال يفكر من خلال منظار الحرب الباردة التي اشتعلت مع السوفيات منذ آذار1947،ويرى أن قيام دولة يهودية في فلسطين سيضر بمشروع تعاون العرب مع واشنطن ضد موسكو في مشاريع الأحلاف الغربية الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط التي كانت تعد آنذاك.
كان مشروع "الوطن القومي لليهود" مشروعاً بريطانياً أساساً،وقد كان الانتداب الذي مارسته لندن على فلسطين بمثابة الطريق الذي قاد من (وعد بلفور)في 2تشرين ثاني1917إلى اعلان قيام دولة اسرائيل في ليلة يوم الجمعة 14أيار1948.كان البريطانيون يفكرون آنذاك بامبراطوريتهم التي تشكل المنطقة الممتدة من البصرة إلى القاهرة قلباً رئيسياً لها وطريقاً عبر قناة السويس إلى الهند "جوهرة التاج".هنا،كان البريطانيون،الدارسون جيداً لتاريخ المنطقة،يعرفون أن حيوية هذه المنطقة ،التي أصبحت فارس والعراق وشرق الأردن وفلسطين ومصر تحت سيطرة لندن مع تحركات من قبل الأخيرة لتقويض نفوذ باريس في دمشق وبيروت،تعتمد على من يعبرالجسر الواصل بين بلاد الشام (وأحياناً الهلال الخصيب ،وأحياناً الأخير وفارس)مع مصر في الاتجاهين ،هذا الجسر الذي اسمه فلسطين.أراد البريطانيون تقويض هذه الحيوية الخاصة بالمنطقة من خلال انشاء كيان غريب عند ذلك الجسر لقطعه ومنع التواصل عبره في الاتجاهين.
عملياً،كانت اسرائيل بمثابة مخفر وظيفي لصالح الغرب،البريطاني – الفرنسي في حرب 1956،لمارأت مصالحها مع لندن المتضررة من مشروع عبدالناصر في الاستقلال عن مدار الهيمنة البريطانية التي مورست على مصر منذ عام1882ومع باريس التي أرادت ضرب القاهرة الداعمة للثورة الجزائرية.كان بن غوريون،رئيس الوزراء الاسرائيلي،يدرك من خلال تلك الحرب أن مصر هي الخطر الرئيسي وأن ضرب مشروع عبدالناصر العروبي،الذي بدأت مفاعيله بالدفع نحو تلاقي دمشق مع القاهرة منذ صيف1955وفي امتداد التهديد الناصري لحليف لندن في بغداد نوري السعيد، يعني منعاً لحصار المخفر الاسرائيلي من خلال بوابتي فلسطين في الجولان وسيناء.منذ المحادثات السرية الثلاثية للتحضير لحرب1956أخذت تل أبيب تعهداً فرنسياً ببناء مفاعل ديمونا النووي في صحراء النقب،ولمافشلت الحرب في اسقاط عبدالناصر حاول بن غوريون مقايضة الانسحاب الاسرائيلي من سيناء وقطاع غزة بحرية مرور السفن الاسرائيلية بمضائق تيران مع وجود قوات طوارىء دولية هناك،وهو مانجح فيه في آذار1957محولاً مياه خليج العقبة إلى مياه دولية وفقاً لاعلان الدول البحرية،وهو ماشكل قنبلة موقوتة أدت بعد عشر سنوات إلى حرب حزيران1967.
عانى المخفر الاسرائيلي من فقدان شبه كامل للدور الوظيفي مع فشل حرب 1956 التي أدت عملياً إلى غروب الشمس البريطانية والفرنسية عن سماء العلاقات الدولية،وزادت هذه المعاناة الاسرائيلية مع تقاربات واشنطن مع عبدالناصر (الذي أصبحت دمشق في ظله منذ يوم22شباط1958)التي أدت إلى توافق أميركي- مصري قاد إلى رئاسة اللواء فؤاد شهاب في بيروت ثم أدت إلى تشاركات أميركية – مصرية ضد حكم عبد الكريم قاسم ببغداد المدعوم من موسكو ومن الشيوعيين العراقيين الذين دخل عبدالناصر بسبب دورهم في حكم عهد14تموز1958في صدام مع موسكو ومع الشيوعيين السوريين والمصريين،هذه التشاركات التي كان تتويجاً لها انقلاب8شباط1963في بغداد عندما دعمت واشنطن والقاهرة انقلاب البعثيين العراقيين هناك.
حاول بن غوريون تعويض هذه العطالة في الدور الوظيفي من خلال التقارب مع دول الجوار العربي في أنقرة وطهران وأديس أبابا ومع الدول الافريقية لتشكيل طوق مضاد ضد العرب، ولكنه كان مدركاً بأن التعويض الحقيقي عن لندن وباريس يكمن في واشنطن. هذا الذي لم يستطعه بن غوريون استطاعه خليفته ليفي أشكول عبر زيارته لواشنطن في شباط1964من خلال استغلال صدام عبد الناصر مع واشنطن ولوبالوكالة في حرب اليمن،وهو مارد عليه عبدالناصر في أيار1964من خلال المصالحة مع موسكو خروتشوف بعد صدام ست سنوات مع موسكو والشيوعيين العرب في بغداد ودمشق والقاهرة.مع التورط الأميركي المباشر في فييتنام منذ آب1964أصبحت تل أبيب مخفراً لواشنطن في المنطقة وذراعها الضاربة كماكانت للندن وباريس في الخمسينيات ولكن ليس فقط ضد عبدالناصر وإنما أيضاً ضد موسكو عبر ضرب الزعيم المصري.
كانت هزيمة حزيران 1967هزيمة لعبد الناصر والسوفيات معاً،وتعويضاً أميركياً في الشرق الأوسط يساهم في تعديل ميزان القوى العالمي الذي أصبحت واشنطن في وضع حرج فيه بسبب حرب فييتنام.في حرب تشرين1973كان هنري كيسنجر واعياً لضرورة أميركية بعدم وقوع هزيمة اسرائيل وخاصة بعد الهزيمة الأميركية في فييتنام التي جسدتها اتفاقية باريس في كانون ثاني1973حول الانسحاب الأميركي العسكري،لذلك سعى إلى انقاذ اسرائيل من الهزيمة العسكرية حتى ولووصل هذا إلى تكرار سيناريو1962الكوبي الذي كاد أن يؤدي إلى مجابهة مباشرة بين واشنطن وموسكو.استطاعت تل أبيب من خلال(الدفرسوار)،و من ثم مراهنات السادات على تجيير الأداء العسكري المصري للتقارب مع أمريكا طريقاً للتسوية المصرية- الاسرائيلية،قلب التوازنات في الشرق الأوسط لصالح واشنطن ضد موسكو.قامت تل أبيب في حزيران1981بإكمال دورها الوظيفي لصالح واشنطن من خلال ضرب المفاعل النووي العراقي،ثم أتبعت هذا في صيف1982عبر اجتياح لبنان واخراج منظمة التحرير،حيث تم طرح (مشروع ريغان) لتسوية الصراع العربي- الاسرائيلي في 1أيلول1982أي اليوم التالي لخروج ياسر عرفات من بيروت.
منذ عام1982 لم يستطع المخفر الاسرائيلي متابعة دوره لصالح الغرب الأميركي:مع نهاية الحرب الباردة بهزيمة موسكو في خريف 1989قال ياسر عرفات بأن دور اسرائيل،التي أسماها "حاملة الطائرات الأميركية"،في طريق التلاشي. في حرب 1991الأميركية ضد العراق أتت واشنطن مباشرة بقواتها إلى المنطقة ولم تعتمد على الوكيل الاسرائيلي كماجرى أعوام1967و1981و1982بل أجبرته على الوقوف ساكتاً أمام الصواريخ العراقية التي وجهت لاسرائيل.كررت واشنطن ذلك في عام2003مع غزو العراق ولم تشرك تل أبيب في مهمة "إعادة صياغة المنطقة"التي وضعها وزير الخارجية الأميركي كولن باول هدفاً رئيسياً للغزو.مع الصعوبات الأميركية في العراق حاولت واشنطن الاستعانة بالمخفر الاسرائيلي عبر حرب تموز2006،التي اعتبرتها كوندوليسا رايس "آلام مخاض ضرورية من أجل ولادة الشرق الأوسط الجديد". فشلت "القابلة الاسرائيلية"في توليد الجنين الأميركي الذي على الأرجح مات في رحم الحامل . تكرر فشل المخفر الاسرائيلي في غزة2008-2009وفي غزة2012 وفي حرب الأسابيع الأربعة بغزة بين يومي 8تموز و5آب2014.
كان تعقيب وزير الدفاع الاسرائيلي الأسبق موشيه أرينز مع نهاية حرب تموز هو التالي:"يعتبر الجيش النظامي مهزوماً عندما يفشل في تحقيق أهدافه الموضوعة أثناء قتال قوات غير نظامية ".تكرر هذا في التجارب الغزاوية الثلاث اللاحقة للفشل الاسرائيلي في بلاد الأرز عام2006 : يبدو أن دولة اسرائيل قد فقدت لياقتها في أربعين عاماً،وهذا شيء وجد عند الصليبيين بعد غزوهم للمنطقة منذ عام1098 مع سقوط أنطاكية بأيديهم،لتأتي هزيمتهم في معركة حطين يوم5تموز1187وبعدها بقليل استرجاع القدس بعد أن أسقطها الصليبيون في عام1099.تم اخراج الصليبيين من المنطقة مع طردهم من عكا في عام1291.
هل يكرر التاريخ نفسه؟....................

هل انتهى دور إسرائيل الوظيفي ؟.. أين سيكون موقعها في الخريطة السياسية والجغرافية القادمة؟
*عمارة علي*

إسرائيل هي جزء من خريطة الشرق الأوسط الذي رتبته القوى الدولية المنتصرة نهاية الحرب العالمية الثانية مع خصوصية أنها مشروع صهيوني عنصري بامتياز .واشتغلت في المنطقة كوكيل عن الغرب الامبريالي الذي ما انفك يدعمها بسخاء ماديا ً ومعنوياً ويوظف أدواته الإعلامية والسياسية للتغطية على جرائمها وحتى أنه كان يحاسب على انتقادها في بلدانه الديمقراطية.واستمرت هذه الحال حتى انهيار الاتحاد السوفييتي ا أو بمعنى انهيار المنظومة الدولية التي كانت تقف على كتفين وعندما بدأت أمريكا تتصرف كسيدة للعالم محاولة إنشاءه ليكون على مثال صورتها طرحت مشروع شرق أوسط جديد واحتلت أفغانستان ثم احتلت العراق وبدأ دور إسرائيل يتراجع إذ لم تعد قادرة على الاضطلاع بما تهدف إليه الدول الامبريالية لتأبيد هيمنتها والذي غدا يتطلب تدخلاً مباشرا ًوعملاً أكبر مما تستطيع إسرائيل أن تقوم به .والذي كشف عجزها أكثر هو فشلها في حرب تموز في إنهاء حزب الله وكذلك عدم قدرتها على تحقيق أهدافها العسكرية والسياسية في حرب غزة فيما بعد والذي يعني بما يعنيه فشل مشروع شرق أوسط جديد كما رغبته كونداليزا رايس والذي كان لإسرائيل دور في تحقيقه وهاهي حرب غزة الثانية التي ستكون المأ ساة على إسرائيل التاريخية التي كانت فيما مضى تصول وتجول بلا خوف تثير حروباً وتحتل أراض وتنصب حكاماً وتسقط حكاماً .....الخ .في سياق حرب غزة الجارية الآن وفي سياق الصراع طالب أحد مناصري تل أبيب في الكونغرس الأمريكي بدعم إسرائيل لأنها تخوض حرب حياة أوموت وللوهلة الأولى يبدو هذا الطلب مضحكاً فإسرائيل هي الغازية والمحتلة ولديها قبة حديدية وترسانة أسلحة لا مثيل لها في المنطقة كلها لكن وغزة لا تملك إلا مقاتليها وصمودها وحصارها وكم صاروخ فقط تقض مضاجع مواطني إسرائيل وتشعرهم بعدم الراحة .الحقيقة على ما يبدو أعقد من ذلك وهو أن إسرائيل على ما يبدو بدأت تفقد دورها الذي كان رسم لها في المجمع الأمبريالي بالمعنى العسكري والأمني إنها عضو بدأ يفقد وظيفته ومن ثم هو آيل للضمور والموت.و إسرائيل التي كانت حامية هي الآن بحاجة إلى الحماية من خلال الحلول السياسية والضمانات الدولية القادمة ويمكن القول أن دورها الوظيفي قد انتهى أو انه في طور النهاية .

كيف سيكون وضع إسرائيل في الترتيب الجديد لمنطقة الشرق الوسط؟
ليس لدى أحد تصور أكيد لما ستؤول إليه خريطة الشرق الأوسط القادم بالمعنى السياسي والجغرافي ماعدا ما قدمه محللون سياسيون وعسكريون استراتيجيون من فرضيات والتي يمكن أن يكون من ورائها نظرية سياسية تدعمها أطراف دولية وإقليمية ,على كل حال‘ الشرق الوسط من أفغانستان إلى المغرب العربي يعيش حالة صراع عنفي وأزمات سياسية واقتصادية لم يشهدها تاريخ المنطقة ولا يخرج عن هذا التحديد بلد ما مع التباين في أشكال الصراع وحدتها وإسرائيل هي جزء من منظومة الشرق الأوسط التي تتداعى الآن مع مراعاة خصوصيتها ،عندما انطلق الربيع العربي وثوراته المتعثرة بقيت إسرائيل صامتة ومترقبة بعض الوقت وكأنها خارج ما يجري من حولها أو راضية وقد صرح أحد سياسييها أن إسرائيل الآن في أحسن حال كون جميع من حولها منشغلون عنها ولم يك هذا إلا نوع من الاستهلاك الاعلامي ولكن مع تفاقم الصراع في سورية والخشية من تمدمده خارجها وطرح المشاريع الاقليمية والدولية وصولاً إلى جنيف تحركت إسرائيل قصفت جمرايا ومن ثم مواقع في القنيطرة ونبقت مشاكل على جبهة الجولان وكأنها تقول أنا موجودة ويجب أن أكون حاضرة في أي حل يكون والآن في حرب غزة وكما حرب داعش أو ليبيا إسرائيل تشتغل على الفراغ السياسي لتحرز موقعاً في العملية السياسية الدولية القادمة ذلك لأنه إذا لم تقم الأطراف الدولية بما يجب في ضبط الصراع والوصول إلى حل شامل لقضايا المنطقة المتشابكة مع بعضها فإن الوضع آيل إلى مزيد من التفاقم أو إلى انهيار تام .بيد أن بارومتر العملية السياسية الجارية هو التقدم في المفاوضات مع إيران حول الموضوع النووي الذي كانت إيران ترغب في فصله عن القضايا الاقليمية الأمر الذي لم توافق عليه الأطراف الدولية نظراً لأن النفوذ الإيراني الذي يمتد من العراق إلى سورية إلى لبنان وفلسطين واليمن وحتى إفريقيا هو بيت القصيد بالنسبة للمجموعة الدولية وإن من يتصور أن هناك حل لأي من القضايا بشكل منفصل فهو واهم وإذا حدث ذلك فإنه لا يعدو أن يكون نوع من التهدئة المؤقتة أو التسويف أو إعادة إنتاج المشكلة على نحو جديد إن في العراق كما يجري الآن أو لبنان أو غزة إن إسرائيل التي تستجدي التهدئة مع الجانب الفسطيني والتي غدت قبتها الحديدية عبئاًعلى الأمريكيين والغرب الذي يدعمها لم تعد تلك التي تتدلل أو التي تملي إرادتها إن عجزها سوف ينعكس أيضاًعلى وضعها الداخلي وهناك الفساد والمحسوبيات والصراعات الحزبية وتقدم اليمين الديني الإسرائيلي الداعشي هناك حزمة من المشاكل أمامها إلى جانب ما يهدد وجودها ككيان مصطنع غريب .والآن فإن ما تحلم به إسرائيل لم يعد أبعد من دولة يهودية بين دول طائفية وعرقية متصارعة أو هي طرف في معادلة يقررها المجتمع الدولي في مؤتمر يحدد مستقبل المنطقة لعقود قادمة لقد انتهت إسرائيل كمشروع تاريخي .

مـذكرة تـفــاهــم

تسعى كل من هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي وجبهة التغيير والتحرير إلى بناء تحالف سياسي عريض في الداخل والخارج لمواجهة الاستحقاقات الحالية والقادمة، ويهدف الطرفان إلى التغيير الجذري الشامل بما يعني الانتقال من النظام الاستبدادي القائم إلى نظام ديمقراطي تعددي ضمن دولة ديمقراطية مدنية على أساس مبدأ المواطنة المتساوية لجميع السوريين بغض النظر عن هوياتهم العرقية والدينية والمذهبية، وسيضمن النظام السياسي الديمقراطي تأمين أفضل الشروط والظروف لتفتح وازدهار مختلف التلاوين الاجتماعية، وعلى طريق هذا الهدف يلتزم الطرفان بالحلّ السياسيّ التفاوضيّ الذي بدأت مسيرته في جنيف وبضمانات دولية لعملية ولنتائج المفاوضات المقبلة أسلوباً لتحقيق هذا الهدف، وذلك على قاعدة بيان جنيف الذي يحظى بقبول الأطراف الداخلية والعربية والإقليمية والدولية كأساس لأي عملية تفاوضية.
وقد توافق الطرفان على التفاهمات التالية:
1- الحفاظ على وحدة سورية أرضاً وشعباً والسيادة الكاملة للدولة السورية على جميع أراضيها.
2- رفض ونبذ الطائفية وأيّ دعاوي تمس بوحدة المجتمع السوري.
3- رفض أي تدخل عسكري خارجي.
4- نبذ العنف بكل أشكاله وتواجد المسلحين غير السوريين على الأراضي السورية وأوهام الحل العسكري ونتائج ذلك الكارثية على الدولة السورية.
5- مواجهة خطر إرهاب المجموعات الأصولية التكفيرية على المجتمع والدولة.
6- رفض أي حل يتعارض مع مصالح الشعب السوري أو وحدة البلاد أو يعيد انتاج نظام الاستبداد.
كما تفاهم الطرفان على الإجراءات الضرورية التالية:
1- تشكيل لجنة مشتركة لإعداد خارطة طريق للحل السياسي يُلتزم بها في أي عملية تفاوضية.
2- تشكيل لجنة لإعداد تصور مشترك لمستقبل سورية الديمقراطي والبنى الدستورية والقانونية المنشودة.
3- تشكيل لجنة متابعة.
4- تُعرض نتائج عمل اللجنتين على الجهات المرجعية لدى الهيئة والجبهة للمصادقة عليه، ويلتزم الطرفان تنفيذ هذه التفاهمات.
دمشق 10/8/2014
هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي جبهة التغيير والتحرير

وثــيــقـة تــفــاهــم

استمراراً للحوار بين القوى الموقعة على هذه التفاهمات واستجابة للتطورات والأحداث الجارية في سورية ومحيطها، وبناءً على وثيقة التفاهم التي تم التوصل إليها في لقاءات أيار 2014 وعملاُ بهدف المبادرة الكردية واللقاء التشاوري الوطني بين وفد هيئة التنسيق الوطنية وبين وفد الأحزاب الكردية في الإدارة الذاتية الديمقراطية والذي يؤكد على وحدة المعارضة في الداخل والخارج تمهيداً لعقد مؤتمر وطني للمعارضة السورية.
تؤكد القوى الموقعة على:
1- الحفاظ على وحدة سورية وطناً لكل السوريين بمختلف مكوناتهم وثقافاتهم وسيادة الدولة السورية على كامل أراضيها.
2- إن هدف انتفاضة الشعب السوري إنهاء السياسات الإقصائية والتهميشية لنظام الاستبداد وتحقيق الحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية، ورفض جميع الدعوات الشوفينية والطائفية والتقسيمية من أي جهة كانت.
3- الحل السياسي التفاوضي الذي بدأت مسيرته في جنيف استناداً إلى بيان جنيف وبضمانات إقليمية ودولية لعملية التفاوض ونتائجها كخيار أمثل يجب العمل على انجازه.
4- رفض التدخل العسكري الخارجي، ورفض أي تدخل لا يساعد على وقف العنف، وإخراج الجماعات المسلحة غير السورية ودعم الحل السياسي.
5- رفض أي حل يتعارض مع وحدة البلاد أو يعيد انتاج نظام الاستبداد.
- تعمل القوى الموقعة مع كافة قوى المعارضة الديمقراطية في الداخل والخارج على تشكيل جبهة ديمقراطية معارضة عريضة وفاعلة.
- إن القوى الموقعة على هذه الوثيقة وفي نضالها لبناء دولة ديمقراطية قائمة على مبدأ المواطنة الحرة ترى أن الإدارة الذاتية الديمقراطية في الجزء الشمالي والشمال الشرقي من سورية في مناطق الجزيرة، كوباني وعفرين (روج آفا) ضرورة موضوعية أملتها الظروف الحالية المشخصة، تعبر عن الإرادة المجتمعية لأبناء تلك المناطق ومكوناتها المتنوعة على أن تراعي ملاحظات هيئة التنسيق الوطنية المقدمة إلى المجلس التشريعي للإدارة الذاتية حول العقد الاجتماعي الذي يجب أن ينسجم مع الدستور التوافقي لسورية المستقبل وتعمل القوى الموقعة على تطوير وتحقيق وتعميق وتعميم هذه التجربة لتصبح نموذجاً يحتذى به على مستوى سورية وإغناء هذه التجربة لتمثل أبناء تلك المناطق تمثيلاُ ديمقراطياً حقيقياً كما تعمل على معالجة كافة الممارسات الخاطئة وتصحيحها وإزالة آثارها.
- تعلن الأطراف الموقعة عن تشكيل لجان مشتركة مع جميع القوى المعارضة لإعداد خارطة الطريق للحل السياسي ولجنة لإعداد تصور مشترك لمستقبل سورية الديمقراطي والبنى الدستورية والقانونية المنشودة.
- تؤكد الأطراف الموقعة أن الدستور التوافقي لسورية المستقبل يجب أن يؤكد على سورية الديمقراطية التعددية التشاركية، ويقر بالوجود القومي الكردي في سورية كجزء أساسي وتاريخي أصيل من النسيج الوطني، بما يضمن إيجاد حل ديمقراطي عادل للقضية الكردية وفق العهود والمواثيق الدولية في إطار دولة لا مركزية.
- تؤكد الأطراف الموقعة على الاعتراف بالوجود القومي السرياني الآشوري الكلداني الآرامي كمكون أصيل في سورية وضمان حقوقه القومية والسياسية دستورياً ضمن إطار وحدة الدولة السورية.
عامودا 14/آب/2014
الحزب الآشوري الديمقراطي والتجمع المدني المسيحي- الإدارة الذاتية الديمقراطية - هيئة التنسيق الوطنية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نص قرار مجلس الأمن رقم 2170حول تنظيمي "داعش" و"النصرة

السبت 16آب 2014

تبنى مجلس الأمن الدولي بالإجماع، يوم الجمعة15آب 2014، قرارا يتصدى لتنظيم داعش وتنظيم "جبهة النصرة" في سوريا؛ وذلك من خلال إضعافهم ماليا ومنع تدفق المقاتلين الأجانب إليهم والتهديد بفرض عقوبات على الذين يشاركون في تجنيد مقاتلين للجماعة ومساعدتها.

القرار، الذي أعدته بريطانيا يندد بالتجارة المباشرة أو غير المباشرة مع داعش وجبهة النصرة في سوريا.
وفيما يلي نصه:
- وإذ يعيد المجلس تأكيد قراراته 1267 (1999) و 1373 (2001)، و 1618 (2005) و 1624 (2005) و 2083 (2012) و 2129 (2013) و 2133 (2014)، و 2161 (2014)، وبياناته الرئاسية ذات الصلة،
- وإذ يؤكد من جديد أن الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره يشكل واحدا من أخطر التهديدات للسلم والأمن الدوليين، وأن أي أعمال إرهابية هي أعمال إجرامية لا يمكن تبريرها بغض النظر عن دوافعها، وأيا كان مرتكبوها.
- وإذ يكرر إدانته للدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) وجبهة النصرة وجميع الأفراد والجماعات والمؤسسات والكيانات الأخرى المرتبطة مع تنظيم القاعدة في شن أعمال إرهابية إجرامية متواصلة ومتعددة تهدف الى التسبب في وفاة الأبرياء المدنيين وغيرهم من الضحايا وتدمير الممتلكات وتقويض الاستقرار بشكل كبير. ويشير إلى أن متطلبات تجميد الأصول وحظر السفر وحظر الأسلحة في الفقرة 1 من القرار 2161 (2014) تنطبق على داعش وعلي جبهة النصرة، وعلي جميع الأفراد الآخرين والجماعات والمؤسسات، والكيانات المرتبطة بتنظيم القاعدة.
- وإذ يؤكد من جديد علي محاسبة أولئك الذين ارتكبوا، أو كانوا مسئولين عن، الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي، أو انتهاكات حقوق الإنسان في العراق وسوريا، بما في ذلك اضطهاد "الأفراد على أساس دينهم أو معتقدهم المستهدفة،
- وإذ يعرب عن قلقه العميق ازاء خضوع أراضي في العراق وسوريا لسيطرة داعش وجبهة النصرة، كما يعرب عن القلق ازاء الأثر السلبي لذلك على الاستقرار في العراق وسوريا والمنطقة، بما في ذلك التداعيات الإنسانية المدمرة على السكان المدنيين، والذي أدي الي تشريد أكثر من مليون شخص.
- وإذ يساور المجلس القلق البالغ ازاء التمويل، والموارد المالية وغيرها التي حصلت عليها داعش والنصرة ،وغيرهما من الأفراد والجماعات والمؤسسات والكيانات المرتبطة بتنظيم القاعدة، ويؤكد أن هذه الموارد سوف تدعم أنشطة إرهابية في المستقبل.
- وإذ يدين المجلس بشدة حوادث الاختطاف واحتجاز الرهائن التي ارتكبها تنظيم داعش وجبهة النصرة، وجميع الأفراد والجماعات والمؤسسات والكيانات الأخرى المرتبطة بتنظيم القاعدة، لأي غرض من الأغراض، بما في ذلك، الحصول علي تنازلات سياسية. ويؤكد المجلس أن دفع الفدية لتنظيم داعش وجبهة النصرة ولجميع الأفراد والجماعات والمؤسسات والكيانات الأخرى المرتبطة بتنظيم القاعدة بشأن عمليات الخطف المستقبلية واحتجاز الرهائن، سوف يخلق المزيد من الضحايا ويديم المشكلة.
- وإذ يعرب المجلس عن قلقه ازاء تدفق المقاتلين الإرهابيين الأجانب إلى داعش والنصرة وجميع الأفراد والجماعات والمؤسسات والكيانات الأخرى المرتبطة بتنظيم القاعدة.
- وإذ يدين المجلس بأشد العبارات التحريض على الأعمال الإرهابية، ومحاولات تبرير أوأيجاد أعذار للأعمال الإرهابية التي قد تقود الي مزيد من الأعمال الإرهابية.
- وإذ يؤكد المجلس من جديد استقلال وسيادة ووحدة وسلامة أراضي العراق وسوريا، ومقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة.
- وإذ يؤكد من جديد ضرورة التصدي بكل الوسائل، وفقا لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، بما في ذلك القانون الدولي لحقوق الإنسان واللاجئين، والقانون الإنساني، للتهديدات للسلام والأمن الدوليين من جراء الأعمال الإرهابية.
- وإذ يلاحظ المجلس بقلق التهديد المستمر الذي يشكله تنظيم داعش وجبهة النصرة وجميع الأفراد والجماعات والمؤسسات والكيانات الأخرى المرتبطة مع تنظيم القاعدة، للسلام والأمن الدوليين، ويؤكد من جديد العزم على معالجة جميع جوانب هذا التهديد.
- وإذ يتصرف المجلس بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، قرر ما يلي:
1- يستنكر بأشد العبارات الأعمال الإرهابية التي يقوم بها تنظيم داعش وأيديولوجيته المتطرفة العنيفة، بما في ذلك استمرار الانتهاكات الجسيمة والمنهجية واسعة النطاق لحقوق الإنسان وانتهاكات القانون الإنساني الدولي، والقتل العشوائي، والاستهداف المتعمد للمدنيين، والعديد من الفظائع وخصوصا في محافظات الرقة ودير الزور وحلب وإدلب في سوريا، والفظائع التي ارتكبت في شمال العراق، وخاصة في تميم، وصلاح الدين ونينوى، بما في ذلك تلك التي تنطوي على عمليات الإعدام الجماعية والقتل خارج نطاق القضاء، و اضطهاد الأفراد على أساس دينهم أو معتقدهم، وخطف المدنيين والتهجير القسري لأعضاء جماعات الأقليات، والاستخدام غير القانوني للجنود الأطفال، والاغتصاب، والاحتجاز التعسفي، وتدمير أماكن العبادة.
2- يذكر المجلس أن أي هجمات واسعة النطاق أو منهجية ضد أية مجموعة من السكان المدنيين بسبب خلفياتهم العرقية أو الدينية أو معتقداته، قد يشكل جريمة ضد الإنسانية، ويؤكد على الحاجة إلى ضمان مثول مرتكبي ومنظمي ورعاة الأعمال الإرهابية للمساءلة، ويحث جميع الأطراف على منع هذه الانتهاكات والتجاوزات.
3- يحث جميع الأطراف على حماية السكان المدنيين، ولا سيما النساء والأطفال، من أي شكل من أشكال العنف الجنسي يقوم به تنظيم داعش وجبهة النصرة وجميع الأفراد والجماعات والمؤسسات والكيانات الأخرى المرتبطة بتنظيم القاعدة.
4- يطالب تنظيم داعش وجبهة النصرة، وجميع الأفراد والجماعات والمؤسسات والكيانات الأخرى المرتبطة بتنظيم القاعدة، بوقف جميع الأعمال الوحشية والأعمال الإرهابية.
5- يحث جميع الدول، وفقا لالتزاماتها بموجب القرار 1373 (2001)، على التعاون في الجهود الرامية الي التوصل لمرتكبي ومنظمي ورعاة الأعمال الإرهابية وتقديمهم إلى العدالة.
6- يدين قيام داعش وجبهة النصرة وجميع الأفراد والجماعات والمؤسسات والكيانات الأخرى المرتبطة بتنظيم القاعدة الإرهابي، بتجنيد المقاتلين الأجانب، الذين يشكل وجودهم ويطالب جميع المقاتلين الإرهابيين الأجانب المرتبطبين بداعش والنصرة وغيرهما من الجماعات الإرهابية، بالانسحاب فورا، ويعرب عن استعداده للنظر في إدراج تجنيد أو المشاركة في أنشطة داعش والنصرة وجميع الأفراد والجماعات والمؤسسات والكيانات الأخرى المرتبطة بتنظيم القاعدة، في نظام الجزاءات الخاص بتنظيم القاعدة.
7- يدعو جميع الدول الأعضاء إلى اتخاذ تدابير وطنية لمنع تدفق المقاتلين الإرهابيين الأجانب إلى داعش والنصرة وجميع الأفراد والجماعات والمؤسسات والكيانات الأخرى المرتبطة بتنظيم القاعدة، ويكرر ضرورة التزام الدول الأعضاء بمنع تحركات الإرهابيين أو الجماعات الإرهابية، وفقا للقانون المعمول به دوليا، وذلك، في جملة أمور، وضوابط فعالة على الحدود، ، منها تبادل المعلومات على وجه السرعة، وتحسين التعاون بين السلطات المختصة لمنع تحركات الإرهابيين والجماعات الإرهابية من وإلى أراضيها ، وتوريد الأسلحة للإرهابيين وتقديم التمويل الذي من شأنه دعم الإرهابيين.

8- يشجع الدول الأعضاء على الانخراط مع المجتمعات المحلية داخل أراضيها الذين هم الأكثر عرضة لخطر التجنيد والتطرف العنيف للحد من السفر إلى سوريا والعراق لأغراض دعم أو القتال مع داعش والنصرة وجميع الأفراد والجماعات والمؤسسات والكيانات الأخرى المرتبطة تنظيم القاعدة.
9- يؤكد من جديد على قراره السابق بضرورة قيام الدول الأعضاء باجراءات للقضاء على توريد الأسلحة، بما فيها الأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة، الي الجماعات الإرهابية، فضلا عن دعواته للدول لايجاد سبل لتكثيف وتسريع تبادل المعلومات بشأن الاتجار في الأسلحة، وتعزيز تنسيق الجهود على المستويات الوطنية و الإقليمية والدولية.
10- يؤكد من جديد قراره 1373 (2001) وعلى وجه الخصوص ما قرره بأن تتعاون جميع الدول في منع ووقف تمويل الأعمال الإرهابية والامتناع عن تقديم أي شكل من أشكال الدعم، الصريح أو الضمني، إلى الكيانات أو الأشخاص الضالعين في الأعمال الإرهابية.
11- يؤكد من جديد قراره 1373 (2001) بأن تحظر جميع الدول على رعاياها أو علي أي أشخاص أو كيانات داخل أراضيها إتاحة أي أموال أو أصول مالية أو موارد اقتصادية أو خدمات مالية أو غيرها، بشكل مباشر أو غير مباشر، لصالح الأشخاص الذين يرتكبون أو يحاولون ارتكاب ،أو يسهلون أو يشاركون في الأعمال الإرهابية، بما في ذلك الأفعال التي يرتكبها تنظيم داعش وجبهة النصرة وجميع الأفراد والجماعات والمؤسسات والكيانات الأخرى المرتبطة بتنظيم القاعدة.
12- يلاحظ مع القلق أن حقول النفط والبنية التحتية ذات الصلة التي يسيطر عليها تنظيم داعش وجبهة النصرة وغيرهما من الأفراد والجماعات والمؤسسات والكيانات المرتبطة بتنظيم القاعدة، يمكن أن يولد الموارد التي من شأنها دعم جهود التوظيف وتعزيز القدرة التشغيلية لتنظيم وتنفيذ هجمات إرهابية.
13- يدين أي انخراط في التجارة المباشرة أو غير المباشرة مع داعش أو جبهة النصرة أو مع الأفراد والجماعات والمؤسسات والكيانات الأخرى المرتبطة بتنظيم القاعدة.
14- يشدد على أهمية جميع الدول الأعضاء التمسك بالتزاماتها لضمان ألا تكون تبرعات المواطنين والأشخاص الموجودين في أراضيها للأفراد والكيانات الذين تعينهم اللجنة المنشأة عملا بالقرارين 1267 و 1989 أو أولئك الذين يعملون نيابة عن أو بتوجيه من الكيانات المعينة.
15- يعرب عن قلقه من أن الطائرات التي تقلع من الأراضي التي تسيطر عليها داعش يمكن أن تستخدم لنقل الذهب أو غيرها من الأشياء الثمينة والموارد الاقتصادية للبيع في الأسواق الدولية.
16- يدعو جميع الدول الأعضاء الي العمل علي منع أعمال الاختطاف واحتجاز الرهائن التي يقوم بها تنظيم داعش وجبهة النصرة وجميع الأفراد والجماعات والمؤسسات والكيانات الأخرى المرتبطة بتنظيم القاعدة.
17- يلاحظ أن داعش هي مجموعة منشقة عن تنظيم القاعدة، وهي كيان مدرج على قائمة العقوبات لتنظيم القاعدة، وفي هذا الصدد، يعرب عن استعداده للنظر في إدراج الأفراد والجماعات والمؤسسات والكيانات التي تقدم الدعم لداعش في نظام قائمة العقوبات، بما في ذلك أولئك الذين يعملون من خلال استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والإنترنت والإعلام الاجتماعي، لصالح تنظيم داعش.

18- يقرر أن يبقي المسألة قيد نظره .








الملف الماركسي:
- قراءة ورؤيا في متغيرات ربع قرن -
- فاتح جاموس ومحمد سيد رصاص -
شباط - نيسان2009


- الوضع الدولي -

1- صف القوى الشيوعية :
====================
سقوط ثورة أوكتوبر:
------------
كما وسمت ثورة أوكتوبر مرحلة كاملة تشكلت بعدها ، فإن تحولات 1989 – 1991 قد فعلت ذلك أيضاً ، ستبقى ، وبالذات سقوط التجربة السوفيتية وانهيارها ،مثار اهتمام لزمن طويل من قبل الدارسين والمهتمين ، وخاصة في الوسط الشيوعي .
منذ أوكتوبر 1917 كان هناك قرار في المراكز الرأسمالية المتعاقبة ، وآخرها الأميركي بعد 1945 ، بإسقاط الاتحاد السوفيتي ، وأي انتصار اشتراكي آخر ، وأنشئت أحلاف ( الأطلسي 1949 ) ووضعت خطط وبرامج وتكاليف هائلة من أجل ذلك ، كان آخرها برنامج حرب النجوم في عام 1983 .
لكننا نعتقد أن العوامل الذاتية الداخلية وتطوراتها كانت الحاسمة في السقوط ، مثل أي ظاهرة اجتماعية ، وخاصة تلك الكبيرة الأهمية والدور مثل التجربة السوفيتية .
كانت أهم العوامل الداخلية المقررة للسقوط :أولاً شكل النظام السياسي القائم على الحزب الواحد وتهميش نظام السوفييت الذي كان مفترضاً أن يكون بديلاً ديمقراطياً متطوراً عن شكل النظام الديمقراطي البرجوازي . هذا السياق أدى إلى نشوء بيروقراطية في الحزب والإدارة تمسك بكل القرارات وتحتكر السلطة ، دخلت مرحلة من الجمود العقائدي بحكم انفصالها عن القاعدة الاجتماعية التي رفعت الحزب البلشفي للسلطة ، ما أنشأ مصالح خاصة لهذه الفئة البيروقراطية ، وخلق عجزاً في ايجاد الحلول للمشاكل المتراكمة ومتطلبات هذا المجتمع ، خاصة عندما قرر السوفيات التصرف كدولة تخوض مباراة مع زعيمة العالم الرأسمالي ، ما أدخل الاتحاد السوفيتي في عجز عن الاستمرار ، لما وقف اقتصاده عاجزاً عن خوض متطلبات حرب النجوم ، فيما لم يكن الأمركذلك في مرحلة سباق التسلح النووي والتقليدي بين عامي 1949 و 1983 .
أما العامل الثاني المتمثل في حقلي الاقتصاد ومستوى المعيشة ، والذي بدوره جاء من حيث الأساس نتيجة للعامل الأول لكنه أيضاً يمثل حالة امتداد تاريخي للوضع الروسي المتأخر ، فقد كان حاسماً ومؤثراً بدوره أيضاً في تطورات ثلاثة أرباع القرن ، من عجز التجربة السوفيتية ، حيث ظل العالم الرأسمالي المتطور سابقاً للسوفيت في حقول الصناعات المتوسطة والخفيفة ـ وفي مجال الاستهلاك ومستوى الدخل - وهذا أدى إلى ارتكاسات عند المواطن السوفيتي على الرغم من القفزات والإنجازات التي حققها السوفيت في مجال الصناعات الثقيلة والتقنيات العالية وإلغاء اقتصاد السوق ، وتحويل أشكال الملكية .
أما العامل الثالث فقد تمثل في أن إدارة الخلافات في ( المعسكر الاشتراكي ) لم تكن صحيحة ولم تنطلق على أساس المصالح المشتركة ، بل حاول السوفيت إدارتها لمصلحتهم ولم يأخذوا بعين الاعتبار حقيقة اختلاف المسار والمصالح في كل تجربة ، وهذا ما استغله المعسكر الغربي ،نعني الخلاف الصيني السوفيتي , من أجل تحقيق أجندته , في حقبة السبعينات .
كل هذه العوامل أضعفت قوة المثل في النظام الاشتراكي ، وساهمت في جعل المثل الرأسمالي الغربي يتقدم عليه ، ما شكل أرضية معنوية ، ودعائية ، ومادية لانتصاره اللاحق ، وما ولّد من آثار .
بقية الدول في الصف السوفيتي :
كانت هذه الدول منذ الخمسينات على درجة من
التبعية عالية لموسكو ، وقد شكل بعضها نقاط ضغط خارجية على الاتحاد السوفيتي ، مثل المجر 1956 وتشيكوسلوفاكية 1968 ، وبولونيا 1980 – 1981 ، وفي الوقت الذي بدأت تحصل به تطورات وتحولات عميقة في قمة الهرم السوفيتي ، بزمن غورباتشوف ، تحولت تلك البلدان إلى حلقات ضعيفة وانهارت بالتسلسل خلال أشهر قليلة من النصف الثاني من عام 1989 ، في وقت لم تستطع فيه القيادة السوفيتية أن تفعل شيئاً ، بل ساهمت تلك الانهيارات في تعجيل انهيار وتفكك الاتحاد السوفيتي عام1991.
الدول المتبقية من ( المعسكر الاشتراكي القديم ) : وتستحق التجربة الصينية أهمية خاصة ، إذ شكلت مركزاً آخر في المعسكر الاشتراكي ، واستمر في الوجود حتى بعد سقوط الاتحاد السوفيتي ، وهناك العديد من الإجراءات والتطورات في الصين هي مثيرة للجدل ، تدفع الأسئلة الرئيسية مجدداً : ( طبيعة النظام – طبيعة السلطة – التعايش القائم بين أنظمة مختلفة اقتصادياً – التناقضات واحتمالات تطورها مستقبلاً ) .
نحن نعتقد أن طبيعة السلطة وأيديولوجيتها ذات طابع اشتراكي بطريقة النظام الاشتراكي القديم ، ونعتقد بالمقابل أن الخطط الاقتصادية الجديدة للقيادة الصينية ( منذ الثمانينات ) قامت على أساس حاجات ضرورية لا تستطيع الصين تحقيقها بنفسها ، فطرحت ما يشبه ( النيب ) ، على مراحل ، مع تشدد سياسي وأيديولوجي .حافظ ذلك على نظام يحتكر السلطة السياسية (بقيادة الحزب الشيوعي )له طابع شمولي إيديولوجياً . فتحت التطورات الجديدة آفاقاً ومجالات لتناقضات تحاول القيادة الصينية ضبطها ، وكل الخوف أن تصل هذه التناقضات إلى قمة الهرم السياسي ، لتنفجر بطريقة غير محددة المعالم ، بالرغم من بقاء الدولة مالكة للكتلة الاقتصادية الرئيسية ، والقطاعات الاقتصادية الرائدة .
ينطبق الوضع الصيني بالسمات القائمة والمحتملة ، على فيتنام ، بصورة خاصة ، وإلى حد ما على الوضع الكوبي .
القوى الشيوعية خارج الصف الرسمي : كان وضع القوى الشيوعية ، خارج الصف الرسمي ، مع سقوط السوفييت ، على الشكل التالي :
1- اتجاه شيوعي أوروبي : يتميز بمراجعة شاملة لأهم مقولات الماركسية ولتجربة أوكتوبر 1917 ، وينتقد الاتحاد السوفييتي من منطلق الصف الواحد ، ويختط طريق الانتقال السلمي للوصول للسلطة ، والانفتاح على قوى الرأسمالية بأشكال تكتيكية عديدة ، سياسية واقتصادية .
2- اليسار الجديد بتنويعات مختلفة : كان له دينامية نظرية تقوم على أساس تبيئة الماركسية مع الشروط المحلية ، بالإضافة لنزعة أرثوذكسية ، نظرية تستلهم المقولات الأساسية ، وتنتقد مجموع التراجعات ، كما رأتها ، في المركز السوفييتي والصيني أو عند الشيوعية الأوروبية .
كانت تجربة ( اليسار الجديد ) في أمريكا اللاتينية ، أكثر غنى وأكثر قدرة على استقطاب شعبي من غيرها ، وهي الوحيدة التي كانت قادرة على منافسة الأحزاب الشيوعية التقليدية الموالية لموسكو ، كما تحالفت مع اليسار باتجاهاته المختلفة لتشكيل تحالفات يسارية متمايزة عن الماضي ، استطاعت الوصول للسلطة ( البرازيل – بوليفيا – فنزويلا – نيكاراغوا – تشيلي ) خلال العقد الأول من القرن الواحد والعشرين عبر الطريق الانتخابي ، وذلك على الرغم من ضغط المركز الرأسمالي الأميركي .
هناك استثناءات ، مثل نيبال حيث استطاع الاتجاه الماوي المحافظة على ذاته وتطوير نفوذه ، حتى الوصول للسلطة عبر الانتخابات ، والنجاح في تغيير الملكية عبر استفتاء شعبي ، أيضاً في الهند ، كان ( الحزب الشيوعي الهندي – الماركسي ) هو ذو اتجاه ماوي منذ عام 1964 ، وكان على تضاد مع ( الحزب الشيوعي الهندي ) الموالي لموسكو : هذان الحزبان حافظا على قوة وتأثير انتخابي بعد سقوط السوفييت ، وهما يدخلان منذ ذلك الوقت في تحالفات انتخابية على مستوى البرلمان المركزي ومجالس الأقاليم وفي النقابات .
أما فيما يتعلق بالاتجاه التروتسكي ، وعلى الرغم من أهمية الانتقاد التاريخي الذي أثاره تروتسكي، وجموع الاتجاه التروتسكي ، للتجربة السوفييتية الرسمية وغيرها ، وكذلك للحركة الشيوعية الأوربية ، وتقدم نفوذ هذا الاتجاه ، في بعض المواقع الجغرافية في العالم ( سيلان 1960 – 1975 ، البيرو 1964- 1965 ) إلا أنه لم يستطع لاحقاً أن يطور ذاته على صعيد النفوذ الشعبي ، لكن بقيت له أهمية كبيرة على الصعيد الفكري الماركسي ، والموقف من الرأسمالية العالمية .
أما بعد سقوط الاتحاد السوفييتي وانتصار النظام الرأسمالي بقيادة المركز الأمريكي فقد حصلت تأثيرات وتغيرات كبرى داخل الحركة الشيوعية غير الرسمية ، أهمها الإحباط التاريخي ، وما ولدت من انشقاقات وتراجعات وتغيير الإيديولوجيات وأسماء الأحزاب وهوياتها ، والمزيد من الممارسات التكتيكية اليمينية ، وكان هذا ظاهراً في أوروبا ،كما في إيطاليا ، بعد انشقاق الحزب الشيوعي الإيطالي عام 1991 .
هذه العملية ما زالت قائمة ، المكان الوحيد الذي ظل متماسكاً كان أميركا اللاتينية .
2- صف النظام الرأسمالي :
===================
الدور الأميركي في انتصار الرأسمالية الأخير : كان أوائل الثمانينات منعطفاً فاصلاً في تاريخ المواجهة بين المعسكر الغربي والاتحاد السوفييتي ، عندما صعد ريغان بما يحمله من يمين ليبرالي جديد وقوى اجتماعية جديدة ، ووصل إلى البيت الأبيض .تمثل المنعطف بانتصار إستراتيجية وتكتيكات المركز الرأسمالي الأميركي القيادي في هزيمة السوفييت بين عامي 1989 و 1991 ، ومن حينه ظهر العالم بتقسيم دولي وتناقضات واستراتيجيات جديدة ، حيث انتفت قطبية الصراع التي كانت في فترة الحرب الباردة ، كما أصبحت تدار التناقضات من ذلك الوقت بطريقة مختلفة ، أساسها تميز الدور الأميركي ، الذي ازداد عن ما كان بعد 1945 ،الذي كان ناتجاً عن السياق الخاص لتطور الرأسمالية الأميركية والبناء الفوقي المتكون ، ثم مستوى القوة الاقتصادية التي وصل لها المركز في الربع الثاني من القرن العشرين عندما تعافى بسرعة من آثار أزمة 1929 ، وكانت تجربة الحرب العالمية الثانية معبراً للرأسمالية الأميركية لكي تقود العالم الرأسمالي بعدها في مواجهة السوفييت ، عبر إيقاف الرأسمالية الغربية على قدميها من جديد عبر إعادة الإعمار التي مثلها مشروع مارشال ( 1947 ) وإدارة التناقضات لمنع الحروب بين الرأسماليات ، ومن ثم وضع العالم الرأسمالي في إطار النهج والاستراتيجيات الأميركية من أجل مواجهة شملت العالم بأسره ضد السوفييت وحلفائهم في كل مكان ، وقد كان هذا التميز الأميركي في القيادة ناتجاً عن وعي رأسمالي جديد متشدد أكثر ضد السوفييت ، وناجماً عن بناء فوقي داخل المجتمع الأميركي محافظ سمح للنخبة السياسية باستغلاله للمزيد من التوجهات اليمينية على أكثر من صعيد ، حتى وصل هذا منذ السبعينات للتحالف مع الموجة الأصولية الإسلامية وبابا الفاتيكان لمواجهة الشيوعية والسوفييت في نطاق امتد من وارسو إلى كابول .
تزامن كل هذا مع صعود موجة الليبرالية الجديدة أوائل الثمانينات داخل أميركا ، ماجعل السياسات الأميركية أكثر يمينية تجاه السوفييت وفي موضوع العولمة وفي قضايا السوق ودور الدولة الاقتصادي والاجتماعي .
بعد سقوط السوفييت برزت نشوة الانتصارات في العالم الرأسمالي ، وغدا دور القيادة الأميركية وكأنه شيء أبدي وبديهي ، يفترض من الرأسماليات الأخرى دفع ثمن خاص لهذا الدور في الإستراتيجية والعولمة وفي المجال العسكري وإدارة الصراعات الدولية . وبالطبع أدت الهزيمة السوفييتية إلى إحباطات وهزائم وتراجعات في معسكر اليسار بكل تنوعاته ، حتى بدا المركز الأميركي وكـأنه وحيداً في ملعب لم يعد فيه أحد ، واعتقد البعض بأن الرأسمالية هي ( نهاية التاريخ ) .
أكدت التطورات ما بعد 1989 أن الرأسمالية ليست مؤبدة ، ولا يمكن أن تكون كذلك ، فهي تولد أزماتها بنفسها ، بعضها عابر ومحلي ، وبعضها خطير ، وأخرى مهددة لبنية النظام الرأسمالي نفسه .
في الرأسمالية الجديدة ما بعد 1989 ، أكثر ما يلفت النظر عدد من الظواهر الأساسية: ( العولمة ، الليبرالية الجديدة ، الأزمات ) .
العولمة هي أولاً ظاهرة موضوعية ، تعبر عن مستوى التطور التقني في ربط العالم والبشر على صعد مختلفة ، اقتصادية ، وتقنية ، وإعلامية ، وخلق تفاعلات سريعة لم تكن متوفرة من قبل ، تؤثر بدورها على قضايا كبرى ، كالثقافة ، ونمط العيش ، ومفهوم السيادة ، والهوية الحضارية . بهذا المعنى ، هي ظاهرة من المستحيل تجاوز تأثيراتها ، والأكثر قدرة على الاستفادة منها وتوجيهها هو الأكثر قوة ، ولهذا السبب اقترنت العولمة مع الأمركة التي ربطت مصالح النظام الرأسمالي بمصالحها أولاً ، وأخضعت مؤسسات النظام العالمي لنهجها , وربطت العالم بها في حروب ومشاريع (مثلاً:مشروع الشرق الأوسط الكبير ) قامت بإملائها على الآخرين .
ثانياُ : أخذت ظاهرة الليبرالية الجديدة دفعاً قوياً مع سقوط الاتحاد السوفييتي ، وبدا الأمر وكأن هناك إمكانية مفتوحة للهجوم على كل مكتسبات الطبقة العاملة والفئات الوسطى التي حصلتها خلال الفترة الأطول من القرن العشرين والتي اضطرت لها أيضاً الرأسمالية في زمن مواجهة السوفييت ، إضافة للعوامل المحلية . إن موضوع الليبرالية ليس جديداً ، فقد كان هناك ليبراليون عديدون (= نظريات كينز التدخلية منذ الثلاثينات ) وإذا تركنا جانباً موضوع الخلط المقصود بين الليبرالية والديمقراطية ، فإن الليبرالية الجديدة جاءت في شروط تاريخية كان من الصعب ملاءمتها مع الشروط التي أتت بها الليبرالية القديمة ،حيث كانت الكثير من التطورات قد جرت على النظام الرأسمالي ، بشكل خاص اشتداد التلازم بين دور الدولة والنظام بما فيه دور السوق ، وخاصة السوق العالمية ، وكان الأمر بخلاف ما اعتقده البعض ذا طابع إيديولوجي وسيادي ارتبط بفئات اجتماعية محددة أدخلت بوش الإبن للبيت الأبيض في عام 2001 ، ولم يكن الأمر بظاهرة جديدة في النظام الرأسمالي كالعولمة .
أتت أزمة 2008 المالية العالمية كحصيلة لسياسات الليبرالية الجديدة ، التي كانت على تناقض مع الليبرالية القديمة التي ظلت منذ آدم سميث وجون ستيوات ميل تؤمن بالصناعي والتاجر كقائدين للعملية الرأسمالية ، لتحاول الليبرالية الجديدة وضع البنوك المالية في مركز القائد للعملية الرأسمالية . هذا أدى إلى قيم دفترية لم تكن متطابقة مع الاقتصاد الفعلي ، ما ولد فقاعات ، مثل الذي جرى في العقارات وقبلها في التكنولوجيا ، حتى انفجرت تلك الفقاعات في أيلول 2008 ، والتي امتدت بسرعة لتنتقل من كونها أزمة مالية لتشمل قطاعات اقتصادية كبرى ، كما امتدت في نفس الوقت من المحيط الأمريكي إلى العالمي ، بحكم قوة الاقتصاد الأميركي والتداخل البنيوي الذي أصبح موجوداً في بنية الاقتصاد العالمي .
بقية المنظومة الرأسمالية : على الرغم من الانتصار الذي حققه المركز القيادي الأميركي بهزيمة السوفييت ، وإدارة التناقضات الناجحة داخل المعسكر الرأسمالي خلال العقدين الأخيرين ، مما أوحى وكأن التناقضات على المصالح قد انتهت ، إلا أن الوقائع أكدت أن دوافع التناقضات عميقة وحية وحاضرة وحيث تظهر بوضوح المصالح . في ذلك الإطار ، يبرز دور المركز الأوروبي والياباني ، وظهرت التناقضات في مسائل النفط والثروات الطبيعية ، وفي منظمة التجارة العالمية ، ودعم المزارعين ، وكل المواضيع التي تتعلق بالحماية الجمركية ، إضافة إلى موضوع النقد ودور الدولار ، فالمركز الأوروبي في حالة استراتيجية دفاع بعيدة المدى في مواجهة المركز الأميركي ، خاصة على الصعيد الاقتصادي ، ليبرز هذا في أكثر من خطوة اتحادية ( توحيد العملات في اليورو 1999 ، قوانين حماية موحدة للمزارعين الأوروبيين .. الخ ) وقد ظهرت هذه التناقضات بين الأميركان والأوروبيين في أكثر من موضوع ( العراق – شمال إفريقيا – أواسط إفريقيا – إيران ) ، وعلى الرغم من الطابع غير المواجه للمركز الياباني إلا أنه استمر بنفس آليات عمله البادئة ما بعد الحرب العالمية الثانية في التركيز على الاقتصاد والمنافسة العالمية الجادة ، والتأكيد على السياسة الخاصة لليمين الياباني . ومن الظاهرات الأكثر أهمية التي تسببت في تناقضات العالم الرأسمالي ما سمي برأسمال العابر للحدود أو الشركات ما فوق قومية ، ودور الدولة عندما تتعرض المصالح للخطر : لقد اعتقد البعض وطرح نظريات تفيد بأن رأس المال العابر هو الذي يتحكم بالاقتصاد العالمي ، وأن الدول عبر الأمم المتحدة قد غدت دولة عالمية ، وأن الظاهرة القومية ومفهوم السيادة قد تم تجاوزهما لصالح حق التدخل العالمي ، لكن الوقائع لا تزال تثبت أن مركز الدولة الأم يدافع بكل الوسائل ، بما فيها العسكرية ، عن رأس المال القومي أو الوطني ، إن كان عابراً أو لم يكن ، وأكثر الدول والاقتصادات هشاشة هي تلك التي كانت مركز عبور أو لجمع رأس المال بدون دولة قوية قومية أو وطنية تدافع عنه ( دبي – سنغافورة ... الخ ) .
المراكز الطرفية : أكثر ما يميز الوضع الدولي في العقد الأول من القرن الجديد ، كان بروز مراكز طرفية في مناطق متعددة من العالم ، مثل ( الهند ، تركيا ، جنوب إفريقيا ، البرازيل ، الأرجنتين ، إيران ) : هذا التميز فرض وقائع جديدة في العلاقات الدولية ، إما عبر تكيف بعضها مع سياسات المركز الأميركي أو عبر محاولة انتهاج سياسات مستقلة تجاهه ، أو لعب دور خاص ، يأخذ مسافات ، أو يكون لصالح المركز الأميركي ، أو مصادماً لهذا المركز ( إيران – البرازيل ) ، وربما كانت ظاهرة المراكز الطرفية أكثر الدلالات على تناقضات النظام الرأسمالي المعاصر ، لأنها في وضعية شق طريق لتجربة خاصة بين التناقضات الرأسمالية الدولية .
في هذا الإطار ، انتقلت روسيا للرأسمالية منذ عام 1991 ، وعايشت أزمة طويلة خلال مرحلة الانتقال والخصخصة ، إذ كان مطلوباً في المراكز الرأسمالية ، والأميركية خاصة ، تحويلها إلى دولة ضعيفة مدمرة ، وليس فقط تغيير طابع النظام الاقتصادي – الاجتماعي فيها ، وفي العقد الأخير اجتمعت عدة شروط ( منها ارتفاع سعر النفط – دور النخب السياسية القيادية بعد استقالة يلتسين ) في نهوض روسيا من جديد ، وأخذها لدور متعاظم القوة في العلاقات الدولية ، وفي الجوار المحيط ( القفقاس – وسط آسيا – كوريا الشمالية ) لتجد لنفسها دوراً خاصاً كمركز رأسمالي جديد منافس .
العالم الثالث : زادت ظواهر التبعية في مرحلة ما بعد 1989 في مناطق العالم الثالث القديمة ، وظهرت الآثار الوحشية للعولمة فيها ( المجاعات – الأمراض – تزايد دخول إضافية تحت خط الفقر – هجرات للمراكز الرأسمالية تحت ضغط الحاجة ... الخ ) ، إضافة لتزايد الاستتباع السياسي للمركز الأميركي عند دول جديدة ، الناتجة أساساً في بعض الدول عن تراجع أو انتهاء ظاهرة حركة التحرر الوطني في العالم الثالث ، ووجود غالبيتها بين أنظمة تحولت لليمين وهي تابعة وفاسدة بدون خطط وطنية لإيجاد موقع مستقر أو قوي داخل تناقضات النظام الرأسمالي أو العولمة المتوحشة .
3- استنتاجات عامة :
================
أدى سقوط السوفييت إلى هزيمة في كامل الصف اليساري العالمي ، تجسدت في انقسامات ، وارتدادات ، وشكوك عميقة في النظرية الماركسية ، وإلى التخلي عن مقولات كانت رائجة ( سمة العصر – ديكتاتورية البروليتاريا – التطور اللارأسمالي – الهجوم الاستراتيجي لقوى الثورة – التراجع الاستراتيجي للرأسمالية ... الخ ) .
أدت الهزيمة إلى موجة مد يميني تجسد في ( الليبرالية الجديدة ) ومقولاتها ، التي انجر نحوها الكثير من اليساريين ، أيضاً ، كان تراجع المد اليساري ، على الصعيد العالمي والذي شمل اليسار الماركسي والاشتراكي الغربي أيضاً ، مترافقاً ليس فقط مع صعود الليبرالية الجديدة ، وإنما تزامن مع صعود الموجة الدينية العالمية ، التي شملت بابا الفاتيكان وتحالفه مع الغرب في بولونيا ، والإسلاميون الذين تحالفوا مع الأمريكان في أفغانستان ضد السوفييت .
بالمقابل كان انتصار الرأسمالية ، وعلى مدى عقدين من الزمن حتى أيلول 2008 ، مؤدياً إلى تعويم مقولات رأسمالية ، مثل ( نهاية التاريخ ) ، والدور المركزي لقوى السوق الاقتصادي ، واعتبار الليبرالية هي المفهوم المركزي لقوى السوق بالاقتصاد ، واعتبار الليبرالية هي المفهوم التوأم للديمقراطية ، والقدرات اللانهائية للرأسمالية على التكيف وتجاوز الأزمات ، وبدا النظام الرأسمالي في وضعية مد وحالة هجوم استراتيجي شمل المعمورة كلها .
مع بداية الأزمة المالية العالمية في خريف عام 2008 ، وصل هذا المد اليميني الرأسمالي ، الذي جسدته إدارة بوش الابن ، إلى منعطف ، ليس فقط في الاقتصاد ، وإنما شمل ذلك حقول الأيديولوجية ، والمشروع السياسي .
بالترافق مع هذا ، تشهد الموجة الإسلامية حالة تراجع ، أو الوصول إلى حالة دفاعية ، وانقطاع المد الذي كان لهذه الموجة بالسبعينات والثمانينات . تزامن مع هذا ، انفكاك تحالف واشنطن مع الإسلاميين بعد سقوط السوفييت ، ودخول بعض الفصائل الإسلامية في مواجهات مع الأنظمة الموالية للأميركان .
إن شرط الرأسمالية الجديد ، ( استمرار الأزمة واحتمالات تطورها ) ، وحالة الموجة الإسلامية ، هي وقائع موضوعية في التفاؤل التاريخي لصالح اليسار ، لكن هذا شيء ، وإمكانية استفادة الشعوب وقوى اليسار لتحقيق انتصارات فعلية شيء آخر ، رغم هذا ، فإنه في حال تطور الأزمة الاقتصادية وصعود الصراعات الاجتماعية كما هو متوقع من الممكن أن نرى حالة مد يساري جديدة .
في ذلك السياق ، هناك بعض البلدان التي فيها حالة الصراع الطبقي والسياسي ناهضة أساساً ، ويعتقد أن الامتحان مفتوح أمامها في مواجهة الرأسمالية ( أميركا اللاتينية ، بشكل خاص ) .
يجب تسجيل أن النظام الرأسمالي ، في ظل الأزمة الراهنة، يعيش أفضل حالاته من حيث تعاون أطرافه بمواجهة الأزمة وفي التعامل بمختلف القضايا ، وهذا شرط موضوعي يفترض ضرورة تنبه قوى اليسار ، على الرغم من أوضاعها الصعبة ، لأهمية التعاون والتنسيق بينها كحد أدنى ( إقليمياً وعالمياً ) .
من الضروري ، التأكيد مجدداً أن الطبيعة البنيوية للنظام الرأسمالي هي الدخول في الأزمات ، ولكن أحد السمات الرئيسية للأزمة الراهنة – وهذا يختلف عن أزمة 1929 – أن الرأسمالية كانت خارجة منذ 1989 من انتصار استراتيجي كبير ، وقوى اليسار تعيش أسوأ أوضاعها ، وفي هذا الصدد ، ينظر للأزمات من زوايا مختلفة ، حيث يرى بعض منظري الرأسمالية أن الأزمات هي طريق لتجديد الرأسمالية لنفسها ، فيما ينظر اليساريون بشكل مختلف ، حيث يعتبرون الأزمات سمة بنيوية عضوية ، أما مسألة التكيف والتطوير والتجديد فهي مسألة تتعلق بالذات السياسية عند اليمين واليسار والصراعات الطبقية ، على المستويات العالمية والمحلية وقضايا البديل اليساري للرأسمالية .
تتيح الأوضاع المعاصرة مجالاً لاستحصال التقنية بأشكالها المختلفة بخلاف ما كانت عليها الأوضاع خلال القرن التاسع عشر والعشرين ، وهذا يشمل البلدان المتوسطة النمو والأقل نمواً ، وهذا ناتج عن تناقضات موجودة في مجمل العالم الرأسمالي ، وتعدد مراكزه ، والصراع داخله ، مما يسمح للعديد من التجارب في العالم النامي – إن كانت ذات طابع رأسمالي أو اشتراكي – باستحصال الحد الأدنى ( أو أعلى ) من التقنية ، وبالتالي شق سياق لتجربة متطورة .
هنا يمكن التأكيد على أن التطور الرأسمالي الكلي للعالم يظل محكوماً بقانون ( النمو المتفاوت ) ، وبالتالي فإن إمكانية القطع مع هذا المركز الرأسمالي أو ذاك ، سواء كان بشكل سياسي أو عبر نظام اقتصادي – اجتماعي آخر ، تظل متاحة للعديد من بلدان العالم ، ما دام هناك تنافس بين المراكز الرأسمالية ناتجة عن تناقضات مصالح ، أو عن اصطفافات تنتج عن أسباب اقتصادية أو سياسية ، أو الاثنين معاً .
وعلى الرغم من كون الرأسمالية ما زالت محتفظة بالاستعدادية للدفاع عن مقدساتها ، وأولها الملكية الخاصة ، إلا أن قدراتها على ممارسة الاستثناء ، والعنف والتدخل ضد أنظمة منتخبة ديمقراطياً أصبحت أضعف من السابق بحكم تطور الشروط الحضارية وصعود قيم حقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع المدني على الصعيد الدولي .
- أحد الاستنتاجات الأساسية ، التي يمكن تسجيلها هنا ، هو استمرار تطابق المصالح القومية أو الوطنية مع الدولة بصورة أساسية ، في العالم المتطور رأسمالياً ، والأمر أكثر وضوحاً في العالم الثالث ، فالمسألة القومية لم تنته فحسب بل هي حاضرة وربما تشهد مداً جديداً ، خاصة بعد سقوط التجارب المافوق قومية ( الاتحاد السوفييتي – يوغسلافيا – تشيكوسلوفاكيا ) ، ويشمل ذلك موضوع السيادة الوطنية أمام اجتياحات المراكز الرأسمالية العالمية ، سواء سلماً أو حرباً ، ويرتبط بهذا موضوع استيقاظ الهويات المحلية ( الثقافية والدينية ) أمام الهجمة المتعددة الأشكال لهذه المراكز ، وأمام مظاهر العولمة.
- ===================================

الوضع الإقليمي
شكلت بداية الثمانينات بدء مرحلة جزر في المدّ القومي العربي ، وربما كان احتلال بيروت ،وما تلاه من خروج المقاومة الفلسطينية ، علامة فارقة في ذلك ، وقد حصل ملء الفراغ من قبل الإسلاميين في عموم المنطقة الممتدة من الخليج إلى المحيط . أما إقليمياً ، أو ما نعني الإطار الجغرا-سياسي المحيط بالمنطقة العربية ، فقد شهد تنامي دور دول الجوار وبروز مشاريع إقليمية لبعضها ، استقوت بحالة تراجع المشروع القومي العربي ، وكانت على حسابه أحياناً .
بالتأكيد ، كان المشروع الإيراني ، ولا يزال ، هو الأكثر تأثيراً ونفوذاً ، وعلى حساب المشروع القومي العربي في المنطقة العربية وفي المحيط الإقليمي ، وفي الدرجة الثانية يأتي المشروع التركي ، وهناك مشاريع وخطط استراتيجية ، أساسها غربي ، تستغل أوضاع تراجع العرب من أجل تقديم أدوار بعض الدول الإفريقية ، مثل أثيوبيا في الصومال ، وتشاد في قضية دار فور .
إن غياب المشروع القومي العربي ، على مدى زمني طويل وبالذات بعد وفاة الرئيس عبد الناصر وتراجع وتحول دور مصر وعدم قدرة أي بلد عربي آخر على لعب دورها ( العراق ، سوريا ، السعودية ) وخروج المقاومة الفلسطينية من بيروت ، قد لعب دوراً حاسماً في تقدم تأثيرات المشروعات الإقليمية ، والمشروع الأميركي ، والفرنسي في شمال إفريقيا (وبصورة أضعف في منطقة المشرق العربي ) وما زاد في الطين بلة الاستقطاب المذهبي لبعض تلك المشاريع ( الإيراني ، والتركي ) ، وأحياناً بصورة مباشرة وأخرى بصورة موضوعية ، مع لعب خارجي ، أميركي وأوروبي ، لدفع المركز السعودي ـ المصري من جهة ،والإيراني من جهة أخرى ، للدخول في هذا الاستقطاب المذهبي .
على الرغم من الأخطاء الكبيرة والفادحة للمشروع الإيراني في العراق ، من خلال تسهيله وتشجيعه للغزو والاحتلال الأميركيين ، وكذلك أخطاء بعض الجهات السلطوية الإيرانية في مسألة تشجيع التشييع وردود الفعل المذهبية السلبية عليها واستغلال السعودية ومصر ( ومن خلفهما أميركا ) لكل ذلك ـ مع هذا ، ففقد كان المشروع في محصلة عامة ، ولا يزال على درجة من التناقض عالية مع المشروع الأميركي والصهيوني ، ويقوم هذا التناقض بسبب طموحات المشروع الإيراني التي أدت به للصدام مع واشنطن وتل أبيب ، بسبب سعيه إلى دور مستقل خاص لإيران .
بهذا المعنى يظل تناقض العرب الرئيسي مع المشروع الأميركي ـ الصهيوني ، ويظل هذا التناقض مع إيران ثانوياً أو موضعياً ( العراق ـ الخليج ) بالمقارنة .
أما المشروع التركي ، وبسبب شروطه الخاصة وبالذات بعد وصول الإسلاميين للسلطة عام 2002 وفشل دخولهم للإتحاد الأوروبي ، وحذرهم من المشروع الأميركي وتحالفه مع الأحزاب الكردية الفاعلة في شمال العراق ( بما فيها حزب العمال ) ، فقد كانت أخطاؤه أقل من المشروع الإيراني وبقيت تأثيراته أضعف من الأخير لأنه لم يقحم نفسه في تناقضات المنطقة ، كالمشروع الإيراني ، وفي المحصلة العامة موقعه في التناقض مع المشروع القومي العربي يبقى ثانوياً ، ( وعلى الرغم من بقاء موضوع لواء اسكندرون ماثلاً ومعلقاً ) ، كما أن المشروع التركي أضعف في تأثيراته المذهبية وأقل سلبية من المشروع الإيراني .
===================================
الوضع العربي
وصلت حركة الجزر القومي العربي إلى القاع ، وذلك بعد فشل طبعتيه الناصرية والبعثية ، ووصول الموجة الإسلامية إلى وضعية التراجع . في مثل هذا الوضع ، أتى التدخل الخارجي ، من قبل الولايات المتحدة الأميركية الذي وصل إلى حدود الغزو والاحتلال ، وجاء بروز المشاريع الإقليمية ، وأيضاً حالة تفكك البنى الداخلية في بعض الدول العربية .
بدون أي شك يعتبر المشروع الصهيوني ، المتمفصل بعلاقة تشارك خاصة مع المراكز الإمبريالية المتتابعة وآخرها الأميركي ، أهم قوة دافعة من أجل تدمير شروط نجاح المشروع القومي العربي ، لكن هناك أسباب داخلية حقيقية متمثله في بنية وممارسات الأنظمة التي حكمت باسم المشروع القومي العربي ، فعبر احتكار السلطة ، والعلاقة الخاصة مع المجتمع ، تمثلت أولويات الحكام في الحفاظ على سلطاتهم ، فتقلصت مشاريعهم القومية إلى وضع قطري متناقض مع أوضاع قطرية أخرى ( عبد الناصر والبعث ، نظاما البعث في دمشق وبغداد ) مما زاد في سلبية الأوضاع القومية ، وجعل مسار مواجهة هذه الأنظمة مع إسرائيل تقود أولاً إلى هزيمة ( 1967 ) ، ثم إلى التسوية ( كامب ديفيد ) ، وبعض البلدان إلى الانهيار والاحتلال ( العراق ) .
لكن عملية الوصول إلى القاع لم تكن سوى مسألة صراعية بين الشروط الجاذبة والنابذة قومياً . تعطي السنوات الأخيرة دلالات قوية على وجود موضوعي وعميق للمسألة القومية العربية بكل أبعادها من الصعب تجاوزه وله مستقبل ، ومن أهم هذه الوقائع والدلالات ما يتمثل في التالي :
1- إن المشروع الصهيوني المتمفصل مع المشروع الأميركي في الوقت الذي كان يلعب به الدور الأكثر خطورة في تدمير المشروع القومي العربي ، فقد كان بالوقت نفسه ومن خلال المقاومات المتعددة والمتراكمة يلعب دوراً نقيضاً ، وليس عبثاً أن مشاريع التسوية ( والتطبيع ) قد فشلت برمتها بالسنوات الأخيرة ، وليس فقط مع المواطن ، وإنما أصبحت الأنظمة مضطرة أن تأخذ هذا بعين الاعتبار في علاقتها مع الكيان الصهيوني .
2- من الواضح أن الوعي القومي العربي كان يتقدم باتجاه الجنوب والغرب ( اليمن ـ إفريقيا العربية ) ، وأكبر مؤشرات ذلك في حربي 2006 ـ 2009 ، إلى درجة أن طابع الاحتجاجات والمظاهرات العروبية قد تقدم على الطابع الإسلامي .
3- كانت المسألة الفلسطينية ( ولا تزال ) مركزية في إعادة شدّ لحمة الوضع القومي العربي ، ونلمس هذا أولاً في تراجع وفشل ( مشروع إسرائيل الكبرى ) ، ثم في انكفاء المشروع الصهيوني إلى وضع تراجعي وقائي ، كانت أحد تجلياته ( الجدار العازل ) ، الذي يعبر عن وضعية انكفائية إلى ( غيتو جغرافي ) ، كما نلمس هذا في عودة المدّ اليميني الصهيوني الذي لم يعد، كما كان في زمن بيغن ، في حالة توسعية هجومية ، وإنما تترافق أطروحاته اليمينية المتطرفة مع تلك الحالة التراجعية الدفاعية ، وهي تعبير عنها ،كما يترافق هذا ، عند الكيان الصهيوني ، مع فشل ( مشروع الشرق الأوسط الجديد ) الذي قدمته الإدارة الأميركية السابقة .
4- يمكن القول أن التراجع القومي العربي قد ترافق بهجوم ثقافي وفكري ودعاوي وسياسي ضد المسألة القومية العربية و( العروبة ) و( الوحدة ) و( الأمة ) و( المقاومة ) ، وكل هذا قد أصبح في حالة تراجع ودخل في حالة دفاعية مع فشل المشروع الأميركي الذي بان بوضوح في مجرى العامين الماضيين .
5- إن أحد أهم أسباب تطور استراتيجية التدخل الأميركي في المنطقة، بالوسائل العسكرية ، هو تعب المشروع الصهيوني وتراجعه إلى مواقع دفاعية ، وعجزه عن القيام بالعديد من الوظائف المفترضة ، وجاء هذا أساساً بسبب استمرار مقاومة الشعب الفلسطيني ، وبروز مقاومات مختلفة في الجوار . كل ذلك يشير، بصورة أخرى ، إلى انتعاش تدريجي يعطي أرضية موضوعية لانتعاش الحركة القومية العربية مجدداً .
6- على الرغم من أن الفكر الإسلامي ليس فكراً قومياً بحيث لم تتمكن موجة المد الإسلامي من ملء فراغ الحركة القومية العربية ، إلا أنه بسبب التمفصل العميق للإسلام مع شرط اللغة العربية ثم الثقافة العربية وكذلك مع التاريخ والجغرافية والديموغرافيا ، تمكنت الموجة الإسلامية من خلال تصدرها لمقاومة المشروع الصهيوني ، في العقدين الأخيرين ، وكذلك للإحتلالات الخارجية ، من لعب دور إيجابي في المسألة القومية العربية عبر تفاعل ( الوطني ) و ( القومي ) .



استنتاجات :
1- إن المسألة القومية العربية ، كأي مسألة قومية معاصرة ، لابد من أن تأخذ مداها في التحقق ، وصولاً إلى أهداف الوحدة والدولة المركزية ، ولا بد أن هذا الطريق سيكون طريق الشعوب والحركات السياسية التي تعي بدءاً من الآن حقيقة الدلالات في الموضوع القومي العربي والإتجاهات التاريخية ، وعلى ضوء الماضي نقول أن وسيلة هذا التحقق هي الديمقراطية .
2- يؤكد المشروع الصهيوني يوماً وراء الآخر أنه عنصري ـ تمييزي ، ولا يريد العيش مع الآخر ، وأنه مشروع استيطاني ، وبالتالي فإن المسألة الفلسطينية ستبقى حية وحاضرة ، ولن تحل إلا بتغيير طبيعة الكيان الصهيوني ، وهذا غير ممكن إلا بطريق المقاومة بكل الأشكال المتاحة .
3- في الوقت الراهن ، تبدو كل التيارات السياسية العربية في حالة فشل ومأزق ( القوميون ـ الإسلاميون ـ الماركسيون ـ الليبراليون ). إن الوضع السابق الذي عرضناه يجعل المسألة القومية العربية في حالة مدّ متوقع مستقبلاً ، وهذا يتطلب حركة سياسية مختلفة عن الماضي ، بعلاقة تياراتها ( التيارات الأربعة ، مع استبعاد الليبرالية الجديدة التي ركبت المشروع الأميركي،واستبعاد الاتجاهات الارهابية اسلامية كانت أم غيرهاوالقوى التابعة للإستبداد ) ببعضها ، وعلاقتها مع الشعب ، تبنى على علاقة تحالف تحديداً ، في المسألة القومية والوطنية والديمقراطية ، لالتقاط هذا الشرط الجديد ، وإيقاع هزيمة في المشروع الصهيوني ، والخارجي ، وهذه العلاقة يجب أن تكون على طول الخط مستقلة عن نظم الاستبداد ، مهما حاولت استغلال أهمية المسألة القومية والوطنية .
========================================
الموجة الإسلامية
أهم ما يلفت النظر في قضية الموجة الإسلامية :
1- واقع وجود إيديولوجية شاملة لمختلف القضايا على الرغم من الاختلاف عليها داخل الإسلام السياسي .
2- واقع عمق المخزون الإسلامي في ذهن وتقاليد وطقوس ، أو مجمل البناء الفوقي في الكتلة الأساسية للشارع الشعبي .
3- البراغماتية السياسية العالية للقسم الرئيسي من الإسلام السياسي .
4- كان الاتجاه الأساسي لتحالفات الإسلام السياسي ، واصطفافاته في صف اليمين ، العالمي والإقليمي ، في مواجهة اليسار ( والشيوعيين بشكل خاص ) ، وأكثر ما ظهر هذا في بداية الحرب الباردة ، ونهاياتها ، تحديداً في إفغانستان .
5- في قمة مد الموجة الإسلامية ( الإنتصار في إفغانستان ) ، وتراجع المد القومي والمد اليساري في كل مكان ، بدا الإسلام السياسي وكأن التاريخ مفتوح أمامه ، ما جعله يتجه إلى الافتراق عن الأميركي المنتصر في الحرب الباردة ، لأنه أصبح مقتنعاً بأن التناقض الرئيسي القديم قد حلّ مع اليسار والشيوعية ، وأن الدور الآن في امكانية الانتصار ضد الغرب الأميركي وحلفائه المحليين ( الأنظمة ) ، وهذه واحدة من سمات تفكير الأيديولوجيات الشمولية ، عبر التفكير في حلقتي التناقض الرئيسي والثانوي ، وساعد على هذا ، بقوة ، اتجاه المركز الإمبريالي الأميركي للتركيز على السيطرة على العالم الإسلامي ، التي وصلت لحدود الغزو والإحتلال .
6- لا يزال الإسلام السياسي منقسماً على نفسه ، على الرغم من استقرار وتراجع موجة المدّ الإسلامي ، ولكن مجمل الظاهرة الإسلامية في نهاية هذا السياق مضطرة موضوعياً لتحولات مختلفة عن الماضي ، بين معتدلين ومتطرفين ، وهذا لا يهم فقط الإسلام السياسي ، وإنما يشمل بتأثيراته وأهميته الاتجاهات الفكرية والسياسية الأخرى في المجتمعات الإسلامية ، وأيضاً الحركات العالمية السياسية والحقوقية .
إن أهم درس يجب الوقوف عنده ، وخاصة لدى اليسار في العالم الإسلامي ، هو عدم الرد على تاريخ الإسلام السياسي دائماً (مع استثناء الإسلام الإرهابي ) في اتجاهاته بصورة ثأرية أو انتقامية ، والاتجاه إلى انتهاج سياسات مختلفة عن الماضي من كلا الطرفين ، وتقوم على اعتبارات تتعلق بالمجتمعات وقضاياها ومصالحها ، وخاصة في المسألة القومية والوطنية والاجتماعية . الوسيلة لهذا هو وعي مسألة الديمقراطية والتحالف على أساس ديمقراطي بين التيارين .
===================================

الوضع الداخلي
مدخل : دخلت سوريا في تحولات انتقالية بدءاً من يوم 22شباط 1958 ، وكان هذا متعلقاً بتغير اللوحة الطبقية وانعكاساتها في السلطة السياسية ، وصولاً إلى ما بعد 8 آذار 1963 . كان العنوان لذلك هو الفئات البينية ، الريفية والمدينية ، التي وصلت تعبيراتها للسلطة ، وبالذات عبر حزب البعث ، الذي مثل بتركيبته طموحات ومصالح هذه الفئات ، من منظور اقتصادي ـ اجتماعي ، وأيضاً في المسألة القومية. كان تركيب الرأسمالية السورية متميزاً بالضعف والهشاشة ، وكذلك تخلفها التاريخي ، بمعنى التصدي لمهام أساسية ، كرسملة الزراعة ،كذلك القضايا المتعلقة بموضوعي الوحدة العربية وفلسطين ، وقد شكل هذا كله مدخلاً لصعود الفئات البينية وتعبيراتها .
إن الصراعات التي حصلت في الفئات البينية نفسها ، بعد وصول تعبيراتها للسلطة ، تركزت حول التوق التاريخي للبحث عن شكل لنظام اقتصادي يجعل لها موقعاً خاصاً ومستقراً بين الحدين الطبقيين الأساسيين ، أي البرجوازية والطبقة العاملة ، وباعتبار أن هذا يعبر عن مهمة مستحيلة التحقيق ، فقد وجدت نفسها موضوعياً أمام خيار رأسمالية الدولة ، الذي يجعل الدولة رب العمل الأساسي في المجتمع ، وعلى اعتبار أن علاقات السوق الرأسمالية بقيت كاملة في أسسها ومجراها العملي فإن التطورات ، مع وصولها لحالة شبه مستقرة على مدى عقدين من الزمن ، منذ لحظة السبعينات ، بدأت تنزاح بالتدريج ، ودخلت الآن مرحلة التطورات الانتقالية لتستقر على وضعيات اقتصادية ـ اجتماعية ـ إيديولوجية ـ سياسية مختلفة عن ذلك السياق ومنطلقاته البادئ قبل أربعة عقود ، وهذا ما أدخل معه الكثير من تفاصيل الحياة السورية في سياق انتقالي من التطور ، الشيء الذي سنحاول رصده مع النتائج المترتبة عليه .
السلطة والطبقة : كان اتجاه سلطة ( 23 شباط 1966 ) هو الأكثر راديكالية في التعبير عن طموحات الفئات البينية ، خاصة الأكثر فقراً فيها، إن كان على صعيد المسألة الزراعية ورسملتها بالكامل عبر الإصلاح الزراعي ، والتأميمات الواسعة التي شملت مؤسسات رأسمالية متوسطة وصغيرة ، كذلك في الموضوعين القومي والفلسطيني . وهذا ما جعلها في وضعية عزلة دولية وإقليمية وداخلية ، لذلك كانت السلطة التي خلفت ( 23 شباط ) تعبيراً عن قاعدة أكثر اتساعاً واستقراراً من حيث التمثيل ، وجسّدت ذلك بنمط محدد هو رأسمالية الدولة ( شكلها البيروقراطي ) الذي استند إلى توسع القاعدة الاجتماعية للسلطة بالعلاقة العضوية مع الدولة ومؤسساتها التي اتسعت كثيراً وتبقرطت لأسباب عدة ، أهمها الاقتصاد الريعي ( النفط ـ الفوسفات ـ الغاز ـ أموال المساعدات الخارجية ...إلخ ) ، إضافة لسياسة استيعاب الخريجين والتوظيف الواسع ( بطالة مقنعة ) ، كما أن توسع الدور الإقليمي للسلطة ، والصراع مع الكيان الصهيوني عبر إستراتيجية الجيش النظامي ، قد ضخم حجم جهاز الدولة وقاعدة النظام الاجتماعية ، وقد مأسست حركة 16 تشرين الثاني 1970 وشرعنت نموذج رأسمالية الدولة البيروقراطية ، وكان هذا تميزها الرئيسي عن السلطات التي سبقتها ، وفي هذا الإطار كانت الخطوة الأولى شرعنة النموذج الاقتصادي ـ الاجتماعي في رأسمالية الدولة ، وإعطاء طابع قانوني لاحتكار السلطة في القرار الاقتصادي والسياسي ، وشكل كلا العاملين المذكورين أساس الاندماج العالي بين السلطة والدولة . كان استقرار السلطة منذ عام 1970 لا يعتمد فقط على القاعدة الاجتماعية القديمة ، المتمثلة في الفئات البينية ، بل تحول أساساً ( دون أن يفقد السابق ) للإستناد إلى تركيبة وبنية الدولة والقاعدة الاجتماعية الواسعة للعاملين في مؤسساتها ، وإلى تحقق الفوائد الاقتصادية الأساسية عبرها ، وكان هذا،بحسب ترتيب هرمي للنفوذ والقوة،الطريق الذي انفرز عبره الكثير من أفراد البرجوازية الجديدة بحجم ثروتهم التي استندت أساساً ونبعت من موقعهم في السلطة أو في العلاقة معها ، ما شكل دافعاً طبقياً جديداً للعلاقة مع مختلف الافرازات الاجتماعية لهذه البرجوازية الجديدة ، شكلت التشاركات مع العديد من الوسطاء أساساً لاستثمار الأموال المنهوبة عبر المراكز في السلطة للمتنفذين فيها . وإذا كان هذا السياق قد أفرز في البداية فئتين من البرجوازية الجديدة ، فإن التطور اللاحق يقود بشكل مطرد إلى توحدهما البنيوي في فئة طبقية قطعت شوطاً كبيراً في تشكلها واندماجها ، الذي لم يصل ـ أي اندماجها ـ إلى مرتبة المصطلح الماركسي ( طبقة لذاتها ) ، والتي تكون فيها الطبقة ليست مستندة فقط إلى الاقتصاد ، وإنما لها إيديولوجية وثقافة وعادات اجتماعية موحدة وأحزاب سياسية خاصة ، مع أن حديثنا هنا يجري عن علاقة فئات طبقية ببعضها هي في صيرورة اندماج .
إن فئة الرأسماليين التي تكونت عبر الوساطة للمتنفذين في السلطة إلى السوق ، لم تكن صنيعة نفسها بأي مستوى ، لا اجتماعي أو اقتصادي أو مؤسساتي ، وهي لا تزال فعلياً تابعة بدرجة كبيرة لفئة برجوازية الدولة البيروقراطية ، التي تسيطر وتهيمن على القرار السياسي ـ الأمني ، وعلى السلطة بمجملها ، بما فيها القرار الاقتصادي ، وعلى الرغم من وجود حلقات عديدة هي المدخل الأساسي للإندماج بين الفئتين ، بسبب القرابة والعصبيات كما بسبب انفصال عدد كبير من العاملين والمتنفذين في الدولة وتحولهم إلى رأسماليين في السوق ، فإن جوهر العلاقة باق كما شرحنا ، وفي ذلك السياق تكوًنت مجموعات ، أو مافيات ( بالتعبير المجازي ) ، تمسك بقطاعات محددة لها أهميتها في الاقتصاد ( النفط ـ الاتصالات ـ السياحة ـ الغزل والنسيج ... إلخ ) ، و هي الأكثر تأثيراً في القرار الاقتصادي ، وستلعب الدور الحاسم في عملية الاندماج بين فئتي البرجوازية المذكورتين .
إذاً ، لاتزال برجوازية الدولة البيروقراطية هي المايسترو في قيادة العملية السياسية والاقتصادية ، مع الإنزياحات التالية :
1- ابتعاد كبير عن قاعدتها الاجتماعية القديمة ( الفئات الوسطى في المجتمع والدولة ) .
2- اقتراب عضوي في قضايا الاقتصاد لصالح الشركاء الجدد ..
3- تقود وتوزع المصالح لصالح الهرم المتنفذ في السلطة ، والممسك بأهم حلقات الاقتصاد ،أولاً، وثانياً لصالح فئة الشركاء الجدد بمجموعهم ، ومن ثم لبقية فئات الرأسمالية المعاصرة في السوق أو التقليدية منها .
إن عملية الاندماج والتحول الكامل بين تلك الفئات البرجوازية ، بقيادة الفئة البيروقراطية ، محكومة لدرجة كبيرة بعوامل سياسية وتناقضات ، تتعلق بملف الصراع العربي ـ الإسرائيلي وقضية احتلال الجولان ، ومسألة النفوذ الإقليمي للنظام ، وبموضوع استقرار النظام في السلطة ، وهذه العملية يقودها مركزان ، الأميركي أولاً والأوروبي ثانياً .

شكل ومحتوى النظام السياسي :
كان نظام بورجوازية الدولة البيروقراطية ( السوري ) ولا يزال نظاماً لحكم استثنائي ، استبدادي ، وشمولي ، وقام الأمر بجملته أساساً على نهج احتكار السلطة المستند إلى إيديولوجية تسوغ له دوره التاريخي كما يراه تجاه الأمة وسوريا ، ما حوله إلى شكل حكم شمولي ، وتشرعن ذلك في دستور 1973 .
إنه نظام حكم استثنائي بسبب مخالفته لنظام الديمقراطية البرجوازية الانتخابي ، واستثنائيته مختلفة عن مسار وأسباب استثنائية النظم التي خلقتها الرأسمالية في العديد من المراكز عندما تكون هناك أزمة مهددة ( موسوليني ـ هتلر ـ فرانكو ) ، ولكنها استثنائية المسار التاريخي الخاص بالفئات الوسطى عندما تصل تعبيراتها إلى السلطة لتحتكرها ، وتوحد نفسها بالدولة ، لتخلق مركباً خاصاً بين السلطة والدولة حتى لا يعود أي من التمايز ممكناً بين هذين الحدين .
وهو شمولي بحكم وجود حزب تاريخي له إيديولوجية ، تسوغ له التدخل واحتكار السلطة ، و عملية قيادة هذا الحزب للدولة والمجتمع بالنيابة عن الجميع ، وعلى الرغم من تراجع دور حزب البعث وإيديولوجيته إلا أنه لا يزال الغطاء العقائدي للشمولية ، التي ارتكزت في البداية إلى قاعدة اجتماعية ومصالح واسعة ، إلا أنها قد أصبحت مع الزمن ، وعبر ضيق قاعدتها الاجتماعية ، ترتكز أساساً إلى الطابع الأمني ، الذي يحدد وسائل الاستبداد والقمع والعلاقة مع المجتمع وفعالياته ، وهذا ما أدى تاريخياً إلى عزل المجتمع عن السياسة وضرب قواه المعارضة .
بدون شك ، نستطيع القول أن مستوى شمولية السلطة ، وتدخلها عبر الوسائل الإيديولوجية والقمعية ، قد تراجع في السنوات الأخيرة ، وتحول القمع إلى أشكال قانونية ، وهناك درجة من التعايش بين السلطة والمعارضة تختلف عن الماضي كثيراً .
في بنية التركيب الطبقي ـ الاجتماعي السوري ( ملامح عامة ) :
لقد تكلمنا عن مسار الاندماج والحدود التي وصل إليها بين فئتي البرجوازية البيروقراطية والرأسماليين من الوكلاء والشركاء الجدد ،إلاأن هناك فئات رأسمالية أخرى تتعايش مع النظام في إطار تناقضات ، و هو المايسترو في إدارة شؤونها المختلفة خاصة الاقتصادية منها ، ونشير هنا إلى ثلاث فئات أساسية :
1- بورجوازية السوق التقليدية : وهي عاملة في أسواق المدن السورية القديمة ( دمشق ـ حلب ـ حماه ) وعلى الرغم من تطوير قسم منها لأعماله بصورة معاصرة ،عبر أبنائها ، إلا أنها لا تزال بسبب مخزونها الثقافي ، والقطاع الذي تعمل به ، تقليدية الطابع ، وهي على درجة أعلى من التناقض مع النظام (بالقياس ، للفئات البرجوازية ) هو الآن كامن على العكس من المراحل السابقة ، ويقوم الموضوع أساساً على طريقة إدارة البرجوازية البيروقراطية للعملية الاقتصادية ، وكذلك على التاريخ السياسي والصراعي ، وتقدم العصبيات المتخلفة بسبب استخدامها السياسي في العقود القليلة الماضية .
2- بورجوازية السوق المعاصرة : هي خارج السوق التقليدي ، وخارج البرجوازية البيروقراطية ، عملت في قطاعات واسعة: ( صناعات متوسطة ، التجارة ، الخدمات ... إلخ ) ، وفي الزراعة ، عانت كثيراً من طريقة إدارة البرجوازية البيروقراطية للعملية الاقتصادية ( الفساد ، الرشوة ، التدخلات المختلفة في الأعمال ... إلخ ) ، وهي بعد البرجوازية التقليدية في سوية التناقض مع السلطة .
3- الرأسمالية الزراعية : تقوم تركيبتها على العاملين في القطاع الزراعي المرسمل،أوالقطاع الحيواني ، وخلفيتها إقطاع ، وبرجوازيين مستثمرون في الزراعة. ومن الصعب تقديم درجة مقاربة دقيقة لسوية تناقضها مع السلطة بسبب تنوع تركيبتها .
هنا، تشير العديد من الدراسات الاقتصادية إلى عدد من السمات الرئيسية لهذه الفئات البرجوازية السورية :
آ- تراجعت البرجوازية البيروقراطية كثيراً جداً عن دورها وحصتها المركزية في الاقتصاد عبر الخطط الخمسية وتطوير قطاع الدولة ، وتحولت المؤشرات لصالح الفئات البرجوازية الأخرى من زاوية حصتها ، وغدا قطاع الدولة مهلهلاً بدون تطوير ، بل تجري عملية تخريب لتحويله مستقبلاً إلى قطاع خاسر كلياً وبيعه بأول عملية تحول اقتصادي جذري مستقبلية .
ب- برجوازية الوكلاء لا تزال بصورة أساسية تابعة للبرجوازية البيروقراطية عبر التشارك ، وتبعيتها تسمها أيضاً بالهامشية والفساد بدون طموح لاقتصاد إنتاجي مستقل .
ج- فئتا البرجوازية في السوق ، التقليدية والمعاصرة ، أيضاً لم تبلورا حتى الآن أي وعي أو ثقافة أو أداة لفئة رأسمالية إنتاجية وطنية ، مع الأخذ بعين الاعتبار أن أمامها عقبتين رئيسيتين ، أولها الاستبداد ، والثانية سبل إدارة الاقتصاد ، لكن الأمر لا يتوقف هنا بل يعود إلى بنية هذه الفئات البرجوازية ، التي لم تناضل في العقود الأخيرة من أجل خيارات في الاقتصاد الإنتاجي الوطني المستقل .
من الممكن أن يحوي المستقبل المنظور في طياته إمكانية بروز تدريجي لمثل هذه البرجوازية المنتجة ،المهتمة أساساً بالخامات والقيمة المضافة للمنتجات السورية ، يمكن أن يجعلها على تناقض مع الرأسمال الخارجي ، أو التابعين المحليين له ، ولها مصلحة فعلية بالتغيير الديمقراطي أكثر من غيرها من الفئات ، وهذا مشروط بتراجع الاستبداد أو تقدم العملية الديمقراطية ، ما يمكن أن يتيح مجالاً لها لكي تحدد المسافة التي ستأخذها من الواقع السياسي القائم في تلك اللحظة التاريخية .
أخيراً ، وبشكل عام ، يمكن القول بأن هذه الفئات البرجوازية جميعها تتعايش وراضية عن الإدارة الحالية للاقتصاد السوري وتوزيع الحصص ، على الرغم من التناقضات المشار لها آنفاً ، وبالتالي لا ترغب في أي تحولات دراماتيكية .
الطبقة العاملة السورية ( ملامح عامة ) :
يمكن الإشارة في ربع القرن الأخير إلى تحسن وضع الطبقة العاملة السورية على المستويين ، التعليمي والتقني ،بسبب دور المعاهد المتوسطة في ذلك ، كما أن نسبتها العددية قد زادت ، ولا يزال تركزها الأساسي في مؤسسات تابعة لقطاع الدولة ، ويفترض كل هذا ارتقاء وعيها الطبقي ، لكن ما جرى هو العكس ، بسبب الاستبداد الأمني والخوف من رب العمل الذي اسمه الدولة بالتأثير على فرصة العمل ، كذلك غياب النقابات المستقلة ، كما ساهم في ذلك تبعثر الطبقة العاملة بكتلتها الأساسية في عدد كبير من مؤسسات القطاع الخاص بدون ضمانات اجتماعية أو صحية أو حقوق نقابية .
نقصد بالطبقة العاملة هنا من يبيع قوة عمله للآخرين ، من دون أن يكون له اختلاطات مع أشكال ملكية الفئات البينية ، الريفية أو المدينية ، وعلى الرغم من كل ما ذكرناه عن وضع الطبقة العاملة السورية فإنها تبقى ، بما فيه الاختلاطات في التركيب ، العامل الموضوعي الطبقي الأساسي في النضال ضد النظام الرأسمالي ، وقاعدة اليسار الطبقية .
الفئات البينية :
كانت سورية ولا تزال تسبح على بحر واسع من الفئات البينية ( في الريف والمدينة ) ، وعلى العكس مما يعتقد أن تطور العلاقات الرأسمالية قد أضعف من كتلتها ودورها في مجمل العمليات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ، فإنها قد توسعت ، إنما بآلية مختلفة عنها في مراكز النظام الرأسمالي المتطورة ، فهناك توسعت بفضل التكنولوجيا والخدمات ، أما عندنا فالأمر يتعلق بتخلف التطور الرأسمالي بالمقارنة ، كما أن القطاعات الرأسمالية المعاصرة في سوريا تكتفي عادة بعدد قليل من العمال ، أي أنها لا تخلق تضخماً في أعداد الطبقة العاملة ، بينما يمكن أن تحتاج إلى توسع في الخدمات ، ما يزيد في التوسع العددي للفئات البينية ، كما كانت هذه الفئات ، وما زالت ، الجسد الرئيسي الفعال والأكثر دينامية في النشاط الاجتماعي والسياسي ، وخاصة من خلال الدور الرئيسي لنخب الفئات البينية المثقفة والمسيسة وذلك في مجمل التعبيرات السياسية بما فيها المعارضة ، ويلعب التنضد الواسع في التركيب الاجتماعي للفئات البينية دوراً موضوعياً كبيراً في تعددية التعبير السياسي والأيديولوجي السوري منذ الخمسينات ، وما بعدها ، وكذلك دوراً موضوعياً في عملية الانقسام داخل التعبيرات السياسية .
المسألة الوطنية :
إن تاريخ المسألة الوطنية في سوريا هو تاريخ ذو أهمية وحساسية خاصة ، نشأ أساساً من الوعي القومي العربي المتطور في سوريا ودوره الدعاوي والسياسي ، والدور الإقليمي السوري ، والعلاقة الخاصة بين ( القومي ) و ( الوطني ) في سوريا ، وبشكل خاص بعد قيام دولة إسرائيل والاحتلالات المتعددة في المنطقة العربية ، والجولان كحالة سورية خاصة . هذا الموضوع بحالة تشابك دائم مع المسائل الأساسية ، وعلى رأسها موضوعي ( السلطة ) و ( الديمقراطية ) . إن أكثر من استوعب المسألة الوطنية كانت السلطة ، ممستغلة ذلك على طول الخط ، من أجل تثبيت احتكارها لها ، بينما رأينا أنه قد حصلت أخطاء كبرى داخل صفوف المعارضة : أولاً بسبب الوعي الخاطئ للمسألة ، وثانياً بسبب مراهنات على التغيير الديمقراطي عبر الدور الخارجي خلال السنوات الأخيرة ، بينما تعود المسألة الوطنية وتذكر بأهميتها في كل مرة .

في خريطة التيارات السياسية السورية :
إن التيارات الأيديولوجية ـ السياسية الكبرى في سوريا، التي أفرزت وتمثلت بتعبيرات سياسية متنوعة ، هي :
1- التيار القومي . 2- التيار الإسلامي . 3- التيار الليبرالي . 4- التيار الماركسي .
هذه التيارات منقسمة على ذاتها بين السلطة والمعارضة ولا نعتقد أن هناك أي معنى للحديث بوجود قوى خارج هذين الإطارين . إن هذا التصنيف العام إلى تيارات أربعة هو غير قاطع بالمطلق ، لأنه يمكن أن تختلط الحدود والسمات ، لكنه أساسي للمقاربة .
لقد أتينا على موضوع السلطة بصورة مكثفة ومحددة ، أما مسألة الموالاة ( ومن على تخومها ) فسنأتي على ذكره عند تناول كل التيارات ، والغاية من البحث هو مقاربة الوضع الداخلي في الحقل السياسي ـ الحزبي ، وإبداء موقف نقدي ، وتمهيد الطريق والضرورات للمشروع الماركسي الذي نتوخاه .
في ربع القرن الأخير ، عاش كل من التيارين ، الماركسي والقومي ، حالة جزر سياسي ( وفكري ) ، تسارع بعد سقوط الاتحاد السوفييتي ، وجلب آثاراً سلبية بسبب الأنظمة التي وصلت للسلطة باسم التيار القومي العربي ، وبالمقابل ، عرف كل من التيارين ، الإسلامي والليبرالي ، حالة نهوض في الفترة ذاتها ، مما دفع بانزياحات واختلاطات ، فتحولت أعداد كبيرة من النخب الماركسية ( وبدرجة أقل القومية ) إلى الليبرالية ، وكذلك من التيار الإسلامي ، وخاصة بعد سقوط بغداد ورفع المشروع الأميركي للراية الليبرالية الجديدة واتجاهه في بعض البلدان نحو إزاحة أنظمة أو الصدام معها تحت شعارات ( الديمقراطية ) و ( مكافحة الإرهاب ) و ( اقتصاد السوق ) و ( الحداثة ) .
الشيء الجديد الآن هو تراجع الموجة الإسلامية ، ثم تأثيرات أزمة أيلول 2008 المالية الاقتصادية العالمية ( وهزائم المشروع الأميركي ) ماساهم في إنشاء حالة جزر في المدّ الذي عاشته الليبرالية الجديدة ، وتحميل الجميع للمسؤولية عن ذلك لهالما كانت تحكم البيت الأبيض في عهد بوش الإبن ، مما يعني أن هناك شروط موضوعية جديدة تفتح الباب فعلياً أمام احتمالات مدّ يساري وقومي جديد .
وإذا انتقلنا إلى الحديث عن العلاقة بين هذه التيارات ، فإن هناك عاملاً مركزياً في كل مرحلة للتقاربات والتباعدات، ففي الفترة الممتدة بين 1958 ـ 1970 كان موضوع ( المسألة القومية العربية وعناوينها الأساسية : الأمة ، الوحدة ، الموضوع الفلسطيني ) هو العامل المركزي للعلاقة تقارباً وتباعداً ، ثم جاء موضوع ( السلطة ) بين عامي 1976 ـ 2003 الذي لم يشمل فقط مضامين الموقف بل الوسائل والأشكال والتحالفات المطروحة ، وبعد ذلك كان ( الموضوع الخارجي ) في السنوات الست الأخيرة حاسماً في تحديد علاقة التيارات السياسية السورية ببعضها ، من حيث دور ( الخارج ) في عملية الانتقال الديمقراطي والموقف من السلطة ، وكذلك بالعلاقة بين ( الديمقراطية ) و ( الوطنية ) ، وخاصة في صفوف المعارضة ، والإطارات التي تشكلت خلال السنوات المذكورة .
ونشير ، خاصة ، إلى الآثار السلبية للانقسامات داخل التيارات على الموقف من السلطة بين معارضة وموالاة ، وكذلك الموقف من العامل الخارجي داخل صفوف المعارضة ، ومع أن مثل هذه الانقسامات هي موضوعية إلا أنها جاءت بآثار سياسية سلبية على الصف الحزبي بمجموعه وفي المسألة الديمقراطية والوطنية وفي حقل الثقافة وإمكانية العودة إلى التحالفات بصورة سلسة .
إن جبهة الموالاة في السلطة ، وخاصة الشيوعيين ، تخشى من أية عملية استقلال ولو محدودة في العلاقة مع القوى والمجتمع خارج السلطة ، ويبدو الموقف انتهازياً على الرغم من وجود شروط موضوعية للقاء مع تيارات في المعارضة في الحقلين الاجتماعي والوطني على الأقل .
أما فيما يتعلق بالتيار الليبرالي ، ونعني الليبرالية الجديدة ، وذلك بسبب عدم تبلور تيار ليبرالي طبقي ـ فكري ـ برنامجي على مشروع وطني ديمقراطي ديمقراطي وقومي بل تمفصل أساساً على مسألة المراهنة على الدور الخارجي ، فقد ضيع هذا التيار فرصة حقيقية في وحدة المعارضة على المسألة المركزية في التغيير الديمقراطي التي تتفق عليها كل أطراف المعارضة ، ونعني به الموقف من السلطة ومرحلة الانتقال الديمقراطي ، بإصراره على المراهنة على الخارج .
أما التيار الإسلامي فقد تميز في السنوات الأخيرة بغياب أي حالة تنظيمية ، فيما كانت نخبه التي تقدمت للنشاط في الشأن العام قد توجهت بصورة أساسية نحو الخط الليبرالي في " إعلان دمشق " ، أما جماعة الإخوان المسلمين فقد تميزت سياساتهم ومواقفهم بالتذبذب والنفعية والتخبط بين إطارات " إعلان دمشق " و " جبهة الخلاص " والسلطة(تجميد معارضتهم للسلطة في كانون ثاني2009) .
إن الإطارات التحالفية التي تشكلت مؤخراً في سورية وحوت كل تلك التناقضات مثل، " إعلان دمشق " و " جبهة الخلاص "، قد بدأت تتفكك بوضوح شديد في الآونة الأخيرة ، وبعضها الذي كان متشكلاً منذ زمن طويل ، مثل " التجمع الوطني الديمقراطي " ، فإن حقيقة وضعه الداخلي وخلافاته هي أكثر صعوبة من الإطارين السابقين .
أما فيما يتعلق بأوضاع التيار القومي ، فإن هناك انقساماً حاداً بين الاتجاهين العربي والكردي بأحزابهما المختلفة ، وخاصة على المسائل الأساسية بما فيها ( العامل الخارجي ) ، وتزداد الفجوة بسبب تركيز الأحزاب الكردية ، بأغلبيتها ، على الأهداف البعيدة ، واعتقادها بأن الشروط العالمية والإقليمية قد أصبحت مناسبة لتحقيق تلك الأهداف ، أو بعضها ، بالرغم من أن " حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي " قد غير كثيراً من محتوى العلاقة القديمة بين بعض القوميين العرب والأكراد ، حيث يبدو أن التناقض في اتجاهي الحركتين القوميتين ( أي جزر في الحالة العربية ومدّ في الكردية منها ) يصب موضوعياً ضد الحركة القومية العربية في هذه المرحلة .
إذا انتقلنا إلى التيار الماركسي المعارض ، فإن مشروع ( تيم ) ، المتبلور في وثيقته التأسيسية ومسيرة سنتين من عمره ، يتقدم رغم الصعوبات والعثرات ، التنظيمية والفكرية والسياسية ، حيث يحوي إرهاصات حقيقية لبديل ماركسي مقبل ، ورداً على الشروط الموضوعية التي دفعت للانقسامات والتعددية في الوسط الماركسي السوري عبر مشروع اندماجي لجدل ( الفكري ) و ( السياسي ) و ( التنظيمي ) . ونشير أخيراً إلى الجهود المبذولة لبلورة تيار ( الخط الثالث ) ، وتأطيره ، آخذين بعين الاعتبار المشاكل التي تحدثنا عنها في صفوف المعارضة ، لتشكيل إطار مفتوح على كل التيارات ، يكون مبنياً على العلاقة العضوية بين ( الوطني ) و ( الديمقراطي ) .









حتى نلتقي .....
سميح
لروحك سلام
* الشيخ *



رحلت وخلفك الموتى الأحياء ..
رحلت وخلفك الأحبة الأموات ..
رحلت وخلفك ما تبقى ..
من أحلام ..
.. وخيالات ..
.. وعصافير ..
وورود ، وأطفال ، وأوطان ،
بلا ظلال ..
بلا أجنحة ..
بلا روح ..
بلا رائحة الياسمين
لا شيء ، سوى
شبح الموت ..





























تجمع اليسار الماركسي " تيم "

تجمع لأحزاب وتنظيمات ماركسية . صدرت وثيقته الـتأسيسية في 20 نيسان2007.
يضم (تيم) في عضويته:
1- حزب العمل الشيوعي في سوريا .
2- الحزب الشيوعي السوري - المكتب السياسي .
3- الحزب اليساري الكردي في سوريا .
4- هيئة الشيوعيين السوريين .
الموقع الفرعي لتجمع اليسار في الحوار المتمدن:
htt://www.ahewar.org/m.asp?i=1715