الأزمات في العراق تجاوزت الحلول !


سهر العامري
2014 / 8 / 27 - 11:33     


يوهم نفسه كل من يقول أن هناك حلا ما سيضع حدا للمأساة التي يعيش الشعب العراقي ، وقولي هذا ليس ضربا من التشاؤم ، وإنما هي الحقيقة المرة التي تتمشى في شوارع العراق ، وتعايش العراقيين في بيوتهم ، فالعراقيون في الوقت الحاضر قد تقسموا جغرافيا ، مثلما تقسموا ، وبشكل صارخ ، مذهبيا وقوميا ، وصار كل طرف من الأطراف يستقوي بهذه الدولة أو تلك ، وعادت هذه الدولة هي التي ترسم لهذا الطرف حدود علاقة بالطرف الآخر ، ويجب عليه ، والحال هذه ، أن يخطو نحو هذا الطرف بالمقدار التي تسمح به تلك الدولة ، وهنا تجتلي حقيقة مفادها هي أن العراقيين في حمى الطائفية أصبحوا في أغلبهم فاقدين للوطنية التي دفنت في قبور الطائفية المقيتة ، أو لحود التعصب القومي ، ولهذا صار كل واحد من تلك الأطراف يسعى الى مصلحته هو دون الأطراف الأخرى ، وعادوا ينبشون أضرحة الماضي القديمة ، فهذا رافضي لا يحب بعضا من الخلفاء الراشدين ، بينما صار الثاني ناصبيا معاديا لأهل البيت ، ورغم أن هذا الصراع أججته دول أخرى تأتي في طليعتها إيران حاضرا وماضيا خدمة لمصالحها القومية خاصة بعد الانكسارات التي تعرضت لها في الفتوحات التي أطلق عليها اسم " الفتوحات الاسلامية " تلك الفتوحات التي قدمت الموت أو الخنوع والخضوع للبلدان المفتوحة وحتى هذا الخنوع رفض أحيانا من قبل المسلمين وطالبوا بدفع الجزية وحسب ، فمثلا رفض الحجاج بن يوسف الثقفي اسلام فلاحي العراق من أهل الذمة مقابل اسقاط الجزية عنهم ، وأمر بوسمهم كيا بالنار على سواعدهم ، وطلب منهم العمل في أرضهم مع دفع الجزية كرها . وهذا يقودني الى القول في أن كل واحد من المتسلطين كان يفسر آيات القرآن بما ينسجم مع تطلعاته في استغلال الرعية ، وحكم البلدان المفتوحة ، فقد أزهقت تحت هذه الآية " يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير " أرواح الالوف من البشر ، هذا على الرغم من أن الامام علي كان قد وصى عبد الله بن العباس في أن يجادل الخوارج بالسنة وليس بالقرآن ، وذلك لأن القرآن حمال أوجه على حد تعبيره ، وعلى ذلك صارت " الغلظة " هي السلاح الفتاك بيد المسلمين ضد أعدائهم ، وهي وحدها التي جلبت لهم الانتصارات ، وليس الخيول العربية السريعة العدو كما يعتقد بعض المؤرخين الغربيين ، ولا عجب أن تشاهد المسلمين فيما بعد يستخدمون هذه الغلظة ضد بعضهم البعض معتقدين أن لا حل في الخلاف إذا وقع إلا بإسالة الدماء ، وتعليق الرؤوس ، وهذا ما نشاهده اليوم في العراق ، ومن جميع الأطراف المتحاربة ، حتى صارت جرائم صدام تخجل من جرائمهم .
مع مبدأ الغلظة هذا الذي يغري المتصارعين على الساحة العراقية بالانتصارات سيظل أوار الحرب بينهم مشتعلا ، وستظل أزمة العراق متجاوزة لكل الحلول ، هذا التجاوز الذي تغذيه دول أخرى في صراعها على امتلاك ثروات العراق الهائلة التي وصل الكثير منها الى تلك الدول وبطرق شتى ، وبوجود مثل هذه الثروة الهائلة ، ووجود ضباع تحوم حولها سيجعل الأزمات في العراق تمتد الى سنوات قادمة أخرى ، وسيظل الصراع الدولي والإقليمي حول تلك الثروات واحد من العوامل المهمة التي توقد نيران تلك الأزمات ، فإطفاء تلك نيران يتعارض مع مصالحها في العراق ، وأما ما يراه العراقيون من دموع تذرف من عيون بعض الدول على سيل الدماء في شوارعهم هو في حقيقة الأمر دموع تماسيح لا غير !
لي على ذاك شاهدان : الأول هو الموقف الأمريكي الذي عبر عنه في الآونة الأخيرة أحد المسؤولين الأمريكيين بقوله : رغم أننا نحاول نسيان العراق إلا أن شبحه مازال يلاحقنا . وهذا القول يوضح أن أمريكا وغيرها من الدول تريد ثروات العراق ولا تريد أن تتدخل في معمعة حرب الطوائف الدائرة فيه ، فها هي شركات النفط الأمريكية قد عادت الى العراق بعد أن حرمت من التنقيب واستخراج النفط العراقي على مدى أكثر من ثلاثين سنة ، وهذه هي بغية الرأسماليين على امتداد تاريخهم الأسود.
الشاهد الثاني : هو أن إيران الدولة الاقليمية التي فقات أمريكا في حصتها من الثروات العراقية قد عبرت بشكل واضح عن مصلحتها في استغلال حرب الطوائف في العراق وذلك بردها على الدول الغربية التي طلبت منها المشاركة في الحرب ضد داعش ، فقد صرح وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف، قائلا : إن إيران ستقبل بـ"القيام بخطوة" في محاربة تنظيم داعش لقاء تقدم في المفاوضات النووية مع الدول الكبرى.
ويحضرني هنا قول شاعرنا العظيم أبي الطيب المتنبي واصفا في حال سيف الدولة :
وسوى الروم خلف ظهرك رومُ ... فعلى أي جانبيك تميل ُ
وأنا هنا أقرن حال سيف الدولة الحمداني أمس بحال العراق اليوم ، فالروم الذين خلف ظهر سيف الدولة الحمداني سوى روم بيزنطة هم الفرس البويهيون الذين يحكمون بغداد ، ويديرون شؤون الخليفة والخلافة ، ويعبثون بمقدرات العراق وأهله ، فعلى أي جانب يميل العراق اليوم وكل الجوانب طامعة به ، تريد قتله ؟
حين يقارن المرء بين حرب الطوائف في لبنان التي تواصلت على مدى خمس عشرة سنة يجد أن حرب الطوائف في العراق ستتجاوز هذه السنين لسبب واحد لا غير هو أن لبنان بلد فقير سرعان ما أكلت الحرب أموال المتحاربين واموال الدافعين عنهم بالنيابة ، ولهذا خرّ الجميع سجدا عند طاولة المفاوضات في مدينة الطائف من المملكة العربية السعودية ، بينما في العراق يختلف الحال فجميع أطراف الحرب فيه صارت تملك ثروات طائلة بعد أن امتلك جميعها أبارا كثيرة من النفط الذي عاد مصدرا مهما ومشجعا على مواصلة القتال ، وعلى عدم الالتفات للأصوات القليلة التي تنادي بوقفه ، وفي ظل حالة مريبة من سكوت مطبق يلف الناس وشوارع في العراق .
هناك أمر آخر لا بد من المرور عليه هو أن بعض الناس في العراق يعول على الساسة من العراقيين في حل المأزق الذي يعيشون فيه برغم من أن هؤلاء البعض قد جرب الكثيرين من أولئك الساسة سواء كانوا أعضاءً في الحكومة أم في البرلمان ، ولكنهم لم يجدوا أحدا من هؤلاء قد بادر الى فعل يعتد به ، والسبب في ذلك هو أن الساسة أولئك ما هم سوى طبقة من البيروقراط متجانسة الدخل على حد تعبير ماركس تهمهم مصالحهم الخاصة قبل مصلحة الشعب ومصلحة العراق ، وقد يكون البعض من هؤلاء هو من يضرم نيران الأزمات ، ويمنع إطفاءها فهو لا يعدو عن كونه أداة بيد هذا الطرف من الدول أو ذاك ، فلا يتأملنّ أحد في العراق خيرا من شريحة سياسية فاسدة !
وأخيرا تساءل رجل ألماني من عامة الناس في السنة الأخيرة من سنوات الحرب العالمية الثانية قائلا : أما آن لهذه الحرب أن تضع أوزارها ؟ فرد عليه آخر : انظر لمداخن المعامل تلك فحين يتوقف انبعاث دخانها ستتوقف الحرب !
فمتى ما توقفت مداخن المال في العراق ، واصاب الوهن المتقاتلين ، ستتوقف حرب الطوائف فيه ؟