من هموم المعارضة السورية : مشاركة هادئة في موضوع ساخن

إبراهيم إستنبولي
2005 / 8 / 12 - 11:38     

لقد أثارت مقالة الكاتب اللبناني " الموالي للنظام في سوريا " ميخائيل عوض حول المعارضة السورية ردود أفعال عدد من الكتاب و المثقفين السوريين المعارضين ، و بذلك يكون قد قدّم خدمة لم يكن يقصدها و هي تحريك الراكد في هذا الجانب ، و لذلك وجدت أن من واجبي المشاركة في السجال الدائر ، هذا من ناحية . و من ناحية ثانية ، كأن المعارضة السورية لا يكفيها ما تفعله بها السلطة من قمع و إلغاء و على مدى عقود .. لكي يأتي من هو موال للسلطة و يشن حملة تيئيس متهماً المعارضة بكل ما تشتهيه السلطة .. و متناسياً أنه يمكن اعتبار المعارضة في أي زمان و في أي مكان بمثابة " الوجه الآخر للسلطة " .. بمعنى أن القمع إنما يجعل المعارضة تنشأ و تعمل في ظروف غير طبيعية ، و بالتالي تكون ممارسة الفعل السياسي المعارض هي أيضا غير واقعية ، بمعنى أنه تنشأ ثنائية : إما معنا أو ضدنا .. فيتم تصنيف الجميع سواء من قبل السلطة أو من قبل المعارضة على هذا الأساس . و يبدو أن هذه الحالة كانت السبب في كتابات عدد من المثقفين المعروفين و الناشطين في مجال حقوق الإنسان أو لجان إحياء المجتمع المدني .. و كان آخرها مقالة الأستاذ عبد الكريم الجباعي في مجلة " تحولات " الأسبوعية – العدد الثاني من آب الحالي .
و يبدو لي أن السلطة و أجهزتها الأمنية قد اكتسبت خبرة كبيرة في تشتيت المعارضة و ربما نجحت إلى حد كبير في خلق مناخ من عدم الثقة عند هذا الفريق المعارض تجاه ذلك الفريق أو عند هذا الفصيل تجاه هذا الشخص أو ذاك .. و هذا يذكرني إلى حد ما بموقف طفولي كان شائعاً عند البعثيين بعضهم تجاه بعض في الستينيات إذا ما تواصلوا أو كان لأحدهم احتكاك مع شيوعيين ، أو بالعكس عند بعض قيادات منظمة الحزب الشيوعي السوري في الاتحاد السوفييتي السابق في السبعينيات و للآن : كان كافياً أن يعلم المسؤولون في قيادة المنظمة بأن رفيقاً ما قام بزيارة السفارة السورية في موسكو و لو من باب السؤال عن أي موضوع شخصي بحت لكي يصبح موضع شبهة ... أو عميلاً للسفارة !! و المفجع في القضية هو أن هذا كان يجري في بلد الاشتراكية الأول و قلعة الاشتراكية أي في بلد الشقيق الأكبر حيث من المفترض أن الشيوعي هو الذي يجب أن يشعر بثقة اكبر ، و في الوقت الذي كان الحزب في الوطن الأم فصيلاً أساسياً في الجبهة الوطنية التقدمية ، هذا من جهة ، و من جهة أخرى – لم يكن هناك ما يمكن أن ينقله أي رفيق إلى " مخابرات السلطة – الشريك في الجبهة " .. لقد كان ذلك مجرد عدم ثقة لا بالنفس و لا بالرفاق و لا بالبرنامج ..
و هذا يعني أن المعارضة قد وقعت ( نوعاً ما ) في مطب حفرته لها السلطة وتمنت أن تقع فيه : يجب على جميع المعارضين أن يكونوا من لون واحد ... كما هي طبيعة السلطة الشمولية . بمعنى أن المعارضة ( معظمها ) صارت تقيس " ثوروية " الشخص بمدى تطابق أفكاره مع ما تطرحه هي تجاه هذه القضية أو تلك أو تجاه آليات التغيير ، أو أنه لا يتبنى موقفاً محدداً من السلطة مطابقاً لما ترفع و تنادي به بعض أطياف المعارضة ( كما هو الحال عند بعض المثقفين من أمثال طيب تيزيني ، ميشيل كيلو ، د . سمير التقي و أخرين ) – فإنه يجري تصنيفه تلقائياً على أنه " مثقف عميل " أو " مثقف لا يمكن التعاطي معه أو لا يجوز الالتقاء معه ...
انطلاقاً مما ورد أعلاه فقد فهمت السلطة نقطة ضعف المعارضة .. فراحت تارة تتقرب من هذا المثقف أو ذاك أو تعلن عن صداقة مع هذا المعارض أو ذاك .. مما جعل الجميع يشكك بالجميع .. إنها لعبة مخابراتية مكشوفة لكنها أتت أُكُلَها ..
و هنا أريد أن أقول أن مجتمعاتنا و شعوبنا قد ابتليت بأنظمة ليس في مقدمة أولوياتها أكثر من الاحتفاظ بالسلطة و لو على حساب مستقبل البلاد بأكملها .. إنها سياسة قصيرة النظر و عمياء .. فبدلاً من أن تشعر السلطة بالقلق بسبب ضعف و تراجع دور المعارضة و بالتالي أن تعمد ، أي السلطة ، إلى مراجعة سياستها ثم تقوم بـ " حقن " المعارضة بحيث تتمكن هذه الأخيرة من أداء مهمتها بشكل سليم ، نرى أن السلطة تقوم بكل ما يلزم لتهميش و تفتيت المعارضة .. و هي تفعل ذلك عن عمد مستخدمة في ذلك كل ما هو حق للمجتمع ككل .
إن وجهة النظر القائلة بأبوية السلطة ( كما يحب بعض المسؤولين و بعض السياسيين الرسميين أن يكرروا من وقت لآخر ) هي صحيحة و لكن بعكس ما يعنيه القائلون بها : في حال أن " الأب " ، أي السلطة هنا ، لم يكن قادراً على تحمل مسؤولياته تجاه الأبناء ، أي المجتمع بمن فيهم المعارضين .. بمعنى إذا راح " الأب يبطش بالأبناء " فلا بد أنهم سيكونون هم أيضا قساة مع " الأب " و مع " الأشقاء " .. باختصار ، هم أيضا سيكونون قمعيين مع الذات و مع الآخر ! .
إنها معضلة ، و لا بد من عملية تراكمية من أجل حلّها و لكي نحصل على أجيال " صحيحة و عقلانية " .. و هذا يتطلب أمرين أساسيين :
- إرادة سياسية كبيرة و مستوى عالي جداً من الثقافة عند " الفوق " المأزوم و بحيث يتم تأطير ذلك في برنامج عمل واضح و معلن بهدف بناء دولة عصرية يحكمها قانون عصري و فق جدول زمني محدد ..
- التفهم و " التعاون " البنّاء و المشروط من تحت – تحت المأزوم هو الآخر أيضا و المتطلع إلى " قيادة " تعكس آماله و تلبي طموحاته و تحوز على ثقته .. و بحيث يقف هذا الـ " تحت " على أرضية صلبة من وضوح الرؤية والبرنامج .
ذلك أنه لا يمكن ، على الأرجح ، - خارج هذين الشرطين - إنجاز الإصلاح الحقيقي المطلوب و المرغوب في المجتمع من دون المرور بحالة من الانهيار المجتمعي كالذي حدث في العراق .
و يرى بعض مفكري المعارضة اليسارية أن السلطة لا ترغب و لا تفكر بفتح أي حوار مع المعارضة الوطنية التي ترفض أي شكل من الاستقواء بالخارج .
بل على العكس ، إن السلطة ترتكب أخطاء فادحة بالتضييق المتصاعد على المفكرين و المثقفين ، العلمانيين منهم خصوصاً . فهل لمصلحة الوطن الدفع باتجاه أجواء الثمانينات ؟