سميح القاسم، ذكريات راسخة من مواقف شامخة


محمد نفاع
2014 / 8 / 23 - 10:33     

يومها اختلفنا على لعبة الطابة، كانت الطابة من القماش، من الشراطيط، أيام كانت البيادر عامرة، نقفز عن سطح الخلوة على شول القمح، على بيدر دار المرحوم علي عزّه، بعدها وبعدها تلاقينا واتفقنا كيف نصوّب الكرة، إلى أي مرمى، في ميدان نضال شعبنا ضد الاستعمار، الصهيونية والرجعية، لم نختلف على هذه الكرة.


التقينا ونحن في السابعة من العمر، بحكم الجيرة، والصداقة والقرابة بين الأهل، قبل نكبة شعبنا الكبير الكبرى. لعبنا على شول القمح الهيتي على بيادر الربيعة. جبل حيدر الوقور يصل بين قريتينا. كنت أنت وفؤاد. يومها اختلفنا على لعبة الطابة، كانت الطابة من القماش، من الشراطيط، أيام كانت البيادر عامرة، نقفز عن سطح الخلوة على شول القمح، على بيدر دار المرحوم علي عزّه، بعدها وبعدها تلاقينا واتفقنا كيف نصوّب الكرة، إلى أي مرمى، في ميدان نضال شعبنا ضد الاستعمار، الصهيونية والرجعية، لم نختلف على هذه الكرة.

تمرجحنا على بطمات جبل حيدر، ننزل مشيًا إلى الرامة عند شقيف الكاف ونشرب من عين جوشن، أيام كانت العين فيّاضة.

تعرفت على أرضكم في خلّة القصب وعين الحِذرة، أصدرتَ ديوان مواكب الشمس، وأنا في ثانوية الرامة، سكنتُ أربع سنوات في الرامة الطيبة المتآخية. كانت بيادر المحبة ووحدة الحال عامرة نقية كالقمح المنقّى من الزيوان.

في "عسف إقامتك" في حيفا، زرتك كثيرًا ثم أرسلت من عسف الإقامة: "فلتطيري رسالتي صوب رامة".

في شباط سنة 1971 سافرنا إلى موسكو إياها، لدورة دراسية. في فندق "اونوسيلوس" المتواضع، قدمنا جوازات السفر، التفتَّ إلى جواز سفري وهتفت: ولَك أنا ويّاك خلقانين في نفس اليوم ونفس الشهر ونفس السنة: 11/أيار/1939، ونحن من نفس البرج ونفس الخط ونفس الفريق في تصويب الكرة. مكثنا هناك سبعة أشهر، والتقينا بابن بلدك يوسف حنا قبل ان نشاهده في المسرحيات السورية الرائعة.

والتقينا بالأديب السوري سعيد حورانية، كنتَ قد نشرتَ له في "الجديد" قصة "الجوزات الثلاث" وكنتُ قد قرأت مجموعته: وفي الناس المسرّة، وتحدثنا عنها فقال سعيد: أنا اليوم منقطع عن الكتابة، لكن طالما قصصي وصلت إليكم، سأعود وأتابع كتابة القصة، سعيد حبّوب، دمت، حديثه حلو نطناط مثل عصفور التُّـتَّـن.

احتفظ برسالتين منك ومن محمود درويش من أوائل سنة 1964 وأنتما تعملان في "الجديد" و"الاتحاد"، وتطلبان خطيًا وشعرًا من طيب الذكر "أبو واصف" بعض النقود القليلة على حساب الأجرة المتواضعة والشامخة، لوجبة غداء ودخان.

استضفناك في بيتنا عدة مرات لاجتماعات عامة، وأخرى نسائية. والتقينا كثيرًا عندكم وعند دار عمي فريد، البيوت تفتح على بعضها. كم أحببت أن ترى أحفادًا لك، لكن أبناءنا تأخروا ومتأخرون في تكوين الأسرة. وفي عرس نجلكم في قاعة دير الأسد، كنت أنت والأخت نوال في قمة الفرح، ورزقتم بالحفيد سميح.

ليس هذا المكان المناسب لاستعراض عدد من المزحات اللطيفة في فترة خطوبتكم، كما رواها الصديق الحميم نبيه.

سميح، إنسان كبير بتواضع، ومتواضع بإباء. وكم جلجل صوتك شعرًا ونثرًا من على منابر النضال، خاصة في العالم العربي، بكلمات إنسانية رحبة مقاومة، شافية نقية كزيت زيتون الرامة وخلة القصب، وخلود حيدر بسنديانه وبُطمه وبرقوقه.

ويظل هذا البيت الماكن عامرًا بأهله، وتبقى ذكراك طيبة حية خالدة في الضمائر الحية في هذا العالم الرحب.