تركة ثقيلة


خالد صبيح
2014 / 8 / 14 - 21:20     

فيما المؤشرات والأخبار كلها تؤكد ان المالكي سيرحل طاويا برحيله حقبته المرتبكة المشحونة بالتوتر، إلا ان الرجل مازال متشبثا بما يسميه حقه الدستوري والقانوني، ومماطلا في تسليم الحكومة التي أخذ حيدر العبادي، المكلف رسميا بالولاية الجديدة، بالمضي في مفاوضات ومشاورات تشكيلها. ورغم أن هناك ترحيبا داخليا واسعا لمغادرة المالكي منصبه، وإجماعا دوليا وإقليميا على هذا الرحيل، إلا أن المالكي نفسه يتصرف بمعزل عن العالم ويحاول وضع العراقيل، في طريق حل الأزمة، ، رغم ادراكه عبث محاولاته اليائسة تلك، بطرحه انتظار قرار المحكمة الاتحادية حول دستورية تكليف العبادي كشرط لنهاية الازمة. وحقيقة هذه المماطلات هي انها طريقة لحفظ ماء الوجه ولطمأنة وكسب حلفاءه ومريديه من عامة الناس على أنه لن يسلم بغير معركة تحفظ له كرامته، وربما بعض من حقوق خاصة يفرض الاتفاق عليها فرضا من وراء الكواليس، كحمايته من الملاحقة القانونية المحتملة. ورغم هذه المناورات الا ان السيد المالكي يحاول ان يوحي للاخرين بانه مستعد الى التسليم بالامر الواقع، وانه يجنح الى السلم في طريقة معالجته للازمة، بمطالبته القوات المسلحة، التي رباها على الولاء الشخصي له، بان تبتعد عن التوترات السياسية. وهذه وغيرها من المناورات في الحقيقة هي ليست بلا دلالة، فالمالكي يريد ان يقدم بمماطلاته ومناوراته ايحاءات خاصة لإثارة فزع خصومه في انه قادر على تشكيل خطر على العملية السياسية، الان وفي المستقبل، في حال اقصائه بطريقة لاتوافق مزاجه وميوله. وفي الواقع هو قادر فعلا على تشكيل هذا الخطر، ان لم يكن الان، عبر القوات الامنية بمحاولة مجنونة وانتحارية كالقيام بانقلاب عسكري، مثلا، كما رُوج، فسيكون ذلك في المستقبل عبر وضع العراقيل في طريق عمل الحكومة والبرلمان، وهو قادر على ذلك بما له من مريدين واتباع داخل جميع مؤسسات الدولة المهمة، لإفشال عملهما ولإثارة الفوضى، ليدفع، في لحظة معينة، بإتجاه عودته عبر مطلب اعادة تشكيل الحكومة، باستحقاقه الانتخابي من داخل التحالف الوطني، كما كان يلح حتى اللحظة، او باعادة الانتخابات بامل ان يخلط الاوراق ليعود الى الواجهة من جديد.

ولهذا الواقع الصعب والمزري فان أمام السيد العبادي مهام كبيرة، فالتركة التي خلفها له ابن حزبه وغريمه، ثقيلة، ولن يستطيع الرجل ان يقوم باعباء المرحلة المقبلة مالم يحظى بدعم قوي من حزبه، حزب الدعوة، ومن التحالف الوطني، ولن يتحقق ذلك وتكتمل اركانه بغير الانفتاح على كل القوى السياسية والاجتماعية الفاعلة في الحياة السياسية. غير ان هذا الانفتاح، لكي يقدم ثمارا مفيدة وناضجة، ينبغي ان يرافقه انسحاب احزاب التحالف الوطني، ومن ورائها الحكومة، من التخندق الطائفي، ليصير الحوار، وليس العناد والتعنت، كما كان يفعل المالكي، هو المدخل المعتاد لمعالجة المشاكل مع الاخرين، علَّ بذلك ينشأ جو هادئ وصحي بدرجة ما، يتيح المجال لخطوات مقبولة باتجاه تحقيق نجاحات عملية في قضايا الامن والخدمات والاستقرار السياسي.