قوّة الله وجبروته في غرق -تايتانك- وإعصار -ساندي-


مجيد البلوشي
2014 / 8 / 8 - 00:51     

قوّة الله وجبروته في غرق "تايتانك" وإعصار "ساندي"

الدكتور مجيد البلوشي
[email protected]
لا ندري لماذا يصرّ البعض من كُتابنا الأفاضل على إقحام الدين في كل صغيرة وكبيرة، بل بشكل غير منطقي ألبتة، وخاصة فيما يتعلق بالكوارث الطبيعية والأحداث المأسوية الناجمة عن الأخطاء التي يرتكبها البشر، فيصورونها وكأنها عقاب إلهي على معصيةٍ أو ظلمٍ أتى به فرد أو جماعة من الناس أو دولة من الدول! فها هو الأخ الفاضل جمال زويد يتحفنا بمقال بعنوان "فرعون وإعصار ساندي" في عموده "راصد" بجريدتنا الغراء أخبار الخليخ الصادرة بتاريخ 2 نوفمبر 2012 م، حيث يقول: "التباهي والغرور هي الصفة التي غلبت على أمريكا في شتى ممارساتها، بالضبط كسائر الطغاة حينما تزين لهم افهامهم أو بطانتهم أن لا أحد فوقهم ولا يوجد مَن هو أقوى منهم، وبالضبط مثل فرعون الذي خاطب قومه متحدياً: "مَن ربكم" ثم أردف لهم قائلاً "ما علمت لكم من إله غيري"، وهو ما تفعله أمريكا التي ترى نفسها الآن أنها الإمبراطورية التي لا تُقهر، وأن أمريكا هي العالم، والعالم هو أمريكا، وجبروتها ومظالمها منتشرة في بقاع المسلمين، في العراق وأفغانستان وفلسطين والسودان وسوريا التي تفيض فيها شلالات الدم يومياً لمئات المسلمين ...." ثم يردف قائلاً:" وسط كل ذلك العناد والتغطرس، والظلم الذي يمارسونه [يقصد مَن ذكر أسماءهم في الفقرة السابقة لكلامه هذا، وهم الرئيس الأمريكي السابق روزفلت، وألبرت بيفريدج، ممثّل ولاية إنديانا في مجلس الشيوخ الأمريكي، ومادلين أولبرايت، وزيرة خارجية أمريكا السابقة، والرئيس الأمريكي الأسبق بوش] أراد سبحانه وتعالى أن يريهم شيئاً من قوّته وجبروته، ويرسل عليهم جنداً من جنوده، مجرّد رياح (إعصار ساندي)، لا يرونها ولا يلمسونها لكنها هزّت الشاهق من بنيانهم وأوقفت مصانعهم ومستشفياتهم وكهرباءهم وهجّرتهم من منازلهم وشلّت سائر أنواع الحياة في بعض مدنهم حتى تم الإعلان أنها مناطق منكوبة. إنها قدرة الله سبحانه وتعالى التي ننسى في غمرة حياتنا وانشغالاتنا وتوقعاتنا وتخطيطنا أن نجعل لها مكاناً" (انتهى كلام الأستاذ جمال زويد).

وقد نقرّ بأن أمريكا – والأصح الإدارة الأمريكية أو الحكومة الأمريكية – هي عنيدة ومتغطرسة وظالمة فعلاً وتعتبر نفسها الإمبراطورية التي لا تُقهر، ولكن السؤال هنا هو: هل هي كذلك منذ سنة أو سنتين حتى يأتيها ’إعصار ساندي‘ في أيامنا هذه ويُريها شيئاً من قدرة الله وجبروته؟ أم أنها كذلك منذ أن أصبحت إمبراطورية فعلاً بعد أفول شمس "بريطانيا العُظمى" أو منذ عهد رئيسها السابق فرانكلين روزفلت (1882-1945 م) أي منذ ما يزيد على نصف قرن من الزمن؟ فأين كان ’إعصار ساندي‘ طوال هذه الفترة؟ ولماذا لمْ يأت هذا الإعصار إلاّ بعد خراب العراق وتدميره اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، وكذلك أفغانستان وفلسطين والسودان وسوريا ... والبقية ستأتي؟

علماً بأن الداعية الإسلامي الدكتور وجدي غانم قد أكّد أن’الإعصار ساندي‘ سببه غضب الله على أمريكا لإنتاجها الفيلم المسيء لنبي المسلمين.

والحق أن ’إعصار ساندي‘ ليس إلاّ إحدى ظواهر الطبيعة العشوائية التي تحدث بين فترة وأخرى وفي أماكن مختلفة كالزلازل، والزوابع، والعواصف، والانفجارات البركانية، والانهيارات الأرضية، وارتطام المذنّبات، والأعاصير، كما هو الحال – على سبيل المثال - مع إعصار "تسونامي" الذي اجتاح بعض بلدان جنوب شرق آسيا واليابان عام 2004 م والتي تكبدت خسائر بشرية واقتصادية ضخمة؛ وإعصار "كاترينا" الذي اجتاح المناطق المطلة على المحيط الأطلسي عام 2005 م؛ وإعصار ’غُونُو‘ الذي اجتاح بعض مناطق سلطنة عُمان عام 2007 م وأضر بعدد من المنشآت الاقتصادية والحيوية هناك.

ولا يختلف جوهر ما كتبه الأستاذ جمال زويد عمّا كتبه زميله الأخ الأستاذ صلاح فؤاد عبيد في عموده اليومي "بين السطور" في جريدة "أخبار الخليج" بعنوان "آية من آيات الله" ، وذلك بتاريخ 9 مارس 2012 م، في تفسيره لسبب غرق السفينة العملاقة "تيتانك" في المحيط الأطلسي في 12 إبريل عام 1912 م، حيث يقول أن "الشركة المالكة لها نظمت حفلاً كبيراً عند رصيف الميناء قُبيل انطلاقها، صرّح خلاله أحد المهندسين الذين قاموا بتصميمها بأنها الأفخم والأكبر والأقوى في زمانها، وأضاف متهكماً: "حتى الله لا يستطيع إغراقها".

ثم يستطرد الأستاذ صلاح قائلاً: " اليوم، بعد حوالي مائة عام اكتشف العلماء السبب الذي أغرق تلك السفينة، وهو سبب عجيب لا يمكن أن يحدث بمحض الصدفة، بل هو ترتيب إلـهي مؤكد ومقصود لبيان مصير من يتحدى الله تعالى ... " [لاحظوا عبارة "مصير مَن يتحدّى الله"] ... حيث أعلن فريق من علماء الفلك الأمريكيين في جامعة تكساس بقيادة العالم "دونالد أولسون" ... "أن حدثاً نادراً وقع يوم الرابع عشر من يناير عام 1912 م عندما وقف القمر والشمس بطريقة تعزز جاذبية كل منهما الأُخرى وفي الوقت نفسه كان القمر في ذلك الشهر أقرب ما يكون إلى الأرض خلال 1400 عام ...." .

وينهي الأستاذ صلاح فؤاد عبيد قوله بأن "مَن يقرأ هذا الكلام لا بد أن يشهد أن الله على كل شيء قدير، وأنه يرسل إلى البشر إشارات للدلالة على وجوب إيمانهم به وتوحيدهم إيـّاه وحده لا شريك له مصداقاً لقوله تعالى "سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق".

فلنعتبر كل ذلك ترتيب إلهي للإنتقام من المهندس الذي كان يتحدّى الله، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: لماذا لمْ يكُن الإنتقام الإلهي موجهاً للمهندس نفسه وهو الذي تحدّى الله، بدلاً من إغراق السفينة وعلى متنها 1517 شخصاً، وبعد أربعة أيام من قول المهندس؟ ألمْ يكُن بالإمكان إغراق السفينة وهي راسية في الميناء أثناء الحفل قُبيل انطلاقها، وقبل أن يصعد على متنها الرُكاب "الأبرياء" ليثبت الله للمهندس المتحدّي أنه "على كل شيء قدير"، وذلك انطلاقاً من المبدأ الديني القائل بأن الله إذا أراد تحقيق شيء قال له: "كُن" فيكون وبسرعة لمح البصر؟ والآيات القرآنية في هذا الصدد كثيرة منها: الآية 117 من سورة البقرة والآية 37 من سورة آل عمران القائلتان "وَإذا قَضَى أمْراً فَإنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ"، والآية 40 من سورة النحل القائلة "إنّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إذا أرَدْناهُ أنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُوْنُ"، والآية 35 من سورة مريم القائلة "إذا قَضَى أمْراً فَإنّما يَقُوْلُ لَهُ كُنْ فَيَكُوْنُ"، والآية 82 من سورة يس القائلة "إذا أرَادَ شَيْئاً أنْ يَقُوْلَ لَهُ كُنْ فَيَكُوْنُ". فلا داعي هنا لوقوف القمر والشمس بطريقة تعزز جاذبية كل منهما الأُخرى، ولا لوجود القمر أقرب ما يكون إلى الأرض، لكي يتم ارتفاع المدّ وذوبان كُتل الجليد وتفتتها لتصطدم بها سفينة ما وتغرق.

ثم ما ذنب هؤلاء الركاب البالغ عددهم 1517 راكباً ليغرقهم الله انتقاماً؟ انتقاماً من ماذا؟ وهل من المنطق أن يغرق الله 1517 شخصاً بدون ذنب اقترفوه، بينما المهندس "المذنب" يعيش في "عيشة راضية آمنة"؟ وأين هنا العدل الإلهي بينما الآية القرآنية تقول: "إنّ اللهَ يَأمُرُ بِالعَدْلِ وَالإحْسانِ" (الآية 90 من سورة النحل)؟ وأين هنا الحكمة الإلهية بينما الآية القرآنية تقول: "لا إله إلاّ هو العزيز الحكيم" (الآيات 6 و18 و62 من سورة آل عمران")؟ وماذا عن الآيات القرآنية العديدة القائلة "وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى" (الآية 164 من سورة الأنعام، والآية 15 من سورة الإسراء، والآية 18 من سورة الفاطر، والآية 7 من سورة الزمّر، والآية 38 من سورة النجم)؟ علماً بأننا لسنا أمام وازرة مقابل وازرة أخرى، في الواقعة التي نحن بصددها، بل هناك المهندس الذي تحدّى الله من جهة، و1517 راكباً تم إغراقهم إنتقاماً من جهة أُخرى. فإذا كانت هذه الآيات لا تحمّل أي مذنب جريرة مذنب آخر، فكيف تحمّل 1517 بريئـاً جريرة مذنب واحد هو المهندس؟

والحق أن "الترتيب الإلهي" – والأصحّ الإنتقام الإلهي - بالنسبة لواقعة السفينة العملاقة "تايتانك" هو ليس أمراً ينادي به الأستاذ صلاح فؤاد عبيد فقط، بل هو أمر يروّج له الكثيرون من الكُتـّاب المسلمين هذه الأيام في الجرائد والمجلات والإنترنِت، تماماً كما فعلوا مع ما أسموّه بـ"الإعجاز العلمي في القرآن" والذي سخر منه حتى بعض الإسلاميين.
* * *

[نُشرت هذه المقالة في جريدة "أخبار الخليج" البحرينية بتاريخ 27 نوفمبر 2012 م حيث تم تغيير العنوان إلى "تأملات في غرق "تايتانك" وإعصار "ساندي".]