جذور الفكر الداعشي


رياض الأسدي
2014 / 8 / 3 - 23:04     

لم تكن النزعة (الداعشية) وليدة ساعتها قط ، بل هي امتداد أرعن جديد لعموم المنظومة الفكرية المتخلفة للوهابية ( نسبة إلى الداعية الديني محمد بن عبد الوهاب (1115 - 1206هـ) (1703م - 1791م) الذي ظهر مدافعا عن الأصولية الإسلامية ونجحت دعوته بالتحالف مع البيت السعودي في شبه الجزيرة العربية) وتعدّ الوهابية حجر الزاوية للعديد من الأفكار الأصولية والمتطرفة في العالم الإسلامي الحالي. ولولا النفط وما يدخله من ريع إلى المملكة العربية السعودية واستخدام موارده في العقود الأخيرة من القرن العشرين المنصرم لبقيت الدعوة الوهابية حبيسة مكانها ولتحولت إلى ألاضمحلال ومن ثم الزوال. لكن مداخيل الأمراء السعوديين ومؤسسة الدولة نفسها التي قامت على المذهب الوهابي عملت على إنعاش الوهابية والترويج لها في عموم العالم الإسلامي لكي تقف بقوة بوجه حركات التحرر المختلفة. وما الصراع السعودي الناصري 1952- 1970 إلا وجه بيّن لهذا الصراع المحتدم الذي استمرّ طويلا.
وقد فرخت الوهابية حركات شتى متشددة كالقاعدة في أفغانستان التي اتخذت من الوهابية فكرا ومنهجا.ومهما حاول بعضهم من التفريق بين الوهابية السلفية كفكر
" اصلاحي" للدين والوهابية الجهادية المتطرفة فانهم يحاولون عبثا لأن التوجه الوهابي في أصوله يعتمد العنف منهجا وما الفضاعات والشناعات التي قام بها " المطاوعة" وجيش الإخوان السعودي المتشدد إلا دليلا على وحشية وسطحية هذا الفكر المشوه لحقيقة الدين الإسلامي الحنيف. ويرى الداعشيون الذين هم امتداد للمنهج نفسه في إزالة الآثار التاريخية كما حدث في أفغانستان من تفجير لتماثيل بوذا التي لم يوقف فعلهم ذاك جميع الاحتجاجات العالمية والبيانات في كون التماثيل تعد اثرا تاريخيا ولا أحد يراها آلهة في هذا العصر إلا أن حكومة طالبلن الوهابية النزعة أصرت علة تفجير التماثيل. وفي الواقع ان هذا الإصرار الهمجي ينبع بالدرجة الأساس من إظهار الإسلام في أبشع صوره ليس إلا فما فائدة إزالة اثر تاريخي لا ينفع ولا يضر. وقد امتدت هذه النزعة التدميرية إلى الإسلام نفسه حيث فجرت مراقد الأنبياء في الموصل وهي آثار يكنّ لها المسلمون الاحترام على مدى الفي سنة كمرقد انبي يونس والنبي شيت عليهما السلام. وفي التاريخ الوهابي بعد هبوب عاصفة التهديم على قبور البقيع التاريخية كان ثمة محاولات لتهديم قبر النبي محمد صلى الله عليه وآله نفسه. فالقبور باجمعها محرمة في الفكر الوهابي القاعدي الطالباني الداعشي. وفي الحقيقة ان إزالة القبور لم تكن لغرض كونها مزارات لعبادة غير الله تعالى بمقدار ما هي النزعة التدميرية الكامنة في بقاء النزعة الوهابية وحدها على الأرض. ومن هنا جاءت نزعة التكفير التي لصقت بها منذ البداية في كون كلّ ما هو غير وهابي كافر. هذه النزعة التي تحاول أن تشوه صورة الإسلام المتسامحة والثابتة تاريخيا. فاليهود الذين اضطهدتهم وأجلتهم أوربا لو يجدوا إلا في الدولة العثمانية والمغرب العربي ملجئا. ومن هنا تأتي فكرة تشويه صورة الإسلام كدين يرفض الآخر في محالات صهيونية محمومة لتحقيق الأهداف الصهيونية عموما والتي تساعدها الداعشية أخيرا.
كما تمتد جذور الداعشية إلى القرن العشرين وخاصة الى النصف الثاني من القرن العشرين المنصرم بعد ظهور سيل من الأفكار التكفيرية المتطرفة التي تبناها شكري مصطفى المؤسس لجماعة المسلمين والداعية الواضح لتكفير جميع الدول والمجتمعات الإسلامية قاطبة. ولم يكن شكري مصطفى عالما بالشرع ولا في أصول الدين على الرغم من أنه التلميذ النجيب لسيد قطب العقل المدبر للتكفير في العالم الإسلامي الذي أعدمه النظام الناصري في عام 1966.وكان شكري مصطفى قد كفر حتى جماعة الإخوان المسلمين التي نبع عنها. وباختصر شديد: تؤمن الداعشية الجديدة بتكفير كلّ مخالف للرأي لها وهو توكيد على نزعة ( الجوييم) اليهودية التي ترى ضرورة ابادة المخالفين مهما كانت صفتهم. ولاذلك قامت جماعة شكري مصطفى بقتل الدكتور الشيخ حسيين الذهبي وزير الأوقاف المصري آنذاك لأنه أصدر فتوى بتحريم الانتساب لجماعة المسلمين التي أسسها شكري مصطفى حيث واجه القضاة الذين حكموا عليه بالإعدام مع بعض الخاطفين بسخرية باردة ولا أبالية مطلقة، في حين كان هو المسؤول عن جريمة قتل مروعة لشيخ خالفه الرأي فقط. وهذا ما تفعله جماعات داعش بالمخالفين لهم.