رؤية شبابية لعلاقة السياسي بالاكاديمي و صنع السياسات


رامي مراد
2005 / 8 / 7 - 12:00     

يكثر الجدل حول الدور الذي أصبح يلعبه السياسيون في حياتنا المعاصرة أمام تراجع دور الأكاديميين و أهل الفكر و الثقافة في تشكيل عالمنا الذي نعيشه، و قد تناولت الجلسات السابقة الأبعاد و الرؤى حول تلك العلاقة من وجهات نظر متعددة، و اليوم اسمحوا لي و لزملائي بان نناقش ماهية العلاقة التي تنظم علاقة الأكاديمي بالسياسي و صانع السياسات من وجهة نظر شبابية. فالعلاقة التي يجب أن تجمع السياسي بالأكاديمي هي علاقة تكاملية إذ أن لكل منهم دوره المميز و حقله و مجاله و كل منهم يؤثر و يتأثر بالآخر كما أن كل منهم بحاجة إلى الآخر. إلا أننا نجد تلك العلاقة في واقع الأمر يشوبها الخلل المتمثل في محاولة السياسي تهميش الأكاديمي في صناعة القرار مما يولد لدى الأكاديمي الإحجام عن خوض غمار البحث و الإقدام على المشاركة، و هنا علينا أن نوضح بان محاولات التهميش ليست مقتصرة على السياسي ضد الأكاديمي فحسب، بل تتعداه لتطول كافة شرائح المجتمع، فالأب في البيت يهمش دور زوجته و أبنائه و كذلك المؤسسات الأكاديمية تحاول تهميش دور الشباب و تعزز طرقة التلقين في أساليب التدريس مما يقتل أي بذرة يمكن أن تنمو لتزهر الإبداع و كذلك المجتمع يهمش المرأة، والأحزاب السياسية تهمش دور أطرها الطلابية في الجامعات حتى بات دور الأطر الطلابية يقتصر على المروج لوجهة نظر الأحزاب السياسية و قادتها و لم تعد تعبر عن طموحات الشريحة الطلابية التي تمثلهم، لذا فإننا نتحدث عن علاقات متشابكة مشوهة مترابطة فالأسرة تؤسس لثقافة المجتمع الجامعة تخرج السياسي و صانع القرار........الخ، و عودة إلى موضوعنا فقد أصبح السياسيون و لكي نكون أكثر دقة صناع السياسة و أصحاب القرار و المصالح السياسية هم الذين يرسمون ملامح حياتنا لكن بنسب متفاوتة، ففي أوروبا و العالم المتقدم لا يزال الأكاديمي و الباحث يحتل مكانة مرموقة تمكنه من خلالها أن يؤثر في صناعة القرار، عبر مراكز البحوث التي تكبر و تتضاعف من حيث الإمكانيات و الموازنات و القدرة على التأثير. أما في دول العالم الثالث و لاسيما العربية منها فإننا نلاحظ سيطرة شبه مطلقة من قبل صانع السياسات و صاحب القرار و الذي بغالب الأمر يكون ممثلا بشخص الرئيس الذي يهيمن على إدارة دفة الحكم بحسب اهوائة و استجابة لمصالحه و مصالح حاشيته و المقربين إليه و التي في أحيانا كثيرة تتعارض مع الصالح العام، و في المقابل نلمس غياب الأكاديمي عن دوره حينا و تغيبه من قبل السياسي و صانع السياسات أحيانا كثيرة. و في خضم الحديث عن الأكاديميين لا يمكننا أن ننسى أو نتجاهل بعض المبادرات الايجابية لعدد بسيط من الأكاديميين المثقفين و عددهم قليل جدا مقارنة بأعداد الأكاديميين الكبيرة الذين يقفون متفرجين و غير مبالين بالقضايا المهمة ذات العلاقة المباشرة بحياتنا و واقعنا. في ذات السياق و مع الأسف فان جزء من الأكاديميين المنخرطين في العمل السياسي إما تابعين لركب الوالي و أصحاب النفوذ و حريصين على نيل الرضا منهم و لو على حساب قناعاتهم و مبادئهم أمثال شيخ المتنفذين و رؤساء الجامعات و مجالس أمنائها و اكاديمييها ممن يستمدوا شرعيتهم من ذوي النفوذ و مراكز القوة، و ليس ذلك فحسب بل تعداه ليصل حدا يكون عنده سياسيا مرموقا و أكاديميا فذا و منظرا متمكنا ينظر على آلاف الطالبات و الطلاب عبر تدريس مساقات المتطلبات الجامعية التي تدرس لكل طالبة و طالب يلتحق بتلك الجامعة، و هنا لا بد من التطرق إلى ما يقرب من سبعة و ثلاثون ساعة من المتطلبات الجامعية أو بعبارة اصح من التنظير الأيدلوجي لصالح الإسلام السياسي، و القائمة على نفي الغير و تكفيرهم و لعل من أوضح الأمثلة على ذلك متطلب " حاضر العالم الإسلامي و الغزو الفكري "، و الذي يدرس في احد جامعات قطاع غزة و الذي يعمل بدون مبالغة على قتل و تدمير أية تربة يمكن أن تكون صالحة لإعمال العقل، ذلك المتطلب الذي يقوم على قصص و خرافات لا تمس للحقيقة بالمطلق، و يعتمد مدرسها على صك الغفران الذي يمنح من يشاء إذن الدخول إلى الجنة و أحقية تمثيل الاله في الأرض و يحكم على آخرين بالخلود في جهنم.و بين هذا و ذاك فان الأكاديمي يقع بين مطرقتين:
أولاهما / مطرقة السياسي و صاحب القرار و ذلك كي يؤمن لنفسه وظيفة توفر له متطلبات الحياة الكريمة، و يكون عليه أن يخضع لصاحب النفوذ و المسيطر و راسم السياسة لتلك المؤسسة الأكاديمية التي تنقسم بين تابعة للحزب الحاكم و يكون حينها مطلوبا من الأكاديمي أن يرفع من شان الحاكم و حزبه، كما يخشى من أبناء القادة و المتنفذين الذين يهددون باستمرار مكانة و وضعية الأكاديمي و ما أكثر الأمثلة على ذلك.....؟؟، و بين أخرى تمثل ثقل المعارضة و يكون عندها مطلوب من الأكاديمي كي يحافظ على مكانته و يؤمن مصدر دخل جيد له و لأسرته أن يكون منظرا أيدلوجيا ينتهج نهج أولي الأمر و يقصي الآخرين بتخوينهم حينا و تكفيرهم أحيانا كثيرة.
و ثانيهما / مطرقة الموروثات و القيم و العادات البالية التي تحدد الضوابط الصارمة و الإطار المسموح من خلاله الحركة و التفكير، إذ يكون حينها الخوض في غمار البحث الذي يتناول العديد من القضايا ذات العلاقة الوطيدة بواقعنا المعاش و إمكانيات السير باتجاه الحداثة و التقدم تجاوزا لكل الأعراف و الضوابط التي حددتها تلك القيم و الموروثات و المسلمات. فمع كل ما سبق يمكننا القول بان هناك ثمة من يقتل فينا الإبداع على كل المستويات.....و هنا اسمحوا لي أتسائل من المسئول عن غياب المسرح و السينما و المراكز الثقافية و حتى المنتديات الفكرية؟؟؟ و هل ذلك الغياب تلقائي و بدون وعي، أم انه يسير وفق خطط مبرح لها و إدراك من قبل من لهم صلة بذلك؟؟ بكل الأحوال و عودة إلى موضوعنا علينا أن ندرك جيدا بأنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نتقدم خطوة واحدة إلى الأمام بدون الإدراك الجيد و الفهم الواعي للواقع لان تشخيص الأزمة و وضع اليد على الجرح أساس الحل بعد ذلك.و هنا علينا أن ننوه إلى أن جزء و هو ليس بقليل يعي تماما ما يقوم به و ما يرسم له من ادوار لكنه و مع ذلك يؤدي ذلك الدور ربما لتحقيق مصلحة و الحفاظ على مستوى معيشي مرموق و اكتساب مكانة اجتماعية رفيعة، أو ربما خوفا من عواقب خوض غمار البحث في المسلمات و عواقب رفع الصوت بالحقيقة في وجه أصحاب النفوذ.
و لو تناولنا واقعنا الفلسطيني فإننا نلمس غياب الأكاديمي عن مراكز صنع القرار على صعيدي الحزب الحاكم و مؤسسات السلطة، و الأحزاب السياسية المتبلورة بجميع أطيافها و مشاربها الأيدلوجية، و حتى بعض الأكاديميين ممن يتربعوا على سدة صنع القرار في تلك الأحزاب لا يتعدى كونه منظرا أيدلوجيا، و ذلك يتضح جليا بغياب مراكز الأبحاث سواء لدى السلطة أو المعارضة، و حتى بعض المبادرات التي يبادر بها جزء من الأكاديميين تكون موجهة من قبل شخوص متنفذة كمبادرة لجنة المساندة و الحماية أثناء الانسحاب فإنها تشتمل على بعض الأكاديميين لكنهم للأسف تم اختيارهم بحسب مزاج صاحب النفوذ و صانع القرار، و إلا فلماذا يهمش عدد كبير من الأكاديميين المثقفين ذوي الخبرات من أن يمثلوا بتلك اللجان؟؟ لأنهم يحملون وجهات نظر ربما تتعارض مع أصحاب القرار و صناع السياسات. و في ختام مداخلتي كان لزاما علي الإشارة إلى أن ظروف الاحتلال و الفهم الخاطىء لمفهوم المقاومة ربما ساهم في تعظيم شان السياسي على اعتبار أن له الباع الأكبر في مجابهة الاحتلال بطريقة مباشرة مع إهمال الدور العظيم الذي يقوم به الأكاديمي و المثقف في تدعيم فكرة المقاومة، و ذلك أدى إلى تعميق الهوة بين السياسي و الأكاديمي و عمق من سيطرة السياسي على الأكاديمي.و علينا أن ندرك انه لا بد من إعادة التوازن إلى طبيعة العلاقة بين السياسي و الأكاديمي و صانع السياسات بحيث تصبح علاقة تكاملية و تنحى منحى الشراكة عوضا عن علاقات السيطرة و التهميش و الإقصاء القائمة حاليا، و يكون ذلك بإعادة الاعتبار إلى المؤسسة الأكاديمية و الحفاظ على استقلاليتها و سن التشريعات التي تضمن ذلك و تؤمن حرية الأكاديمي و سلامته، كما يتوجب أيضا زيادة الموازنات المخصصة للمؤسسات الأكاديمية و تشجيع البحث العلمي، و أيضا ضرورة إشراك الأكاديمي في الأطر و المؤسسات الحكومية من وزارات و مراكز صناعة القرار، و ليس ذلك فحسب بل يجب أن تتوفر المساحة من حرية الرأي و التفكير و إزالة كل المعيقات و المسلمات التي تقف حجر عثرة في وجه الإبداع. و على الأكاديمي أن يدرك بان ذلك لن يتأتى بمنحة من صانع القرار بل لا بد أن يكون هذا الإنجاز حصيلة نضال تراكمي يقدم عليه الأكاديمي و المثقف لإعادة الاعتبار لوضعيته و مكانته في صناعة الأحداث.