لماذا التظاهر؟

خالد الصاوي
2005 / 8 / 3 - 09:48     

يتساءل الكثير من الشباب: لماذا التظاهر؟ ما فائدته؟ هل يغير وضعا؟ ألا يفتح الباب للانفلات الأمني؟ ألا يفتح ثغرة للمخربين والمندسين؟
التظاهر طريقة سلمية للاحتجاج يقيس بها المعارضون قوتهم ويظهرونها للنظام وللجماهير العريضة وللعالم كله، ويؤثر ذلك الأسلوب بما يتضمنه من تنظيم جيد وشعارات جذابة في الكثيرين ممن كان يعتقد كل منهم على حدة أنه وحده تماما ومنعزل، فاذا به يرى ما يدور بذهنه يجري على الأرض في نفوس الكثيرين، وهكذا تتبلور لديه ولدى العديد من البشر مواقف جديدة تؤثر بشكل مباشر او غير مباشر في مسارات الرأي العام، ولو لم يكن التظاهر مفيدا بهذا المعنى لما تظاهر الملايين في العالم طوال الوقت، ولما سقطت حكومات الاتحاد السوفييتي السابق تباعا مثلا.
والسؤال التقليدي هنا: وبماذا أفاد التظاهر في العالم كله ضد اسرائيل وأمريكا؟
ليس من الضروري أن تأتي النتيجة كاملة دفعة واحدة، وفي حالة اسرائيل وامريكا تحديدا، فقد بلورت المظاهرات ضدهما شيئا مهما جدا الا وهو تغير المزاج الجماهيري العالمي من مؤيد أعمى لهما الى مكافح ضدهما، وكل الذين عاصروا الثمانينيات رأوا ذلك رؤي العين، ولان الظلم لا ينهض بالسلاح فقط، فان خسرانه سمعته المزيفة هو اول طريق الانهيار.
وفي النظم "الديمقراطية" -مع كل تحفظنا على زيفها الذي لا ينكشف الا بتعقد الأمور تماما- يعد التظاهر حقا دستوريا، ويكتفي القانون بالزام المتظاهرين بالابلاغ -لا الاسئذان- عن المظاهرة وخط سيرها، أما في النظم الاستبدادية فالأمر مختلف تماما.. لماذا؟ لانها لا تستطيع ان تمتص نمو الاحتجاج ضدها بالوسائل "الديمقراطية"، فهي نظم بلا جذور في الشارع ولهذا يرعبها الشارع، كما ان مظالمها الدائمة تلاحقها، ولهذا ايضا يرعبها الشارع.
اذن من التناقض ان نتساءل عن فائدة التظاهر بينما النظام يحشد قواته رعبا منها، ولنا الان ان نفكر في بقية جوانب الموضوع..
حينما يدعي رموز النظام ان التظاهر يؤدي الى الانفلات الامني أوتوماتيكيا فانهم يريدون الهاءنا عن مباشرة حقنا الأصيل في الاعتراض على تسيير حياتنا وجهة ما نعتبرها ضد مصالحنا، يعينون أنفسهم أوصياء على الشعب ليستحلوا خرق كافة حقوقنا وكرامتنا وكأنهم وحدهم أصحاب البلد، يضربوننا ونحن نعطيهم مرتباتهم، يخيفوننا بشبح وهمي اسمه الانفلات الامني بينما هم في حالة انفلات دستوري مستمرة تحت المظلة "الشرعية" لقانون الطواريء.. قانون "الطواريء" أو الأمور الطارئة الذي يمتد في بلادنا ربع قرن!!!
ومع ذلك، ليس صحيحا ان التظاهر يهدد أمن البلاد آليا ولا ان الاستبداد يوفر الأمان، فعلى مدى ربع قرن تقاتل النظام مع الجماعات الدينية بشراسة غير مسبوقة، وزج في هذه المعركة بجماهير فلاحية ومدينية وبدوية لا علاقة لها بالأيديولوجيا التي تتبناها الجماعات، واذ مرغ النظام بكرامتها الأرض فضلا عن تناسيها أصلا في وضعيتها الفقيرة مهملة عشوائية جاهلة، اتسعت حضانات "الارهاب" وتعمقت منابعه.
يوفر التظاهر طريقة احتجاج سلمية بالأساس، واذا حدث انفلات أمني فلسبب من اثنين لا ثالث لهما: عنف قوات الأمن تجاه المتظاهرين، أو ظلم اجتماعي عنيف بالأساس.
يتصور النظام أن الجماهير هنا ملايين من المواشي، يبدو ذلك جليا حين يقول لك ضابط مثلا ان الفارق بيننا وبين بلاد برة انهم هناك "متحضرون" بينما نحن هنا جهلة مما سيقود حتما الى الانفلات الأمني، انه صنيعة النظام الظالم -محليا وعالميا- الذي لا يرى الا رد الفعل، انه يغض البصر عمدا عن الفعل الظالم الأصلي الذي لولاه لما انفجرت ردود الأفعال الشاذة، وهكذا تعجز كافة مؤسسات الظلم العالمية عن حل مشكلة العنف في العالم لسبب بسيط، هو أنها هي بنفسها وبظلمها للبشر هي أساس هذا العنف كله!
اذن ماذا نفعل حيال المندسين والمخربين؟ من هم هؤلاء المندسين المخربين؟ شياطين تتخفى مثلا؟ عصابات سرية تلتقي في الظلام لتتفق على كيفية افساد التظاهر؟ ولصالح من؟ عملاء؟ لمن؟ الحقيقة انها هلاوس سخيفة لا معنى لها، والأحرى القول ان هناك من البشر من هو مظلوم لدرجة انه في اول فرصة ينفجر بالعدوانية مندفعا في الاستيلاء على مال الآخرين، يحدث هذا في مصر كما يحدث في الولايات المتحدة (أحداث السود في لوس أنجلوس 1994) والسبب ليس هو التسيب مع المظاهرات بل التسيب في ادارة الثروة في المجتمع بالأساس.
التظاهر حق، وأداة سياسية هامة، وهو الباب الطبيعي لكافة طرق التغيير اللاحقة عليه أو المصاحبة له بدءا من الاضراب عن العمل وانتهاء بالعصيان المدني الشامل حيث يطلّق الشعب الحكومة طلقة لا رجعةفيها