شيخوخة الشيوعية


عواد احمد صالح
2014 / 7 / 11 - 23:10     

شيخوخة الشيوعية ؟؟
عواد احمد
كتبت الصديق مالوم ابو رغيف على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك يقول (( ان الخطيئة الكبرى التي اقترفها الشيوعيون واليساريون هي انهم شاخوا وكبروا فاصبحوا ديمقراطيين . لم يجد الشباب فرصة اخرى للتعبير عن عنفهم الثوري سوى الاسلام الارهابي فالتحقوا به كمجاهدين ..)).
على الرغم من احتواء هذا الطرح على كثير من عناصر الصحة الا انه يمثل تعميما مفرطا يشمل كل ( الشيوعيين واليساريين ) والمقصود في العراق اساسا كما ان الطرح يحتاج الى الموضوعية بسبب عدم الأخذ بنظر الاعتبار الظروف الصعبة والقاسية التي مرت بها الحركة الشيوعية في مرحلة الثمانينات من القرن العشرين والمرحلة التي اعقبت انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991 .وما تعرضت له الاحزاب الشيوعية في العالم العربي والعراق خاصة من تنكيل وقمع وابادة جماعية على يد الانظمة القومية الفاشية في العراق بشكل خاص .
وعندما يقال بان الشيوعية قد شاخت وان الشيوعيين تحولوا الى ديمقراطيين فان هذا ما يسر ويسعد البرجوازية والرجعية والرأسمالية العالمية ويذر الرماد في عيون الجماهير والعمال والشباب باقناعهم بصحة فكرة مجردة وخارج اطار الظرف الموضوعي والذاتي اي الشيخوخة السياسية التي تنطبق بالتاكيد على كثير من الاحزاب لكنها لاتنطبق على الشيوعية بوجه خاص فقط ،هذا فضلا عن تاثير الكم الهائل من الدعاية والاعلام البرجوازي الذي اعقب انهيار المجموعة السوفييتية وحروب احتلال افغانستان والعراق والذي يروج لفكرة ان اقتصاد السوق والديمقراطية تمثلان الحل المناسب لمشاكل الشعوب التي عانت من الانظمة الديكتاتورية وكانت هذه الخطوة جزءا من المشروع الاميركي المعروف بمشروع الشرق الاوسط الكبير وشمال افريقيا .الذي بدأ اليوم يتحقق على ارض الواقع بعد احداث (الربيع العربي ) والحرب القائمة في سوريا والعراق الان .
لنعد الى جوهر الموضوع ونبحث عن اسباب شيخوخة بعض الاحزاب الشيوعية .. ان هذه الاحزاب لم تكن في الاصل احزابا ثورية ولم تضع في سلم فلسفتها السياسية الوصول الى السلطة السياسية وكانت تميل الى التحالفات . تحالفت في مرحلة ما مع الاحزاب القومية ( التقدمية ) بدفع من الاتحاد السوفييتي انذاك . وفي مرحلة لاحقة كما هو اليوم في العراق تتحالف وتعمل مع الاسلام السياسي الشيعي في اطار المشروع السياسي الاميركي .
وحتى لا اقع في التعميم فان الشيخوخة السياسية للشيوعية التقليدية في العراق خاصة سببها الاحباط والضياع والشلل الذي اصابها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي الذي كان يمثل مرجعها الفكري والسياسي وكما قال بهاء الدين نوري وهو سكرتير سابق للحزب الشيوعي العراقي ( كنا دراويش موسكو ) وهي عبارة دقيقة تعبر عن العلاقة الصوفية بين شيخ الطريقة وتابعه المحسوب . مما جعلهم يخضعون حرفيا للتعليمات التي تصدر من (الرفاق السوفييت ) . تلك التعليمات كانت تاخذ بنظر الاعتبار المصالح القومية للبرجوازية " الشيوعية" الروسية وصراعها مع الغرب اي ما كان يسمى ( الحرب الباردة ) هذا من جهة ومن جهة اخرى انهم وضمن مفهوم الصراع الطبقي تحولوا الى احزاب ديمقراطية برجوازية ضمن سياق اوهام المرحلة التاريخية الحالية بان الديمقراطية تمثل حلا سحريا لمشاكل شعوبنا السياسية والاقتصادية . وبما ان بعض هذه الاحزاب بنيت اساسا كاحزاب غير ثورية في اطار مرحلة (تحرر وطني) فقد انساقت بسرعة وراء وهم الديمقراطية البراق نتيجة عجزها وشللها وغياب الارادة والبرنامج الثوري واليوم تقف على هرم القيادة فيها عناصر فاسدة وانتهازية وعديمة الارادة الثورية حصلت في العراق على جزء من فتات موائد الاحزاب البرجوازية الاسلامية والقومية . لا تمتلك برنامجا ثوريا واضحا يمكن ان يستقطب الشباب والاجيال الجديدة وتكتفي بالترديد الببغاوي لبعض الشعارات المستهلكة مثل (وطن حر وشعب سعيد ) .... الخ
اما احزاب اليسار الرديكالي الشيوعي في العراق او غيره فهي موجودة وتمتلك برامج ثورية حقا ولديها رؤية وبصيرة سياسية واضحة في فهم ما يجري حولها من نوعية وطبيعة الصراعات والحروب الرجعية والارهابية الشرشة الجارية الان في العراق وسوريا وغيرهما . الا انها تواجه مجموعة معضلات وتحديات وتعاني من جملة نواقص واخطاء سياسية بعضها ذاتي وبعضها موضوعي يمكن اجمالها في النقاط التالية :
1- انها متشرذمة ومنقسمة الى احزاب ومجموعات نخبوية صغيرة العدد تسود بينها اختلافات إيديولوجية غير ذات اهمية سياسية وتافهة في بعض الاحيان .
2- هجرة قيادات بعض هذه الاحزاب الى اوربا وكندا والولايات المتحدة تسببت في غياب الاشراف المباشر على بناء التنظيمات ومواجهة الاحداث المتفاقمة اليومية وبالتالي ليس هناك ادارة ثورية ويومية للعمل السياسي والتنظيم الحزبي.
3- (انتهازية الجماهير ) للاسباب الموضوعية محليا وعالميا ونشوب الصراعات الطائفية والدينية والعمل المنهجي والمنظم للاعلام والايديولوجيا البرجوازية الراسمالية في افساد الوعي الاجتماعي والسياسي للشباب والعمال ومختلف الفئات المحرومة واشاعة النزعة الاستهلاكية المفرطة انصرف معظم الشباب عن العمل الشيوعي ( لم تعد لديهم قضية حياتية يناضلون من اجلها ) دون الحصول على اموال وامور اخرى . ان الحركات المتطرفة الاسلامية المختلفة تمتلك كل عناصر القوة السلاح والمال والدعم غير المحدود من دول بعينها باتت معروفة للجميع وهي تمتلك ايديولوجيا تغييبية ماسحة للعقل والشعور باسم ديانة مفروضة قوامها ( السمع والطاعة ) او الولاء لمذهب معين مما يجعل الشباب المرتبطين بهذه الحركات غير قادرين على الخروج منها مطلقا هذا اضافة الى ما تصرفه لهم من رواتب ومخصصات مادية وما تعدهم به من جنة ونكاح حور العين .
4- اما الشيوعية الجديدة فهي تبني رؤيتها على الحرية والمساواة والاختيار الحر وحرية الانتماء وحرية ترك العمل الشيوعي متى شاء الفرد ولا تمنح أعضاءها اية امتيازات مادية او معنوية . مما جعلها لم تعد نقطة جاذبة او مركز استقطاب لطاقات الشباب الثوري في اتون مرحلة صراعات شرسة وتجاذبات سياسية وايديولوجية يلعب فيها المال والطائفية والفكر الغيبي دورا مركزيا .
5- لعل من اهم نواقص واخطاء الاحزاب الشيوعية الرديكالية والثورية عدم ادراكها طبيعة اللاجدوى من عمل سياسي سلمي مبني على محاولة استنهاض العمال والشباب المستقطبين اصلا طائفيا وقوميا عن طريق التوعية والتحريض السياسي في سياق مرحلة تاريخية متفجرة لا لغة فيها سوى لغة العنف والبندقية والسلاح يصح في مثل هذه الحالة القول اننا اصبحنا كما يقول المثل الشعبي ( مثل الاطرش في زفة العرس ) كاننا لا نسمع ولا احد يسمعنا .وتسببت الصراعات الطائفية والمذهبية والعرقية والدينية المسلحة الجارية اليوم بفعل وادارة قوى مختلفة مغرقة في الرجعية والتخلف وبدعم ومباركة الامبريالية من تغييب شبه تام للصراع والوعي الطبقي .
6- وعود على بدء .. فان الخطيئة الكبرى التي اقترفتها الشيوعيون اذا جاز التعبير انهم اغفلوا اهمية العمل الثوري المسلح والحصول على مصادر دعم وتمويل يمكن الشيوعية من ان تكون قوى مؤثرة في المعادلات السياسية في الشرق الاوسط والعالم وظل قادتها بعيدون عن مراكز الاحداث والصراعات العنيفة ومن ضمن اسباب ذلك رؤية سياسية مفادها ان الشيوعيين لا يرغبون في زيادة معاناة الجماهير واستخدامهم كوقود في محرقة صراعات عبثية لا طائل من وراءها سوى الدمار والخراب واعادة المجتمع الى الوراء .في وقت ظلوا يركزون على العمل الجماهيري السلمي الواسع والمنظم ولم ينجحوا في ذلك .
7- واذا كانت التيارات الشيوعية العمالية واليسارية والاشتراكية الثورية جادة في عملها اليوم وفي الوصول الى اهدافها فعليها اولا التوحد وادراك اهمية العمل المشترك والقيادة المشتركة وصرف الانظار عن الاختلافات السياسية والايديولوجية العارضة ، ان تتوحد دون تردد او تاخير مع الاحتفاظ باختلاف وجهات النظر ازاء القضايا المختلف عليها ،اي عليها ان تكون بمقدار حجم التحديات الضخمة التي تواجهها وان عليها ان تدرك بشكل واضح وصريح ان حزب بعينة او فصيل سياسي بعينة سواء في العراق او كردستان او سوريا او ايران او مصر او المغرب لن يستطيع وحده مواجهة الاحداث الكبرى والصراعات التي تعصف بالمنطقة ولن يستطيع ان يفعل شيئا في مواجهة القوى الرجعية والطائفية الشرسة الهائلة التي تتمد اليوم في كل مكان من العالم .وتمتلك السلاح والمال وتمارس اقسى درجات اذلال الجماهير وتشريدها وقهر المجتمع وفرض اجندتها القروسطية عليه . وفي حال بقاء الشيوعيين على ماهم عليه فسيكونوا اول ضحاياها وسيدفعون اثمانا باهضة . وهذا مالا نريدة وما لاتريده الجماهير الطامحة الى الحرية والى حياة امنة مدنية ومتحضرة تحقق المساواة والرفاه لعموم المجتمع .
8- اذا ظهر الشيوعيون كقوة موحدة تمتلك القوة المسلحة الضاربة وتمتلك اقصى درجات الانضباط الثوري تدافع عن امن ومعيشة الطبقة العاملة والجماهير ومصالحها وتقف بقوة بوجه الممارسات والافكار الطائفية والقومية والشوفينية الرجعية في اماكن النزاعات والصراعات المسلحة وتتعامل وفق سنن ومعايير انسانية عالية قوامها تقديس الانسان كقيمة عليا واحترام كينونته الانسانية وحريته وكرامته عند ذاك ستلتف حولهم كل قطاعات الجماهير والشباب الطامحين الى الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية ومجتمع افضل وستتحول موازين القوى لصالحها شيئا فشيئا . ان العمل الثوري الحقيقي يحتاج كما قال لينين الى التضحية بمسائل الحياة اليومية الفردية التافهة من اجل القضية الكبرى للجماهير ...
9- اخيرا فان شيخوخة الشيوعية تبقى مفهوما نسبيا وليس مطلقا ، عندما يفقد حزب شيوعي مبادئه وقدرته على التجدد ومواجهة الاحداث الكبرى وتحليل الياتها وقواها المحركة ويرسم برنامجه وفقا لذلك فانه سيشيخ ويتحول طبقيا الى حزب برجوازي عاجز عن مواجهة المنعطفات الكبرى وقوى الظلم والاستغلال والقهر الطبقي ويتحول ديمقراطيا وذلك اضعف الايمان اي يكتفي بان يكون اداة نصح وفي بعض الاحيان نقد باهت لسلوك الانظمة الطبقية الفاسدة كما يحصل في العراق وبالتالي سيكون فعلا قد شاخ وفقد بريقه السياسي وتسبب في انصراف الشباب خاصة عنه .
وربما يقول البعض ان العامل الزمني تسبب في شيخوخة الشيوعية اي انها صارت ( قديمة ) كما يقال هنا وهناك وهذه الفكرة لا تصمد امام الحقيقة . فان الماركسية باعتبارها علم الثورة الاجتماعية للبروليتاريا في عصر الرأسمالية مازالت هي سلاح التغيير الثوري لقوانين واليات اشتغال النظام الرأسمالي وأزماته الدورية المزمنة وحروبه ومشاكل الاستغلال والتمايز بين الشعوب الغنية والفقيرة . ان كافة اشكال العلاقات الرأسمالية المبنية على الاستغلال والقهر والحروب وخلق الازمات والهيمنة واالصراع على مناطق النفوذ وما يسمى الحرب على الارهاب قد تفاقمت بشكل مدمر خلال الثلاث عقود الماضية مما يستجوب حلا ومخرجا يتمثل في النضال الدؤوب من قبل الشيوعيين لاسقاط الرأسمالية وانهاء معاناة البشرية من الظلم والاستغلال والدمار وبناء عالم افضل قوامه الحرية والسلام والمساواة بين البشر في كل مكان .
11 تموز 2014