تعقيب على مقالة -بعثُ الماركسية: علاج الجور الاجتماعي-


مجيد البلوشي
2014 / 7 / 9 - 07:41     


توطئة: مقالنا هذا هو أول مقال لنا نكتبه في جريدة "أخبار الخليج" البحرينية عام 2008 م، وندافع فيه عن الماركسية، بل نصرّح فيه عن ماركسيتنا علناً، وهو أمر خطير جدًا في هذه الظروف التي تمر فيها الدول العربية، بما فيها مملكة البحرين، في العقود الثلاثة الأخيرة، حيث المدّ الديني المتطرف، والإسلام السياسي المتعنـّت، والمناداة بإقامة الدولة الدينية المناهضة للدولة المدنية القائمة على الديمقراطية والشفافية وحُرية الاعتقاد، بل وانتشار ظاهرة التكفير ونبذ الآخر، وانتشار الطائفية البغضاء . . . إلاّ أن الكلاب تنبح والقافلة تسير!

رسالة إلى الأستاذ حافظ الشيخ صالح:

عزيزي الأخ حافظ،

بعد التحية وواجب الاحترام،

شاقني كثيراً ما تضمنته مقالتك المذكورة أعلاه المنشورة في عامودك اليومي "قوس قزح" بجريدة "أخبار الخليج" الصادرة بتاريخ 23 يونيو 2008 م، وذلك بالرغم من اختلافي معك في الفكر والرؤى والكثير من مقالاتك وأطروحاتك التي تنشرها في عامودك المذكور. وهذا الاختلاف أمر بديهي ومطلوب: فأنت تمثّل، حسب اعتقادي، التيار الاسلامي السياسي الذي غدا سائداً في مجتمعاتنا العربية-الاسلامية، في حين أنني أمثّل التيار الماركسي اللينيني الذي يحاول جاهداً استعادة مجده السابق الذي كان يقارع أعتى القوى الإمبريالية الطاغية في العالم، وذلك بالرغم من "السقوط المدويّ" والسقوط أيضاً الخافت للأنظمة الشيوعية" حسب تعبيرك. وها أنت، عزيزي حافظ، تمتدح الماركسية بإعتبارها "علاج الجور الاجتماعي" بالرغم من إختلافك الفكري والآيدلوجي معها، ذلك لأنك – حسب رأيي – إنسان موضوعي، والإنسان الموضوعي لا يتردد في قول الحقيقة ولو كانت مُـرّة! وهذه منقبة من مناقبك التي تستحق عليها الثناء والتقدير مِن قِبلـنا نحن الماركسيين. ونحن نؤمن فعلاً بأن الماركسية هي علاج ليس لكل المشاكل الإجتماعية فحسب، بل هي علاج لجميع المشاكل عامةً، وعلى رأسها المشاكل الإقتصادية. فتطور المجتمعات قائم أساساً على التطور الإقتصادي، كما تعرف جيداً.

إلا أنك، عزيزي الأستاذ حافظ، ظلمتَ في مقالتك القائد العظيم فلاديمير إليتش لينـين ظلماً شديداً بقولك أنه "أمعن في البطش بالإنسان، وفي تصفية الأديان"، وهو قائد أوّل ثورة اشتراكية في العالم: ثورة القضاء على إستغلال الإنسان لأخيه الإنسان، وإقامة دولة العمال والفلاحين، دولة الكادحين، دولة الفقراء والمساكين. فالقائد لينـين قد قام بثورة إنسانية عظيمة تهدف إلى تغيير العالم، هذا العالم الذي تسوده الرأسمالية القائمة على إستغلال قـوة عمل العمال والكادحين، واستعمار الدول الفقيرة ونهب ثرواتها ... . والثورات كما تعلم جيداً – عزيزي الأستاذ حافظ - وخاصةً تلك التي تهدف إلى تغيير المجتمع، بل وإلى تغيير العالم – لا تقام بالكلام والسلام وفرش الطُرقات بالأزهار والورود، بل بالتضحية بالنفس والمال وإراقة الدماء ... وتاريخ الثورات مليئ بالأمثلة. بل وتاريخنا الإسلامي خير شاهد على ذلك: فالغزوات التي قام بها المسلمون الأوائل في الجزيرة العربية، ومن بعدها الفتوحات التي قام بها المسلمون في البلدان المجاورة، كانت بإسم الدين و"إعلاء كلمة الحق"، ولكنها كانت تتصف بسفك الدماء وسبـي النساء والغلمان واستعباد الرجال ... وتقسيم الغنائم بين الغازيين والفاتحين، أليس كذلك؟ فهل يحقّ لنا القول بأن هؤلاء الغازين والفاتحين كانوا طُغاة وبطشاء ظالمين؟

أما قولك بأن لينين أمعن "في تصفية الأديان" فذلك ظلم شديد آخر له، فلنقرأ ونمعـّن النظر في موقفه من محاربة الدين: " إن إعتبار إعلان الحرب على الدين كمهمة سياسية لحزب العمال ليس إلا كلاماً فوضويا ً" (فلاديمير إليتش لينين، الأعمال الكاملة [باللغة الروسية]، المجلد 15 ، موسكو، صفحة 433). علماً بأنه يقصد بـ"حزب العمال" هنا بالحزب الشيوعي الذي تصف أنت أعضاءه المنتمين إليه بـ"طبقة إجتماعية بالغة الفساد". والغريب أنك تفـرّق بين الحزب الشيوعي - أو الأحزاب الشيوعية – والماركسية، مع أن الشيوعية هي الصورة التطبيقية الواقعية للماركسية ذاتها بأقسامها الثلاثة: الفلسفة المادية (الديالكتيكية والتاريخية)، والاقتصاد السياسي، والاشتراكية العلمية.

ذلك بالرغم من أن لينين يوصف، عموماً، بأنه كان "إنساناً من أكثـر الناس إنسانـيةً". فهل يمكننا وصف مثل هذا الشخص العظيم بالطاغية ومصفّي الأديان كما وصفته أنت عزيزي الاستاذ حافظ؟

أشدّ على يدك بحرارة وأتمنى لك كل خير.

الدكتور مجيد البلوشي
[email protected]