جورج حزبون


فهد المضحكي
2014 / 7 / 5 - 15:04     

منذ أيام قليلة غيّب الموت المناضل الوطني الأممي جورج حزبون أحد مؤسسي الحزب الشيوعي الفلسطيني.. حزبون الذي كانت عيناه مشدودتين منذ الطفولة إلى غصن الزيتون والمطر الذي تداعب حبّاته الوجوه الفلسطينية البائسة، لم يتراجع عن دوره النضالي من اجل التحرر والحرية وحقوق الانسان والتقدم.. ما اجمل الطقوس النضالية المفعمة بالحب والعطاء والتضحية وحب الاوطان الذي لا ينبض بإحساس عميق الا في وطنيته لا في طائفيته ومذهبيته وقبليته!.

حزبون.. أحد أولئك المناضلين الماركسيين الذين قالوا في تحدٍ وإصرار لا للصهيونية والرجعية العربية وقوى الظلام المتأسلمة ودوائر الاستعمار والامبريالية.

فإذا كانت أزمة الحرية والديمقراطية في الاوطان العربية تعد اخطر الازمات فإن الخطاب الديني التكفيري بتعدد ألوانه وتياراته التي خلقت مساحات واسعة من العنف والتخلّف ادت إلى أزمة في الوعي والمعرفة لا تقل هي الاخرى خطورة على الحرية والحياة!.

وعن هذه الازمة راحَ حزبون في مقاله «فشل الاسلام السياسي» ينتظر البديل المنشور في ديسمبر 2013 في موقع الحوار المتمدن الالكتروني يغوص وراء دور الاسلام السياسي في العالم العربي الذي يُعد خطراً حقيقياً وتحدياً لا يقلل من شأنه، من هنا يقول: واضح ان الدين تم استخدامه لضرب القوى المستنيرة في العالم العربي وقمع كل محاولات الفكر الديمقراطي من النجاح، حيث بات ملموساً الحراك الديمقراطي في الوطن العربي الرافض لأنظمة الحكم القائمة والدعوة إلى (حكم رشيد) على طريق التحول الديمقراطي، وكان لابد لقوى الردة والظلاميين المتحالفين مصلحياً مع امريكا ونهجها من التحرك لإجهاض هذا الحراك، وفي غياب القيادة الثورية او الحزب القائد كانت الجماهير لا تنتظر وكانت ايضاً الاطراف الاخرى التي تراقب وتدرس لا تملك ترف الانتظار، وفي الحالتين فالانفجار جاهز والبديل جاهز وهو الاسلام السياسي، هذا المشهد مثلما يوضحه حزبون اختلف فيه الكثيرون من ربيع اطلقته صحافة امريكا إلى ثورة اطلقها المنظرون العرب الذين لم يتمكنوا من فهم المتغير وتشتتوا منذ (البيروسترويكا) إلى خريف بائس اراده الاسلام السياسي والذي اوصل الامور إلى ما وصل بها إلى مأزق لم يعد السيطرة عليه فاتجه إلى اسلوبه التاريخي المعتمد (الارهاب والعنف)، هكذا فهم النقابي اليساري حزبون المتغير وعلاقته الجدلية بالتناقض الذي فسّره وفق رؤيته الماركسية ونهجه العلمي في تحليله لوحدة صراع الاضداد والواقع الراهن على الصعيد العربي والدولي وأن هذا التحليل الذي شخّص الواقع الراهن انطلق من القاعدة الاساسية والتي يراها «يتغير العالم باستمرار كما تتغير مياه النهر فالحياة هي الحركة ولاشيء ساكن بالكون، وكما تتغير الحياة بفصولها وتتجدد بحركتها، فان المجتمع يتغير والمعصيات الموضوعية تتغير ولا يستقر الا الموت وخلال هذا التغير المستمر والذي جوهره التناقض فإن واقع الطبقات الاجتماعية تتبدل والمصالح تتغير، والاحتياجات تتطور والذي يجري في الطبيعة والمجتمع بالضرورة فهو يجري في العلاقات بين الدول وتتبدل المصالح وتتغير الاحتياجات والتحالفات فان كان التناقض هو جوهر الوجود، فان التناقض حالة مستمرة قد تفسرها لحظات لم تكن مقدرة ولكنها نتجت بالتراكم لتظهر حالة جديدة قد يبدو ظاهرياً ان لها ارتباط بما كان او ما هو مطلوب».

وعلى هذا الاساس تقاربت المصالح الامريكية وارتبطت في الوقت الراهن بمصالح الاسلام السياسي اخوانياً كان او خمينياً وأن هذا الارتباط وإن كان ظاهره يتحدث عن الحرية والديمقراطية فإن الهدف منه إقصاء الرأي الآخر وتقليص مساحة الحرية والتعددية وقيام السلطة الدينية!.

حزبون الذي عرف المعتقلات والاقامة الجبرية من قبل سلطة الاحتلال تبوأ مكانة عالية في اوساط الماركسيين واليسار والشيوعين كان في نظرهم: رقماً صعباً.. كان احد اعمدة العمل الوطني ليس في بيت لحم فحسب بل في الوطن المحتل.. هو عامل البلاط الذي فاز فوزاً ساحقاً في الانتخابات البلدية في 1976.. كان شخصية وطنية برز بنشاطه واحترامه بين اعضاء حزبه.. كان شيوعياً ليس من اصحاب الجملة الثورية، ولا من الجماعات المغامرة التي استهواها خندق الطائفية والمذهبية وهتفت بحياة ولي الفقيه ومرشد الجماعة، ولا من اولئك الذين صفقوا للانظمة الطاغية!، بل كان مدركاً لحقيقة الاقطاع الديني وجوهر الصراع الاجتماعي والطبقي.. مات النقابي والسياسي حزبون.. لكن فكره لم يمت.. سيظل نهراً متدفقاً بالحياة ترتوي منه كل الاجيال.. التعازي لابنته وأسرته الكريمة ورفاق الدرب.